عادل سمارة
هذه ملاحظات مع، وليست على، مقالة العزيز سميح حمودة ( ملاحظات حول الاختراق الأمريكي والغربي للعقل الفلسطيني، سميح حمّودة[1] – جامعة بيرزيت) المنشورة في السفير اللبنانية وفي موقع بنجوف الإلكتروني في رام الله.
قرأت بكل الجدية الممكنة مقالة الصديق سميح حمودة وما يلي هو إضافات عليها خدمة للقراء (هم/هن) لتوسيع المضمون ومن ثم التعامل وتحديد المواقف.
الاختراق[2]:
الاختراق قديم ضد الأمة العربية بما فيها الفلسطينيين. وهو يعود حقيقة إلى بدايات تكون السوق العالمي وما نتج عنه من نظام اقتصادي راسمالي عالمي. ما اقصده أن الاختراق سابق على الأكاديميا، وبأن الاختراق الأكاديمي هو في خدمة الاختراق المركزي وهو سعي راس المال للاستعمار والاستغلال وصولا إلى التراكم. وكانت بدايات هذا الاختراق منذ الحقبة الميركنتيلية التي ولدت الاستعمار (وخاصة البريطاني ومن ثم الهولندي) كمقدمة للراسمالية المتقدمة سواء عبر الثورة الصناعية وصولا إلى مرحلتي الإمبريالية والعولمة.
بكلمة أخرى، نحن أمام اقتصادات غربية مركزها هو نمط الإنتاج الراسمالي الذي أنتج السلع والسلاح وجعل من السلاح قوة متقدمة لتمهيد مختلف بقاع العالم وخاصة الوطن العربي لترويج السلع وامتصاص المواد الخام والثروة/الفائض وحتى قوة العمل في محيط النظام العالمي. وبالمناسبة، فإن الاسشتراق هو إحدى آليات الاختراق. وضمن رأس المال الغربي هذا فإن راس المال اليهودي ولاحقا بثوبه الصهيوني هو جزء صغير ولكن حليف حقيقي له وشريك واداة له في الوطن العربي.
تطرق حمودة إلى تنظيرات زبجنيو بريجنسكي، وكنت أرغب لو تطرق إلى جانب أكثر التصاقاً بهدف مقالته وهو أن بريجنسكي نفسه هو الذي نصح الإدارة الأميركية منذ عام 1973 إلى التركيز على المثقفين في العالم الثالث لاستقطابهم أي اختراق المثقفين. وهذا ما تجلى حينها، والحرب الباردة على أشدها، تجلى في توليد عددا هائلا من المنظمات غير الحكومية التي هي مثابة آليات اختراق للقوى السياسية اليسارية بشكل خاص وذلك على الصعد السياسية والثقافية والأكاديمية. ولذا، كان بيان ال55 [3] الذي ذكره الكاتب حمودة مزيجاً من المثقفين المخروقين سواء من الأطر الأكاديمية أو اليساريين الذين غادروا ما كانوا يزعمونه، اي الماركسية-اللينينية ليصبحوا مروجين للنيولبرالية.
استدخال الهزيمة
لقد تطرق الكاتب حمودة لاستدخال الهزيمة في وصفه لحال الأكاديميا الفلسطينية. وكنت أتمنى لو اشبع هذه المسألة بحثاً، مع معرفتي بأن مساحة النشر محدودة لا سيما في مقاالة. ما أود التركيز عليه هنا هو ربط استدخال الهزيمة بالاختراق بما هي النتيجة أو المآل الطبيعي للاختراق.
واستدخال الهزيمة يرتد إلى اتفاق كامب ديفيد على الأقل بمضمونه التنفيذي والفعلي، أو تجليه إن شئت ثم تفشيه فلسطينيا مع مؤتمر مدريد بجولاته العشر وصولا إلى اتفاق أوسلو ومن ثم بروتوكول باريس ووادي عربة في الأردن، هذا ناهيك عن أشكاله شبه المعلنة في علاقات قطر والمغرب والسعودية وغيرها من الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني وصولاً إلى تمسك أنظمة ما يسمونه الربيع العربي بالاعتراف بالكيان (مصر في عهد مرسي) وتورط نظام تونس في علاقات تطبيعية يغريها استدخال الهزيمة وتصدها روح المقاومة الشعبية بينما النظام الجديد في ليبيا يغذ الخطى باتجاه تل ابيب مستفيدا من خبراء فلسطينيين في التطبيع.
وعلى المستوى الثقافي فقد عالجتُ كتابات ومواقف كثير من الفلسطينيين حينما صغتُ مصطلح استدخال الهزيمة في كتابي : “اللاجئون الفلسطينيون بين: حق العودة وساتدخال الهزيمة، قراءة في تخليع حق العودة” الصادر عام 2000. وفيه تعرضت فيما تعرضت له إلى كيف يقف الصهاينة بشكل متماسك ضد حق العودة بينما يتشقق الموقف الفلسطيني او الجدار الفلسطيني بين من متمسك بحق العودة وبين من يختصره إلى العودة إلى الضفة والقطاع، وبين من يتخلى عنه تماماً.
