تحريفيون وكتَّاب وحكام ودين سياسي ومثليون!

(على هامش معرض الكتاب برام الله ومشكلة دستور تونس اليوم)

 

عادل سمارة

مناهضة التطبيع بأبعادها الثلاثة هي الفعل الممتد الذي يملأ الفراغ بين ثورة وأخرى بما أن الثورة هي الفعل الشعبي المشتد. مناهضة التطبيع أي مناهضة استدخال الهزيمة هو تخطٍّ  يعني أن لا تطبيع مع الكيان ولا مع القطريات العربية ولا مع المركز الرأسمالي. ويصبح تخطي استدخال الهزيمة أكثر ضرورة وفاعلية في الزمن السائل والرمادي أو المشبوه بالامتطاء وتداخل الأشياء والمواقف والطبقات[1] التي تتحول إلى مخاليط كما هو “الربيع العربي” بما هو حراك قوي ولكن أعمى ليجري توجيهه ضد نفسه بينما يموج ويمور بالتطريب الذاتي على أنه ثورة!

قد يفسر هذا التقوُّل لماذا تمدد التطبيع في العامين الأخيرين ليصبح ، بما هو استدخال للهزيمة،  إطار تحالف ضد فلسطين وسوريا لم يعرفه أي علم في السياسة، ولم يولده أو يجمعه اي نمط إنتاج ولم تعهده أية نظرية بدءاً من أرسطو وصولاً إلى جنون ميشيل فوكو. تحالف يضم بقايا التحريفية السوفييتية التي لم تحفظ عن ستالين سوى سوءته في الاعتراف بالكيان، وتمفصلات التروتسكية بجناحها الصهيوني، وحكام القطريات العربية المصنَّعين في المركز الرأسمالي الغربي والمحميين بالقواعد العسكرية والمخابرات والموجَّهين عن بعد، وطبقات كمبرادور لم تقف على أرضية وطنية قط، ومجموعات من المثقفين والشعراء من درجات تعلوها النملة دون زحف، وصولاً إلى قيادات الدين الإسلامي السياسي التي لا تجرؤ على رفض مصافحة هيلاري بينما يلقي واحدهم على زوجاته قماشاً  يغطي “دولة” اوسلو-ستان بما فيها إمارة غزة ولا تبين منها حتى عيناً واحدة ويغتسل إن لمسته أية أنثى عربية فهي “نجاسة”.  أما المثليون فيقفون على راس هذا التحالف “كوردة حمراء” ينطلقون من المحتل 1948 حيث للكيان حصة كبيرة في “أممية” المثلية[2].

على ماذا يمكن لهؤلاء أن يتحالفوا؟ ما الذي يجمع هؤلاء جميعاً كي يقوموا بالتطبيع التبادلي  بين فلسطين وبقية القطريات العربية عبر أوتوستراد التسوية ذي الممرات المتعددة والاتجاهات المتشعبة ما خلا جنوب لبنان الذي يسده حسن نصر الله بجسده فيعملوا على اغتياله. ما الذي يجمعهم لاحتلال سوريا غير قرار المركز الإمبريالي بوعظ صهيوني لتصفية آخر معقل عروبي!

يتحالف هؤلاء ضد الأمة العربية والقومية العربية[3] مجسَّدَتين في فلسطين وسوريا وإلى حد ما الجزائر. ولذا تشتد هجمتهم اليوم لاجتثاث ما يمكن ان يُزهر من “الربيع” العربي فيتدفقون إلى الأرض المحتلة من الأردن ومصر[4] وتونس والمغرب. مجموعات من الكتبة وقارضي الشعر أو القماش ، لا فرق، يشاركهم في منظومة الحكم القُطْري حكام الخليج الذين يحملون شوالات الريع النفطي إلى غزة لإطفاء جذوة المقاومة واجتثاث رحمها باسنانهم عن قرب لا عن بعد. ويبادلهم الزيارات رجال الدين الإسلامي السياسي يطوفون أرجاء الوطن العربي ترويجاً ووعظاً بالتطبيع وتجنيداً  لِ “الجهاد” إلى ليبيا وسوريا ولاحقا الجزائر.

لا تغضبوا، بماذا يمكننا وصف مجيىء المطبعين من المثقفين/ات العرب وقارضي الشعر إلى رام الله وهذه المرة تحت غطاء معرض الكتاب وكأن في الأرض المحتلة ألف ابن رشد وابن سينا والكندي وابن حزم وطبعة حداثية من سيبويه بلا عروض بل بلا عِرضْ! أتوا يحملون الكتب من المشرق والمغرب المهزومَيْنْ إلى الأرض المحتلة ليقولوا : ببيت شعر واحد نهزم الكيان النووي.

