العميد الدكتور امين محمد حطيط
يحاول بعض من يستهدف سورية او له دور بشأن الازمة القائمة فيها ان يخير السوريين بين اتجاهات وحلول او يقدم التوقعات لمسار الاحداث متجاوزا بعض الحقاائق وتكاد مواقف هؤلاء تتوزع على العناوين التالية:
– اما الحل السلمي واما الجحيم (دون ان يحدد الجحيم لمن) على حد قول مندوب الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي.
– لا للتدخل الاجنبي ولتعطى “الثورة السورية ” فرصتها لانجاز المهمة و اسقاط الحكم القائم وما المسألة الا مسألة وقت وتنتصر الثورة على حد ما يقول “مرسي مصر” و”اردغان تركيا”.
– لا حل للازمة الا عبر استلام ” القوى الثورية ” السلطة في سورية عبر انتقال سلمي يسمح لرجال النظام بالخروج الامن والا… ” وفقا لما تحاول الجهات الغربية واداوتها العربية اشاعته.
– لا حوار ولا تفاوض مع النظام القائم، والحل لا يكون الا باسقاطه عسكريا وملاحقة رجاله بعد ذلك على كل االصعد، كما تعلن جماعات الارهاب السلفية والتكفيرية من قاعدة وجبهة نصرة واخواتهما.
وفي مقابل هذه الطروحات والمواقف وفي قراءة للواقع وللميدان والبيئة السياسية المحيطة به، يمكننا الوصول الى نتيجة مختلفة حيث نرى بان سورية التي فرضت عليها المواجهة وخاضت حتى الان معركة دفاعية قاسية استطاعت احتواء موجات العدوان المتلاحقة منذ نيف و 22 شهرا، وحققت من الانجازات ما رسم مشهدا لا يمكن لعاقل ان يغفل جزئياته، التي تبدو الان وبوضوح كلي كالتالي :
أ. فشل العدوان الخارجي في تحقيق هدفه الرئيس المتمثل في اسقاط سورية ونظامها وقد بات العدوان وبشكل قطعي عاجزا عن نقل سورية الى المعسكر الغربي والحاقها بنظام حراس المصالح الغربية في الخليج حيث تقوم المحميات الاميركية الواهنة.
ب. استنفد العدوان على سورية الى حد بعيد “بنك اهدافه التدميرية ” وهو الهدف الاستراتيجي الثاني الذي رمى اليه وكشفته مؤخرا المواقف الاسرائيلية التي تمحورت على فكرة واحدة مؤداها القول بان “الربيع العربي ادى لاسرائيل خدمة كانت تحلم بها منذ زمن ولم تستطع تنفيذها بوسائلها الذاتية وهي تدمير سورية لشطبها من معادلة القوة التي تواجهها في الشرق الاوسط”. لقد نفذ العدوان معظم ما يمكنه في هذا المجال وسيجد المعتدي بعد ذلك نفسه يراوح مكانه، لان ما بقي خارج دائرة التدمير العدواني الان بات لديه من المناعة والحماية ما يجعل الوصول اليه صعبا للغاية ان لم نقل مستحيلاً.
ت. تشكل قناعة لدى جميع المعنيين بالشأن السوري من الاصدقاء والاعداء على حد سواء خاصة لدى العقلاء الموضوعيين والواقعيين منهم بان العمل الارهابي الذي تمارسه المجموعات المسلحة ومهما طال وقته واستمر ومهما تم رفده بالدعم سيبقى عملاً تدميرا عقيما لا يمكن ان ينجح في اسقاط النظام، وبالمقابل فان الوقت يعمل لصالح الدولة التي باتت قادرة على استعادة الامن والاستقرار الى المناطق التي افسده فيها الارهابيون، وان الاسابيع الثمانية الاخيرة فدمت دليلا قاطعا على ذلك وفقا لما تبين الوقائع والحقائق التالية:
1) انحسار في مساحات المناطق التي شهدت اعمالا ارهابية وقتال وتدمير على يد المجموعات المسلحة ويمكن رسم المشهد الميداني القائم الان من حيث الامن وسيطرة الدولة وفقاً لفئات ثلاث: حيث نرى السيطرة المحكمة، او الحذرة، او مناطق الاشتباكات. وقد تراجعت مناطق الفئة الاخيرة في المناطق المأهولة من نسبة 40% الى نسبة 12 %، وتراجعت المناطق الحذرة من نسبة 30% الى نسبة ادنى من 10%.
2) بدأ تجفيف مصادر الامداد من الخارج وبشكل ملحوظ، حيث ان المتغيرات المتلاحقة ادت في الوسط في منطقة حمص وريفها تحديدا الى خفض منسوب الدفق الارهابي من لبنان بنسبة تزيد عن 85%، كما ان المخاطر التي تحسسها الاردن ادت الى تراجع وظيفة الخط الاردني في الامداد بنسبة تتجاوز ال 90%، كما وارتفعت درجة التشدد العراقي في محاربة الارهاب ما ادى الى شبه اقفال البوابة العراقية بوجه الامداد الارهابي الامداد، ويبقى فقط الاتجاه التركي الذي بات محكوما بقواعد ستملي عليه وبشكل قسري التراجع.
3) تنامي رشاقة الجيش العربي السوري في المواجهة بشكل مكنه من تكثيف تحقيق الانجازات الميدانية السريعة لاسباب متعددة تتعلق بالبنية والخبرة المكتسبة والقواعد والقيود التي يتم العمل بها في المواجهة.
