كيف ستتصرف اميركا حيال سورية بعد الاخفاق في قطر؟


العميد الدكتور امين حطيط

عندما دعت اميركا الى توحيد “المعارضة السورية ” امرت بالتصعيد الميداني بشكل مترافق مع محاولة تجميع المعارضين في ملتقى الدوحة التأمري على سورية، وقد توخت من خطتها هذه تشكيل “الجبهة السورية المناوئة ” الموحدة ذات القدرات الميدانية والسياسية التي تخولها التفاوض مع الحكومة السورية بشكل ندي ان لم نقل اكثر من ذلك باعتبارها ستكون جبهة محتضنة من الغرب بالقيادة الاميركية وممولة من البترودولار الخليجي من غير حدود او مراقبة. وكانت اميركا تمني النفس بتحقيق هذا النجاح على عتبة الولاية الثانية لاوباما بعد اعادة انتخابه في الاسبوع الماضي.

وبالاضافة الى هذا رغبت اميركا اعادة ترتيب مواقع الفرقاء المناوئين لسورية بحيث تنفرد هي شكلا ومضموناً بالتحكم بالقيادة وبمسار الازمة السورية دون ان يكون لها شريك في ذلك اروبيا كان ام تركيا، وطبعا لا يكون عربيا لان العرب هم في الاصل بالنظر الاميركي ادوات تنفيذية وحملة صناديق المال للانفاق على المشاريع الاميركية ليس اكثر.

ومن اجل تلك الاهداف كانت اميركا بحاجة الى تصعيد ميداني يعطي الفئات الارهابية المسلحة فرص السيطرة على مدن ومناطق في سورية، كما و يمكنهم من رفع وتيرة الترهيب والترويع للشعب السوري لدفعه في طريق الاحباط واليأس من متابعة المواجهة، و لترغمه على الضغط على حكومته للقبول باي حل يوقف “حمام الدم ” ويقطع الطريق على “الاسترسال في تدمير سورية “، حتى ولو كان الثمن تنازلا عن السيادة والاستقلال فاميركا تظن ان مزيدا من الايلام والقتل قد يجعل السوري يقبل بمثل هذه الحلول الانتحارية.

وفي التنفيذ الميداني كانت الهجمات المكثفة انطلاقا من الاراضي التركية ضد منطقة الحسكة وحلب وادلب، بهدف اقتطاع مناطق في الشمال تمكن المعتدين لاحقا من رسم خط تماس يفصل بين منطقتين واحدة في الشمال تحت سيطرة ” المعارضة المسلحة ” التي ستدفع الى تشكيل حكومة تدير هذه المنطقة، والاخرى تبقى بيد الحكومة السورية مع استمرار عمليات الارهاب والقتل في داخلها عن طريق السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية والهجمات المتفرقة المانعة للامن والاستقرار والمنتجة لليأس والخوف والاحباط.

اما على الصعيد السياسي، فقد الزم من يطلق عليهم “معارضة سورية” تحت تسميات مختلفة بالذهاب الى قطر لبلورة الكيان السياسي الذي تريده اميركا كما ذكرنا فكانت الاجتماعات واللقاءات بادارة وحضور مباشر للسفير الاميركي في سورية الذي سحب من دمشق واحتفظ بمنصبه ليتمكن من متابعة ادارة الازمة السورية بشكل وظيفي رسمي.

هذا في الخطة و الامال الاميركية المعلقة عليها، فماذا كانت النتائج ؟

من يراقب ما حصل في الدوحة، وما تمخضت عنه المواجهات في الميدان السوري يستطيع ان يتبين ان الخطة الاميركية كانت في اتجاه، والنتائج كانت في اتجاه اخر حيث ان المشهد الذي رسم كان على الوجه التالي :

–         على الصعيد السياسي : فشلت اميركا من توحيد “المعارضات السورية” كما كانت تشتهي كما فشلت في تهميش من باتت تتوخى الحذر منهم، وجاء سعيها بنتائج عكسية لرغباتها اذ ان مزيدا من التشظي والتباعد وقع بين هذه الفئات غير المتجانسة اصلا. وكان الاسوأ على المعارضات تلك وعلى اميركا من كل ما حصل هو خروج اصوات من داخل ما يسمى معارضة، تصف حقيقة ما يجري في سورية وتسقط عنه ما كانت تدعيه بانه ثورة و تصفه بحقيقته كما كنا ولا زلنا نراه بانه مؤامرة غربية ضد سورية لنزعها من موقعها او تدميرها باموال خليجية. ثم كان انشقاق و تنافر اضافي بين ” سواح المعارضة في الخارج “، و”معارضة المواجهة في الداخل ” وبات اشخاص الخارج من غير متكأ في الداخل يمكنهم من الاستناد عليه في اي عملية تفاوضية مستقبلية.

