التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية


د. منذر سليمان

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 22 ديسمبر 2012

 

المقدمة:

خفضت مراكز الفكر والابحاث حجم نشاطاتها تحضيرا للاحتفال باعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. اما مجزرة المدرسة الابتدائية المروعة فقد استمرت في تصدر التغطية الاعلامية، والتي سيتناولها قسم التحليل بتفصيل دقيق.

اذ على الرغم من الصخب الاعلامي الواسع لتداعيات المجزرة، يستبعد المركز في تحليله احراز اي تقدم للحد من سطوة وانتشار الاسلحة الواسع في المجتمع الاميركي، استنادا الى قراءاته للقوى والمصالح السياسية والاطراف المتعددة، والتي تحجم عن مواجهة النفوذ الشامل للمصالح الاحتكارية وشركات الاسلحة وتأثيرها على صناع القرار السياسي.

 

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

حذر مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations من مخاطر استخدام سورية للاسلحة الكيميائية ضد المتمردين “الذين يبدو ان الكفة الميدانية بدأت تميل لصالحهم  .. مما قد يدفع ببعض عناصر النظام التراجع الى مناطق تقطنها الغالبية من العلويين والدفاع عنها ان تعرضت لهجوم .. كما انه لا يجوز استبعاد استخدامها كموقف اخير للتحدي.”

اثار اعلان الرئيس اوباما ترشيحه للسيناتور الاسبق تشاك هيغل لمنصب وزير الدفاع حفيظة القوى المحافظة، اذ علل مركز السياسات الامنية Center for Security Policyان الامر يعود الى “عداء هيغل للدولة اليهودية متساوقا مع (عداء) الرئيس اوباما.” واعرب المركز عن “خيبة امل عميقة .. لعدم اتعاظ الناخبين الاميركيين من التهديدات التي ستسببها ولاية اوباما الثانية للمصالح الامنية للولايات المتحدة.”

معهد كارنيغي Carnegie Endowment اعرب عن اعتقاده “بابتعاد حل الدولتين عن التحقيق شيئا فشيئا” مناشدا الولايات المتحدة “بذل جهود قوية للتوصل الى حل قبل فوات الاوان.” واوضح ان العقبة التي تعترض حل الدولتين تتمثل في “النشاط الاستيطاني لاسرائيل .. والذي يدمر آفاق التوصل الى سلام” في المنطقة. واكد على تمسك “العرب والفلسطينيين بان اي صيغة لا تشمل حقهم في القدس الشرقية لن تنطوي على الحل المنشود.”

الصراع السياسي في تركيا كان موضع اهتمام مجلس السياسة الخارجية الاميركية American Foreign Policy Council الذي سلط الضوء على المنافسة الدائرة في حزب العدالة والتنمية بين تيار الانفتاح بقيادة الامام فتح الله غولن، وبين الجناح المحافظ بزعامة رجب طيب اردوغان الذي “يعمل جاهدا لانشاء تحالف مناهض لغولن داخل صفوف الحزب.” واوضح ان مؤيدي غولن المقيم في الولايات المتحدة قد يدعمون مرشحهم المفضل عبدالله غول “الذي لمح مؤخرا الى نيته الترشح لفترة رئاسية ثانية” مما سيضع حدا لطموحات اردوغان “تبوأ المنصب الرئاسي بصلاحيات موسعة.”

حذر معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War من عودة تنظيم “عصائب الحق” الى النشاط على الساحة العراقية نظرا “لعلاقاته الوثيقة مع فيلق القدس في قوات الحرس الثوري الايراني،” مشيرا الى مساعي التنظيم المستمرة لتهميش دور ونفوذ مقتدى الصدر “والتقدم على حسابه في صدارة الانشطة الشيعية في العراق.” واوضح انه بمقدور التنظيم “تهديد اي تواجد اميركي في العراق، بما فيه التواجد الديبلوماسي.”

بينما حذر معهد واشنطن Washington Institute من تداعيات انتقال عدوى الصراع في سورية الى الاراضي اللبنانية اذ من المرجح “استمرار حالة الشلل السياسي والاقتصادي الراهنة” التي لن تتوقف الا “بازاحة نظام الاسد.” واستطرد ان “الركود الاقتصادي في لبنان سيستمر لحين بسط نوع ما من الهدوء في سورية.”

