العميد الدكتور امين حطيط
قد يصدق البسطاء ان العدوان الذي يستهدف غزة الان باليد الاسرائيلية وبالسلاح الاميركي الذي ينتج مباشرة او غير مباشرة باموال عربية، قد يصدقون ان هذا العدوان جاء ردة فعل على صاروخ استهدف الية عسكرية اسرائيلية تحرشت بالقطاع واقتربت منه في سياق الحصار المفروض على غزة منذ نيف و5 سنوات خلافا لقواعد القانون الدولي والانساني. وهي القواعد التي لا يوجد لها محل في الفكر الصهيوني الاستعماري.
1. وفي الاسباب الحقيقية للعدوان كما نراها (العدوان المنفذ الان تحت تسمية “عامود السحاب” (او عامود الغيم، او الغيمة المتصاعدة والمتمددة) فانها تكمن في ان جبهة العدوان على العرب والمسلمين ومستفيدة من نظم التبعية والارتهان، احتاجت لمثل هذا العدوان لللسير قدما في مشروعها التصفووي للمقاومة ومحورها، وتاليا تصفية القضية الفلسطنينة كما تريد اسرائيل وداعميها، وهو الهدف الاستراتيجي الاساسي الذي لا تستطيع الجهة المنفذة الافصاح عنه صراحة الان حتى لا تقع في سقطة حربي 2006 و2009، حيث كان التحديد المسبق من غير تحقيقه دليلا على الهزيمة الاسرائيلية.لهذا انطلق العدو بعدوانه، دونما اعلان مسبق لسقف العملية لكننا نستقرأ هذه الاهداف المتعددة الطبيعة بين عسكرية وسياسية واستراتيجية كالتالي:
أ. في الاهداف العسكرية المباشرة نرى ان اسرائيل تريد ان تضع حدا لتراكم القوة لدى المقاومة في غزة هذه المقاومة التي رفض قادتها الميدانيون المسار الذي اتخذ بعد احداث سورية، فاحجموا عن الانصياع لليعض من المسؤولين الذين قادتهم خياراتهم الى التماهي مع الموقف الاعرابي الذي تعبر عنه قطر المعروفة الولاء والانتماء والتبعية والوظيفة بالنسبة لاسرائيل واميركا. وبالتالي فاننا نرى في الاهداف العسكرية الحقيقية لهذه العملية ثلاثة اساسية هي:
1) تصفية القادة المقاومين من مقاتلين وسياسيين ليخلوا المجال امام الاخرين الذين ارتبطوا بالمشروع الغربي لانفاذ مشروعهم الاستسلامي ولهذا نرى ان الخطر يحدق بكل قيادي في المقاومة في غزة يرفض مسار تصفية المقاومة ولا يقبل بالقول وداعا ايها السلاح.
2) تدمير ما امكن من مخزون الصواريخ الذي تمكنت المقاومة من تشكيله تصاعديا خلال السنوات الاربع التي اعقبت حرب 2009.
3) تدجين المقاومة ثم تغيير واقعها في غزة من الوضع الذي عليه الان حيث هي قابضة على السلاح قادرة على المواجهة، الى الوضع القائم في الضفة الغربية و الذي يصدق عليه القول بالمقاومة المشلولة المقيدة ان لم نقل المنعدمة بسبب التنسيق الامني والقمع الذي تمارسه اجهزة سلطة اوسلو بالتعاون مع ااجهزة الامن الاسرائيلي.
ب. اما في الاهداف السياسية الاستراتيجية، فان ارادة اسرائيل و الغرب بالقيادة الاميركية تريد معرفة حقيقة الانظمة الجديدة التي قامت في معرض اكذوبة “الربيع العربي”، و اختبارها للتحقق من صدقيتها حيال الغرب وهل ستكون وفية لتنفيذ التزاماتها الناتجة عن صفقة “السلطان لنا اي للغرب والسلطة لكم اي للقوى الممسكة بالانظمة المحدثة”. اختبار يريد الغرب ان يجريه قبل ان يندفع اكثر في الانخراط العملي والميداني في الازمة السورية خاصة و انه تيقن ان تحقيق اهدافه في سورية يتطلب برأيه قرارات خطرة لا يمكنه اتخاذها قبل الاطمئنان الى مواقف تلك الانظمة المنتجة على عجل تحت عناوين دينية، يريد معرفة ردات فعلها الحقيقية على تصفية القضية بدءا من تصفية المقاومة في غزة.
ت. اما في الاهداف الاسرائيلية المباشرة فهي متعددة منها ما له علاقة بالانتخابات النيابية ومنها العسكري المتعلق باختبار المنظومات والخطط والاسلحة التي اعتمدت بعد حرب 2006 و2009 من اجل تحصين الجبهة الداخلية، ومنها السعي الى ترميم القدرة الردعية الاسرائيلية واستعادة الهيبة قبل اي عمل قد تقوم به او تقرره على الجبهة الشمالية ضد لبنان وسورية فضلا عن ايران.
2. ولتحقيق هذه الاهداف يبدو ان العدو اعتمد خطة مرنة ذات مراحل متتابعة و مفتوحة على كل الاحتمالات وبشكل يمكنه التوقف في اي مرحلة او اي لحظة دون ان يخشى توصيف الهزيمة او الاندفاع الى الحد الاقصى اي عودة الاحتلال الى القطاع لفترة محددة وبالتالي فاننا نرى ان خطة العدوان كما يمكن استقراؤها حتى الان قائمة على:
أ. مرحلة اولى: او المرحلة النارية المكثفة التي بدأها الطيران بشكل اساسي، والتي تهدف الى تصفية القيادات الميدانية ما امكن، وتدمير ما خزن من صواريخ، وتحاول اسرائيل هنا ان تتجنب استهداف المدنيين. وفي هذه المرحلة قد تدعي اسرائيل انها حققت اهداف العدوان بسرد ما انجزته في الميدان من قبيل القول بانها قتلت القائد الميداني الابرز في المقاومة والرافض لمسار التسوية الاستسلامية (احمد الجعبري) معطوفا على الادعاء بانها دمرت المخزون لاكبر من الصواريخ.