ولعل ما هو لافت أن عجلة استدخال الهزيمة لم تتوقف. ففي حين أعلنت ولا تزال قوى فلسطينية رفضها لاتفاق أوسلو، ورفضها لانتخابات مجلس الحكم الذاتي والذي يسمونه “تشريعيا” دون توفر حق تشريعي له، تورطت هذه القوى من اليسار وقوى الدين الإسلامي السياسي في هذه الانتخابات وهي التي قادت إلى احتراب حماس وفتح في غزة. وبدل تراجع البعض عن موقفه من الاعتراف بالكيان واصل هؤلاء موقفهم لصالح هذا الاعتراف، وعلى سبيل المثال إمعان د. سري نسيبة في موقفه وصولا إلى رفضه حتى المقاطعة الأكاديمية للأكاديميا الصهيونية[4]!
تعرضت مقالة حمود لمثقفين وأكاديميين فلسطينيين ممن استدخلوا الحداثة الأوروبية في سعي منهم للوصول إلى ما اسماه المفكرون النقديون ب “الاعتراف” أي اعتراف الثقافة الغربية الراسمالية بهم. وكان محقا في ذلك، وهذه مسألة ناقشها فرانز فانون بوضوح، لكنه قسم مواقف مثقفي البلد المستعمَر إلى ثلاثة مراحل: تقليد المستعمِر، ثم العودة إلى الذات بالانفصال عن التقليد ومن ثم ثالثاً، الانخراط في العمل الثوري ضد المستعمِر بالكفاح المسلح. وهذا يعيدنا لما ورد أعلاه إلى المثقفين الذين كتبوا بيان أل 55 ضد العمليات الاستشهادية أو الذين يتعايشون في الكيبوتسات!
لقد ركزت مقالة حمودة على اختراق العقل الفلسطيني من خلال اختراق الجامعات الفلسطينية. وهذا صحيح، وكان الصديق عبد الستار قاسم قد كتب في هذا الصدد كذلك. وكنت أفضل ان تُذكر اسماء الأكاديميين الذين يعملون في هذا المجال التطبيعي خدمة لوعي المواطن. وربما حال دون ذلك الاضطرار الوظيفي للصديقين حمودة وقاسم.
واشارت المقالة إلى “…مشاريع بحثية عديدة تتعلق بالمياه ومصادرها وكمياتها في منطقة فلسطين والأردن، يشارك فيها خبراء فلسطينيون من جامعات فلسطينية، وخبراء إسرائيليون وأردنيون، وتتم بتمويل وإشراف أمريكي، وأحياناً بمساهمة من دول غربية أخرى”.
وهذا يعيد إلى الذاكرة تلك الدراسة التي أُنتجت في جامعة هارفرد بإشراف الاقتصادي البرجوازي المعروف ستانلي فيشر والذي اصبح حاكماً لمصرف الكيان الصهيوني وشارك فيها اقتصاديون مصريون وأردنيون وإسرائيليون وفلسطينيون (من بين الفلسطينيين د. عمر عبد الرازق- لاحقا شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومة اسماعيل هنية- و د. عاطف علاونة” .وهذه الدراسة شكلت العمود الفقري لبروتوكول باريس!
بقي أن اقتطف ما يلي من مقالة الصديق حمودة:
“…تقدّم الحكومة الإسرائيلية دعماً مبطناً للأكاديميين الفلسطينيين المساهمين في أبحاث التسوية السلمية والتطبيع، ويلاحظ د. عبد الستار قاسم، والذي أمضى أكثر من ثلاثين عاماً في التدريس في جامعة النجاح الوطنية بنابلس وغيرها من الجامعات الفلسطينية، أنّ هناك من رؤساء الجامعات الفلسطينية من يحملون بطاقات مرور إسرائيليةVIP ، وهي بطاقة لا يمنحها الإسرائيليون عادةً بدون ثمن، كما يلاحظ قاسم أنّ القنصل الأمريكي أصبح له رأي في بعض التعيينات في الجامعات المتعاونة معه، وأنّه عادةً ما يتعاون مع الرجل الأقوى في الجامعة لتمرير آرائه واقتراحاته، ويقول قاسم أنّ “الجامعات التي تشكل مسرحا للقنصل الأمريكي تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وتشارك في نشاطات كثيرة تشارك فيها جامعات إسرائيلية وأكاديميون صهاينة.” وقد شارك عميد إحدى الكليات في حفل تتويج مركز صهيوني للأبحاث حول القدس، وألقى كلمة في الحفل، في حين أن المركز يهدف إلى تسريع تهويد القدس. “
والسؤال هو إلى د. قاسم، هل تعتقد أن عدم ذكر عميد الكلية المشار إليه صحيح أم خاطىء؟ فالرجل قام بذلك علانية، ولو اعتبر ذلك خللاً لما كان فعل. اعتقد بدوري أن خطورة عدم ذكر الأسماء كامنة في عدم تسهيل معرفة المواطنين بحقائق الناس. فماذا لو رشح هذا الرجل نفسه لمنصب سياسي هام وانتخبه المواطنون الذين لا يعرفون تاريخه، وماذا لو شكل حزبا سياسيا وزعم أنه ثوري؟ ما اصعب ان لا نساهم في رفع الخديعة عن شعبنا!