مذبحتي سوريا وغزة
عادل سمارة
هناك الكثير مما لم يُدرس إثر هزيمة حزيران 1967، وحتى ما تمت دراسته، المسألة العروبية مثلاً، لم تُقرا كما يجب. ملاحظات هذه العُجالة متعلقة بأخطر الظواهر المعادية للقومية والعلم والحداثة التي طغت بعد حرب حزيران ولم يتابعها أحد إلى أن اصبحت أكثر الظواهر خطراً على مصير الوطن العربي باسره، وهي ظاهرة أنظمة وقوى الدين السياسي ودورها في احتلال الدين وتطويعه لصالح كل ما هو رجعي ومرتبط بالغرب ومضاد للمرأة والحداثة وحتى العمل والإنتاج.
صحيح أن مواجهة هذا كان يجب أن تكون على أجندة اليسار ربما قبل غيره، ولكن هذا لا يعفي القوميين والعلمانيين وحتى الوطنيين والتنويريين عموماً من التصدي لهذه الظاهرة الخطرة حتى لو كان هناك يساراً حقيقياً.
لفد بادر صادق جلال العظم في الكتابة عن ما اسماه الحقبة السعودية، ولكن هذا كان يجب أن يُستكمل ضد الوهابية والسلفية التي تغذت من هذا النظام بشكل منهجي وتسللت إلى مختلف الأقطار العربية باسم الدين من جهة ونظراً لاستخذاء اليسار ومختلف قوى التنوير الأخرى على طول هذا الوطن من جهة ثانية.
قرابة نصف قرن من الفراغ الفكري التقدمي والقومي والاشتراكي في الوطن العربي، وسيطرة أنظمة التجويف والتجريف أفسحت أوتوستراد من المحيط إلى الخليج لكل من الأمير النفطي وشيخه لإغراق الوطن بمطبوعات عنوانها الدين وجوهرها تثبيت حكم حكام النفط وربط الإسلام بهم لتبرير بسط سيطرتهم على انظمة ومجتمعات الوطن بما يحملونه من ثقافة ما قبل مدنية، لا تُقر بالحريات ولا بالطبقات ولا بالأحزاب ولا باي حق للمرأة، وتضاد القومية العربية والوحدة فما بالك بالاشتراكية، وتقف بعيدا عن الصراع العربي الصهيوني فلم تشارك بطلقة أو جندي على مدار سبعين عاما من الصراع، بينما شاركت في مختلف الحروب الأميركية في مختلف بلدان العالم.
استخدم حكام النفط هؤلاء أداتين: المال ومثقفيهم العضويين من رجال الدين. والمال آتٍ من ريع النفط، اي بلا جهد عملي إنتاجي مما يسمح للحاكم بإشعار المواطن بأنه هو الذي يطعمه ويسقيه فيحصل منه على ذل هائل وطاعة عمياء. وهذا قدد يفسر لماذا لا ربيع هناك! ذات مرة قال مؤيد لبرالي لهذه الأنظمة: لماذا تركزون على أنظمة الخليج؟ لا توجد هناك احتجاجات؟ وكأنه لا يعرف أن الخليج من حيث الحقوق وثقافة الاحتجاج هو في عالم آخر.
أما مثقفوهم فمعداتهم هي لحى طويلة لإخفاء مكرهم وملابس فضفاضة لإخفاء سمنتهم. فهم من فئة لم تعمل قط لا جسديا ولا ذهنياً. لا يمتازون عن المواطن بحفظ القرآن لأن كل مواطن متعلم يفعل ذلك. فتاواهم سياسية وليست وعظية أخلاقية. يتعيشون من دورهم الذي ليس له ضرورة وليس من حقهم بل هو غير شرعي لأنه بتكليف من السلطان، والسلطان معيَّن من الغرب الراسمالي!.
