منظومة ممنهجة من الحروب والجرائم…!


نواف الزرو

   يقول أورن يفتحئيل أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون، أن “مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة”، وأن”هذه الحرب استمرار للمشروع والسلوك الإقليمي الإسرائيلي الذي تبنى هدفاً متشدداً ووحشياً يتمثل في إسكات الزمن الفلسطيني”، أي محو التاريخ الكامل لهذه البلاد، وإسكات التاريخ يشكل أيضاً محواً للمكان الفلسطيني ومعه الحقوق السياسية الكاملة القائمة بمشروعيتها وليس بمنة من إسرائيل، ويضيف”ان الحرب الاسرائيلية على غزة، ليست فقط عملية لوقف الصواريخ، أو لتلميع شخصيات للانتخابات أو محاولة لترميم الردع، وليست فقط محاولة لإسقاط حكومة “حماس” وليست مسعى إمبريالياً (إسرائيليا-أميركيا) للسيطرة، وانما هي كل هذه الأمور، ولكنها أيضاً استمرار لإستراتيجية مديدة السنوات من إنكار ومحو وشطب أي ذكر لتاريخ هذا المكان في العصور الأخيرة، ومشروع المحو هذا ينخرط فيه الجميع تقريباً:السياسيون والفنانون ووسائل الإعلام والباحثون في الجامعات والمثقفون الإسرائيليون”، وعجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيريز أحد رواد الاستيطان والبرنامج النووي الإسرائيلي، ما زال يكرر حتى اليوم مقولة غولدا مائير بأنه” لم يكن هناك شعب فلسطيني في ال 67″.

  ونتابع في المشهد الفلسطيني الماثل امامنا منذ اقامة الدولة الصهيونية ببالغ الوضوح:

* قتل مكثف للفلسطينيين دون تمييز عن سبق تخطيط ونوايا اجرامية مبيتة، وذلك عبر المجازر الدموية الجماعية والاغتيالات والاعدامات الميدانية المتصلة دون هوادة، حيث لم ينج من المجازر الصهيونية لا المرأة اوالطفل ولا الشيخ او الشاب الفلسطيني.. فكل الفلسطينيين متهمون ومستهدفون وفي دائرة التصويب والقتل.

* تدمير وتهديم شامل للمدن والقرى والمخيمات والمنازل والاماكن المقدسة والآثار التاريخية والحضارية العربية في فلسطين، وان كانت التنظيمات الارهابية الصهيونية، قد هدمت ودمرت ومسحت نحو 535 قرية فلسطينية خلال فترة النكبة، فإن سياسة التدمير والتهديم لم تتوقف ابدا منذ ذلك الوقت، وقد وصلت ذروة جديدة لها خلال حرب “السور الواقي” والاجتياحات والتدمير المتواصلة، وخاصة في مخيم جنين والبلدة القديمة من نابلس، لتصل الى ذروتها  الاجرامية في غزة.

* ترحيل – ترانسفير- جماعي للفلسطينيين، حيث هجرت عصابات ودولة الاحتلال ثلثي الشعب الفلسطيني الى خارج الوطن والبيت والاهل، وما تزال تلك الدولة تخطط وتبيت وتسعى الى اجبار من تبقى من الفلسطينيين على الرحيل عن ارضهم وممتلكاتهم.

* العقوبات الجماعية، حيث تنفذ دولة الاحتلال سياسة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني برمته، وتشمل تلك العقوبات شتى صنوف القمع والتنكيل والاذلال والتجويع والتعطيش والاعتقالات والمحاكمات والحصارات والاطواق والحواجز العسكرية، ومساحة هذه المقارفات الاجرامية السافرة لا حدود لها.

* اغتصاب الارض والممتلكات – اذ تواصل دولة الاحتلال سياسة اغتصاب الارض والممتلكات العربية وتهويدها عبر بناء المستعمرات وتوطين الغزاة القادمين من اسقاع العالم بغير حق فيها.

  • يضاف الى كافة هذه الممارسات الصهيونية، سياسة التمييز العنصري –الابرتهايدي- التي تمارس على نطاق واسع ضد المواطنين العرب في اطار”الدولة الصهيونية” نفسها، وهذه الممارسات العنصرية ترتقي الى مستوى الجريمة في العرف الدولي.

 فنحن كما هو واضح امام منظومة ممنهجة مبرمجة مبيتة مع سبق التخطيط والقرار والاصرار من المحارق والمجازر الدموية وجرائم الحرب المتنوعة الشاملة البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال الاسرائيلي ضد شعب وشجر وحجر وارض فلسطين بما يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية.

  الى ذلك، يسعى البلدوزر دائماً بلا كلل او ملل او توقف او استرخاء، الى التهويد الشامل للوطن المغتصب هناك – جغرافياً وسكانياً وحضارياً وتراثياً واقتصادياً – وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات..كما يعمل الى جانب كل ذلك من اجل تفريغ ذكرى النكبة من مضامينها وكذلك ذاكرة النكبة من كل معانيها ودلالاتها.. في الوقت الذي يشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة.. الذكرى والذاكرة..

    شهدنا في الآونة الاخيرة تطورا دوليا جديدا يتمثل بانشاء محكمة الجنايات الدولية، التي نحتاج نحن كشعب فلسطيني وامة عربية الى حضور مكثف على مسرحها…؟.

   الحاجة تتزايد يوما عن يوم، ليس فقط الى توثيق جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين، بغية المطالبة بتقديم مقترفيها الى محكمة الجنايات الدولية، وانما بالاساس لان هذه المهمة التوثيقية هي مهمة تاريخية ثقافية تربوية تعبوية لشعوبنا واجيالنا الراهنة والقادمة ايضاً، ولان هذه المهمة التوثيقية الملحة تنطوي على اهمية كبيرة ايضاً في سياق اعادة كتابة تاريخ الصراع ، ما يستدعي بقوة والحاحية منقطعة النظير في هذا الزمن الامريكي / الصهيوني العمل وبالسرعة الممكنة من اجل انشاء مراكز متخصصة لتوثيق جرائم الاحتلال…..؟

:::::

Nzaro22@hotmail.com