العميد الدكتور امين محمد حطيط
اعتبرت جبهة العدوان على سورية ان معركة حلب ستكون معركة الحسم والفصل الاخير، وانشغل غلاتهم في توزيع المناصب والمكاسب، باعتبار ان المعركة حسمت لصالحهم وبانهم باتوا على ابواب سلطة آلت اليهم، اما الحذرين منهم – رغم قلتهم – فقد قطعوا بان المعركة باتت راجحة لصالحهم وان عليهم متابعتها مع النظر الى ما بعدها تحضيراً لمستقبل سورية و هي في يدهم. ومن هنا جاءت دعوات الغرب وبلسان فرنسي (اللسان الفرنسي يستعمل بيد اميركا لجس النبض عادة) دعوات لتشكيل الحكومة الانتقالية لسورية مع وعد بالاعتراف بها لتكون السلطة البديلة للسلطة المقاومة والتي تسببت مع المحور الذي هي واسطة العقد فيه تسببت بتلك الكوارث الاستراتيجية التي لحقت بالغرب وليس اقلها فشل النظام العالمي الاحادي القطبية.
وبعد شهرين على انطلاقتها، حسمت “معركة حلب” لصالح الدولة والشعب والسوري بطريقة منعت العدوان قيادة وجسماً تنفيذياً وادواةً من تحقيق شيئ من الاهداف، الا ما تسببوا به من تدمير ونهب وسرقة في المدينة شاركت فيها تركيا بشكل معمق، يحدوها في ذلك حقد على الموقع الاقتصادي والتجاري الحلبي المنافس لا بل المتقدم في المنطقة حتى وعلى الاتراك انفسهم.
وكانت خسارة المعتدين ل “حرب حلب” كما اسموها، او “معركة الفصل” كما وصفها اخرون، خسارة مدوية، ترافقت ايضا مع انجازات ميدانية حققها الجيش العربي السوري في اكثر من ساحة وميدان خاصة في منطقة حمص وريفها وتمددا الى القصير حيث تكبد المسلحون الخسائر الفادحة التي لا تقتصر على القتلى منهم بل وتشمل ايضا خروجهم من المعركة وفرارهم باتجاه لبنان او القائهم السلاح.
في ظل هذا الواقع المرير بالنسبة لجبهة العدوان الذي انحسر وجود الارهابيين فيه الى اقل من 9% من المناطق المأهولة في سورية و 4 % من كامل المساحة السورية، وضعت قيادة العدوان ووكلاؤها امام تحدي ضخم، حيث فرض عليهم الاختيار بين الاستسلام للهزيمة او المناورة لكسب الوقت من اجل تنفيذ هجوم مضاد يحقق او يستلحق ما فات، ويبدو ان الحسابات الشخصية والداخلية لكل فريق من فرقاء جبهة العدوان املت عليه تصرفاً يناسب مصالحه، وجاءت تصرفات الجميع منظورا اليها بشكل اجمالي وكانها تشكل بنية لتحضير هجوم مضاد على سورية لاجهاض انجازاتها، لكن دراسة تفصيلية لكل سلوك على حدا مقرونة بمواقف الاخرين تؤدي الى نتيجة مختلفة واستخلاص ما يلي:
1. نبدأ مع بان كي مون – امين عام الامم المتحدة – الذي طلب من الحكومة السورية ان تعلن وقف اطلاق نار من جانب واحد، وهو طلب فيه الكثير من العيوب وعدم الواقعية التي لن نغوص في تفاصيلها ونكتفي بالتذكير بالمناورات الاحتيالية التي قامت بها الجامعة التي كانت عربية في ارسال مراقبين من اجل غل يد سورية وتمكين الارهابيين من التسلح والتمدد للسيطرة على المناطق السورية، او بعدها ارسال المراقبين الدوليين من اجل تهيئة البيئة لتدخل عسكري اجنبي في سورية، ولما فشلت المناورات المخادعة سحب المراقبون، ويأتي الان بان كي مون العامل من اجل المصالح الاميركية ليطلب من السوريين : “غلوا ايدكم حتى يقتلكم الارهابيون”، وهو طبعا ً طلب يثير الضحك لكنه يؤشر الى امر بالغ الاهمية اذ فيه اعتراف بهزيمة الارهابيين، واقرار بان الدولة السورية هي الممسكة فعلياً بالوضع رغم ما فيه من بعض الثغرات تشكلها حركات تمرد وارهاب.
