الصراع الطبقي، الثورة المضادة


من فنزويلا إلى الصين وسوريا

عادل سمارة

ابتهج الكثير من التقدميين والاشتراكيين في العالم إثر فوز هوجو شافيز البوليفاري على خصمه مرشح الثورة المضادة في الانتخابات لرئاسة فنزويللا لست سنوات قادمة. ويعني فوز شافيز أن الثورة قد حققت انتصاراً في بقعة من العالم مقابل هزيمتها في الحراك العربي سواء باختطاف قوى الدين السياسي لنتائج الحراك واستثمار ذلك في انتخابات اعطت هذه القوى “شرعية” صندوق الاقتراع، أو تحول سوريا إلى ساحة الصراع بين الإرهاب الرسمي الدولي ممثلاً في الثورة المضادة (الغرب الراسمالي والأنظمة العربية وخاصة الريعية والصهيونية) وبين الوطنية السورية ممثلة باكثرية الشعب السوري عربا وغير عرب وقوى الممانعة الأخرى والقطبيات الصاعدة. هذا دون أن ندخل في تفاصيل كل طرف وانقسام قواه وتياراته بين الثورة المضادة وبين قوى المقاومة والممانعة والقطبيات الصاعدة.

إن انتصار قوى الثورة في فنزويلا يسمح بالتوقع بأن الإرهاصات التي حصلت في أكثر من قطر عربي، وهُزمت مؤقتاً يمكنها استعادة زمام الأمور إذا ما اتعظت من صدمة الخسارة المباشرة طالما ان الصراع مفتوح. وبالمقابل، إذا كان الحراك العربي قد أُختطف سريعا من الثورة المضادة، وربما لافتقاره إلى كل من القوى الثورية المنظمة والرؤية، فإن فوز شافيز لا يعبر عن أن الثورة قد حسمت الأمور هناك رغم الفوز في صندوق الانتخابات.

هناك أمران إضافيان يعطيان زخما ومعنى خاصاً لانتصار شافيز ويستحثان حذرا بالمقابل:

  • فرغم الدور المخابراتي وخاصة من الولايات المتحدة لاختراق المجتمع الفنزويلي ورغم تدفق الأموال لشراء الذمم من دول الريع في الخليج وخاصة السعودية وقطر، فقد تمكن شافيز من الفوز.
  • ولكن هذا الفوز ليس كما يُتوقع لأن الفارق بينه وبين مرشح اليمين اللبرالي المعولم هو أصغر مما نتمنى مما يعني ان للثورة المضادة جمهورها مما يجعل الخوف من الردة في محلة. هذا بغض النظر عن كيفية وآليات تجنيد وتحشيد هذا الجمهور وخاصة الأموال المصبوبة لتجنيده وشطب وعيه.

لسنا هنا في معرض مسابقة البوليفاريين على فهم واقعهم، فنحن نذكر أن شافيز وكاسترو وقفا مع ليبيا وسوريا منذ بداية الأحداث هناك لأن نضالهم المر ضد راس المال والإمبريالية قد صقل رؤاهما وتحليلهما. ولكننا نود فقط التذكير بأنه طالما راس المال قوي بل حتى موجود فاحتمال أن يضرب قائم في كل لحظة ويوم. فهو لم يفقد لا قواه الاجتماعية ولا قواه السياسية ولا بنادقه وهراواته. وهو لا شك موجود داخل فنزويللا.

تجربة الصين نموذجاً:

إن تواصل الصراع الطبقي في الصين الشعبية على مدار قرن ممتد حتى اليوم يشكل حالة نموذجية على الصراع الطبقي بين قوى الثورة والثورة المضادة، وهو الصراع الذي سيكون لنتائجه هذه الأيام معنى كبيراً بما هو بين القوى الطبقية التي تصر على استعادة الاشتراكية مركزة على ما لم تتم تصفيته من مواقعها، وبين قوى الثورة المضادة التي تشد باتجاه استمرار وسيطرة الطريق الراسمالي مرتكزة إلى حد كبير على قوى المركز الإمبريالي. ونتيجة هذا الصراع تأثير فعلي على الصراع في الوطن العربي وخاصة في سوريا وعلى الصراع والقطبيات العالمية.

ربما من اهم رؤى ماوتسي تونغ ما كتبه بعد انتصار الثورة الاشتراكية في الصين عن من أسماهم “اصحاب الطريق الراسمالي” بأنهم يؤسسون لاستعادة الرأسمالية إلى الصين مشيراً إلى أن الصراع الطبقي لا ينتهي بوصول الحزب الشيوعي إلى السلطة والبدء بتطبيق النظام الاشتراكي والعمل على تحويل التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الراسمالية إلى اشتراكية، والشغل على تجاوز قانون القيمة…الخ.

