عبداللطيف مهنا
إثر كل عدوانٍ يشنه الصهاينة على قطاع غزة، والرد المتاح والمفترض عليه من قبل المقاومة، كهذا العدوان الأخير الذي بدأ قبل أيام، يقفز إلى الإستخدام الإعلامي مصطلح يظل أثيراً لدى البعض في كل حالةٍ مشابهةٍ، إذ سرعان مايتم إستلاله والبدء في الحديث عنه، أو عن ما يدعى “قواعد الإشتباك” واحتمالات تغييرٍ ما قد يطرأ عليها من عدمه. هذا المصطلح، كان واقعا ووفق السائد وفي ظل موازين القوى الراهنة، يعنى بالنسبة للعدو الصهيوني فرض ما يعرف ب”التهدئة”، إما عدم التغيير فمواصلة إلتزام الجانب الفلسطيني بها، او ما يعني عملياً الكف عن مواصلة عمليات المقاومة ضد الإحتلال من قبل فصائل المقاومة في القطاع. حتى الآن تقتضي المعادلة القائمة، أو ما يفضل الصهاينة تسميته عادةً ب”قواعد اللعبة”، المسارعة الى شن العدوان على غزة بغية معاقبتها إثر كل ما يعدونه خرقاً مقاوماً منها لهذه “التهدئة”، أو حين يرون هم أن الوقت قد حان لخرقها من جانبهم، ذلك لاستخدامٍ ما منهم في مماحكاتهم الداخلية، أو لأي هدفٍ تصعيديٍ يخدم سياساتهم. أما بالنسبة للجانب الفلسطيني المقاوم في غزة المحاصرة، صهيونياً، وكونياً، وعربياً، وهنا حديث يطول لاتحتمله مثل هذه العجالة، فإن هذه القواعد، وأيضا وفق السائد المتبع عملياً، تعني في أقله ممارسة الحد الأدنى، أو المتاح، من وجوب الرد على العدوان وعدم السكوت عليه.
إذن، حتى الآن، مالدينا هو “قواعد إشتباك” سائدةٍ وفق المنظور الصهيوني الذي تم فرضه، والعدو وحده من يحدد آوان خرقها من عدمه، ومتى يريد ووفق مصلحته وما تقتضيه استهدافاته، مع ملاحظة أن ما سهَّل عليه هذا واسهم في فرضه هي جملة من ظروفٍ تمر بها الساحة الوطنية الفلسطينية في ظل التداعيات الأوسلوية الكارثية المعروفة، ثم هذا الحصار المديد الرهيب والمسكوت عليه دولياً وعربياً وقبلهما وبعدهما أوسلوياً… بمعنى أن هذه القواعد التي التي فرضها العدو، وبحكم موازين القوة معه، وفي ظل الظروف التي يعيشها القطاع، لم تتغير، وإن تغيرت واقعاً ونوعياً قدرات المقاومة، والصاروخية تحديداً، الى الأفضل، وأسهمت قسوة الحصار وضرورات التكيف معه في تطوير الإبتكارات الشعبية لسبل ووسائل التغلب على تداعياته المريرة، وبالتالي تعزيز الصمود النضالي وروح المواجهة لدى المحاصرين شعباً ومقاومةً. وهي لن تتغير إلا إذا لم تعد خاضعةً للمفهوم الصهيوني للتهدئة واستخداماته لها، بحيث تغدو المقاومة فعلاً يومياً ضد الإحتلال لارد فعلٍ آنيٍ على عدوانه، الآمر الذي يستوجب ظروفاً من الصعب أن تتوفر راهناً في ظل الحصار المتعدد الأطراف الذي مررنا على ذكره. وعدم تغيير الواقع الفلسطيني الراهن الذي هو من واقع أمة بكاملها وامتداد موضوعي له.
قد يكون، ومن أسفٍ، إفراطاً في التفاؤل لايقرأ صاحبه بموضوعية واقعاً عربيا ً بالغ الردائة الآن والى أجلٍ غير منظورٍ، أن ينتظر فلسطينيو غزة من أمتهم الحد الأدنى من واجبها القومي تجاههم وحقهم المستوجب عليها، الذي هو في قليله دعم صمودهم مادياً ومعنوياً وتسليحياً، لكن من متواضع ما يحق لهم المطالبة به عاجلاً وليس آجلاً رفع الشق العربي الشائن من الحصار المباشر وغير المباشر المضروب عليهم، وهم إذ لايطالبون أحداً من العرب في هكذا مرحلة بشن حربٍ على العدو فأقله عدم السكوت على عدوانه عليهم، وهذا ما يفتقده القطاع الصامد ويسهم أيما إسهامٍ في تثبيت لعبة “قواعد الإشتباك” وفق النظور الإسرائيلي الذي بيَّناه، و التي يسارع من يسارع للحديث عنها بعيد كل عدوان على القطاع المحاصر والرد المقاوم عليه.
لقد كان من المبشِّر الذي توقف الكثيرون أمامه في هذه المرة هذا التنسيق الميداني المعلن لعمليات الرد الصاروخي على العدوان بين حركتي حماس والجهاد، الأمر الذي ذكَّر بمطلبٍ نضاليٍ ملِّحٍ في الساحة الوطنية المقاومة طال تجاهله وهو ضرورة تشكيل قيادة عمليات واحدة مشتركة لكافة الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة في قطاع غزة تقود الفعل اليومي المقاوم، قراراً وتخطيطاً وتنفيذاً، الأمر الذي من شأنه تطويرالأداء النضالي المقاوم كماً ونوعاً، والمساعدة على ضبط إيقاعه وفق توجه وطني مقاوم واحد في سياق استراتيجية كفاحية مفترضة لحركة تحرر وطني… حينها فحسب، بالإضافة إلى رفع الشق العربي من الحصار وانتفاء السكوت المشين على العدوان، يمكن الحديث عن الشروع في محاولة تغيير جادة لقواعد الإشتباك الراهنة مع العدو وفق معايير مقاومة إحتلال وليس ما يفرضه هذا الإحتلال على مقاومته.