ألم يكتب سميح القاسم ذات يوم:

ألف ديَّان انا،  أغرقتهم في دياجيري”

سامحك الله، أغرقتنا نحن في دياجيرك، فالدياجير تغرق أهلها[5] ولم يُعمي غبارها عين ديان الوحيدة.

حينما كتبت انتقد شاعراً أتى مطبِّعاً تحدوه فرحة طفلٍ ليصبح امير الشعراء بعد رحيل درويش ذي الريادة في التطبيع كما في الفن ، ثار الرجل وأرغى وازبد واتهمني بأنني كالقناص على الجسر، طبعا يقصد جسر التطبيع لا جسر العودة! وصال وجال  هذا بين حضور من الجنسين ليكتبوا/ن له كلمات الإعجاب بلغات أعجمية شكلها عروبي، بينما كان يحوِّر قول حافظ لشوقي فيقول هو لدرويش:

أمير القوافي قد اتيت “مُطبِّعاً”…وهذي وفود الشعر قد “طبَّعت” معي

ايها السيدات والسادة، كلما تجاوزتم الكرامة[6] سوف نلعنكم بالنثر والشعر معاً، وكما رأيتم كان وجه فلسطين كمغتصبة عابساً حين دلفتم جسر الذل الذي أنشأه موشي ديان بعد هزيمة حزيران وكان أخبره عرَّافوه بأن أمثالكم سوف يفعلونها ففعلتم. لم تنطق فلسطين حين رأتكم تنخَّون على الجسر كالبعارين ولم يكن في فمها ريقاً لتُعبِّر بغير القول فاكتفت بالتفجُّع والخذلان. ويكفي أنكم لم تجرؤوا على زيارة أي مخيم لللاجئين، ربما لأنهم يعلمون أنكم أتيتم في مهمة مدفوعة الأجر[7].

ولا تغضبوا مرة أخرى، فبأي قول نواجه نصائح وفتاوى قادة الدين الإسلامي السياسي (مشعل وهنية) لحركة النهضة التونسية بان: “لا تضعوا مناهضة التطبيع نصَّاً في دستور تونس”!. وكأن فلسطين شركة لهما!. وهل ينفي تلك الجريمة زعم هنية أنه لم يقل هذا؟ وبالطبع سوف يصمت الغنوشي رغبة منه في طي الصفحة والحد من الفضيحة ناهيك عن أن رفض التطبيع لا يحتاج إلى تشجيع والتورط في التطبيع لا يحتاج إلى إغواء وإغراء، أما الخطورة فهي في ترويج التطبيع باسم فلسطين والمقاومة والإسلام ودماء غزة. ولا ننسى أن هذه الفتاوى من قوى الدين الإسلامي السياسي، مثل مجيىء الشيخ اليمني إلى القدس ، وفتوى مفتي مصر، وشرود مشعل إلى الدوحة، ونقل مكتب بشارة إلى الدوحة وإمامة القرضاوي في ميدان التحرير لتؤم بعده هيلاري ويُقال ثورة في مصر  وزيارات الغنوشي لمراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، وتواصل فتح ابواب المغرب للقادة الصهاينة، وتمسك الأردن بوادي عربة وحكومة مرسي باتفاق كامب ديفيد، ورام الله باوسلو…الخ ، كل هذه هي صدمات نفسية لتطبيع المواطن العربي تراكمياً بمرور الوقت. إنه شغل ممنهج تكملونه وأنتم تعلمون.

بعد أن سمعنا هنية يؤكد بان أعدائه هم العلمانيون وامريكا، لم يعد عجيباً أن يروج للتطبيع، وبعد أن تربع مشعل في الدوحة لم يعد غريباً أن يصل أمير قطر إلى غزة على عجلات التطبيع ليلحق به حاكم البحرين أو بعض حاشيته بعد أن حماه من غضبة كل الشعب  الاحتلال السعودي الوهابي نيابة عن جند “الويلات” المتحدة وخدمة لمصالحها.  أما وحينما  يستقبل هنية حاكم قطر فهو يستقبل امريكا ويبقى ضد العلمانية لأن للعلمانية اساس قومي. احتفظ الرجل بعداء العروبة وتخلى عن عداء أمريكا. والشيىء بالشيىء يذكر، فقد احتفظ إميل حبيبي بعداء العروبة وتخلى عن الماركسية وتحول إلى الغرب الراسمالي.

أما وبعد النصح والشرح والنقد والرد والصد، فهم يتناسلون كالهواء إلى حضن الكيان، ويزعمون حب فلسطين سفاحاً. أما الحقيقة فنطقت بها حسناء حزب “كاديما” تسيفي ليفني التي أوصت بكتابة اسماء المطبعين في عِلِّيين، وهم لولا الحرج لزاروا الكيبوتسات فهناك البعض مثلهم، وربما فعلوها خلسة كما يفعل بعض مثقفي المحتل 1948 ليلا وينقدون التطبيع نهاراً.


