في نحت المصطلح وتحرير المعنى

عادل سمارة

  • النسذكورية
  • احتلال المصطلح
  • تطوير اللاتكافؤ
  • خط الفقر المعرفي
  • التنمية بالحماية الشعبية

 

تناقش هذه السلسلة مفاهيم ومصطلحات، وضعتُها واستخدمتُها على فترات متفاوتة، ولا ازعم أنها ثوابتاً لا لديَّ شخصياً ولا لدى الزمن. ولكنها محاولات لإعطاء معنى لأحداث وموضوعات وحتى لمفردات تتطلب ذلك. ليس هذا نحت لغة أخرى مثلاً كما زعمت النسويات الراديكاليات بخلق لغة ضد ذكورية فاصطدمن بحائط أدى إلى الصلع الفكري، ولا كما يزعم من يتهربون من الفكر الشيوعي بتهمة أنه –اوروبي- فيرفضون أدواته في التحليل ويحاولون خلق أدوات أو لغة أخرى، نحن بانتظار إنتاجهم!

اللغة نتاج البشرية، والعبرة في تحميل المعنى وتحرير الأدوات. هذه محاولة لتحرير المعنى من أجل تحرر الإنسان، هي إعلان انفلات اللغة وتحررها من قيود فُرضت عليها سواء من مفكرين/ات أو مؤسسات، اي خروجاً على التعليب. وعليه، فهذه المعاني مفتوحة سواء على تطورها/ تطويرها من الكاتب او اي قارىء.

 

“كنعان”

* * *

 

17-النسذكورية: رغم اعتماد الوجود على وجود الذكر والأنثى كلاهما كضرورة، إلا أن المغالبة بينهما والتي تبلورت مع خروج قطار التاريخ عن مساره الطبيعي متورطاً في الملكية الخاصة، بدأت المغالبة حينها ولم تتوقف بعد. وتناقض الذكورة والأنوثة ليس تناقضاً في النوع لأن النوع الإنساني واحداً إلا أنه صراع بين الجنسين، وهو صراع يكتنف الطبقة ويتركز فيها. فالنظام الراسمالي تحديداً هو نظام ذكوري راسمالي وبطريركي، وثلاثة مقوماته هذه ضد المرأة. نقطة النقاش هنا هي أين موقع او تصنيف المراة التي تندرج في هذه السلطة الذكورية: مثلاً منصب وزاري. هل هي مناضلة نسائية او نسوية أم هي جزء واداة من سلطة الذكر. هي إمراة انتقلت لتكون جزءاً طبقياص من سلطة الرجل أي انها ليست مناضلة لحقوق المرأة في التحرر. فهي بمنصبها هذا إنما تطبق قوانين السلطة الذكورية الحاكمة لأنها جزء من السلطة السياسية. من هنا وجدنا التسمية المندمجة أي النسذكورية تسمية مناسبة. هي نساء في خدمة الذكور وبالطبع على اساس طبقي لطبقة من الجنسين، ولكنها غالباً ذكورية من حيث القوة والقرار ونص القانون والثقافة.هل يمكن لأحد ان يعتبر كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون وقبلهما مارغريت تاتشر شيئاً ما غير نسذكورية؟ هل دورهن السياسي في خدمة الرأسمالية في الولايات المتحدة وبريطانيا التي تغتصب امماً باكملها وخاصة النساء هو دور نسوي! وهذا الوصف لا ينسحب على النساء اللائي يناضلن في القطاعات المجتمعية الطبقية مثلا الترشح للبرلمان كنساء إلا بمقدار عدم وقوفهن في البرلمان ضد النظام الذكوري.

 

18- احتلال المصطلح

يعود نحت هذا المصطلح إلى التطورات السياسية العالمية التي تضمنت تفكك دول الاشتراكية المحققة وهيمنة المركز الراسمالي العالمي اي حقبة العولمة حيث بدأ الزعم بنهاية التاريخ وخلود الراسمالية. في هذه المرحلة جرى نهب المصطلحات الاشتراكية من قبل الثورة المضادة حيث اخذ المصرف الدولي مثلا يستخدم مصطلحات مثل التنمية والتنمية المستدامة ليعطيها معانٍ لا تمت إلى معناها الأصلي بصلة. هذا الاحتلال هو جزء من الحرب الفكرية بين الاشتراكية والراسمالية او من الصراع الإيديولوجي.

تكمن خطورة اغتصاب المصطلح في تأثيرها على الثقافة التقدمية والاشتراكية مما يخلق حالة من ميوعة المصطلحات الاشتراكية وإفراغها من محتواها الطبقي ومن ثم الإنساني وهذا من العوامل التي تقود إلى دعم أُحادية الثقافة الغربية الراسمالية على حساب الاشتراكية بل على حساب مختلف الثقافات او التعدد الثقافي العالمي.

