إسرائيل القلعة: القصة الداخلية للنخبة العسكرية الإسرائيلية التي تقود البلاد وغير قادرة على صنع السلام
مراجعة سعيد عريقات
نشر حديثا كتاب مهم للكاتب الأمريكي المرموق، والصحفي السابق في صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز باترك تايلر تحت عنوان: “إسرائيل القلعة: القصة الداخلية للنخبة العسكرية الإسرائيلية التي تقود البلاد وغير قادرة على صنع السلام”Fortress Israel: The inside Story of the Military Elite Who Run the Country، يتكون من 496 صفحة تقول “إن هوس رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ببرنامج إيران النووي كان له أحد الآثار الجانبية المهمة على الأقل بالنسبة له شخصياً (نتنياهو) وبالنسبة لإسرائيل: في الوقت الذي يحتل فيه الملف النووي الإيراني الصدارة والمركز في الحوار العام وحتى العالمي بما يخص إسرائيل، لا أحد يسأله (نتنياهو) عن عملية السلام المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية المعطلة تماماً، بينما هو يسرع في بناء المزيد من المستوطنات في عمق الضفة الغربية المحتلة التي بنيت هناك (في الضفة الغربية) عن قصد لإحباط أي احتمال لقيام حل الدولتين.”
ولعل هذه النقطة هي التي تعطي الكتاب توقيتاً بالغ الأهمية، يدفع القارئ على متابعة الكتاب بشغف كون أنه يسلط الضوء على التاريخ الإسرائيلي الحديث.
باتريك تايلر يغوص بالعمق التاريخي للدولة العبرية ممحصاً وموثقاً “للجهود الإسرائيلية” التي بذلتها سعياً وراء السلام مع العرب إذا كان هناك جهود كذلك من أجل الخروج من مأزق الشلل في عملية السلام، “ويجدها ضئيلة.”
ويقول تايلر ” إن على العالم أن يتذكر دائماً بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يستمر دون حل يعمل أيضاً على خلق حالة من التحريض والكراهية المستمرة ضد إسرائيل؛ وهو أمر يتحمل العرب جزءاً من المسؤولية في استمراره خاصة في السنوات الأولى من قيام إسرائيل، إلا أن ما يؤججه هو استمرار احتلال إسرائيل لأراضي الفلسطينية ( التي احتلتها منذ عام 1967 ).
ويتحدث تايلر بشكل مسهب في الكتاب عن ما يطلق عليه ” النبض العسكري ” وهو الذي دفع بإسرائيل بإتباع نهج عسكري عدواني في خمسينات وستينات القرن الماضي ” ودفع بمناحيم بيجين ( رئيس وزراء إسرائيل وآرئيل شارون وزير الدفاع ) إلى غزو لبنان 1982، مستهترين تماماً بالتحذيرات التاريخية التي تبين بأن القوة العسكرية وحدها لا تستطيع إعادة ترتيب الأوضاع السياسية المعقدة، في هذه الحالة في لبنان…. وأن الحل الوحيد لإسرائيل هو تحقيق السلام مع الفلسطينيين على أساس التعايش المتبادل والحل العادل “.
كما يوجه تايلر في الجزء الأول من كتابه انتقاداً بالغاً لرؤساء إسرائيل المتتابعين، خاصة إسحاق رابين في الفترة التي تلت توقيع اتفاقات أوسلو في سبتمبر 1993، حيث يصف رابين بأنه ” لم يتمكن من الفلتان من المصيدة السيكولوجية والقناعة بان الناس لا يتغيرون وبالتالي فإن ” السلام نفسه مع الفلسطينيين أمر مستحيل وبالتالي أن الطريق الوحيد الفعال هو فرض الفصل ” بين الفلسطينيين وإسرائيل من خلال القوة المفرطة “.