 

التحليل:

هل ستغير مجزرة المدرسة الابتدائية سلوك الاميركيين بالنسبة للسلاح؟

        تفاخر مؤخرا مسؤولو اضخم شركة متاجر اميركية في العالم، وولمارت، بارتفاع نسبة مبيعات البنادق والمسدسات لنحو 76% للعام الجاري، وذلك في اجتماع عقد للمساهمين في شهر تشرين الاول / اكتوبر الماضي. وتصل رقعة انتشار وولمارت الى زهاء 1700 متجر في الولايات المتحدة وحدها، مما يضعها في مقدمة متاجر بيع الاسلحة قاطبة.

        اذن، تجارة الاسلحة تدر ارباحا وفيرة وباضطراد مستمر. ويجري تحصينها “قانونيا” بالاستناد الى مادة التعديل الثانية من الدستور الاميركي التي تخول المواطن الحق في اقتناء الاسلحة الفردية، والتي تشكل قناعا مستترا لشركات الاسلحة بكافة انواعها للتصدي لاي مسعى لكبح جماح بقرتها الحلوب.

        وعليه، ليس مستغربا الانتشار الواسع للاسلحة الى حد التشبع في المجتمع الاميركي، لا سيما للعدد المتزايد للاسلحة المصنفة هجومية واسلحة مخصصة لاستخدام الجيوش القتالية، وسهولة الحصول عليها لاي كان، بمن فيهم المصنفون مرضى عقليا.

        اما في بريطانيا، بالمقابل، فقد شهدت اكبر جريمة قتل مروعة وقعت في بلدة دنبلين في سكوتلندا، عام 1996، ذهب ضحيتها 16 طفلا، بين سن الخامسة والسادسة. اما معالجتها واحتواء تداعياتها فقد شكلت نموذجا يصلح الاقتداء به: نجحت حملة شعبية مكثفة في تقديم عريضة مذيلة بزهاء 75،000 توقيع تطالب الحكومة البريطانية اعادة النظر بقوانين حمل السلاح سارية المفعول. واثمرت نجاحا باهرا، اذ عقد رئيس الوزراء عن حزب المحافظين آنذاك، جون ميجر، جلسة تحقيق علنية للنظر في القوانين الناظمة، وبلورة مقترحات لتعزيز حماية الشأن العام.

        بعد انقضاء نحو سنة ونصف على مجزرة دنبلين، تم سن قانون يحظر اقتناء الاسلحة الخفيفة في كامل رقعة الاراضي البريطانية، والذي يعتبر من اشد القوانين صرامة لمكافحة الاسلحة في العالم قاطبة. واتبع القانون بحملة عفو عن اصحاب السلاح مما ادى لتسلم السلطات بضعة آلاف قطعة سلاح ومخازن ذخيرة.

        فهل تحذو الولايات المتحدة حذو بريطانيا؟ الجواب الصارم بالنفي. اذ ان تقنين حمل السلاح يعتبر انتحار سياسي للمشرّعين ان اقدموا عليه، نظرا للنفوذ الهائل للكارتيلات وشركات الاسلحة على مجلسي الكونغرس. في مطلع العام الماضي تعهد الرئيس اوباما اتخاذ اجراءات فعالة لمكافحة انتشار الاسلحة عقب تعرض مندوبة ولاية اريزونا في الكونغرس، غابرييل غيفوردز، لمحاولة اغتيال. لكنه استطرد سريعا بالقول ان ادارته “لن تسعى لتقليص حرية حاملي السلاح – بل وسّعت نطاقها، لتشمل السماح للمواطنين حمل اسلحتهم في الحدائق العامة وملاذات الحياة البرية.” تجدر الاشارة الى مسؤولية اوباما وانكفائه عن وعوده السابقة وتخليه عن الحظر المفروض على حمل السلاح في الحدائق العامة، وكذلك عن حظر نقل الاسلحة باستخدام القطارات وشبكة السكك الحديدية. اذ عوضا عن المطالبة باتخاذ اجراءات مشددة على اقتناء الاسلحة، ايد اوباما تطبيق القوانين الراهنة سارية المفعول، فضلا عن تسريع اجراءات تقصي السجلات الجنائية قبل منح ترخيص حمل السلاح للمتقدم؛ عمل اوباما تحقيق كل ذلك بعد مجزرة توسان بولاية اريزونا.