لقد حول هؤلاء “القداسة” التي مُنحت لهؤلاء من الأرض وليس من السماء إلى “قداسة” من السماء، فأخذوا يستبيحون الدين لصالح الحكام. وأمام تواطؤ اليسار وقوى الاستنارة عامة جرى تمرير هذا جميعه.
ربما يشكل الشيخ يوسف القرضاوي نموذجا هنا. فقد افتى الرجل بقتل 8 ملايين سوري للتخلص من النظام! هل كان بوسعه قول هذا لولا تلك العقود الأربع من الظلام باسم الدين وبتمويل النفط وتواطؤ المثقفين التنويريين؟ هل هذا دور رجل دين؟ من اين سمح لنفسه بهذه الفتوى؟ لم يقتل هتلر سوى ستة ملايين يهودي، بغض النظر عن دقة العدد وتواطؤ قيادات يهودية معه، وما زال ملعوناً، فمن وقف ضد القرضاوي؟ من طالب بمحاكمته؟ من طالب بفحصه عقليا (بيولوجيا) أو نفسياً؟ بل بالعكس، ارتفع مقامه وصار حجة في السياسة وليس في الدين وحسب. ترى، من يستطيع الفصل بين مناخ فتوى القرضاوي وارتفاع منزلته بعدها وقيام غربيين في السياسة والإعلام بشتم الرسول الكريم والإسلام؟ قد يقول البعض هؤلاء الغربيون حمقى ومأفونون. لا شك، ولكن من الذي قدم لهم كل هذا المناخ؟ هل هو الرئيس السوري أم تحرر المرأة في الشام؟ وبدل أن يتنبه هؤلاء البسطاء لخطورة هذا الرجل وأمثاله وداعميه، تدفقوا بعشرات الملايين إلى الشوارع يهاجمون الغرب! وبدل أن يتجه هؤلاء ضد قيادات من الإخوان المسلمين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ويساريين سابقين وناصريين وكثرة من المفتونين بالقرضاوي الذين يواصلون القتل في سوريا ربما ليتجاوز ذلك الثمانية ملايين، يصطفون مع هؤلاء ويتطوعون للمذبحة!
هذا عن دمشق، أما عن غزة، ورغم أن المذبحة هناك يقوم بها الكيان الصهيوني فإن مشايخ السلفية والوهابية في صمت مريب! ولكي يغطي حكام النفط والأنظمة العربية الأخرى تواطئهم ضد المقاومة فقد ذهبوا إلى غزة في زيارات سلمية استسلامية سقفها الأعلى التعزية بالشهداء وسقفها الأدنى للسياحة. ومن يدري فربما بحثوا أو عقدوا صفقات زواج استغلالاً لفقر الناس وفقدان بُلغة العيش كما في مخيمات اللجوء السوري إلى الأردن، وكله باسم الإسلام!. زيارات كانت تهدف ترجيح كفة القادة السياسيين للمقاومة على كفة المقاتلين اي لتاكيد أن ما هو قادم، اي إسقاط المقاومة.
في هذا المناخ “بادر” أحد مشايخ السلفية في غزة ليفتي بأن اي خرق فلسطيني للهدنة مع الكيان هو خروج على الإسلام. من خوله بهذا؟ وهل نفي حكومة حماس لعلاقتها بفتواه كافٍ؟ وما الذي يؤكد عدم اتفاقها معه؟ هل يعبر هذا عن اختطاف السياسة وخاصة انظمة وقوى الدين السياسي لا سيما في مصر لبطولة المقاومة وتوظيفها لصفقاتها مع الكيان والولايات المتحدة؟ وهل كل هذا بعيداً عن تركيز كافة الإمكانات ضد الدولة السورية بجيشها وشعبها وقيادتها؟
والسؤال الذي يجرؤ الشيوخ والأمراء وتوعهم من مثقفيهم الإجابة عليه: ها قد خرق الاحتلال الهدنة بشكل يومي وقتل وجرح ودمر زوارق الصيد، فأين فتاوى المشايخ وأين تعهدات الرئيس المصري وشيخ قطر وجامعة الدول العربية؟