ويتحدث تايلر عن موضوع لا يتناوله أحد بالجدية المطلوبة وهو القوة النووية الإسرائيلية ” التي لا أحد يضعها في مكانها المطلوب لدى مناقشة الوضع النووي في منطقة الشرق الأوسط بسبب تعمد الكتاب والمؤرخين تجاهل هذه الموضوع “.
يكشف تايلر في كتابه كيف أن الجهود الإسرائيلية الحثيثة من أجل امتلاك القنبلة النووية بدأت في خمسينات القرن الماضي، أبان عهد الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور الذي مع العلم أن وكالة الاستخبارات المركزية CIA أطلعته على أسرار الجهود الإسرائيلية في مجمع ديمونة النووي، “تم تضليله تماماً من قبل زعماء إسرائيل، ولم يتمكن من التأثير على القرار الإسرائيلي بهذا الشأن.”
أما سلف آيزنهاور، الرئيس جون كندي، فلم يقتنع تماماً بأن إسرائيل تبذل جهوداً محمومة لامتلاك القنبلة النووية إلا عندما اكتشفت أل CIA في عام 1963 “إن إسرائيل كانت تصنع القنبلة النووية، مما دفع الرئيس كنيدي آنذاك بدعوة من رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن جوريون إلى الولايات المتحدة من أجل إقناعه بالتخلي عن فكرة القنبلة النووية ولكن بن جوريون أنكر أن إسرائيل تقوم بصناعة القنبلة النووية ووافق على السماح للولايات المتحدة بتفتيش مجمع ديمونة، ولكن الإسرائيلين قاموا بتضليل المفتشين الأمريكيين ودعوهم يتصفحون منشآت شكلية غير حقيقية مما حال دون قدرتهم ( المفتشين الأمريكيين ) على اكتشاف المختبرات الكبيرة التي كانت تنتج مادة البلاتونيوم “.
ويوضح تايلر أن كندي ظل يشك في الجهود الإسرائيلية على الرغم من أن الموقف الأمريكي الرسمي آنذاك تبنى الموقف الإسرائيلي الذي أعلن أن مجمع ديمونة يقوم يقوم بأبحاث لأغراض سلمية لا تتعلق بصنع القنبلة النووية.
ويذكر تايلر أن بن جوريون قال للرئيس الأمريكي كينيدي في يونيو 1963، أي قبل خمسة أشهر من اغتيال كندي، ” أن إسرائيل قد تضطر لإنتاج مادة البلاتونيوم ( لأغراض تسليحية ) بعد ثلاثة أو أربعة سنوات “، الأمر الذي أوضح لكندي، بحسب تايلر أن إسرائيل تقوم بالفعل ببناء قنبلة نووية وهو ما دفعه ( كندي ) توبيخ رئيس وزراء إسرائيل بن غوريون قائلاً له ” إن تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل سيعاني من التعرض للخطر في حال إمعان إسرائيل في المضي في مساعيها من أجل الحصول على القنبلة النووية “.
ويشرح تايلر أنه بعد اغتيال الرئيس الأمريكي كندي تغيرت الجهود الأمريكية التي انشغلت في انتقال السلطة ومشاغل الإدارة الأخرى ” وأنه ومع مضي الوقت وغرق الرئيس الأمريكي جونسون في الحرب الفيتنامية ومن ثم مجيء الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، ومستشاره لشؤون الأمن القومي هنري كيسنجر خفت الضغوط على إسرائيل بصدد مساعيها في المجال النووي، وأن كيسنجر قال لرئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير أن الولايات المتحدة لم تمارس الضغوط على إسرائيل بشأن ترسانة القنابل النووية على الرغم من أن الـ CIA أكدت لنيكسون وكيسنجر أن إسرائيل تمتلك على الأقل 10 قنابل نووية.
