عبداللطيف مهنا
التهوين من الصيحات الترانسفيرية الصهيونية المطالبة بطرد العرب الفلسطينيين والداعية لفرض السيادة رسمياً على الضفة الغربية، بإرجاعها فحسب إلى لزوميات الحملات الإنتخابية توسلاً لإكتساب أصوات المقترعين الصهاينة، لايصب إلا في صالح مطلقيها. إنه اسهام في حجب واحدةٍ من حقائق الصراع في فلسطين ارتكز عليها المشروع الصهيوني برمته وظلت هدفاً إستراتيجياً رئيساً له منذ أن تأسست لبناته الأولى نهايات القرن ماقبل المنصرم. إنها ماتلخِّصها المقولة المزعومة : “أرض بلا شعبٍ لشعبٍ بلا وطن”. من يومها توالى العمل للوصول الى مثل هذا اليوم الذي يتم فيه إخلاء فلسطين من أهلها وإحلال الغزاة المحتلين وحدهم مكانهم، وعلى إمتداد محطات الصراع مارس الصهاينة شتى السبل وكافة الأساليب التهجيرية المباشرة والاحتيالية المداورة لتحقيقها. عام النكبة تم اغتصاب ثمانين في المائة من فلسطين وطرد أهلها منه ماخلا مالايتجاوز المائة والخمسين ألفا منهم، وبعيد احتلال العشرين في المائة المتبقية منها في العام 1967، وإذ لم يتسنى لهم هذه المرة طرداً مباشراً لفلسطينييها، بادروا إلى تكثيف التهويد وزرع المستعمرات في مساحاتٍ واسعة من الأرض المصادرة تحت شتى الذرائع، كالأسباب العسكرية والأمنية، وشق الطرق الإلتفافية، وتشييد الآسوار العازلة، وهدم البيوت وتشريد أهلها بحجة عدم الترخيص لها، و مارسوا كافة السبل والأساليب الملتوية للتخلص من أكبر عددٍ ممكنٍ من المستفرد بهم المتشبثين بأرضهم. وأتاحت إتفاقيات أوسلو المشؤومة للمحتلين الوقت اللازم لالتهام غالب أراضي الضفة الغربية ومحاصرة أهلها في معازل وكانتونات أقرب إلى المعتقلات المتناثرة الممزقة الأوصال التي يقطَّع مابينها ويفرم على مدار الساعة… وإلى أن يأتى اليوم المناسب للترنسفير، فالتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية العنيدة المعيقة لتصفية القضية والحائلة دون تحقيق إستراتيجيتة لم تتبدل أو يتم التخلي عنها منذ أن وضعت.
نعم، إن سعار صيحات الترانسفير الآن وعلى مثل هذا النحو الفج وغير الموارب تستدعيه حمى المزايدات الإنتخابية المحتدمة، حيث تتبارى الأحزاب الصهيونية، على اختلاف مسمياتها وتصنيفاتها لكسب أصوات جمهور هو في طبيعته تجمُّع إستعماري إستيطاني إحلالي متطرف… جمهور، ولطبيعته، يدرك أن وجوده واستمراره هو نقيض لهذا الآخر الذي يغتصب أرضه ويصادر وطنه ويحاول طمس هويته وإبادة وجوده المادي والمعنوي، وبالتالي يزداد غلواً ويزاود غلاة يمينه غلواً على من هم إلى يمينهم فيه. وفي هذا يتساوى نفتالي بينت زعيم حزب “البيت اليهودي” مع زعيمة حزب “العمل” ويصعب التفريق ما بينهما. كما أن ما يستشعره المحتلون من خطر ديموغرافي يتمثل فيمن تبقى من الفلسطينيين على أرضهم، حيث بات فلسطينيو المحتل من فلسطين العام 1948 المائة والخمسين ألفاً قرابة المليون والنصف، وإذا ماجمعتهم مع إخوانهم في المحتل منها عام 1967 تساووا عدداً إلا قليلاً مع مغتصبي وطنهم، وقريباً، ولنسبة تكاثرهم مقارنة مع تكاثر أعدائهم، سوف ترجح الكفة لصالحهم، فالتهويد يبتلع الأرض لكنما إنسانها لايزال متمسكاً بها، والمطلوب الآن إجتراع السبل للتخلص منه. ويمكن إضافة سببٍ ثالثٍ وهو أن في مثل هذه الصيحات الترانسفيرية محاولات درج الصهاينة عليها في معتاد محاولاتهم جس النبض والتهيئة لخطواتٍ قادمةٍ يضمرونها، ومنها مثلاً، الصلاة في المسجد الأقصى، أواقتسامه، كما فعلوا بالنسبة للحرم الأبراهيمي في الخليل، توطئة لهدمه وبناء هيكلهم الثالث المزعوم مكانه.
تقول الإحصائيات الأخيرة، إنه، وعلى الرغم من غلو تحالف ” الليكود بيتنا”، أو إئتلاف نتنياهو- ليبرمان الإنتخابي، وأزدياد نسبة معتمري القلنسوات الدينية في مرشحيه على نصفهم، فإن الإئتلاف الأشد فاشيةً وغلواً منه، “البيت اليهودي”، بزعامة نفتالي بينت، بات المتقدم عليه في حصد أصوات الناخبين وعلى حسابه. أما حزب “العمل”، الذي تنكرت زعيمته لوصفه باليساري، فيتوقع له تراجعاً وفقداناً للمرتبة الثانية بعد “الليكود.
… سابقاً هتف الصهاينة للدموي شارون صاحب نظرية بناء مستعمرة على كل تلة فلسطينية : “شارون ملك إسرائيل”، واليوم بات من المتوقَّع إستبدالهم لملكهم القابع في غيبوبته المديدة بملك جديد هو موشي فايغلين، هذا الصاعدالحاصل على ربع أصوات حزبه الليكود في إنتخاباته منافساً لنتنياهو. فايغلين يتصدر المصلين اليهود في الحرم القدسي وأصحاب الصيحات الترانسفيرية الراهنة، يوآزره زئيف الكتين وزير الإعلام المطالب بالفرض “المتدرِّج” للسيادة، أولاً على المستعمرات وبعدها على ماتبقى من الضفة، ومعهما ياريف ليفن رئيس كتلة الليكود في الكنيست… وقاحة فايغلين ذهبت به حد إقتراح دفع نصف مليون دولار لكل عائلة فلسطينية تقبل الرحيل عن وطنها كبديلٍ يراه الأجدى من تبذير الأموال على “القبة الحديدية”، كاشفاً أن هناك من الدول الأوروبية من هى جاهزة لاستقبال الفلسطينيين لاسباب تتعلق بمشاكلها الديموغرافية… الترانسفير إستراتيجية صهيونية، وفايغلين مجرد بوق في سمفونيةٍ متكاملةٍ واحدةٍ وإن تعددت آلاتها واختلف أداء عازفيها !