وخُرقنا بالقبة السياسية/كامب ديفيد
عادل سمارة
(ملاحظة: كُتبت بعد إعلان وقف النار بقليل)
صمد المقاتلون، صمدت المقاومة في غزة، وحمت غزة بل دخلت صواريخها إلى تل ابيب وصلَّت والقدس، وكادت معانقة صورايخ حزب الله في الشمال. كيف لا وأصلهما الإيراني والسوري واحد، بل وألقت التحية على مقابر 39 صاروخاً ضربتها عراق صدام حسين الذي سأل حينها: من سيضرب الصاروخ الأربعين وكان حزب الله قد رفعها للآلاف وجاءت غزة لتكمل مشواراً بنفس الصورايخ ذات الأصلين الإيراني والسوري فتفنك بالقبة الحديدية؟ وتمرد العُزَّل في الضفة الغربية على قيود التسوية والتنسيق الأمني بالاشتباك الأعزل مع الجيش الأكثر تسليحا بالنار والحقد واخترقت تل ابيب بتفجير جديد. صواريخ غزة حيَّدت القبة الحديدية، ووفرت ما يقلب قواعد اللعبتين أو القبَّتين السياسية والثقافية وما اخطرهما، وأعادت الأمور إلى القاعدة الوطنية، إلى قاعدة القواعد اي الأرض. ولكن، لأيام. لذا يشعر المرء بخوف شديد. ولست أدري، هو تراث طويل من عدم الفرح؟ أم للقلق ما يبرره من تراث طويل من المساومة السياسية التي حولت كثيرا من الإنجازات والحروب إلى حروب تحريكية!
بعد وقف النار، لم نعد مضطرين للمجاملة، فلا مجال للزعم بأن النقد توازيا مع إطلاق النار يُضعف العزائم. بل النقد الآن هو قول للمقاتلين: لم ينته دوركم ولن ينحصر في القتال وبذل الدم. لا تكتفوا بضبط إيقاع السلاح، إنتبهوا للتراقص السياسي والثقافي واضبطوه على إيقاع السلاح دوماً.
كان صديقي، وقال لي، بعد خروجه من المعتقل خلال الانتفاضة الأولى: “جيل من الشباب مستعد للموت في أية لحظة لكنهم يرفضون قراءة سطر واحد”. إنتهت الانتفاضة إلى كارثة اوسلو وأصبح هو على راس المطبعين، وصار كثير من الشباب رجال شرطة وحتى من رجال دايتون !
إرجعوا للوراء قليلاً، اكتسح الجيش المصري خط بارليف، ولكن السادات اكتسح الجيش المصري وذهب إلى كامب ديفيد الذي حصنه مبارك وتمسك به مرسي. هل أصبح كامب ديفيد من مكونات مصر كالأهرامات! صمدت المقاومة في بيروت 82 يوماً رغم تفوق سلاح العدو ولكن قيادة منظمة التحرير أخذت كل شيىء إلى تونس وانتهت في أوسلو-ستان. وانتهى المقاتلون إلى رجال شرطة يعتقلون مقاومين آخرين.
حرب غزة الثانية مليئة بالمتغيرات التي خلفها عواملها ومكوناتها بل أسسها. حرب أوقفت قدرة الكيان على احتلال أي شبر جديد، أو على الأقل اي احتلال ليس باهظ الثمن. حرب أكدت أن العدو ملتزم باستراتيجيته الجديدة صفر قتلى. إذن صفر توسع وهذا مناقض لمبدأ واسس خلق الكيان الصهيوني على أرضنا. حرب أكدت أن جاهزية القتال هي الرد ولكن بوجود السلاح ولو بحده الأدنى.
حتى الآن لا ندري جوهر الاتفاق أو التوافق. ونجدنا مضطرين للمشي الحذر بين ألغام الإعلام وهمروجاته. ولكن حديث أمس لخالد مشعل كان خطيراً. نعم شرح ما حصل دون ضرورة، لأن الصواريخ شرحت نفسها، كال المديح للنظام المصري كما يقوم دليل سياحي بشكر حركة السياحة التي مدَّت البلد برَيْع مالي مديد! واصر على نقد سوريا.
جميل يا سيد مشعل، فأنت تحكم غزة منذ سبع سنوات. هل اشركت معك أحداً في سلطة غزة؟ على الأقل كانت سوريا الأسد الأب فيها جبهة وطنية. وكان عرفات دوماً يحيط نفسه بشبه جبهة وطنية! أم هذه صيغة قوى الدين السياسي، الكل كافر إلا أنا! وماذا عن النساء؟ هل سوريا العلمانية من الأسد إلى الأسد، وهل عراق صدام وهل حتى سلطة رام الله قد أمرت النساء باللجوء إلى الخُدور! وأهم من كل هذا : إذا كان المقاتلون قد توحدوا لحظة العدوان، فهل ستقيم جبهة وطنية سياسية وثقافية في غزة اليوم؟ أم سترسل المقانلين إلى سوريا ليُلبسوا النساء السواد! لذا على المقاتلين الحذر ولا عذر لأحد.