ب. المرحلة الثانية: وتنتقل اسرائيل اليها ان وجدت الطريق الميداني والبيئة الدولية مفتوحة لذلك. وسيكون اداء المقاومة مؤثرا في القرار الاسرائيلي. اما في التنفيذ فقد يكون متمثلاً في تضييق الحصار البري على غزة عبر احتلال شريط حول القطاع وفيه وبعمق يتراوح بين 3 الى 5 كلم ويكون من شأنه تعطيل استعمال الجزء الاكبر من مخزون الصواريخ، مترافقا مع تدمير الانفاق لمنع التعويض. وهنا قد تدعي بانها حققت المطلوب من العدوان.
ت. المرحلة الثالثة وهي تطوير للمرحلة الثانية و تكون باحتلال ممرات في القطاع بعرض 2 الى 3 كلم من اجل تقطيعه الى مربعات ثم حصار تلك المربعات دون الدخول في مواجهة ميدانية مباشرة مع المقاتلين في الاماكن السكنية.
ث. المرحلة الرابعة احتلال كامل القطاع والسعي لاجراء عملية اجتثاث كلي للمقاومة وملاحقتها بشكل يذكر بالعام 1982 في لبنان. وقد بدأت اسرائيل بالتحضير لها وللمرحلة الثالثة عبر استدعاء 75 الف من الاحتياط، وتحضير البيئة الدولية لتقبل هذا القرار ونتائجه.
هذا ما يمكن استنتاجه الان من طريقة ادارة جيش العدو لعملياته وكما بات واضحا يبقى امر توقف العدوان او استمراره حتى اقصاه رهن بعاملين:
1) الاول اداء المقاومة خاصة في مسألة ادارة النار والمحافظة على زخم اطلاقها بما يحافظ على مسألة انتاج الخوف لدى الاسرائيلين وهو الخوف الذي لا بد منه من اجل انتاج الردع المطلوب ومنع اسرائيل من ترميم قدرتها الردعية، وهنا نذكر بان ليس مطاوبا من المقاومة كثافة من النيران التدميرية لان وظيفتها ليست التدمير، بل عليها ان تلتزم نسقا من النيران يتعهد انتاج الخوف في النفس الاسرائيلية،
و في هذه النقطة يمكن ان نقيم اداء المقاومة حتى الان في الخانة الايجابية خاصة و انها احدثت من المفاجأت ما اربك العدو خاصة في القدرات النارية المتوفرة لديها و بدقة اصابة بعض الاهداف في ممنطقة تل ابيب وهو ما ادخل عاملا جديدا ضاغطا على اسرائيل وضعها في موقع حرج لجهة اتخاذ قرار حول الحرب استمرارا او توقفاً.
2) اما الثاني فمتعلق بالموقف الاقليمي و بالاخص الموقف المصري. الذي يكاد يوازي في فعاليته عمل المقاومين. وحتى هذه اللحظة نستطيع القول بان الموقف الدولي والعربي والاقليمي في غالبيته يعمل لصالح اسرائيل و يشجعها على متابعة العدوان بما يذكر بالوضعية ذاتها التي قامت خلال حرب 2006 ضد لبنان. وهنا بات المراقب يطرح السؤال هل ان التواطؤ العربي قائم الان ايضاً ؟ خاصة وان في مشهد العرب في جامعتهم ومواقف بعض الدولة ما يجعلنا نقول بالتواطؤ من غير خشية التجني على احد، والا كيف نفسر ان يصف العرب انفسهم بالنعاج امام اسرائيل، وهم انفسهم من كشر عن انياب الذئاب ضد سورية وشعبها ؟ وستبقى هذه نظرتنا وخشيتنا من الموقف العربي، دونما ضرورة لاعادة النظر بها، الا اذا رأينا قرارات ومواقف ليس اقلها:
– تهديد مصر او اقدامها على تجميد او الغاء اتفاقية كامب ديفيد.
– العمل على تسليح المقاومة في غزة بعد ان يتخذ قرار نهائي بكسر الحصار وفتح معبر رفح بدون قيد او شرط
– وقف التعاون الاعرابي مع اميركا في الملفات الاقليمية والعربية وفي طليعتها المسألة السورية.
– الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة لادانة اسرائيل في كل ما تقوم به وللحصول على الاعتراف بفلسطين دولة مراقب غير عضو فيها.
اما ما دون ذلك، او ما صدر حتى الان من مواقف عربية فهي ليست ذات قيمة عملية ولا تعدو كونها مواقف كلامية و خطابات شاعرية تغري العدو بمتابعة عدوانه وتؤكد التوطؤ العربي معه.
ويبقى القول وعلى اتجاه اخر، انه لا يمكن الركون لموقف غربي من هنا او لتصريح اسرائيلي من هناك يروج لفكرة قرب وقف العدوان، فهذا العدوان لن يتوقف الا بسد ناري تحدثه المقاومة المحتضنة من محورها الحقيقي ويدعمه موقف عربي صلب تبادر مصر الى تكوينه.
:::::
في جريدة الثورة، دمشق بتاريخ 19 112012