عمود السحاب


قراءة في فنجان المطر

أحمد حسين

الأهداف النهائية معروفة، والنص مكرر، والممثلون أكثر من النظارة. الغموض يخص نوايا لحظة العرض واتجاهها الميداني فقط. وبما أن نهج الصراعات قد تعسكر، ولم يعد من حاجة إلى العروض السياسية التي اخرجت من التداول لانعدام الحاجة لها في النهج الإنقلابي الصهيومريكي، فإن حركة “عمود السحاب ” هي حتما سياق عسكري شرق أوسطي، في سلسلة من الحركات العسكرية اللاحقة،على طريق الهدف النهائي. ويمكن القطع بذلك من خلال تفاهة النص وسيطرة الإفتعال عليه. العقدة الدرامية معدومة. فالوضع الميداني بين غزة وإسرائيل هاديء بالمستوى النسبي. والعلاقة بين حماس وإسرائيل شهدت بعد الربيع العربي انقلابا نوعيا إلى درجة التنافس مع عباس على الدعم الإسرائيلي. وفي الحقيقة فإن حماس وأسرائيل تربط بينهما الآن علاقة انتساب مشترك إلى ذات الأصدقاء الدوليين وعلاقة انتساب مشترك أيضا إلى ذات الأعداء ممثلين في سوريا. انتساب كهذا من المستحيل أن يكون شكليا لأنه يعتبر انزياحا جدليا عميقا من جانب حماس عن ولائها الفلسطيني الشكلي حقا إلى ولائها الإخواني الجوهري. فلماذا تقلب إسرائيل الطاولة على حماس ؟ وهل فعلت ذلك حقا، أم أن في المسرحية نصا لا يعرض على الخشبة ؟ هل من الغريب أيضا أن يكون هذا النص في جيب نتنياهو ومرسي فقط، وأن تردد حماس أمام فداحة التنصل من ماضيها الفلسطيني بهذه السرعة اقتضى شيئا من الضغط عليها ؟ وهل كان اغتيال الجعبري جزاءا من النص الخفي كمعارض لهنية ومشعل، أم حركة استفزازية لتصعيد درامية السياق المسرحي ؟ لماذا حاولت إسرائيل في بداية المسرحية إظهار نوع من الإعتدال التدميري والتقتيلي، ثم اندفعت فيهما إلى العنفوان المعتاد. هل لذلك علاقة بالضغط على حماس لمحاولة لحم الفصائل الأخرى أم هو ضغط مباشر ‘لى تلك الفصائل. الإجابة على هذه الأسئلة تعتمد على كون حماس شريك مباشر في اللعبة أو أنها تعتمد على مشعل ومرسي في الحقن المعلوماتي واتخاذ القرارات الحكيمة.

مهما كانت الوقائع، فإن الإبتذال الذي سيطر على النص المسرحي، يدفع في اتجاه الشبهة التي لا تملك موضوعية اليقين، ولكنها تملك موضوعية الإشتباه بنسبة عالية. ويمكننا أن نترك حماس لإخوانية مشعل ومرسي التي لا تتورع عن منكر أو التزام خياني هو طبيعتها البنيوية، أو نمنحها شيئا من ورعها التنظيمي الفلسطيني ولا نحسن الظن بهنية، ولكن نحسبه مغفلا، فهذا لا يقدم ولا يؤخر شيئا في أي توظيف محتمل للمسرحية.

أول هذه الإحتمالات أن المسرحية هي كرة الثلج التي سيدحرجها أصحابها من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الحرب الإقليمية. وأن هدف العدوان على غزة هو تحييدها عسكريا، عند وقوع الحرب الإقليمية، لضمان أمن المؤخرة، واستغلال واقع الصدام لتمرير كل إجراءات الإستعداد للحرب الشاملة على جبهة الشمال، داخليا وخارجيا. فكيف نصدق أن إسرائيل بحاجة إلى إعلان حالة الطواريء واستدعاء الإحتياط واستنفار القبة الحديدية، والقيام بحملة تعبئة إعلامية وتثقيفية شاملة، والتغني الإعلامي الفاخر بسقوط صواريخ فجر على تل أبيب، وتشجيع “سكان الجنوب ” على التحرك نحو الشمال !!! بسبب مناوشات معتادة مع سكان غزة. ولم هذا التحشيد لكل الخبراء والمحللين والإعلاميين على الشاشات بدون توقف ؟

إحتمال آخر أن كل الذي ذكرناه هو مجرد نوع من انتهاز فرصة الهجوم على غزة للتعبئة الإحتياطية للمستقبل، وأن هذا الهجوم له دوافع محددة لتغيير وضع العلاقة الإستراتيجي مع قطاع غزة، كجزء من خطة متعددة الأطراف، لها علاقة بأطراف التحالف الغربي وإسرائيل، والإخوان في مصر والشقيقات الخليجيات، وتركيا لتهيئة أوضاع الحسم العسكري في سوريا ولبنان، وإيران إذا حركت ساكنا.

أما الممكن الإحتمالي الثالث فهو أن المسرحية نصا وإخراجا هي إسرائيلية بالكامل، تجري في إطار محاولة التخريب على المشروع الأوبامي الإخواني، الذي يسعى لخلق حالة من الإستقرار الشرق أوسطي، تعطي الفرصة للربيع الإخواني في استكمال هيمنته النظامية على المنطقة، مع ضمان أمن ودور إسرائيل و”حقوقها” كدولة عادية في المنطقة. وهذا أمر من المستحبل أن تقبل به إسرائيل تحت أي ظرف حتى ولو تحولت من المعسكر الصهيومريكي إلى معسكر الصين وروسيا. وهو أمر يمكن فهمه بعد أن وضعت إسرائيل كل أحلامها الإقتصادية والعسكرية والنفطية والقومية في سلة الهيمنة الإمبراطورية على المنطقة. أما قضية الدولة العادية مقابل دولة الخلافة الإسلامية، فليس له معنى علي سوى فكفكة إسرائيل فردا فردا. مشروع أوباما رغم أمريكانبته القحة هو مشروع يشبه الحلم الذي طورته بيتح تكفا وروشبينا ليصبح إمبرطورية سليمان، وطورته الصهيونية العالمية ليصبح إمبراطورية صهيونية مستقلة وشريكة مع أمريكا في حكم العالم. وحينما يعتقد أوباما موظف وزارة الخارجية المتخفي رئيسا، بأن مشروعه يمكن أن يستبدل مشروع بوش الأب وبوش الإبن ومن ورائهما المحافطون الجدد، فهو يضع مصيره على كف عفريت.

الأحتمالات كثيرة، وكلها احتمالات لها هدف واحد يؤدي إسرائيليا إلى تحقيق دورها الصهيوني الكوني، وهجريا إلى جهنم وبئس المصير بقيادة الحاج مرسي والجيغولو أردوغان.