        ضمن معالم المشهد الحالي، فان اي محاولة لتقنين حمل السلاح ستبوء بالفشل، بل وتبدو ضربا من المستحيل. وتشير احصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، انه يتوفر نحو 200 مليون قطعة سلاح بين ايدي المواطنين الاميركيين. اما المعهد الاعلى للدراسات الدولية في جنيف فتشير نتائج ابحاثه لعام 2007 الى امتلاك الاميركيين نحو 270 مليون قطعة سلاح من المجموع العالمي البالغ 875 مليون قطعة. ويضيف ان نحو نصف حجم الاسلحة الجديدة التي تدخل السوق العالمي سنويا تباع في الولايات المتحدة، 4.5 مليون من مجموع 8 مليون. ونظرا لعدم اشتراط معظم الولايات الاميركية ضرورة تسجيل وترخيص قطع السلاح، تصبح مهمة جمعها بالغة الصعوبة، بل شبه مستحيلة وتعرض الساسة الى انهاء دورهم المهني مبكرا، فضلا عن تعارضها مع الحقوق الدستورية.

        عمليا، يميل معظم افراد الشعب الاميركي الى دعم حق المواطن اقتناء السلاح، ويتجدد الجدل حول الحد من اخطاره في اعقاب كل حادثة مؤلمة، والذي ما يلبث ان يتلاشى الحماس  والاهتمام مع مرور الزمن. اما سن القوانين الناظمة للسلاح فهي تدخل في سياق اولويات المهام المنوي انجازها، وقد يجد الرئيس اوباما نفسه في وضع لا يحسد عليه وقد يستنزف قدرا كبيرا من رصيده السياسي ان قرر مقارعة لوبي الاسلحة، وهو الاقوى نفوذا بامتياز، بدلا من التركيز على احراز تقدم في بعض القضايا الاجتماعية الهامة، مثل ادخال الاصلاحات على قوانين الهجرة الحالية. كما ان هموم الانتخابات النصفية المقبلة، 2014، تلوح في الافق والتي قد ترتد ضد الحزب الديموقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ. كما يدرك اوباما صعوبة المواجهة الانتخابية في ولايات مشهود لها بتفضيل حمل السلاح، وليس تقنينه، مثل ولايات الاسكا واركنساس ولويزيانا ونورث كارولينا وويست فرجينيا، وحتمية الصدام المباشر مع الاغلبية الشعبية فيها. لذا، هل سيقدم اوباما على اتخاذ خطوات جادة لتقنين حمل السلاح مقابل خسارة جمهور واسع لا باس به؟

        المفارقة التي تلت مجزرة المدرسة الابتدائية في ولاية كونتيكت ان نسبة مبيعات الاسلحة شهدت ارتفاعا جليا تحسبا لسن قوانين تحد من انتشارها، كما دلت عليه عدد من وسائل الاعلام في رصدها للميل الشعبي مباشرة بعد الحادثة المفزعة. وعليه، من المتوقع ان تشهد نهاية العام 2012 ارتفاعا ملحوظا في بيع الاسلحة الفردية يفوق مستوياته في العام الماضي. بل، شهدت الفترة القريبة لتنفيذ المجزرة بنحو ثلاثة اسابيع اضخم اقبال لشراء الاسلحة في يوم واحد، كما تدل عليه اسجلات الرسمية.

        امام استبعاد اقدام مجلس النواب بتركيبته الحالية، باغلبية الجمهوريين، على سن تشريعات للحد من انتشار السلاح فان الخيار المتوفر للرئيس اوباما يبقى في اقدامه على اصدار توجيهات وقرارات رئاسية، كما فعل مؤخرا حين اصدر توجيه رئاسي يطلب من متاجر بيع السلاح في الولايات المحاذية للحدود الاميركية مع المكسيك الحد من نسبة بيع الاسلحة لتجار المخدرات؛ الا ان التوجيه الرئاسي يتم مواجهته قضائيا امام محاكم الاستئناف والتي تميل الى اصدار الحكم ببطلان التوجيه واسقاطه. باستطاعة اوباما تشديد اجراءات منح تراخيص حمل السلاح لافراد يعانون من نوبات نفسية، والعمل ايضا على اعادة تصنيف بعض الاسلحة الفردية كاسلحة تخضع للرقابة والسيطرة، كما هو الحال في شأن الاسلحة الاوتوماتيكية.

