الجيش العربي السوري والصمود الشعبي والقيادة السياسية:


المكونات الحرجة لمواجهة التآمر والعدوان

محمد أشرف البيومي

مواطن مصري عربي

قوي الصمود العربية الباقية (سوريا الدولة وغالبية الشعب السوري والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية الباقية ومجموعات من الشعب العربي) تواجه عدوانا شرسا متعدد الأطراف لا يقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر الذي منيت به العراق. لا شك أن التآمر كان مبيتا منذ 2003 عندما أدرجت سوريا في قائمة الدول المارقة وأضيفت لمحور الشر قبل درعا وإدلب وجسر الشغور وحمص وحماة ..  هل يعني ذلك أن النظام السوري كان منزها من الأخطاء؟ بالتأكيد لا بل أن أخطاء محلية ساهمت وكانت عاملا مساعدا ومحفزا استغلته القوي المعتدية.  الأهم أن هذه الأخطاء كان من الممكن تجنبها إذا اتسعت دائرة الحكم وشملت كافة القوي الوطنية وإذا كان المسار الاقتصادي أكثر اهتماما بالفقراء ومواجهة مشكلة البطالة وإذا كان اعتماد النظام علي المنظمات الشعبية وليس فقط علي المؤسسات الأمنية.   إن تلافي هذه الأخطاء الهامة لم يكن ليمنع العدوان ولكن وبكل تأكيد كانت الجبهة الداخلية تكون أكثر صلابة وكان العدوان يكون أكثر صعوبة. هل يعني أن أخطاء النظام تبرر التخلي عنه؟ نعم لمن لا يكترث كثيرا بمستقبل الوطن, وألف لا لغير ذلك. إننا يا سادة نتحدث عن وطن سوري ومستقبل عربي ولا نتحدث عن شخص أو نظام.

هذا هو الواقع الآن فماذا نفعل وماهو موقفنا؟ هل نصمد وندافع ونتكاتف ونتحمل المآسي أم نلعن بشار والنظام ونتمني سقوط النظام ونسعي لذلك ؟ هل نقول بحجة الاستبداد وغياب الديمقراطية تعالوا يا إسرائيل وأمريكا ويا إخوان استلموا الحكم وحققوا مشروعكم الشرق أوسطي والإلتزامات التي وافق عليها البعض بحجة الرغبة في استقرار وديمقراطية وأمن!!؟  وهنا تكون المفارقة. ستكون سوريا دولة تابعة وستوقع معاهدة سلام مع اسرائيل ويعود الجولان صوريا كما عادت سيناء وستغني إحداهن أو أحدهم “الجولان رجعت لينا وسوريا اليوم في عيد” كما غنت شادية لعودة كاذبة لسيناء وسيزداد الفقر والبطالة ولكن ستنتشر المواد الاستهلاكية  وتزداد البطالة ويغدق صندوق النقد بقروضه المشروطة حتي تتمكن قوي الهيمنة من تكبيل سوريا أعواما طويلة.  هذا ليس خيال،  فمصر تشكل نموذجا عمليا لما حققه الانفتاح الاقتصادي قرين اتفاقية كامب دافيد من تبعية اقتصادية وسياسية وثفافية. التوقعات الموضوعية لهذه السياسات هي تعمق وانتشار مزيد من المآسي والخراب ولكن لا تحزنوا فستنعمون بديمقراطية الإخوان المسلمين التي تتمتع بها مصر حاليا.

هناك من الانهزاميين الذين يقول: لا يمكن مواجهة جحافل المعتدين. و نحن نتسائل ألم تنتصر فيتنام؟ ألم تنتصر كوبا  في حرب الخنازير، وصمدت رغم الحصار الاقتصادي لأكثر من خمسين عاما؟ نعم الانتصار ليس ممكنا فقط بل هو ضروري لأنه يحدد مصير وطن وأمة.

 ربما إذا كانت الظروف في سوريا غير ذلك أي أن سوريا ليست معرضة لعدوان أجنبي مسلح يلعب فيه إرهابيون دورا أساسيا وان سوريا الشعب والوطن والدولة ليسوا مهددين لكنت من الناقدين بشدة للرئيس بشار الاسد والنظام السوري من أجل الحريات والعدالة الاقتصادية. أما في الوضع الذي نحن فيه فالالتفاف حول رئيس الدولة كرمز للسلطة يصبح واجب لحماية الوطن. ليس هذا هو الموقف المبديء الصحيح فقط بل هو أيضا الاختيار العملي والمنطقي لحماية الذات أي الوطن والشعب والدولة. فمن بين كافة الاحتمالات المتصورة يصبح استمرار النظام مع الالتزام بإصلاحات راديكالية هو البديل الأفضل حتي ننتقل إلي مرحلة أكثر استقرارا وأكثر ديمقراطية. يظن البعض انني كمصري أنه ليس من حقي التدخل في الشئون السورية؛  وانا اقول هذا هراء. إن الذي يجب منعه هو التدخل بالسلاح والمال لقلب النظام وتدمير سوريا لكونه جريمة كبري وانتهاك للسيادة الوطنية، أما المشاركة في مشاكل وهموم الوطن  فهو واجب ومسئولية عربية . إن التخلي عن سوريا في مواجهتها للعدوان هو خيانة وطنية وقومية لايمكن غفرانها كما أنها ندالة أخلاقية وعدم وفاء.

