نتنياهو و “الخطر الديموغرافي”

 

عبداللطيف مهنا

حل نتنياهو الكنيست. سيذهب مستوطنو الكيان الصهيوني إلى إنتخاباتٍ مبكرةٍ بداية العام الآتي. سيعود نتنياهو إلى السلطة،بعد تعزيزها بأغلبيةٍ نسبيةٍ تكفيه إلى حدٍ ما شر ابتزازات احزاب إإتلافاته اليمينية المتطرفة الصغيرة أو تحد منها. سيمرر نتنياهو موازنته التي عجز عن تمريرها في الكنيست المنحل،أومايقال أنه السبب المباشر المعلن لإقدامه على خطوته هذه. نتنياهو مطمئن إلى فوزه الذي ينشده إطمئنانه إلى تعاظم منسوب التطرف في كيانٍ إستعماري ينحو موضوعياً يميناً أكثر فأكثر وتزداد نسبة التوجهات النيوليبرالية فيه ويتعاظم تأثيرها. كل القراءآت لراهن الساحة السياسية في هذا الكيان تقول بأنه سيكون لنتنياهو ما يريد. إلى هنا،والخطوة،بغض النظر عن دافعها المعلن،تظل واحدةً تنسجم مع طبائع الأمور الجارية في الساحة السياسية في الكيان الصهيوني،والمعبرة عادةً عن أزماته العديدة،والتي ليست من أهمها… الكيان،الذي مهما تغيرت مسميات وعناوين القوى السياسية القادمة والراحلة عن سدة الحكم فيه،تظل ثوابته هى هى باعتبارها الملازمة بالضرورة لطبيعة الإستعمارية وسياساته العدوانية المعهودة المنسجمة مع ذات الإستراتيجية الصهيونية التاريخية التي لم تتبدل،يضاف اليها دوره ووظيفته في سياق المشاريع الإستعمارية الغربية المعادية تاريخياً لنا والتي ما انفكت بلادنا تكابدها.

خطوة نتنياهو شغلت المتابعين فصرفت الأنظار عن جوهر ومدى ما وصل إليه عمق مأزومية كيانه راهناً،ومستجدها بعدان طارئان ينسى الكيان أمامهما كل التفاصيل الصغيرة لأزماته الأخرى ويتصدران قائمة ما يقلقه،بل هما عنده يطرحان مصيره ووجوده قيد البحث،وهو اليوم بكافافة مستوياته النخبوية والعامة،مهموم بهما حد الإلتياث ومهجوس لدرجة الفوبيا. البعد الأول : خارجي يتعلق بتحولين يدوران من حوله يقرائهما باهتمام ويتابعهما بجدية لاتتوفر لسواه،هما : التحول الكوني،الذي من أهم سماته المقلقة للصهاينة تراجع سطوة آحادية القطبية الأميركية وترهلها لصالح صعود مراكز القوى الكونية الفتية وتعددها،وانعكاس ذينك التراجع والصعود تسريعاً لمسار الإنحدار الملازم بالضرورة تاريخياً لصيرورات كل الإمبراطويات باتجاه إندثارٍ محتومٍ بعد بلوغها قمة عظمتها. إنه الأمر عينه الذي بات يلمس أكثر فأكثر في هذا التخبط البادي في السياسة الخارجية الأميركية،لاسيما بعيد انكفاءٍ مدوىٍ في العراق وعلى وقع ورطة أفغانية صعبة النهايات باهظة الأثمان،وكذا الحال في مواجهة الأزمة الإقتصادية المستفحلة بتداعياتها الداخلية القاسية،واستطراداً،الراهن الإقتصادي لأوروبا،الذيل الأميركي و حاضنة المشروع الصهيوني التاريخية،وانسداد أفق معالجاته وإنعكاساته على إتحادها الهش.

والتحوّل الثاني إقليمي وذو شقين،واحدهما صعود القوة الإيرانية القياسي وما يوازيه بالتالي من نفوذ وتأثيريرتكزان إليه،الأمر الذي إستدعى راهن هذه المقارعة الدائرة حول المشروع النووي الإيراني مع الغرب،والمشتدة الإوار حصاراً وعقوبات وبروباغندا في جانبها الغربي والمفعمة بالعناد والتحدي في جانبها الإيراني،والتي من تفاصيلها التي لها مابعدها جولة طائرة “أيوب” اللبنانية المقاومة في فضاء فلسطين المحتلة،بما عنت وأشرت عليه في روزنامة التحولات المقبلة وانعكاساتها على مستقبل الصراع مع الكيان الغاصب،وما سيضيفه مثل هذا الحدث غير المسبوق لمحصلة ثقافة المواجهة واستنفاراً لروح المقاومة. وثانيهما،إندلاع الحراك الشعبي العربي،او مايصرالغربيون على تسميته ب”الربيع العربي”،والذي حاولوا،ومن أول لحظةٍ تلت مفاجأته التونسية،ركوب موجته والعمل على حرفه وتسريع تحوله من حيث النتائج الى خريفٍ في أكثر من موقعٍ،ومع ذلك فهو يظل يشكِّل في جوهره مؤشراً لإرهاصاتٍ واعدةٍ بنهوض أمةٍ وبدايةً مبشِّرة لخروجٍ طال انتظاره لماردها السجين من قمقمه الصدىء،وفي الإجمال،بدايةً مؤكدةٍ لمخاضاتٍ صعبةٍ لكنها لن تكون بحالٍ في نهاية المطاف لصالح جبهة أعدائها داخلاً وخارجاً.

البعد الثاني،خطروجودي يقبع داخل الكيان الغاصب ويتمترس في احشائه المأزومة ويرعبه،بل لعله الأشد إرعاباً له من كل ماتقدم،وهوماعترف به رسمياً قبل أيام ولأول مرة… ماهو؟
أعلنت حكومة نتنياهو الذاهبة للإنتخابات المبكِّرة،عبرما تدعى “دائرة الإحصاء المركزي”،التابعة مباشرةً لرئاسة الوزراء،خسارة المشروع الصهيوني لحربه الديموغرافية متعددة الأوجة ضد الفلسطينيين،والتي هي أساساً ركيزة الركائز في الآستراتيجية الصهيونية منذ أن كانت،والمعبَّر عنها منذ ماقبل النكبة وفيما بعدها إستقداماً للمهاجرين اليهود وأبادات وتهجيرٍ للفلسطينيين :

أن تعداد قاطني فلسطين المحتلة راهناً هو،12مليونا،اليهود من بينهم 5,9،وغيرهم،والمقصود الفلسطينيين،6,1،بمعنى أن اصحاب الأرض الباقين عليها رغم هذه الحرب الضروس ضد جودهم قد باتوا الأغلبية… حكومة نتنياهو الذاهبة للإنتخابات فعلت مابوسعها لتلزيم الغرب نيابةً عنها أو معها مواجهة ماتعده خطراً وجوديأً يتمتمثل في المشروع النووي الإيراني،ترى ماهو حالها فيمابعد هذه الإنتخابات حيال ما تعده سيد الأخطار جميعاً،” الخطر الديموغرافي” الفلسطيني؟!