ليس احتلال المصطلح بالأمر الطبيعي والساذج، بل هو موجه ومقصود. فتسمية العالم العربي مقصود بها نفي تسمية وحقيقة وجود وطن عربي، أي أنها تسمية مقصود بها إنكار وجود أمة عربية. وتسمية الضفة والقطاع كأجزاء من فلسطين باسم فلسطين بعد اتفاق أوسلو هو نفي لوجود فلسطين التاريخية وإقرار بان المحتل 1948 هو إسرائيل. لقد دأب الاستعمار قديمه وحديثه على تسمية خبيثة هي الشرق الوسط، وهي تسمية عسكرية مقصود بها عدم اعتبار الوطن العربي وحدة جغرافية واحدة فدأب الاستعمار على توزيعه في تسمية فضفاضة هي “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

 

19- تطوير اللاتكافؤ

مقصود بهذا المصطلح السياسات السلبية التي تقوم بها الأنظمة القُطرية العربية بحيث يزداد التفاوت في التطور بين كل قطر عربي والاخر مما يقلل الضغط والحاجة والمصلحة للوحدة العربية على اعتبار ان احد اهم دوافع الوحدة هي الضرورة والمصلحة الاقتصادية. تطوير اللاتكافؤ مقصود به تقليل المشترك العربي، نفي المشترك العربي، وتعزيز غير المشترك. وهذا المصطلح يرتبط بمصطلح القومية الحاكمة التي تعني بوضوح قيام الراسمالية الكمبرادورية بتقليص المشترك القومي سواء المشترك المصلحي الاقتصادي أو الثقافي كي تتلافى أي ضغط شعبي (بحكم ضرورة توحيد السوق او بحكم الثقافة أو اية عوامل ومكونات قومية أخرى) من اجل الوحدة[4].

 

20-خط الفقر المعرفي

ومقصود به وجوب بلورة حملة ثقافية سياسية لاجتثاث فقر الوعي السياسي او التجريف لا سيما في لحظة هيمنة الإعلام المخصص لتجهيل الناس سياسياً وتضليلهم وطنيا وقوميا وطبقياً. المقصود شكلا من اشكال تعليم المضطهددين أي The pedagogy of the Oppressed كما طرح باولو فريري.

ليس المقصود هنا بخط الفقر المعرفي نفس الشعار الشكلي والخيري الذي يردده المصرف الدولي تحت تسمية خط الفقر واجتثاث الفقر. بل ما نقصده وجود حركة اجتماعية سياسية ثورية تعمل على التوعية الشعبية تبدأ من الحد الأدنى اي خط الفقر المعرفي لترفعه إلى وعي شعبي سياسي وجماهيري. وربما يجوز لنا القول إن إصرار انطونيو غرامشي على ضرورة دور للحزب لتثقيف الجماهير بدل الاعتقاد ان الطبقة العاملة تعي لوحدها، هو قول صحيح ولأن دور الحزب الثوري اساسي في تجاوز تجويف الوعي ولعل العبرة في ما حصل في مصر وتونس حيث قاد تجويف الوعي إلى سرقة نتائج الحراك الشعبي لصالح الثورة المضادة. إن الحد الأدنى لتجاوز تجويف الوعي هو البدء بالوصول بالجمهور إلى درجة نسميها كحد ادنى خط الفقر المعرفي كي نتجه منها عاليا.

 

21- التنمية بالحماية الشعبية

هو موديل او برادايم تنموي مستوحى من النشاط الاقتصادي المجتمعي الفلسطيني في فترة الانتفاضة الأولى 1987 بما هو مقاومة لاقتصاد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. هو موديل بدأ بمقاطعة اقتصاد الاحتلال على مستويَيْ العمل والاستهلاك، وهذا بدأه العمال الفلسطينيون الذين كانوا يعملون في اقتصاد العدو، وهي مقاطعة اتسعت لتشمل معظم المجتمع باستثناء البرجوازية الطفيلية والكمبرادورية والتي تعيش على وكالة استيراد السلع الجنبية وتؤمن بالاستهلاك المظهري.

وقد تلا خطوة المقاطعة العمالية تطور قناعة شعبية بالمقاطعة وعدم استهلاك منتجات العدو حيث تركزت ثقافة الاستهلاك الواعي او الوعي بالاستهلاك. وهذا ولد بالطبع توجهات استثمارية محلية في الزراعة والصناعة والتصنيع الزراعي في حالة من التضافر الشعبي لإنتاج ما يمكن إنتاجة للاستغناء عن منتجات الاحتلال وهو ما نسميه إعادة تشكيل البنية الإنتاجية. وهذا البرادايم يقود إلى توسيع السوق المحلية والاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الفائض في البلد مما يجعل نسبة عالية منه تحت تصرف الاستثمار.

اتضح ان هذه البرادايم الشعبي عملي وفعال ولكنه وصل في فترة معينة إلى ضرورة تبني قيادة منظمة التحرير لهذا البرادايم بمعنى توفير قروض للزراعة والصناعة بشكل مسهل كي يتم الاستثمار في ما يؤدي إلى تشغيل قوة العمل وإنتاج الأساسيات. لكن هذه القيادة كانت منشغلة في استحلاب “استقلال سياسي” من الانتفاضة وهو ما تجلى لاحقاً 1993 باتفاق أوسلو.