هذا على صعيد الفئات التي تحمل الجنسية السورية، اما على صعيد القوى الخارجية، فقد ظهر جليا ان تركيا شطبت كليا من منظومة قيادة العدوان على سورية، وانتزعت منها ورقة ” المجلس الوطني” رغم ان اميركا لم تستطع ان تسحب هذا المجلس من يد “الاخوان ” كما ان هؤلاء لم يستطيعوا ان يجاهروا اكثر بنزعتهم السلطوية الاقصائية التفردية، واضطروا للقبول بسوري مسيحي رئيسا لمجلسهم بعد ان كانوا وضعوا الحرم والفيتو المشدد ضده في الربيع المنصرم، لانه مسيحي.

وبالمحصلة نستطيع القول بان مساعي اميركا في الدوحة ذهبت ادراج الرياح وزادت من مآزق عملاء الخارج المنضوين تحت تسمية ” المعارضة السورية ” وتسببت بالاعلان عن فضائح كارثية على هؤلاء لانها عرت تنظيماتهم و اظهرتهم حتى في اعين من كان يصدقهم او كان يثق بهم ممن ضلله الاعلام او كان بسيطا وحسن النية في اخذه بالمظاهر، اظهرتهم بانهم جماعات تشتهي المال والسلطة وتقبل بالخيانة والتبعية من اجل اشباع تلك الشهوات.

2. اما على الصعيد الميداني، فاننا نسجل بان الفئات المسلحة تمكنت من القيام باكثر من عملية في الشمال خاصة في منطقة الحسكة، وبالتحديد في راس العين، كما انها نفذت عدة عمليات ارهابية انتحارية في كل من منطقة دمشق ودرعا. لكن هذه العمليات بقيت دون السقف الذي ارادته اميركا. حيث انها رغم وحشيتها و تفلت مرتكبيها من كل قواعد الدين والقانون والاخلاق في اختيارهم لاهدافهم وتنفيذ اجرامهم، ورغم انها ادت الى خسائر غير قليلة بارواح السوريين والممتلكات والحقت الاضرار بالبنى التحتية في اماكن التفجير والمواجهة، رغم كل ذلك لم تحقق الاهداف الرئيسية منها.

– قعلي صعيد الحالة النفسية والمعنوية ظهر ان الشعب السوري يؤكد يوما بعد يوم على مستوى اعجازي بالوعي وفهم مجريات الامور وهو لم يقع في حالة يأس او احباط، وكم كان معبرا صوت ذاك السوري الذي جاء الى الجيش مطالبا بان يهدموا داره على راس المسلحين الذين تمركزوا فيه فمن اجل سورية وامنها ليذهب البيت وما فيه.

– اما على الصعيد الميداني، نجد ان المسلحين و رغم انتشارهم في بعض النقاط والدساكر فانهم عجزوا عن وصل هذا النقاط لانشاء المنطقة المتماسكة التي يسيطرون عليها و يصلونها بالحدود التركية لتشكل مناطق آمنة لهم. حيث اننا شاهدنا كيف ان الجيش العربي السوري يطوق تلك البقع وينفذ عمليات نوعية لملاحقة المسلحين ولاستعادة تلك المناطق تباعا بما يمكن من القول ان الهدف الميداني من الخطة الاميركية لم يتحقق هو الاخر. نقول هذا دون ان ننسى التذكير بالقدرات التي يملكها الجيش والتي تخوله استعادة السيطرة بشكل مضمون واكيد حتى ولو تطلب الامر بعض الوقت لان القيادة العسكرية عندما يكون عليها ان تختار بين المناورة السريعة مع الكلفة العالية والمناورة المتأنية مع الكلفة المنخفضة تختار الثانية دائما حرصا على ارواح جنودها.

على ضوء ما تقدم و بموضوعية نقول ان الفشل كان حليف المخطط الاميركي الجديد سواء على الصعيد السياسي حيث كان التفتت و الشرذمة بدل ما كان يسعى اليه من توحيد وتماسك، وعلى الصعيد الميداني كان الفشل على الصعيد المعنوي وبقي الانجاز المتحقق دون المستوى المطلوب اصلا، ثم انه كان انجاز غير نهائي وغير مستقر لانه عرضة للخسارة المؤكدة في القابل من الايام.

مع هذه النتائج المخيبة لاميركا يطرح السؤال كيف سيكون مستقبل السلوك الاميركي في سورية ؟

قبل الاجابة نعود فنذكر بان اميركا اقتنعت في العمق ان تغيير االنظام او تغيير موقع سورية في الخريطة الاستراتيجية للمنطقة امر بات مستحيلاً، لذلك لجأت الى خطة التدمير واضعاف سورية حتى تكون عبئا على المحور الذي هي فيه، وكانت خطتها المركبة تلك تبتغي انتاج بيئة حوار وتفاوض تفضي الى القبول بكيان سياسي سوري مقيد و خائر القوى. وان فشل اميركا في هذه الخطة قد يدفعها الى العودة الى اتفاق جنيف بعد تغيير وزيرة الخارجية مع مطلع العام القابل الذي به تبدأ ولاية اوباما الثانية. وهنا ستجد اميركا نفسها بحاجة الى النار الارهابية والتدميرية في سورية من اجل ضمان الموقع المناسب لها في الحل الذي قال به اعلان جنيف 2012.

:::::

جريدة الثورة دمشق في 12112012