العميد الدكتور امين حطيط
أ. في اقل من اسبوع اتخذ الغرب الذي يشن حربه العدوانية على سورية منذ نيف و 21 شهرا ، في اقل من اسبوع اتخذ هذا المعتدي او المح الى اتخاذ تدابير قد يقود جمعها وتحليلها بشكل تكاملي ، الى القول بان الغرب الذي ” كان على عجلة من امره ” لحسم المسألة السورية لصالحه وتسليم الحكم فيها الى جماعات عقد معها الصفقة- الفضيحة التي تضمنت تصفية القضية الفلسطنية على حساب حقوق اهل القضية ، ان هذا الغرب لم يعد بمقدوره الانتظار اكثر وانه يتحضر للتدخل العسكري المباشر والمتدرج لتحقيق اهداف عدوانه ، وجاء في هذه التدابير تباعا :
1) قرار الناتو الاستجابة الى المطلب التركي بنشر بطاريات من صواريخ الباتريوت على الحدود مع سورية ، بذريعة حماية الشعب التركي ” من هجوم مزعوم ” قد تقوم به سورية في معرض معركتها الدفاعية التي تخوضها ضد الارهاب والمسلحين الذين اتخذوا من تركيا قواعد لهم وشكلت تركيا الحاضن الجغرافي والسياسي واللوجستي لهم .
2) تهديد الغرب جماعة وفردى وعلى لسان اميركا ثم الناتو ثم تباعا من قبل من تبقى من تابعيها الاروبين ، تهديدهم لسورية ” باوخم العواقب ” اذا استعملت الاسلحة الكيماوية ضد القتلة والارهابين الذين ترعاهم القوى الخارجية المعتدية على سورية بالقيادة الاميركية .
3) تسريب احدى الصحف الاسرائيلية (معاريف ) لخبر الخطة الغربية – على حد توصيفها – للقيام بعمل بري ضد سورية من اجل السيطرة على مخازن الاسلحة الكيماوية ، بغية منع استعمالها من قبل قوى النظام و منع تسليم اجزاء منها الى حزب الله ، وان هذه الخطة ارسيت على قاعدة اعداد واستعمال 75الف جندي من الاطلسي واسرائيل و بعض الدول العربية لتنفيذ المهمة .
4) تصاعد الحملة الاعلامية وبشكل هستيري ضد النظام في سورية والترويج لقرب سقوطه المزعوم ، الى درجة استعمال عبارات مثل ” اي لحظة ” او ساعات ” او ايام ” او اسبوع او اسبوعين حد اقصى لحدوث هذا السقوط وهو ترويج ساهم به اكثر من طرف او جهة لا نجد فائدة من ذكرهم الان .
ب. ولكن قبل اجراء تقدير للموقف على ضوء ما تقدم وصولا الى تحديد ما اذا كانت الحرب حقيقة واقعة مستقبلاً ام لا ، فان المنطق السليم يفرض الاجابة على سؤال اساسي حول طبيعة البيئة السياسية والعسكرية او الظروف التي ترافقت تلك السلوكيات معها حيث نجد منها ما يلي :
1) فشل الخطة العسكرية الميدانية الغربية العدوانية التي وضعت لاسقاط دمشق و منطقتها ، وهي الخطة التي نفذت من قبل 40 الف مسلح ، وضعت بتصرفهم اعلى تقنيات الاتصال ، وتم تزويدهم بالسلاح النوعي (شاملا الصواريخ ضد الطيران والمدرعات) خطة كان يعول عليها لحسم الازمة لصالح الجهة المعتدية . ولكن الجيش السوري تمكن من ايقاع المسلحين في دائرة النار فقضى فيها على الالاف منهم في اقل من عشرة ايام .
2) فشل المشروع الاميركي في توحيد المعارضة السورية في كيان سياسي تشرف عليه هي وتقوده كما تمارس العمل ذاته اليوم في كل من مصر وتونس وليبيا ، وبروز قوى معارضة صلبة ترفض التدخل الاجنبي وترفض العنف والقوة طريقا لحل الازمة ، ثم وقوع اختراق ايراني وآخر روسي باتجاه المعارضة السورية ما تسبب بخيبة امل اميركية دفعت الغرب الى كبح اندفاعته التي نفذها فور اعلان “الائتلاف السوري المعارض” والتي ترجمت بتسرع بعض الدول للاعتراف بهذا الائتلاف ثم تبين لهم خواء ما قاموا به .