4) انخراط فئات الشعب السوري التي طالتها نيران الازمة و العدوان، انخراطها في العمل تحت سقف دفاعي منسق و بشكل يخفف عن القوات المسلحة بعض الاعباء و يحقق نسبة اعلى من نجاح المهام العملانية التي يقوم بها الجيش.
ث. تشكل قناعة اكيدة لدى الجميع من الاعداء والاصدقاء على حد سواء بان التدخل العسكري الاجنبي في سورية بات مستحيلا وعلى اي طريقة كانت، ولم يعد يتحدث به او يطلبه الا احمق او مشوه الفكر او اعمى البصر والبصيرة، اما اللجوء الى الترويج لاخبار موازية من قبيل الاستعداد الصهيوني والغربي للتدخل لوضع اليد على الاسلحة الكيماوية او تدميرها او منع نقلها الى االمقاومات خارج سورية كل ذلك لا يمكن ان ينشئ بيئة تهديد جدي بالتدخل الخارجي، لان الجميع بات يعلم ان مثل هذا التدخل قطعت الطريق عليه عبر مجلس الامن بالفيتو الروسي – الصيني، ثم احكم الاغلاق بوجهه بالقدرة الردعية التي يملكها محور المقاومة، ويبقى تفسير ما يروج من استعدادات هنا او هناك لارسال فرق ومفارز بعيدا عن التدخل الاجنبي الفعلي محصورا في الاهداف التالية:
1) التغطية على وجود خبراء من الصهيانة والضباط الاطلسيين يقودون الارهابيين للعمل ضد مواقع عسكرية محددة تعني اسرائيل خاصة مواقع الدفاع الجوي.
2) رفع معنويات ارهابيين والايحاء لهم بالقدرة على النصر لتشجيعهم في الاستمرار بالعمل التهديمي بما يخدم مصلحة ارباب العدوان الخارجي على سورية.
3) القيام بعمليات استطلاع بغية التحضير – اذا اكتملت الظروف والشروط – لاي انتشار عسكري اطلسي على البارد (اي من غير قتال ومواجهة) في حال نجحت الخطة الغربية في فرض حل سلمي للازمة وبالشروط الاميركية التي تقضي بتدمير الجيش العربي السوري وتحويله من جيش ميداني مقاتل الى تنظيم امني مسلح لا قدرة له على مواجهة اسرائيل الامر الذي يستوجب تخفيضه الى 50 الف عنصر وتدمير كل الاسلحة الثقيلة والصاروخية واسلحة الدقة العالية لكن هذا الامر كما هو واضح يبقى مشروطاً بقبول سورية بمثل هذا الحل الاستسلامي الذي التزمت به، مجالس وهيئات استنبول والدوحة التي انتجتها المخابرات الاجنبية وطبعا ترفضه الدولة السورية رفضا قاطعا.
ج. على ضوء هذا المشهد باتت القناعة راسخة لدى العقلاء الان بان الازمة التي تدور رحاها على الارض السورية وخلافا لما يروجون او يهولون، ستتجه في واحد من اتجاهين لا تعدوهما : اما مكابرة المعتدي والاستمرار في الاجرام والسير في الخط الانحداري الذي بدأ بسلوكه منذ اسابيع الامر الذي سيفرض على الجيش العربي السوري الاستمرار في تنفيذ مهامه للدفاع عن المواطنيين واستعادة الامن الى المناطق التي اختل فيها، عمل يلزمه بضعة اشهر وسيكون له ثمن طبعا من الجسد السوري لكنه سيؤدي لانتصار سورية على المؤمرة ميدانياً، او قناعة المعتدي واقراره بعقم متابعة العدوان والقبول بالحوار والتفاوض لايجاد مخرج يحفظ له ماء الوجه ويوفر على سورية المزيد من القتل والدمار وسيشكل ايضا انتصارا لسورية عن طريق التفاوض المسبوق بالعمل الدفاعي الميداني الناجح، وهو الاتجاه الذي يبدو ذو حظوظ ترتفع تباعا. وسيكون الشهران المقبلان حاسمان بصدده، فاذا تحقق ذلك عندها سيكون الحل السلمي للازمة القائم على الثوابت التالية:
1) المحافظة على وحدة سورية وكيانها السياسي من غير اي مس به وباي صيغة كانت.
2) احترام السيادة الوطنية السورية والقرار الحر للشعب السوري وحقه الحصري في اختيار النظام والسلطة والحكام، واي حل لا يكون الا منتجا سوريا محضا ً.
3) ان اي عملية اصلاح وتطوير لن تكون الا انطلاقا مما هو قائم حاليا ً، ولن يسمح مطلقا للفوضى الاميركية ان تكون شعارا لما يروج له من مراحل انتقالية او تغييرية، فمؤسسات الدولة القائمة هي التي تقود الاصلاح والتغيير بما يتوافق مع الارادة الشعبية السورية.
4) ان الشعب السوري وباغلبيته الساحقة ( 75% موضوعيا، و56.7 % وفقا للارقام الغربية) متمسك بالرئيس بشار الاسد قائدا للدولة ولعملية التطوير والاصلاح فيها وان قيادته لهذه العملية شرط لنجاحها ولقبول الشعب بنتائجها.