فقد جادل بأن المجتمع في حقبة الاشتراكية لا يزال يحوي في داخله قوى الردة إلى الرأسمالية والتي كان يمثلها آنذاك أي في ستينات وسبعينات القرن العشرين دينغ هيساو بينغ منذ 1961، حيث كتب بينغ: ” لا يهم إن كانت القطة سوداء أو بيضاء، فهي جيدة طالما تصيد الفئران”. لقد عبر ماو عن مخاوفه أكثر عام 1964 وفي عام 1966 أطلق الثورة الثقافية يوم 5 آب 1966 وبعدها بثلاثة ايام تم استهداف تيار بينغ ومن نتائجه إنزواء بينغ نفسه.

وبالطبع، جرى تجنيد الإعلام البرجوازي على صعيد عالمي وحتى اليوم ضد الثورة الثقافية واتهموها بالعنف والدم والفوضى…الخ. لكن تيار الطريق الرأسمالي بقي واستعاد قوته بعد رحيل ماو ولاحقاً، أدخل الصين في الطريق الراسمالي.

ومع ذلك، لم يتوقف الصراع الطبقي في الصين الشعبية رغم ما يبدو ظاهريا أن الراسمالية قد حسمت الأمور هناك.

فمنذ ربيع عام 2012 يدور صراع شبه علني ضمن النخبة في الصين تجلى في عزل بو إكسيلاي رئيس الحزب الشيوعي في تشونج كوينج، وعضو المكتب السياسي بما في ذلك تصفية نموذجه التنموي المسمى تشونج كوينج، ومع ذلك بقي هناك تململ داخل الحزب مما يجعل هذه السنة حاسمة.[1]

ولعل محور الصراع هو بين تيار اليمين اللبرالي الراسمالي المتبني لموديل مقود بالتركيز على زيادة الإنتاج الأهلي الإجمالي والتوجه للتصدير، مقابل التيار الداعي للازدهار للجميع مؤكداً على توسيع القطاع العام والرفاه الاجتماعي، والتنمية المتساوية ومصالح الناس العاديين مع بقاء دور الحزب والدولة.

لقد ركز هذا التيار على استثمارات لشركة الدولة وليس الخاصة. ففي تشونة ج كوينج تمت إعادة تنشيط 1160 مشروع تملكها الدولة منذ فترة ماو فأعيدت هيكلتها وتم تحويلها إلى أعمال ناجحة. لذا تنامت الموجودات التي تملكها الدولة وبدأ العمل على ردم الفجوة بين الريف والمدينة وتم توطين ثلاثة ملايين وربع ريفي في المدينة مع منحهم حق العمل في المدينة وكذلك التتقاعد ومساكن مستأجرة من القطاع العام وتعليم الأولاد والعناية الصحية.

يحاول هذا الموديل إيجاد طريقة لدولة اقتصاد مختلط يوازن النمو بين صعيدين: عابر للقومية وقطاع خاص محلي.

بدورهم يرى اللبراليون أن التقدم للأمام هو في التعلم من الغرب، وبأن اعتماد الميراث الجيد للحزب الشيوعي الصيني يعتبر “يسروية” تشد إلى الوراء. لذا يتهمون بو بأنه يسعى للسلطة على صعيد قومي، وبأنه شعبوي وفاشي يريد استعادة الثورة الثقافية.وهذه هجمة شارك فيها الغرب بشدة.

إن مؤتمر هذا الخريف وهو الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني منقسم بين قوتين:

  • المثقفون الراديكاليون اللبراليون الذين يريدون تغيير النظام وانهاء نظام الحزب الواحد،
  • مقابل الكثير ممن يطالبون الحزب بالاضطلاع بوعده الثوري والتمسك بدستور الصين الاشتراكي.

لذا تجري هجمة إعلامية هائلة ضد هذا التيار من الصين حتى كندا وخاصة محطة سي بي سي ومن بريطانيا بي بي سي وبالطبع فضائيات الولايات المتحدة.

ولعل ما يبين اهمية وصعوبة صد الهجمة الرأسمالية في الصين ما كتبه عن موديل النمو الموجه للتصدير في الصين، في حقبة الإصلاح ومضامينها المعولمة كل من جون بيلامي فوستر وروبرت ماكشيسني في مقالة في عدد شباط من مونثلي ريفيو 2012،: فإنه بالنسبة ل نيو يورك تايمز، لا يمكن رد التوجه الجاري في الصين سوى انبعاث ماو أو مأساة نووية”.

هل يمكن قراءة هذه العبارة بعيداً عن كلفة وشدة الصراع الطبقي واستعادة الطبقات الشعبية لحقها في التصرف بجهدها وجسدها؟ إن الطبقة الراسمالية ومثقفيها العضويين وخاصة اللبراليين بما هم ماكينة الاستغلال لأجل التراكم هم أعداء المنتجين وأخطر من القنبلة النووية، فالذي يصنع هذه القنبلة هو الإنسان.