دولة الجنرال يادلين الفلسطينية !


عبداللطيف مهنا

أقل من شهر ويهل الثاني والعشرون من كانون الثاني/ يناير من عامنا المقترب، الصهاينة على موعدٍ مع إنتخابات الكنيست، تحالف حزبي “الليكود” و”إسرائيل بيتنا”، أو قل نتنياهو- ليبرمان، يشحذ سكين التهويد بإعلاناته المتلاحقة الكاشفة عن مستجد عملياته، ويلوِّح ما استطاع بالأخطار المحدقة، الخطر النووي الإيراني، صواريخ المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، و”الإرهاب”… إنها رأس قائمة الإمور التي إما يجمع عليها تجمُّعهم الإستعماري وبالتالي هى جالبة لأصوات مقترعيه، أوفزَّاعات الأخطار التي توحِّد صفوفه خلف هذا الثنائي المتحالف. إختصر نتنياهو ماتقدم عندما قدَّم نفسه لناخبيه واعداً إياهم بتعزيز التهويد ومواجهة التهديد… فيما يتعلق بالتهويد قال لهم : “بعون الله سنواصل العيش والبناء في القدس التي ستبقى دوماً غير قابلة للتقسيم وتحت السيادة الإسرائيلية “. أما عن التهديد، فقال : “قبل كل شيىء علينا وقف البرنامج النووي الإيراني، والوقت يمر.هذه مهمتي الأولى كرئيس للوزراء”… وقرن القول بالعمل مجتمعاً برؤساء بلديات المستعمرات من حزبه مؤكداً دعمه لهم والتزامه مطالبهم، كما تمت الموافقة على بناء 1200 وحدة سكنية في مستعمرة “جيلو”، بالتوازي مع إخطاراتٍ جديدةٍ بهدم منازل فلسطينية في خربة الرأس غربي بلدة إذنا الواقعة جنوبي الخليل، وأخرى بهدم منازل خلال ثلاثين يوماً في حي البستان المقدسي المحاذي جنوباً للمسجد الأقصى.

بضاعة نتنياهو- ليبرمان رائجة إنتخابياً، ولا من أحدٍ يشك في فوزٍ محققٍ لتحالفهما أو عودتهما الى سدة الحكم وممارستهما لذات السياسة المدعَّمة بأغلبيةٍ مؤتلفةٍ بسهولةٍ مع من يقعون على يمينها في الكنيست الموعود.

هناك بعض ما يزعج الصهاينة لكنه حقاً لا يقلقهم كثيراً لإدراكهم لحدوده، ومرد إنزعاجهم ماكنا قد قلناه سابقاً وهو عدم إعتيادهم على مثله، وهو في كل الأحوال لن يؤثر على إنتخاباتهم ونتائجها، ولا كثيراًعلى حسابات امثال نتنياهو- ليبرمان، وقد يُتخذ منه فرصةً توظَّف للتكامل مع وقائع التهويد ومحصلة الإنتخابات لصالح إستكمال ذات الهدف المشترك المعلن للطرفين الأوروبي والصهيوني، والمختلف قليلاً على إخراجه، وهو تصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الصهيونية، وهذا ما سنبيِّنه لاحقاً… إنها ردود الأفعال الأوروبية المتفاوتة في تعبيرها عن عدم رضاها أو شجبها للإندفاعة التهويدية الجارية… هذه التي كنا قد فندناها سابقاً ووصفناها ولا زلنا بالمنافقة، وقلنا أيضاً أن كلا الطرفين، الأوروبي والصهيوني، وكل لأسبابه،والتي كنا أيضاً قد بيَّناها في حينه، يبالغان في تصويرها وتضخيمها للإيهام بجديتها، لدرجة أن هناك من الصهاينة من يحذِّر من ذهاب الأوروبيين لفرض تسوية ما من دون التوافق معهم عليها، أولا تنسجم كلياً مع رؤيتهم هم للإجهاز على القضية الفلسطينية. بل ومنهم من شجب تعنت نتنياهو الفج الذي يظهره “مستخفاً بالعالم”، ومن عبَّر عن قلقه من أن مثل هذا التعنُّت قد يقود الكيان إلى كارثة، بل حتى تم تسريب لتقريرٍ للخارجية يحذِّر من إحتمالات إقدام الأوروبيين على الخطوة التسووية االمشار اليها!

لعل الجنرال عاموس يادلين، رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية السابق، ورئيس مركز “دراسات الأمن القومي” راهناً، خير من يلخِّص لنا كنه وحدود هذا القلق مقترحاً علاجاً له يتكامل جوهراً، كما أسلفنا، مع سياسات نتنياهو ويغطيها ولا يتناقض مع مراميها… كيف ؟!

يقول الجنرال ناصحاً ومحذِّراً، علينا المبادرة لإنشاء دولة فلسطينية، “وإلا فإننا سوف نخسر العالم”. أما دولته هذه التي يقترحها حتى لا يخسر العالم فيمكن فهم كنهها من قوله “إن الإستراتيجية التي طورها جيراننا {ولم يقل لنا من هم هؤلاء ومتى هم حقاً طوَّروا!} هى عدم التوصل إلى سلام مع إسرائيل، لذلك ينبغي عليها أن تأخذ مصيرها بيدها من دون التعلق بموافقة الفلسطينيين “… وعليه، يكمل: “أنا أوصي بأن تضع إسرائيل في العام 2013 إقتراحي كلنتون وأولمرت على الطاولة”… وما الهدف عنده من وضعهما، وهما المعروفان، غير العودة من جديد لحكاية إبريق الزيت التفاوضية إياها، بينما سيل التهويد الجارف يأخذ مجراه المخطط له للإستكمال والإكمال على القضية وإنهاء الصراع وفق المشيئة الصهيونية ؟!

الجنرال الصهيوني يكفينا مشقة التساؤل، عندما يجيب، “للأسف الفلسطينيون سوف يرفضونهما {يعني المُقترحين}، ولكن ذلك سيعيد لنا المشروعية التي خسرناها. ينبغي لنا أن نخلق دولة يهودية ديموقراطية في الحدود التي رسمناها لأنفسنا” !!!

… بعد انتخاباتهم المقتربة، وعلى ضوء تمسك رام الله بأولوية خيارها التسووي وفق مذهب “المفاوضات حياة”، إنتظروا عودةً قادمة لذات الوهم الذي لفت كارثيته القضية على مدى عقدين تصفويين مرا يراد اليوم تمديدهما…