        اما مسألة نجاعة اجراءات الحد من انتشار الاسلحة فهي موضوع مستدام. لقد شهدت بريطانيا ارتفاعا في نسبة جرائم القتل بالتزامن مع اجراءات تقنين الاسلحة. واستطاع النرويجي اندرز بريفيك القيام بحملة قتل جماعية ذهب ضحيتها نحو 69 قتيلا واكثر من 300 جريح، قبل عام ونصف، بالرغم من القوانين المتشددة لتنظيم السلاح في النرويج. كما ان قوانين متشددة معمول بها في المكسيك وروسيا والبرازيل، وربما اشد من نظيرتها الاميركية، الا ان معدلات ضحايا القتل فيها مرتفعة. اما سويسرا و”اسرائيل” لديهما نسبة عالية من حملة السلاح، كما هي في الولايات المتحدة، لكن مستويات القتل لديها هي الاقل. بينما في نيجيريا، التي تعاني من موجات عنف، تبلغ نسبة اقتناء السلاح 1 لكل 100 مواطن.

التداعيات السياسية

        من المرجح الا نشهد تشريع قوانين جديدة للحد من اقتناء الاسلحة في اميركا في المدى المنظور، الا ان ما تجدر الاشارة اليه هو التحولات التي طرأت على الاصطفافات السياسية مؤخرا. اذ سعى الحزب الديموقراطي، منذ عام 2006، تجديد تسويق خطابه السياسي لاستقطاب شريحة من الناخبين تميل للتصويت لصالح الحزب الجمهوري والتي تميل توجهاتها الى الاعتدال، وترشيح نمط من السياسيين الديموقراطيين الجدد الذين يؤيدون اقتناء السلاح ويعزفون عن تقنينه. الامر الذي ساهم في فوز مرشحيه بمجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس لذاك العام، وتعزيز سيطرته في انتخابات عام 2008.

        صدمة المجزرة المروعة في المدرسة الابتدائية دفعت بعض الممثلين عن الحزب الديموقراطي اعادة النظر في مواقفهم السابقة والتساوق مع النبض الشعبي، ولو مرحليا. على سبيل المثال، السيناتور عن ويست فرجينيا، جو مانشين، المؤيد سابقا للوبي السلاح، اجرى مقابلات متلفزة عقب الجريمة مطالبا اتخاذ اجراءات اشد ضد بعض الاسلحة النارية. جدير بالذكر ان نحو 55% من الناخبين المسجلين في ولايته يملكون اسلحة فردية، ولهذا تعد تصريحاته مثيرة للجدل والتي ما لبث ان تراجع عنها سريعا. بل نفى في مقابلة صحفية انه كان يدعو لاتخاذ اجراءات متشددة للحد من انتشار السلاح، وشرع لانهاها بسرعة فجائية. كما ان السيناتور عن ولاية فرجينيا، مارك وارنر، عدل عن موقفه السابق المؤيد لحمل السلاح.

        بعض الممثلين عن الحزب الجمهوري “غامر” ايضا واعلن تأييده لقوانين تحد من انتشار الاسلحة. اذ نادى السيناتور الجمهوري عن ولاية ايوا، تشارلز غراسلي، القيام باجراء دراسة حول اعمال العنف الناتجة عن استخدام الاسلحة، كما طالب مستشار سابق للمرشح الرئاسي ميت رومني بقوانين متشددة ضد حمل السلاح.

