ولا… لحرب تحريك ثانية
عادل سمارة
ما اشبه اليوم بأمس. بينما حطم الجيش المصري خط بارليف وعبر سيناء ووصل الجيش السوري جسر بنات يعقوب كان أنور السادات (الرئيس المؤمن) ينفِّذ اتفاقه على حصر الحرب في مستوى التحريك وإخراج مصر من الصراع. وبينما يصمد المقاومون في غزة بكل فصائلهم الإسلامية والجهادية والوطنية والقومية واليسارية ,وتصل صواريخهم تل ابيب، تقوم قيادة الإخوان المسلمين التي في السلطة أو في دوائر الإرشاد بترتيب هدنة مع الكيان لعدة عقود لإخراج المقاومة في غزة من الصراع، تماماً كما فعل القُطريون الفلسطينيون والعرب تحت غطاء القرار المستقل بإخراج الضفة من الصراع. أما متى يكتمل هذا، فهو أمر آخر.
بينما كان ولا يزال المقاتلون في غزة ومن ورائهم البسطاء من أسرهم يواجهون الغزاة كان الساسة وكثير من المثقفين والمحللين يُسوِّقون مقدمات المؤامرة ويَسْوقُون الوعي إلى وضعية القطيع مؤكدين أن العرب لن يردوا على الحرب بالحرب. والشواهد على هذا قديمة ولكنها لم تخجل من الظهور على الشاشات والورق منذ بداية الصمود الغزِّي، وكان من الخطر علينا كشف ذلك فوراً لأن فيه ما يمكن أن يُصيب المعنويات بأذى. والآن لا شك أن المقاتلين يحسون ذلك فيقاتلون بمرارة أكبر، واستشهاد الجعبري وموقف عز الدين، ونخالة تؤكد صلابة المقاومة ورفضها للمساومة وخاصة للهدنة.
النصائح بالاستسلام
منذ الساعات الأولى للعدوان الأخير بدأ الحديث أو ما يسمى التحليل:
○ نحن لا نطالب العرب بالحرب؟ غريب! فالقضية منذ 1948 هي بالنسبة للعرب دفاع لاستعادة وطن، وفي اللحظة دفاع عن بقاياه كي لا تُستباح. وهل يُعقل أن ينادي قادة ومثقفون بعدم المشاركة في الدفاع أثناء هجوم العدو.؟ أليست هذه اخطر من الخيانة السرية التي تُطال المقاتل. أما هذه فتطال كل الناس كي يستسلموا.
○ وصل رئيس وزراء مصر إلى غزة فورا ومعه الأدوية لإفهام الجميع بأن هذا ما لدى النظام الجديد فلا قطع للعلاقات ولا إلغاء كامب ديفيد، ولا فتح نهائي للمعابر، ولا فك حقيقي للحصار فما بالك بإرسال السلاح إلى غزة. وهناك قال الرجل: أنا آت باسم أول رئيس مدني لمصر! وبما أنه رئيس وزراء نفترض أن حديثه ليس عفو الخاطر، فهو يقصد أن الرئيس المدني لا يرد على العدوان بالسلاح. أما العدو فودَّعه بتدمير المكان الذي التقى فيه بحكومة غزة.
○ وعلى خطى رئيس الوزراء المصري وجه اسماعيل هنية رسالة مكملة حيث حيا حكومتي الإخوان في مصر وتونس بدل أن يشكر إيران وسوريا وحزب الله الذين سلحوا ودربوا مقاتلي غزة على صناعة الأسلحة. أو على الأقل كان ليسكت لو لم تكن أقواله رسالة. لا نقصد هنا تمجيد معسكر المقاومة والممانعة بل تبيان إلى اين كانت تُساق الأمور. وأمس تحدث السيد خالد مشعل وكال المديح للمناخات المعتدلةـ بل لخلية الهدنة- من قطر مرورا بمصر وحتى تركيا وكرر ذلك كثيرا، وركز على قلة السلاح وضخامة الإرادة. لكنه كان في الأولى قاصداً طعن سوريا وإيران وحزب الله وصادقاً في الثانية. وبهذا بشر بهدنة زاحفة.
