إمارة غزة


سعاده ارشيد
*

 

كان محور المقاومة والممانعة هو المحرك الرئيس في الإقليم قبل الربيع العربي، وقد تمدّد هذا المحور على شكل قوس قرنه الشرقي في أفغانستان وقرنه الغربي في غزة، مروراً بإيران والمقاومة العراقية وسوريا و«حزب الله» في لبنان، وبدا للمراقب أنّ هذا القوس يتسم بالمناعة والتماسك، فأطرافه لا يرون لأنفسهم مكاناً خارجه. أما خصومهم فقد أطلقوا عليه أسماء عدة، أشهرها محور «التطرف» و«الهلال الشيعي»، واتهموه بأن له غايات مذهبية شيعية وقومية فارسية، وهدفوا بهذا التهويل ممّا سمّوه خطر الأطماع الإيرانية في المشرق العربي، وأخذوا يعيدون للذاكرة العربية معركة القادسية، وانهمكوا في التنقيب في كتب التاريخ عن قصص وحكايا لبعثها ونشرها ضمن هجومهم الفكري. ومضت خطبهم وأقوالهم ومقالاتهم تتحدّث وكأن إيران هي من يقيم جداراً على أرض الضفة الغربية، وهي من يصادر أراضي فلسطينييها ويزرعها بالمستوطنات ويطارد الفلاح الفلسطيني ويمنعه من قطف زيتونه؛ أو كأن إيران هي من يعتدي على المسجد الأقصى ويهدد بهدمه وتدنيسه ويعتدي على المتعبّدين فيه، وكأنها هي من يدنس سائر المقدسات الإسلامية والمسيحية من مساجد وزوايا وكنائس ومقابر ومقامات في طول فلسطين وعرضها.

مياه كثيره تدافعت في وديان الربيع العربي وملأت وديان الاقليم، فقد ضُرب البعض من أعضاء هذا المحور ولم يزل يُضرب، ويلوِّح الأميركيون والإسرائيليون بضرب بعضٍ آخر، بينما اختار فريق من الأعضاء السلامة بمغادرته ساحة المواجهة، فاستبدل برامجه ومصادر تمويله وأماكن إقامته، وقام باستدارة في رؤيته تجاه الصراع في الإقليم سواء تجاه الصراع مع «إسرائيل» أو مع داعميها.

يمكن في هذا السياق قراءة زيارة الأمير القطري لقطاع غزة، والتي وصفها مضيفوه بالتاريخية وبالشجاعة، وقالوا بأنها الزيارة الكاسرة الممزقة للحصار، من دون الإشارة إلى أنها ما كان لها لتكون لولا الموافقة «الاسرائيلية» التي تمّ حسابها في موازين الفائدة السياسية، لا في إطار المجاملات والعلاقات العامة، وذلك في الوقت الذي كانت فيه البحرية الاسرائيليه تلاحق وتحاصر )وتقتحم فيما بعد) سفينة المساعدات الإنسانية السويدية (أستيل)، والتي تقل 17 أوروبياً من جنسيات مختلفة، ولا تحمل لغزة إلا مقادير رمزية من الأدوية وحليب الأطفال.

لقد جاءت زياره أمير قطر في سياق دعم فريق فلسطيني على حساب فريق فلسطيني آخر، خاصة أن الفريق الفلسطيني المدعوم قطرياً يتم دفعه بعيداً عن محورهالقديم، محور المقاومة والتي كان إحدى ركائزها، ومن أجل التقدم في مواقف مساوِمة لا مقاوِمة تنسجم مع السياسات القطرية المعلنة تجاه اسرائيل ايجاباً وتجاه سوريةوالمقاومة سلباً. وكان سبق هذه الزيارة ان طالب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حجاج البيت العتيق، بالدعاء على كل من إيران، وروسيا والصين، بسبب دعمها للنظام السوري غافلاً عن اضافة الدول الداعمة لـ«إسرائيل» الى قائمة المدعو عليهم.

هكذا تريد اسرائيل، وتريد من قطر، ان تدفع غزة للقبول بالهدنة غير المحكومة بزمن او ظرف، زيارة الأمير، كانت لتثبيت «إمارة حماس» على غزة، على أن تلتزم الإمارة منع ومعاقبه المقاومين ومطلقي الصواريخ، وهذا ما يجعل «وحدة» الفلسطينيين ممكنة، بين الضفة والقطاع، على أن ينهج القطاع نهج حكام الضفة.
:::::
*صحافي من جنين ـ فلسطين المحتلة