        اما السيناتور الاشد اثارة للاهتمام فهو ماركو روبيو، عن ولاية فلوريدا ومن اصل كوبي، اذ اصدر بيانا يؤيد فيه “اجراء مراجعة جدية وشاملة للقوانين المعمول بها بغية التوصل لخطوات افضل للحؤول دون ارتكاب مجازر جماعية” مماثلة. كما صدر عنه تصريح مشابه قبل عامين يعلن دعمه لوضع “قيود معقولة” على ترخيص السلاح مثل تمديد فترة الانتظار واتاحة الفرصة لاجراء تحقيق في السجلات الجنائية. رغم توجهاته اليمينية والمتشددة في السياسات الخارجية، لا سيما مطالبته تشديد الحظر على المعاملات التجارية مع كوبا، الا ان ذلك لم يشفع له امام لوبي الاسلحة، وواجهته المدنية “المنظمة الوطنية للبنادق.” يذكر ايضا انه جرى ترويج روبيو مرارا ابان حملة الانتخابات الرئاسية كنجم صاعد وواعد للحزب الجمهوري، العام الجاري، ومرشح محتمل للانتخابات المقبلة عام 2016، مما قد يضعه خارج سياق التيار التقليدي المسيطر على الحزب الجمهوري.

        فضل معظم نواب الكونغرس عن الحزب الجمهوري التزام الصمت لحين مرور عاصفة الغضب الشعبي باستثناء ممثل تكساس لوي غوميرت الذي جاهر بتاييده حمل السلاح في مقابلة متلفزة مع شبكة فوكس، اذ علل موقفه بتفسيره لمؤسس الولايات المتحدة، جورج واشنطن، الذي نسب عنه قوله “الشعب الحر ينبغي عليه حمل السلاح، فهو الضامن ضد الاستبداد الحكومي.” واستطرد قائلا “ان القوانين المقيدة لحمل السلاح غير فعالة.”

        من فضائل حملة الضغط الشعبية انها ادت لاصطفاف الممثلين عن الحزب الجمهوري خلف رئيس مجلس النواب، جون بينر، مرحليا والظهور بموقف موحد رغم اعتراض بعضهم على سياساته التي يرونها مرنة اكثر من اللازم باتجاه البيت الابيض. بل ان قسما كبيرا منهم قرر الصدام المباشر مع بينر وافشال اتفاقه مع الرئيس اوباما في اللحظة الاخيرة حول مخرج من الازمة المالية، تأكيدا على هشاشة مكانته القيادية واحراجا كبيرا لزعيم سياسي رئيسي.

        في الجانب الاخر، لو اراد الرئيس اوباما الدفع باتجاه تشديد القوانين على حمل السلاح، ينبغي عليه معالجة الامور الثلاثة التالية: اعادة العمل بقانون الحظر على “الاسلحة الهجومية؛” الحد من عدد الطلقات المسموح بها في مخازن الذخيرة المختلفة؛ وثغرة الاتجار بالاسلحة دون ادنى رقابة خلال معارض الاسلحة المتعددة. ان اي من تلك القضايا ينطوي عليها تحديات كبيرة.

        تم اقرار قانون الحظر على الاتجار بالاسلحة الهجومية عام 1994، ابان ولاية الرئيس الاسبق بيل كلينتون، الذي اقر لاحقا ان مصادقته على القانون اسهم مباشرة في سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس بعد الانتخابات؛ فضلا عن ان القانون عينه لم يشهد له تأثير عملي يذكر. اذ تشير احصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي اي، ان من بين ثلثي الضحايا الذين قضوا بفعل اطلاق النار شكلت نسبة 69% منهم انهم قضوا بفعل استخدام الاسلحة الفردية وليس بسبب استخدام البنادق من اي نوع. كما ان معظم التقديرات تشير الى نسبة ضئيلة، 1 – 2%، لدور الاسلحة الهجومية في كافة اعمال الجريمة التي استخدمت فيها الاسلحة النارية، نظرا لصعوبة اخفاء البنادق، من ناحية، وتفضيل المجرمين الاسلحة الاخرى لا سيما المصنفة نصف آلية.

        بينما خيار تحديد عدد الطلقات لمخازن السلاح المختلفة، والذي شمله الحظر السابق، فيعد الاكثر قبولا على ما عداه من خيارات، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار ان مطلق النار على النائبة غابرييل غيفوردز تمت السيطرة عليه واطاحته ارضا اثناء انشغاله بتلقيم سلاحه مزيد من الطلقات. وتباينت قدرة المجرمين الآخرين في سرعة اطلاق النار دون توقف نظرا لتعدد الاسلحة المتوفرة وكمية الذخائر الكبيرة في موقع الحادثة. من غير المنظور ان يحدث مشروع القانون، لو اقر، اي تغيير يذكر.

