غزة وحديث الوحدة الوطنية


عبداللطيف مهنا

صمدت غزة ، وبصمودها ، بمعجزاتها ، انتصرت ، وبنصرها انتصرت فكرة المقاومة وتعززت ثقافتها . أفشل صمودها الإعجازي إستهدافات العدوان الغاشم عليها ، أسقط المعلن منها والمضمر ، فاندحرت تلقائياً الإنهزامية التسووية التصفوية ، تراجعت إلى جحورها منحسرة إلى حين ، كمنت فلول ثقافتها البائسة . سبق صمود غزة هذا إمتشاقها للإرادة وإستعدادها للمواجهة وقرارها الوحيد ، إما الإنتصار أو الإنتصار ، فكان لها ما قررته بقدر ما كانت هى بتضحياتها أهلاً له …  غيَّرت غزة بدمها وصواريخها وعنادها قواعد اللعبة ، أضافت جديدها إلى المعادلة ، بشرَّت بمرحلةٍ لم تُعهد من قبل في معهود مسارات الصراع المحتدم المستمر … وضعت بصمتها على المنشود النضالي لقواعد إشتباكات محطاته حتى النصر . شاءت غزة فاستعدت وصمدت فانتصرت فعاد للتو حديث “المصالحة” والوحدة الوطنية من جديد ، هذا القديم قدم إهمالٍ طال بعد طول تكاذب …  وإذ هو يتعالى الآن ، يستوجب الأمر منا إشهاراً لابد منه لحقيقةٍ فلسطينيةٍ جداً ، حقيقة لن يطمرسطوعها إستسهال العودة من جديد لذات محاولات الإلتفافات عليها ، أوإستعادة لإفك التكاذب السالف ، هذا الذي ماعاد الآن يليق بالمناسبة الغزاوية غير المعتادة ولا ينسجم بحال ٍ مع مايستوجبه مبهر جديدها :

إنه ، وعبر مسيرته النضالية الطويلة طول معاناته وعذاباته ، وفي مستمر درب كفاحه الشاق المعمَّدة بالدم والمعبَّدة بالتضحيات والموشَّاة بإسطوري البطولات ، لم تجتمع صفوف الشعب الفلسطيني يوماً أوتلتقى راياته وتتآلف ألوانها إلا في ساح المقاومة … لم يوحِّد الفلسطينيين إلا هدف تحرير كامل فلسطين ، من نهرها إلى بحرها ، ولم تفرِّقهم وتشتت قواهم إلا جنوح من يجنح منهم للمساومة عليها والتفريط بذرةٍ من ترابها الممزوج بدماء أجيالٍ تتوالى قوافلها من شهدائها … ثم من قال أن الشعب الفلسطيني ، في كامل مواقع تواجده على كامل أرضه وسائرمنافيه في شتاته ، وفي أمسه قبل يومه ، هو غير الموَّحد المجمع على المقاومة سبيلاً إلى التحرير والعودة … غزة هاشم في آخر مسلسلات ملاحمها الكفاحية المبهرة هذه كان لها شرف من بات عنواناً ساطعاً لمثل هذه الحقيقة الفلسطينية الوحدوية المقاومة ، هذه السارية المفعول على امتداد الصراع الوجودي المفتوح وإلى آن إنقضائه المحتوم ووفق المشيئة الفلسطينية .

صمدت غزة ، فكانت مادعيت بالتهدئة ، إعلن عن موعد سريانها ، وكان إلتزام الطرفين بها ، لكنما صاروخاً من صواريخها وصل إلى بئر السبع المحتلة متأخراً عن الموعد المعلن بثوانٍ ، ليقول تأخره هذا أن غزة الصمود والإرادة المقاومة قد أفشلت إستهدافات عدوها المعلنة والمضمرة فانتصرت … إستعادت القضية التى استبعدها الراهن العربي وفرضت حضورها على اللحظة ، وقالت للجميع ، من مشارق الأمة الى مغاربها ، فلسطين هى البوصلة … ذكَّرت واضعي رؤوسهم في رمل الهوان العربي بأن هذا العدو ، الذي عوَّده هوانهم على انتصاراته السريعه ، كان آخرإنتصاراته هذه ، وما لم تتكرر بعدها وليس لها أن تتكرر ، كانت في العام 1967 …

ضَّحت غزة وغيَّر صاروخ بئر السبع المتأخر المعادلة . أسس جديدها لقواعد إشتباكها مع عدوها … نعم دفعت مهر ه باهظاً ، لكنما ، وفي زمنٍ محتضرٍ من الإنحدار العربي آن دفنه ، سطَّر الغزيِّون من جديدٍ ماكان قد خطه لبنانيو المقاومة في الألفين ، وأكدوه في الألفين وستة ، وثنَّت هى عليه في الألفين وثمانية ، وهو إنتصار ثقافة المقاومة وسيادة روحها . وهي إذ تعلم ، قبل صمت المدافع ومن بعده ،  ماأعلنه نيابةً عنها صاروخ بئر السبع المتلكىء وتردد رجعه على حاجز قلنديا رغم أنف سلطة التنسيق الأمني ، أي حدود قوة وقدرة عدوها  وهشاشة جبروته ، إلا أنها تدرك أيضاً ماكانت قد أدركته في جولة الألفين وثمانية ، وهو أنه ، ولطبيعة هذا العدو أولاً ، وبما تدعى التهدئة ومن دونها ، كما لغموضٍ لايخفى في ثنايا بعض بنودها ، أنما هو ليس سوى صمتٍ مؤقتٍ للمدافع وإلى حينٍ ، وعليها أن تستعد للقادم كما سبق لها وأن استعدت ليومها هذا بعيد ملحمة الالفين وثمانية .

لم يكن الشعب الفلسطيني في يومٍ من الأيام ، وعلى امتداد عقود الصراع على فلسطينه إلا واحداً موَّحداً على ثوابته النضالية … على فلسطينه ، في ساحات مقاومة محتليها ، وفي سبيل تحريرها . وبالتالي يتساءل الفلسطينيون ، هل من سبيلٍ حقاً إلى وحدة من ساوم مع من قاوم دون انتقال أحدهما إلى جانب الآخر؟!

… غزه في ملحمتها الأخيرة أعادت التذكير بخيار فلسطينها ، المقاومة حتى النصر ، ومن شاء فليلتحق بخيارها الشرعي والوحيد .