[1] اخطر ما في المرحلة هي السيولة الطبقية، فالحرب الضروس بين فتح وحماس وقودها الفقراء الذين يعتقدون بأنهم يناصلون من أجل حق العودة. ووقود تدمير سوريا ايضاً فقراء يعتقدون بانهم يقاتلون من أجل سوريا ديمقراطية بينما يجرون البلد إلى الهلاك الجغرافي والاجتماعي وبأخطر مما انتهت إليه ليبيا.

[2] شاء لي التطفل أن أشهد عرضاً دوليا للمثليين/ات في سان فرنسيسكو، وهي عاصمة هؤلاء العالمية وذلك عام 2003، وكانت حصة الكيان أكبر من حجمه العددي وربما أكبر من حصته في راس المال المالي الدولي.والمثليون من المحتل 1948 يتخذون من العداء للقومية العربية سلاح وجودهم، لذا يحصرون جهدهم في الهجمة على سوريا، فقد خصص احدهم اكثر من عسرين صفحة في قديتا لينهش سوريا ويجرجر سميح القاسم ورائه! بينما لا يفعل ذلك مثليو الأمم الأخرى! وليس هنا مقام الشرح وإنما التذكير بأن الحركة الصهيونية بيسارها ويمينها هي التي تتبنى وضع حقوق المثليين (الهومز واللزبيانز…الخ) على راس برامج القوى السياسية وكأن هذا كشف جديد. وهذه أمور منذ آدم. لهؤلاء نقول إذهبوا باجسادكم أنى شئتم،  ولكن سؤالنا مختلفا: كيف يلتقي هؤلاء المثليين مع حكام الخليج ضد سوريا! ما هو الحبل السري بينهما! والسؤال الأهم: هل يناضل المثليون من أجل التحرير والعودة! وليفعلوا بعدها ما يرون.

[3] نعرف أن بعض مُقرئي الماركسية سوف يقفزون طرباً فيتهمون الكاتب بأنه “قومجي” وليس شيوعي! وبالطبع لا يعرف هؤلاء بأن الاشتراكية لا تقوم سوى على أرضية قومية صُلبة. فلا قطريات الريع ولا التبعية ولا التجزيئية يمكن أن تُنبت حركات شيوعية، كما لا ينبتها الكيان بالطبع . وإذا لم يقرأ هؤلاء ماركس فليقرأوا فانون على الأقل.

[4] بينما قررت الحركة الوطنية المصرية رفض التطبيع منذ كامب ديفيد 1979 تصر فريدة النقاش باسم “بقايا التحريفية الشيوعية” على التطبيع مع الكيان من حينها حتى غدٍ!

[5] كنت اتمنى لسميح القاسم أن يبقى على حافة الورطة السورية ولا يستخدمه المثليون ضد سوريا. فليتمتع المثليون بما يرون، هذه اجسادهم. لكنهم يطالون جسد الأمة بالبغاء الثقافي والسياسي! (انظر مقابلة مجلة قديتا الإلكترونية مع سميح القاسم). من الذي استخدم الآخر؟ هل انتهى سميح هكذا، أم هو هكذا بدأ؟

[6] من حيث المكان، فالكرامة هي بلدة في الأغوار الأردنية على الحدود الشرقية من فلسطين وقريبة من الجسر الذي يربط فلسطين والأردن، شهدت الكرامة معركة يوم 19 آذار 1969 مع قوات الاحتلال تضافرت فيها المقاومة والجيش العربي الأردني الذي بادرت قياداته الموقعية دون رجوع للساسة  مما هزم الاحتلال.

[7] قال لي صديق من اتحاد الكتاب غاضبا من سلطة الحكم الذاتي بأنها لم تهتم بالكتاب العرب الذين أتوا في معرض الكتاب هذا. ولكنني اعتقد أن مصدر عدم الاهتمام أن السلطة تعلم أن هؤلاء قد قبضوا “رَيع أو جُعالة” قدومهم، فلماذا تدفع لهم السلطة بالشيكل وقد تضخمت جيوبهم بالدرهم والدولار. فلا يمكن ان ياتي هؤلاء دون القبض سلفاً. فلم يعد التطبيع مجانياً، وليس الدفع له من الكيان. فما حصل ضد سوريا قد كشف عيوب المثقفين الذين ارتزقوا . قبل بضع سنوات استجلب المركز الثقافي الفرنسي الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي ضمن برنامج تطبيعي وُجد هذا المركز من أجله وحسب. ولم نجد تفسيراً لمجيىء اللعبي سوى أنه اعتبرها نزهة  مدفوعة الكلفة وفوقها دُفعة تعيشه بضع سنين ولو على ضحايا فلسطين.