2. اما عن الهجوم على حزب الله واتهامه بالانخراط في اتون النار التي نشرتها اميركا وترجتمها عملاً ارهابيا تدميريا في سورية، فاننا نذكر بان الجميع يعلم بان الحزب رفض كل اقتتال في سورية وهو ضد اعمال العنف و يرفض اي قتال الا قتال اسرائيل المغتصبة ويعتبر بان اي قتال اخر هو هدر للطاقات و بالتالي وانطلاقا من مصداقيته التي تؤكدها سلوكياته، نجد ان الاتهام لا يرتكز على اسس عقلانية للاخذ به و فضلا عن ذلك ولو فرضنا ان الحزب كما يقولون يشارك ب 1500 مقاتل فان هناك امران ينسفان الفرضية : الاول منطقي ويتمحور حول السؤال عن مدى تأثير هذا العدد في ميدان يعمل فيه 100 الف مسلح وارهابي وتكفيري، والتاني ميداني ويتعلق باستراتيجية الحزب واستعداده لمواجهة قادمة مع اسرلئيل، ولهذا نرى ان الاتهام لا ينطلي ولا يمر على عاقل. (لو كان الفرض صحيحا وفي الاحوال السورية وشدة درجات القتال فيها لكان وجب ان يسقط من العدد على الاقل 200 قتيل وهذا امر لم يحصل طبعا). لكن لماذا جاء هذا الاتهام الان بالذات. والجواب لا يتعدى امرين: الاول متعلق بهزيمة الارهابيين في القصير حمص وحاجتهم لتبرير الهزيمة و منع نسبة الانجاز الى الجيش العربي السوري، والثاني المساهمة في الهجمة الغربية على حزب الله خاصة بعد نجاحاته في تعطيل خطة الفتنة في لبنان، والامر طبعا لم يقتصر في هذه المسألة على هذا الاتهام فقط بل هناك تخرصات وتلفيقات برع الاعلام التحريضي التزويري في حبكها. ولكن نستفيد من كل ذلك لنقول ان اخفاقهم في سورية جعلهم يرتبكون ويطلقون النار العشوائية بقبضة لا تتحكم بها قدرات عقلية متوازنة ولهذا يطلقون الافتراءات على حزب الله الذي يؤرقهم.
3. ونأتي الى الاعلان عن ” انتشار اميركي في الاردن” ورغم النفي الاردني، يأتي التأكيد الاميركي الواضح حتى دون مراعاة للاردنيين. وهنا يجب بداية وضع الامور في نصابها ونقول ان “قوة ال 150 عسكري اميركي” ليست بجديدة على الساحة الاردنية، فالاردن مرتبط مع اميركا باتفاقيات عسكرية تتيح مثل هذا الانتشار تحت تسميات شتى، وعلى الدوام كان العسكريون الاميركيون خاصة في معسكرات التدريب المتعددة الاهداف، يتجاوزون بعددهم احيانا هذا الرقم. وهذه المجموعة العسكرية بالذات شاركت في “مناورات الاسد المتأهب” التي كان من اهدافها التعامل مع الوضع السوري والتدخل فيه وفقاً لما يتيحه الظرف، ولما فشلت خطط التدخل العسكري، انتقل الاهتمام الى مقولة الاسلحة الكيماوية، ولما لم تلق صدى مهما، جاء هذا الاعلان الملتبس الذي يهدف اصحابه الى رفع معنويات الارهابيين والقول بان اميركا تتحضر لشيء ما انطلاقا من الارن لدعمهم، ونحن نرى في الاعلان الاميركي عملاً دعائيا اعلاميا في اطار حرب نفسية ضد سورية، وخدمة للحملة الانتخابية لاوباما للرد على روميني الذي ادعى بان اوباما قصر في سورية. وبالتالي فاننا لا نرى تغييرا يذكر في مسار الاحداث من هذا الباب، بل تأكيد غير مباشر على انجازات سورية في حربها على الارهاب التكفيري التدميري الذي يستهدفها، ولا علاقة للامر مطلقاً بما يمكن قوله من تحضير لحرب على سورية انطلاقاً من الاردن، فالامر بات وراء الظهر.
4. اما تفتيش الطائرة السورية بعد اعتراض تركيا لها، والمترافق مع القصف التركي المتقطع عبر الحدود والمدعوم بالتهديدات التركية الاخيرة بتصعيد مستوى الرد، فاننا ومع التأكيد على ما كنا قلناه سابقاً حول السقف الذي لا تستطيع تركيا تجاوزه في سلوكها، فاننا نرى بان شعور تركيا بالعزلة وغل اليدين جعل اردغانها الخائب يتخبط على غير هدى، ويقدم على القرصنة ضد طائرة رخص لها بعبور اجوائه، فينتهك القانون الدولي ويكون عليه تلقي النتائج وهي خسائر بدون شك. وصحيح ان سورية لن ترد و تشن حربا على تركيا من اجل ذلك، لكن الصحيح ايضاً ان سورية وحلفاؤها قادرون على الرد بما يؤلم تركيا وهاهي طلائع الرد بدأت بوقف استجرار سورية للكهرباء من تركيا ثم الرد الروسي القاسي بالغاء زيارة بوتين لتركيا والنتيجة ستكون خسارة تركية اضافية، وتكون تركيا المرتبكة تسببت لنفسها بها دون مبر الا حقد ساستها، ولا يمكن ان يشكل سلوكها في اي حال مؤشرا الى مواجهة عسكرية وحرب واقعة، بعد ان ادرك الجمع بان هذه الحرب ممنوعة.
وفي الخلاصة نرى ان جبهة العدوان على سورية وبعد الاخفاقات الكبيرة التي لحقت بها، اتجهت الى رفع االمعنويات لامتصاص الهزائم، وجاءت بسلوكيات قد توحي للوهلة الاولى بانها شمرت عن السواعد واعدت او هي بصدد الاعداد للهجوم المضاد الكاسح ضد سورية، لكن الحقيقة كما نراها لا تتعدى محاولات يائسة لمنع الانهيار المعنوي للارهابيين، وحفظ ماء الوجه تحديدا للخسائر، انه صراخ المهزوم وعويله وتخبطه واقراره الضمني بالنجاح السوري ونجاح من هم في المحور والجبهة مع سورية، في مواجهة هذا العدوان.
::::
جريدة البناء بتاريخ 12102012