يقول بعض الفلسطينيين المقيمين بسوريا انه يجب عدم التدخل وكأن القضية الفلسطينية غير متداخلة بشدة في الاحداث وتهم كل فلسطيني وطني بالذات ليس فقط لان النظام قام بواجبه نحوهم ولكن لأن أحد الأسباب الرئيسية للعدوان علي سوريا هو موقف سوريا العنيد من القضية العربية ولا اقول الفلسطينية، فالذي يقف علي الحياد ناهيك عمن يؤيد الارهابيين او المتمردين هم في صف القوي المعتدية أي امريكا حلف الناتو اسرائيل قطر السعودية حكومة الاخوان الملتزمة بكامب دافيد. هذا هو الموقف الصحيح ليس من قبل الوفاء فقط إنما من قبل الدفاع عن القضية.ِ

لقد قابلت الرئيس بشار الأسد منذ حوالي خمس سنوات وكان لقاء ممتدا لمدة ساعتين جمعنا نحن الاثنين فقط وبناء علي دعوة منه. شمل النقاش مواضيع عديدة وكان صريحا للغاية وتبادلت معه الراي في شتي الامور واختلفنا في قضايا محددة، أهمها موضوع الحريات السياسية وحقوق الانسان التي أؤمن بها، وتحذيري من استغلال قوي الهيمنة الأجنبية هذه القضايا ضد سوريا.

أصبح رأس النظام والجيش الوطني المقاوم مع شرائح واسعة من الشعب السوري الصامدة،  المكونات الحرجة في البناء السوري بحيث إذا غاب أحد المكونات الثلاثة ينهار البناء كله. هذا لا يعني أن الدولة ستنتهي إنما سنحتاج عقودا حتي نصل إلي ما نحن عليه الآن. أتسائل كيف ولماذا أصبح الرئيس من اللبنات الحرجة؟ السبب الرئيسي هو طبيعة النظام الذي ركز السلطة في شخص الرئيس وهنا تقع مخاطر هذه المركزية الشديدة علي الدولة والوطن ولهذا لا نؤمن بها. ولكن هناك عامل آخر وهو كيف أن المعتدين دائما أبدا يسعون لشيطنة رئيس الدولة المعتدي عليها ولا ننسي أنهم لقبوا ناصر بهتلر النيل كذلك يسعون لاختزال المشكلة في شخص الرئيس، فجمال عبد الناصر هو العقبة في عام 1956 ولا بد من القضاء عليه والآن بشار هو المشكلة ولا بد من إزالته. وأصبح ترديد الأعداء مقولة بشار لازم يمشي أو بالانجليزية بشار مَست جُو must go وكانها تسبيحة. وكأن إسقاط بشار سيصنع المعجزات وسيجلب السعادة والرفاهية والحب والسعادة لكل سوري وسورية. هذه الشخصنة المفرطة ساهمت في جعل بشار لبنة حرجة في سوريا. هذا يزيد من الأمر خطورة وفي المقابل يجعل تأييد الرئيس السوري من الضرورات الوطنية في هذه المرحلة بالذات بالضبط كما كان جمال عبد الناصر اللبنة الحرجة في مصر عام 56. في ذلك الوقت لم أتردد لحظة واحدة لتأييد ناصر والوقوف ضد العدوان رغم أن والدي كان معتقلا سياسيا من قبل أجهزة الأمن الناصرية في السجن الحربي آنذاك. وبطبيعة الحال يكون الجيش الوطني الذي يتصدي للمعتدين والارهابيين لشهور طويلة لبنة حرجة أساسية فتماسكه وصلابته عاملا حرجا في حماية الوطن. كما أن صمود ووعي غالبية الشعب السوري العامل الحاسم في هذه المعركة رغم المعاناة الشديدة التي يتحملها لشهور متوأصلة.

ولكون بشار جزء مهم من اللبنة الحرجة فهذا يضع عبئا أكبر عليه  فهو الرئيس السوري الذي يجب أن يقوم بمزيد من الخطوات الجريئة والسريعة وأن يقوم بجهد خارق لتوسيع دائرة الحكم لتشمل كافة القوي الوطنية التي لم تتورط في تأييد الإرهابيين وأنصار القاعدة أو المنادين بالتدخل الأجنبي بصوره المختلفة، وفتح الباب أمام المخدوعين  للتراجع عن مواقفهم وتصحيحها. لا بد من تفعيل أقوي لدور الشعب وهو المتضرر الأكبر من مستقبل يحكم فيه ما يسموا أنفسهم بأصدقاء سوريا وقد لمس البعض في حلب ودمشق مذاق هذا الحكم . لا بد من  مزيد من الثقة في الشعب وقدراته ولكن لا يعني هذا مطلقاً المساومة باسم الحوار مع الارهابيين والمصرين علي العنف من المسلحين بل لا بد من مضاعفة الجهد لمحاصرتهم والتصدي لهم.