○ وكان مؤتمر وزراء الخارجية العرب ليعلن رئيس وزراء قطر أنهم نعاج! لكن النعاج أفضل، من رأى أفلام الطبيعة يرى أن النعجة تحاول مناطحة الذئب رغم معرفتها مصيرها. ولكن لماذا تجتمع النعاج إذن؟ أليست هي رسالة إلى المقاتلين كي يستسلموا؟ لو كان وراء هذا الرجل رأياً عاماً، جمهوراً، هل يجرؤ على هذا القول ومع ذلك فهو حامل راية دمقرطة سوريا[1]! ولكن طائرات بلاده والسعودية والإمارات شاركت في تدمير ليبيا.؟ وأموال بلاده واسلحتها تُهرَّب لتدمير سوريا؟ وما ضرورة الدول القُطرية التي تقودها نعاجاً؟ وبالطبع كان بهذا القول خبيثاً بما يكفي، لأنه سيقول لمن يعترض: تفضل وأعلن حرباً. لكنه لم يقل أنهم ليسوا نعاجاً في الحرب على القومية العربية!
○ يهدف كذلك حديث رئيس وزراء قطر تطمين شركات النفط بأن ضخ النفط لن يُمس، فالنعاج لا تقطع النفط ولا ترفع سعره.
○ في السودان تركز حديث محمد بديع أحد كبار قادة الإخوان المسلمين في مصر على “الأمة-أمة الإسلام” بينما في غزة يتم تدمير وطن. وهنا بيت القصيد بأن الوطن ليس على الأجندة، الأساس هي الأمة (بمعنى السلطة) لأن الوطن يرمز إلى القومية التي هي هدف التدمير كما يحصل في سوريا. وهذا يرتكز على عقيدة الإخوان بأن عدوهم الأول هي الأمة العربية من أجل أمة إسلامية مفترضة تفصل بين مسلمي السودان وإندونيسيا مئة سنة ضوئية.[2]
في اليوم الخامس للعدوان بدأت الأمور في الاتضاح:
ترتيبات قيادة الإخوان المسلمين السرية مع قيادتها العلنية (تركيا وقطر ومشعل والسعودية من وراء ستار) للوصول إلى هدنة لسنوات طويلة جوهرها تقويض المقاومة واعتقال كل من يرفض لتتحول المقاومة إلى خلايا سرية تماماً لأن المقاومة لم تتوقف حتى في ظروف اشد من الحالية، (هكذا كانت في عهد الأردن ما بين 1948-1967)، وتحويل غزة إلى إمارة منفصلة عن الضفة تماماً، وربما لاحقا توسيع الإمارة في قسم من سيناء مقابل جزء من النقب لمصر أو بدون مقابل. اي إنهاء مشروع غزة- اريحا رغم بؤسه. وهنا تجدر الإشارة أن هذا استمرار لما حصل إثر الانتفاضة الأولى بمؤامرة أوسلو اي استبدال المقاومة بسلطة وإدارات ورواتب ورتب وهو ما قاد للاقتتال بين فتح وحماس وخلق حكومتين والذي آل إلى فك غزة عن الضفة كمدخل لتصفية حق العودة.
إذا لم تتمكن قيادة حماس السياسية مدعومة بقيادة الإخوان العالمية من فرض هذه الصيغة على قيادة حماس المقاوِمة وقيادات مختلف القوى يستمر الكيان في التدمير وربما يقوم بهجوم بري، وإذا تمكن من دخول غزة قد يطرد جزءاً من أهل غزة إلى سيناء. وحينها إن نجح سوف يبني سلطة أوسلوية في غزة تسمح له بالمطاردة الساخنة من جهة وباستغلال الغاز من جهة ثانية ويصبح شريكا في منطقة تجارية واسعة بين مصر وغزة تقيمها قطر لتكون محطة تبديل لإيصال الغاز عبر سوريا التي يصرون على تدميرها ومنه إلى تركيا وأوربا.