3) فشل الخطة الرامية الى قطع الصلة بين محور المقاومة (ايران وسوريا والمقاومة في لبنان) مع المقاومة والقضية الفلسطنية ، حيث تاكد المخطط ان التحاق حماس بالمحور التسووي للقضية الفلسطنية على اساس التنازل عن 78% من ارض فلسطين التاريخية ، والقبول بدولة مقيدة ومحدودة الصلاحيات تقوم على 22% من الارض المتبقية من فلسطين (غزة والضفة) ان هذا لن يقود الى التصفية بعد ان انبرت فصائل فلسطنية مقاومة وجاهرت بعلاقتها بالمحور واصرارها على اعتبار المقاومة هي الخيار الفعلي والجدي لتحرير فلسطين.
ج. استنادا الى هذه الحقائق ، يستطيع المتابع المعني والمراقب للحدث السوري ان يستنتج بان الغرب قام بهجومه التهويلي المتقدم التفاصيل من اجل اعادة التوازن الى المشهد والموقف المتشكل اثر اخفاقاته المذكورة ، وهي اخفاقات متنوعة الطبيعة من عسكرية وسياسية واستراتيجية ، احدثت للغرب صدمة لا يمكن الاستهانة بشدتها كما لا يمكن تصور تسليم الغرب بسهولة بهذه الاخفاقات خاصة ان العالم وتحديدا منطقة الشرق الاوسط تمر في مرحلة حرجة وهي مرحلة اعادة صياغة العالم ونظامه الجديد ، ولذلك يكون اندفاع الغرب في هذه الكريقة جاء من اجل التغطية على اخفاقاته ايضاً .
د. لكن السلوكيات الغربية تلك لم تمر من غير رد من قبل المعسكر الدولي المقابل الذي جهز نفسه لكل احتمال بما يقابله ومع قناعته بان الحرب والتدخل الاجنبي في سورية لم تحن اوقاته وانه يظل حتى هذه اللحظة مستبعدا لا بل يمكن القول بانه شبه مستحيل لان الغرب يعلم ان تدخله في سورية لن يمر من غير تدخل عسكري مقابل وبشكل يلهب المنطقة و يغير المشهد كله في عير صالحه وبالتالي فاننا الغرب يعلم بان المعسكر الاخر يعلم بان المواجهة العسكرية لن تكون الان و ان كل ما في الامر هو حرب نفسية تهدف للتعويض عن خسائره المتعددة ولاعادة توازن ما الى المشهد ورغم ذلك فان المعسكر الذي تنتمي سورية اليه اقليميا ودوليا لم يدع الامر يمر من غير ردة فعل ، بل انه قام وفي الفنرة ذاتها بما يفوت على الغرب اهدافه حيث سجل ما يلي:
1) قرار روسي بتنفيذ العقد مع سورية وتزويدها بصفقة صواريخ اسكندر الاستراتيجية والمكافئة للصاروخ باترويوت بما يقود الى افراغ القرار الاطلسي من محتواه ويمنع تغير المعادلة في هذا المجال.
2) اقدام ايران على اهباط طائرة “ايغل” الاميركية وهي طلئرة بدون طيار ، وهي عملية شكلت صفعة شديدة الاثر السلبي على المعنويات الامريكية ، واجبرت امريكا على التنصل من الطائرة حتى لا تعترف لايران بانتصارها المثلث الابعاد تقنيا وعسكريا واستراتيجيا .
3) تعامل سورية مع مسألة الاسلحة الكيماوية بهدوء وثقة بالنفس فوتت على الغرب ما كان يريد ، فلم تؤكد او تنفي وجود الاسلحة لديها لكنها نفت امكانية استعمالها ضد الشعب ان وجدت وهنا ينبغي ان نتوقف عند عبارة ضد الشعب والباقي يفهمه المطلع والخبير بالشأن.
وفي الخلاصة نقول ان كل ما يروج عن قرب حرب او تدخل عسكري اطلسي في سورية ، انما هو مجرد حرب نفسية وسلوك تعويضي ، وجمع اوراق قوة للربيع المقبل حيث باتت ارهاصات المفاوضات الدولية تلوح في الافق بعد قناعة جبهة العدوان ان بلوغ اهدافها بالعمل العسكري بات مستحيلا ، وان حل الازمة السورية لن يكون الا عبر طاولة تفاوض دولية يحشد فيها كل فريق اوراق قوته ويتخلى عن اوراق الضعف ، وبهذا نفسر القرار الاميركي الاخير باعتبار “جبهة النصرة” تنظيما ارهابيا لغسل اليد الاميركية من جرائمها قبل الدخول في المفاوضات الاتية وفي الختام لا بد ان نسجل للفريق المدافع عن سورية احترافه في ادارة معركته الدفاعية و بنجاح ملفت (في وجوهها كلها السياسية والعسكرية والاستراتيجية حتى وفي الحرب النفسية ذاتها) ادى الى هذه النتائج .
:::::
جريدة البناء – بيروت 7122012