ويدعي تايلر أن إسحاق رابين، سفير إسرائيل في الولايات المتحدة في بداية عهد نيكسون قال لهنري كيسنجر أن إسرائيل تحتاج القنبلة النووية لسببين: أولاً لردع العرب من شن حرب استباقية على إسرائيل، والثاني في حال قيام العرب بغزو إسرائيل فإنها ستستخدم القنابل النووية لتدمير البلدان العربية.
كما يظهر تايلر في كتابه بعض الفوارق الطفيفة بين رؤساء وزراء إسرائيل المختلفين، حيث يخص موشيه شاريت ( شرتوك ) الذي حاول جاهداً أن يحد من سياسة ديفيد بن غوريونً العدوانية ضد الفلسطينيين بعد قيام دولة إسرائيل، تحت ذريعة أن عدد منهم يقومون بشن غارات على أهداف إسرائيلية دون التفريق بين الفلسطيني المسلح والمئات من المدنيين الأبرياء.
ويرسم تايلر عبر كتابه الطويل صورة عن الزعماء الإسرائيليين لا تختلف كثيراً عن بعضها البعض في مدى نزعاتهم العسكرية والعدوانية وانشغالهم الكامل في هوس أن تكون إسرائيل قوة عسكرية لا تردع بغض النظر عن العواقب.
أما بالنسبة لفشل جهود السلام “الفلسطينية الإسرائيلية”، على الرغم من توقيع معاهدتي السلام بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن، وإنجاز اتفاق أوسلو، يحمل تايلر جزءاً من المسؤولية للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ولكنه يضع اللوم بشكل واضح على الحكومات الإسرائيلية المتتابعة التي أمعنت في عنادها في تفضيل الاستيطان والسيطرة على الأرض على السلام مع الفلسطينيين، مما أدى إلى تبديد جهود السلام بشكل مستمر.
يقول تايلر ” إن إسرائيل انتقت الخيار العسكري بشكل منتظر ومستدام مقابل جهود السلام، ليس من أجل البقاء أو بسبب ما تطلبه الظروف، وإنما بسبب وجود هذه النزعة العسكرية في البنية الإسرائيلية التي أنجزت الدولة؛ فمنذ بداياتها وإسرائيل تحكم من قبل عقلية ( الصابرا العسكرية )، هذه الطبقة المحاربة التي تريد استدامة الحرب لأسبابها الخاصة وفرضت رأيها على كل من حاول أن يبتعد عن هذه السيكولوجية العسكرية “.يوضح تايلر ” أن الاستنتاج العام الذي اقتنع به أن الباحث المحق سيستنتج أيضاً أن إسرائيل، وعبر العقود الستة منذ إنشائها لا تزال أمة تقع في أسر نبضها التكويني بدرجة من العمق جعلت من الأجيال المتلاحقة من القيادات الإسرائيلية كيانات غير قادرة على الانتظام لعقلية دبلوماسية سلمية في حل مشاكل الدولة ( مع جيرانها )، بدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري، والذين هم قيادات متأهبة دائماً للضغط على الزناد يحتضنون بشكل مستدام أسوأ السيناريوهات وأكثرها حلكة بالنسبة لمستقبل الدولة، وبالتالي في تعاملها مع أعدائها التقليديين “.
ويقول تايلر ” إنهم يفعلون ذلك بشكل تلقائي من أجل الإبقاء على سياسة لحكم الدولة يسيطر عليها من قبل المبادئ العسكرية؛ إنها في الـ DNA، جيناتهم “.
يخلص تايلر إلى أن الأدلة التاريخية تثبت أن إسرائيل تفوت كل فرصة من أجل تحقيق السلام، وأنها استخدمت القوة مرة وراء المرة في غير مكانها، ” كثيراً ما كذبت عنها”. وأن ” العسكر يلعبون دوراً كبيراً جداً في اتخاذ كافة القرارات في كافة مجالات الحياة الإسرائيلية بما يخلق اختلالاً في التوازن بين العسكري والمدني في الحياة الإسرائيلية، مما يحول دون خروج الإسرائيلي الخروج من الروح عسكريته “.