أما حديث رمضان شلَّح فكان أخطر. كان نصف مفرداته تأكيد الاتفاق مع مشعل، والنصف الآخر خلا من المطلوب الأساس: ففي حين شكر مشعل إيران بكلمات عابرة، من باب الخوف من احتجاج ضاربي الصواريخ، تخزبل شلح ولم يشكر قط. لو كان ماهرا قليلا لشكر روسيا مثلا على الكورنيت. ورغم أنه لا يزال في سوريا، لكنه لم يجرؤ على نصف شكر لها على واجبها ولا شكر لحزب الله طبعاً! يبدو أن الجحود في السياسة سلاح هام. ومن يدري فربما بعد أن هزم المقاتلون القبة الحديدية أكدت لرمضان شلح القبتان: القبة السياسية والقبة الثقافية، أنهما سوف تدمرا سوريا : لذا، عد إلى دمشق وصلي في الأموي وقل لهم القولة المعهودة: قلوبنا معكم وسيوفنا مع الإخوان، وفي النهاية مع الأمريكان، لملم أغراضك واستعد للعودة إلى غزة الآمنة!
لا تخذلوا معسكر المقاومة والممانعة:
لم يكن مفاجئاً استحضار هيلاري كالعقربة الصفراء كي تلملم الأمور فتغطي عورة قيادة الكيان وهزيمتها بغطاء قوى الدين السياسي من مصر. وقبل أن نعرف تفاصيل الاتفاق، فإن مجرد وجود الرعاية الأمريكية يعني تطويع وتدجين الانتصار عبر النظام المصري أي نظام كامب ديفيد. وبهذا يتم توظيف هزيمة القبة الحديدية لرد الاعتبار لها عبر إخضاع الانتصار لصالح القبة السياسية (كامب ديفيد) والقبة الثقافية (استدخال الهزيمة) حتى في لحظة النصر، فهل جرى تحويل النصر إلى حرب تحريكية لتخرج عقارب التسوية إلى بيوت اللاجئين الترابية؟.
دم فلسطيني، وانتصار المقاتلين وصواريخ إيران وسوريا وروسيا وتضحيات حزب الله جميعها توظف لإعادة الاعتبار للرئيس المصري الذي لم يجرؤ على قول كلمة إو إرسال طلقة حين القتال! ولتصبح مصر وسيطاً . من قال إن شعب مصر وسيط؟ ألم يكن الأجدر أن تكون روسيا راعية مقابل واشنطن؟ ولكن المطلوب تكرار ما حدث منذ اتفاقية رودس بعد هزيمة 1948: توظيف الحكام العرب لحماية حدود الكيان. هذا دور مصر منع تهريب السلاح فكل المشكلة وجود سلاح بيد الفلسطيني. وسيرعى ذلك جهاز المخابرات المصرية وسوف تسمعون قريبا أنين المعتقلين بتهمة تهريب السلاح.
بعد الانتصار ولملمة الصواريخ يتجذر انقسام العرب إلى معسكرين وتجهيزهما لحرب وسخة:
- معسكر المقاومة والممانعة من أجل الوطن.
- ومعسكر التسوية من أجل السلطة والتسوية والحرب نيابة عن الغرب الراسمالي حرب على القومية العربية عبر سوريا والحداثة في المجتمع وعلى الإسلام ايضا في ثوب طائفي ضد إيران.
وإلا ما معنى مديح الرجلين لمصر الرسمية وحتى لمخابراتها؟ فهل هي عسس هرون الرشيد أم عسس أل C.I.A !
مرة أخرى، رغم كل ما تقدم، لا أجد في داخلي شعوراً بالراحة. هل ذلك لأن في النهاية ألغام؟
ردع فلسطيني للاحتلال، كان الرابح الأساس منه تفرد الولايات المتحدة لقيادة المنطقة عبر امتطائها لمصر واستباقاً لعودة دور روسي. إنه توظيف الدم والنصر لصالح كامب ديفيد.
إذن كامب ديفيد يقطف ثمار السلاح الإيراني والسوري وتضحيات حزب الله في تهريب الصواريخ؟ فهل يعني هذا خروج غزة من المعادلة؟ هل يؤكد هذا تحريكية الحرب؟ هل تم إذن اقتطاع جزء من معسكر المقاومة بدل أن يكون ما حصل كسبا لها؟ وستبدي لك الأيام حتى لو لم تكن جاهلا!