        اما الخيار الثالث، سد الثغرة الكبيرة التي توفرها معارض السلاح والحرية الكامنة للاتجار به، فهو الاصعب. اذ ان الغالبية العظمى من الولايات لا تشترط ترخيص الاسلحة مما يفاقم محاولات تطبيق القانون. اما حقيقة الامر، ونظرا لتوفر بضع مئات الملايين من قطع الاسلحة لدى العامة تصبح مهمة ضبط وتقنين السلاح اقرب الى المستحيل. كما ان الخيارات لتقنين السلاح تتقلص وتتلاشى امام حقيقة الاصطفافات السياسية ومصالح الاحتكارات التجارية، فضلا عن الثمن السياسي الباهظ لكل من يحاول التقرب من الامر. وستصيب الخيبة اي محاولة لتعديل المعمول به من قوانين، ولعل ابرز مثال على عقم الاجراءات القانونية كان في حديث رئيس “المنظمة القومية للبنادق،” وين لابيير، يوم الجمعة 21/12، والذي طالب فيه بفظاظة تسليح بعض العاملين في المدارس بدل ادانة المسلك الاجرامي.

        واستنادا الى التجارب المؤلمة السابقة، فان الاهتمام الاعلامي بمجزرة المدرسة الابتدائية سيتلاشى زخمه تدريجيا، ويعود التركيز على احتفالات اعياد الميلاد والسنة الجديدة، وترجيح اعادة نظر بعض الساسة الديموقراطيين بتصريحاتهم المتشددة السابقة، والعودة الى ممارسة النشاط اليومي والمماحكات السياسية بين الحزبين.

        القلة من ساسة الحزب الديموقراطي تقر بجرأة ان موقف الحزب المداهن للوبي السلاح يشكل نقيضا لتاريخ الحزب واولوياته الاجتماعية. وفي هذا الصدد، تجدر الاشارة الى اعتراف صريح اللهجة للرئيس الاسبق بيل كلينتون بان المرشح الديموقراطي، آل غور، لعام 2000 خسر الانتخابات الرئاسية نظرا لموقفه المطالب بادخال قيود على حمل السلاح. وعدّل الحزب موقفه منذ 6 سنوات نحو دعم سياسات منحازة لحملة السلاح.

        اذن، استعادت مسألة تقنين السلاح صدارتها على الاولويات الاخرى دون جهد لاي طرف، والتي من شانها تقلص نفوذ الحزب بين اوساط شريحة الناخبين المعتدلين. ويطالب بعض ساسة الحزب الديموقراطي توخي الحذر والتأني في تبني مسأالة خلافية من شأنها مفاقمة الانقسامات السياسية والاجتماعية، واستفادة خصومهم الجمهوريين بعد الانقسامات الحادة في صفوفهم عقب خسارتهم الانتخابات الرئاسية.

        في جمهور الحزب الجمهوري المحافظ اصلا، لا تزال مشاعر الاحباط سائدة بين صفوفه، لا سيما وان مرشحهم الخاسر ميت رومني كان من الداعمين لاستصدار قوانين تقنن حمل السلاح ابان فترة ولايته كحاكم لولاية ماساتشوستس. وينظر بعين الريبة ايضا الى النماذج الصاعدة الاخرى، مثل ماركو روبيو، لمواقفهم الوسطية والمعتدلة، مما يدفع الى الواجهة ظهور قيادات سياسية اكثر تشددا تفاخر بمواقفها المعارضة لتقنين السلاح، والتي ستشهدها الساحة الانتخابية في الدورتين المقبلتين، 2014 و 2016.

        يتمسك التيار الجمهوري المحافظ بالنص الحرفي للمادة الثانية من التعديل الدستوري، اذ علل السيناتور الجمهوري السابق فيل غرام موقفه المناهض لتقنين السلاح بالقول دون مواربة: “الهدف الحقيقي للمادة الثانية من التعديلات الدستورية .. هو توفير القدرة للشعب على القيام بالثورة. في حال اضحت الحكومة (المركزية) اكثر استبدادا، باستطاعة الشعب الاميركي النهوض لاسقاطها.”

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com