عبداللطيف مهنا
تقول شخصية صهيونية من وزن الجنرال عاموس جلعاد، إن ” السلام ” مع مصر ” ذخر إستراتيجي هائل “، ومع الفلسطينيين ” ليس ممكناً “، لكنما ” المحافظة على العملية السلمية مهمة “…لماذا ؟! يجيب الجنرال: ” من أجل المحافظة على التنسيق الأمني “!!!
ما قاله الجنرال الصهيوني يعكس بدقةٍ رؤية الكيان الصهيوني في فلسطين لراهن مآلات الصراع العربي الصهيوني فيها. وما قاله يأتي متلازماً مع مرور الذكرى الخامسة والتسعين لوعد بلفور المشؤوم، الذي أعطى إشارة البدء الإستعمارية للمشروع الغربي الصهيوني لإغتصابها.
الصهاينة إستقبلوا المناسبة محتفين بالإعلان عن آخر ما قرروا أن يكشفوه راهناً من مخططات إبتلاعٍ وتهويدٍ لما تبقى فلم يهوَّد بعد من أرضٍ فلسطينيةٍ، وليس آخر ما يعدونه أوما هو في جعبتهم لها في مستقبل الأيام من مخططاتٍ… ولم يكتفوا، رفدوا هذا بإعلانٍ ذي مغزىٍ، ويتم لأول مرةٍ، عن مسؤوليتهم عن جريمة إغتيال القائد الشهيد أبو جهاد في تونس، بل ونشروا تفاصيلها وصورة قاتله… لكن لعل من أهم ماكان لديهم مما أعدوه لملاقاة هذه المناسبة المؤذنة ببدء مشروع إختلاق كيانهم الغاصب في فلسطين هو إعداد وبث المقابلة التي أجرتها قناة تلفزتهم الثانية مع رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال في رام الله محمود عباس…
أبو مازن من جانبه أبى إلا أن يسهم بدوره من خلال مقابلته مع القناة الصهيونية في ملاقاتها للمناسبة البلفورية المحتفى بها. جائت مشاركته منسجمة كالعادة مع مواقفه إياها، مع مفهومه ورؤيته للصراع، مع ذاك المعروف عنه منذ أن عرفته الساحة الفلسطينية وسمعت بإسمه، سواء في غابر البدايات النضالية أو حاضر نهاياته التصفوية، فالرجل، والحق يقال، هو هو، يظل المنسجم مع نفسه، حتى بعد عقدين كاملين من الكوارث الأوسلوية، التي هو من روَّادها وكبير مهندسيها وفارس فرسانها. كان هو هو ولم يبدل تبديلا… سمع محاوروه منه مايشتهونه وما استحق منهم أن يُمتدح عليه، وما سيظلون يستزيدونه منه، إلى أن يسمعوا منه أو من سواه مايبزه من مبهج القول التنازلي… الداهية بيرز رحَّب وأثنى على ” شجاعته “، وشهد له بما ظل يطالبهم به: ” يوجد شريك للسلام “…ماذا كان من أبي مازن في وعده الأجد للمحتفين بذكرى وعدهم التليد ؟!
قال لهم: ” فلسطين الآن، في نظري، هى حدود ال67، والقدس الشرقية عاصمة لها، هذا هو الوضع الآن وإلى الأبد، هذه هى فلسطين في نظري، إنني لاجىء لكني الآن أعيش في رام الله، وأعتقد أن الضفة وغزه هى فلسطين، والأجزاء الأخرى هى إسرائيل “… إذن، ” في نظره “، 80 % من فلسطين التاريخية ضاعت، تنازل لهم عنها، و” إلى الأبد “، والبازار التنازلي التفاوضي، الذي أوقفوه ويستجديهم إعادة فتحه، تدور مساوماته حول نسبة ال20% التي حوَّلتها أوسلو الى أراضٍ متنازعٍ عليها. أما حق العوده، فقد تبرع لهم به، قال: بالنسبة لمسقط راسه مدينة صفد، التي زارها مرة كسائح، ” من حقي أن أراها لاأن أعيش فيها ” !!!
نسى السائح أبو مازن أن الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي تصادف أنه من رعيلها الأول، قد إنطلقت حيث لم تكن الضفة الغربية وغزة قد أحتلتا، وأن قوافل الشهداء التي توالى زحفها في ملحمة مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية كانت متجهةً إلى صفد وحيفا ويافا وبئرالسبع… تناسى أن فلسطين قضية أمة والفلسطنة هوية نضالية، وليس من حق أحدٍ أيٍ كان التنازل عن مليمتر واحدٍ منها… وإذ نسى وتناسى، طمأن أعداء شعبه وأمته في ذكرى مرور وعد بلفور لهم جازماً: ” طالما أنا جالس هنا لن أسمح بانتفاضة ثالثة مسلحة “… بعث برسائله المكررة، فبماذا رد عليها الصهاينة ؟
قال المتحدث باسم خارجيتهم: ” إذا كان يريد أن يرى صفد وأي مكان آخر في إسرائيل، سيسعدنا أن نريه أي مكان… ولأنه ليس إسرائيلياً، فإنه ليس له الحق في أن يعيش في إسرائيل، نحن نتفق معه على هذا “!
كان الأقبح من وعد ابومازن هو تفسيرات وتوضيحات رام اللة له بهدف الإلتفاف عليه تخفيفاً لوقعه وإتقاءً لتداعياته، كقول أبوردينة، إن الهدف منه كان ” التأثير في الرأي العام الإسرائيلي ” ! وكذا مابدى أنها محاولة للتهرب من مواجهة ردود الفعل عليه بإثارة ضجيج حكاية إزماع التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب ألإعتراف بدولة غير عضو فيها… ثم إنكار السلطة تخلي رئيسها، رغم وضوح ماقاله، عن حق العودة، وتبريره هو ما كان منه، بقوله: لقد ” كان موقفاً شخصياً “… ومن من ؟! من رجلٍ يحتل ثلاث رئاسات مرة واحدة !
… واتاهم الرد هذه المرة من باراك الذي كشف ما لم يكن مستوراً بقوله: ” لقد أعلن عن إستعداده للتخلي عن حق العودة في الإجتماعات المغلقة “معنا ” !!!
بقي أن نقول: إن الشعب الفلسطيني عندما إنتفض وحينما سينتفض لم يطلب ولن يطلب إذناً من أحد…