لنتذكر أن الذين يزورون غزة هم انفسهم، أو ورثة، الذين تضرعوا للاحتلال عام 2006 بتدمير حزب الله وهذا تحديداً اشد عوامل تحمس الاحتلال لغزو غزة براً. لذا، فإن إعادة احتلال غزة وارد، إذا ما قرر العدو تحمل خسائر قتلاه. ومن يدري؟ فهل من موقف يقول بوضوح: لا لسقوط غزة وعند باب غزة فقط يتوقف الحلم التوسعي الصهيوني.
الخيار البديل:
لا يمكنك التصالح مع من يصرون على عدم رؤية مستجدات المرحلة وتطورات العالم. هناك قطبيات جديدة مقابل تراجع القديمة وتأزمها الاقتصادي. وهناك مقاومة وممانعة مقابل الأنظمة التابعة. واليوم كشفت المقاومة في غزة بأن الكيان بلا عمق وأن بوسع اسلحتها وصول القدس وتل أبيب كما وصلت صواريخ حزب الله تل ابيب ووصلت ايوب إلى ديمونا.
الا تشكل هذه جميعا الخيار البديل وهو رفض الاستسلام واستمرار المقاومة؟ بلى ، ولكن معسكر الثورة المضادة وخاصة جزئه العربي يعلم أن مصيره أمام هذه المعادلة في خطر فيصر على تركيع غزة ليواصل تدمير سوريا، فدون هذين الهدفين هو يخسر مصيره بينما يخسر العدو الغربي مصالحه.
ما حصل في غزة هو إثبات بأن حرب الاستنزاف ممكنة ضد الكيان والغرب الراسمالي ايضاً. إن بوسع العرب مواجهة الهدم الذي يقوم به طيرانهم بالهدم بصواريخنا، ومواجهة الردع بالطيران بالردع بالصاروخ . ولماذا لا تُعتمد استراتيجية الردع بالصاروخ وبالتجفيف النفطي.[3]
إن محاولة احتلال غزة قرار صهيوني امريكي. وهو أمر يجب أن لا يمر. وفي هذه الحالة، هل يمكن لمعسكر المقاومة والممانعة أن يفجر المعركة بمعنى تحرير حزب الله للجليل ؟ وهل تقف الحرب حينها بانسحابات متبادلة. أو هل حينها سوف تدخل قوى إقليمية الحرب؟
وهل يمكن للكيان القيام بمحاولة احتلال غزة لأنه وجد أن صمودها هو وضع حد حقيقي للمشروع الصهيوني ومن ثم لمبادرته باي حرب مما يعني بداية نهايته الفعلية، وبالتالي يعود إلى تكرار معنى شمشون “علي وعلى أعدائي”؟ وهل يلجأ الكيان لهذا بعيدا عن الموقف الأميركي؟ وإن حصل فهل معنى هذا أن الولايات المتحدة قررت خيار الحرب من اجل مصالحها بدل التنازل الناعم عنها مرغمة ومكرهة بسبب أزمتها الاقتصادية؟ فهل تتنازل طبقة عن مصالحها بالتراضي؟ وحينها هل تحترب القوى الإقليمية أم تتوسع الحرب عالميا.
تساؤلات كثيرة وسيناريوهات عديدة متداخلة ومتبدلة، وكلها تفتح على أمرين اساسيين:
○ إن الثورة المضادة لن تستلم ببساطة
○ وإن مأزق الأمة العربية في أن معسكر الثورة المضادة في شقه العربي ما زال كبيراً وأخطر أجزائه القوى والأنظمة السياسية الحاكمة والمتطلعة للسلطة ومثقفوه المخروقون (بانواعهم من لبراليين ويساريين وإسلاميين[4]) إلى حد أخطر من اختراق الجبهات العسكرية.