أوروبا وإسرائيلها … الخلافات وحدودها !


عبداللطيف مهنا

ضجة لا تخلو من افتعالٍ يتم تجاذبها بين الغرب وإسرائيله . الطرفان يقرعان طبولها ويبالغان في نفخ زوبعتها ، وكلٍ لأسبابه . موضوعها القرارات التهويدية المعلن عنها بعيد قبول فلسطين دولةً غير عضوٍ في الأمم المتحدة . الصهاينة يصوِّرونها ردة فعلٍ منهم على ما جرى في الهيئة الدولية كمعاقبةٍ للجانب الفلسطيني على خطوةٍ يعدونها إنفرادية منه ، ويردفونها بإجراءاتٍ أخرى ، منها قطع أموال عوائد الضرائب عن سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود ، ويهددونها بالمزيد . والإوربيون ، مع بعض الإيحاءات بأن الأميركان هم من وراء بعث حميتهم المفاجئة هذه ومن شجَّعهم عليها ، غاضبون على هذه الخطوة التهويدية ” العقابية” ، باعتبارها قد مسَّت ما تعرف أوسلوياً بالمنطقة “A.1″، الأمر الذي يعني بالنسبة لهم الإجهاز على مقولة “حل الدولتين” كهدف نهائي معلن للحل التسووي التصفوي ، المجمع عليه من قبل اطراف كافة ما تعرف ب”المسيرة السلمية” المتوقفة ، إبتداءً من نتنياهو وسلطة أوسلو وحتى رعاتها الدوليين ومباركيها الإقليميين ! بمعنى أن هذه الخطوة من شأنها دفن وهمٍ تسوويٍ باحتمالات قيام شكلٍ من كيانٍ ما يجمع “بانتوستانات” المتبقي مما لم يهوَّد بعد من الضفة ، بفصلها بقايا شمالها عن بقايا جنوبها .

الصهاينة يوظِّفون توقيت الإعلان عن خطوتهم في بازاراتهم الإنتخابية ، ويفيدون من صخبها في التعمية على العملية التهويدية الجارية كمسألةٍ إستراتيجيةٍ تستهدف كامل فلسطين التاريخية ، أي كسياسةٍ كانت قبل حكاية الدولة غير العضو وتظل من بعدها ، وبها ومن دونها ستتواصل ، وهم ، وبغض النظر عن لون ومسمى من يتسنَّم سدة القرار لديهم ، في غير واردهم التخلي عنها أو الحد منها ، وخطوتهم التهويدية الراهنة ليست بأبنة اليوم ، بل تنفيذ لمؤجل قراراتٍ كانت قد إتخذت فى العام 2010 إبان زيارة لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن لفلسطين المحتلة ، وهى اليوم إنما أُستلت فحسب وأُشهرت بالمناسبة لا أكثر … قال نتنياهو قبل أيام في برلين ، ” لم أغير سياسة . إنها سياسة قديمة” !

هنا لابد من إستدراكٍ لنا يقول ، أنهم ، وهم اللذين لا يأخذون الغضبة الأوروبية على محمل الجد ، يساورهم قلقاً منها لأمرين ، الأول ، أنهم ، وهم المدللون عند عرَّابيهم ومتكفليهم منذ أن أصطنعوهم ، فهم غير معتادين على مثل هذه منهم ، أي لا يحتملون من حاضنتهم الأوروبية ، وبغض النظر عن جديتها ، ما يوحي بنزع القفَّازات في وجههم . والثاني إحساسهم أن “الغضبة” الأوروبية ما هى إلا صدى لهمسٍ أميركيٍ ، ويرون استحالة مثلها دونما تنسيقها مع واشنطن أوبموافقةٍ منها ، ويتوقفون ملياً أمام رسالة صدرت عن راحم عمانويل المقرب من أوباما ، وهو بالمناسبة صهيوني يحمل جنسية الكيان وخدم في جيشه ، حين نقل عنه قوله  إن ” نتنياهو قد خان أوروبا” !

الأوروبيون المستدعون لسفراء مدللتهم لأبلاغها إحتجاجهم على ما أقدمت عليه ، كانوا ، عبر كافة تصريحاتهم الرسمية المتعلقة ، الحريصون على الإيحاء بأن مالديهم لن يتعدى إبداء القلق وابلاغ الإحتجاج وإظهار الغضب . وزير خارجية بريطانيا ، التي تقول المصادر الصهيونية أن بلاده كانت قد سألت واشنطن سلفأً النصح ونالت تشجيعها قبل إشهار موقفها المحتج ، أوضح إنه لا من “حماسةٍ” أوروبيةٍ لفرض عقوباتٍ على الكيان الصهيوني ، لإن مثل هكذا “توجه لا يحظى بإجماعٍ” في الإتحاد ، ومثله ما يقوله آخرون ومنهم الرئيس الفرنسي ، ولم تزد المستشارة الألمانية ، وهى ترحب بضيفها نتنياهو في بلادها ، أكثر من التمني عليه عدولاً عن قراراته ، دون أن تنسى بالطبع التأكيد له بأن أمن كيانه هو “من مصلحة” بلادها … من هذا يتضح لنا السر في مثل هذه الزوبعة الغربية ، التي سارع البعض في بلادنا ليخلع عليها توصيف “الحملة الدولية” المعارضة للتهويد !

 أننا أزاء فصلٍ من ذات فصول النفاق الأوروبي المتبع إياه . أنهم غاضبون فعلاً ، لكن ليس على مبدأ التهويد أو قراراته وخطواته ، وإنما لتوقيتها وتحسباً لتداعياتها . محرجون مما تسببه لهم العدوانية الصهيونية بسياساتها الناضحة بالبلطجة والمنطق الفج والإستخفاف الأرعن المتغطرس ، والتي يستحيل عليهم تبريرها أو الدفاع عنها . إذ لطالما كان التهويد جارياً تحت سمعهم وبصرهم ، ولطالما صمَّوا آذانهم وغضَّوا ابصارهم عنه ، أما جديدهم حياله فليس سوى مجرد محاولة احتواءٍ لآخر فصوله المضرة بمصالحهم . أي أنه لا بأس عندهم لوكان أقل صخباً ، أو ما بدى كانتقامٍ  لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذو البعد الرمزي . وإلا كان عليهم أن يوقفوا رفد مستعمراته بالمال عبر شراء منتجاتها … أو يكف غربهم عن حماية عدوانيته الصهيونية وشرعنة إغتصابها ومد كيانها المصطنع بكافة أسباب حياةٍ وقوةٍ لا تتوفران ولا تستمرأن بدون إمداداته .

… وأخيراً ، إنما هى غضبة رسمية أوروبية متحسبة لتحولاتٍ كونيةٍ وإقليميةٍ جاريةً ومتوجسة من مآلاتها ، وقد لا تخلو من مراعاةٍ لرأيٍ عام ٍ شعبيٍ أوربيٍ بدأ يضيق ذرعاً بالفجور الصهيوني .