يحيي الشعب التونسي اليوم الذكرى الثانية لإسقاط الديكتاتور المخلوع بعد نضال أجيال من التونسيات والتونسيين تتوج أولا بانتفاضة الحوض المنجمي في 2008 و تتوّج بالهبّة الثوريّة التي عرفتها بلادنا من 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد إلى يوم 14 جانفي 2011 إذ أجبر المخلوع على الفرار من البلاد بعد أن قدّم شعبنا مئات الشهداء و الجرحى و قد واصل الشعب و قواه الثوريّة و الاجتماعية النضال من أجل استكمال أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعيّة مقدّما المزيد من الشهداء والجرحى والتضحيات.
ويحقّ للشعب التونسي ولقواه الثوريّة اليوم الوقوف لتقييم ما آلت إليه ثورته و مدى تناسب ما رفعه من مطالب و ما قدّمه من تضحيات مع ما تحقّق له في واقعه المعيش. والجبهة الشعبيّة إذ تقف اليوم إجلالا لشهداء الثورة و جرحاها فهي تعتبر أن حصيلة هاتين السنتين سلبية على جميع المستويات:
فعلى المستوى السياسي، مازال مطلب إرساء نظام ديمقراطي مدني يعطي السلطة للشعب و يقطع مع الاستبداد والفساد والقمع مطلبا منشودا تهدده العديد من المخاطر و تعمل السلطة القائمة و أحزابها على إجهاضه متفصّية من استحقاقات الثورة، عاملة على استعادة منظومة الاستبداد لصالحها، ويظهر ذلك جليّا في التلكّؤ في إتمام صياغة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق والحريات ويكرس السيادة الوطنية والعدالة والمساواة ويبني المؤسسات المعبرة بحق عن الإرادة الشعبية، وفي المماطلة في القيام بالإصلاحات الأساسيّة لقطاعات الأمن والقضاء والإدارة والإعلام، وفي التفصّي من تفعيل العدالة الانتقالية بما يضمن كشف الحقائق و محاسبة المذنبين ورد الاعتبار للضحايا وهي الشروط الضرورية للمصالحة الوطنيّة.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ما زالت حكومة الالتفاف تواصل نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية للنظام البائد بل أكثر من ذلك ذهبت فيها إلى مدى أبعد ممّا وسّع دائرة البطالة و الفقر و عمّق التهميش وزاد في تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين أمام تصاعد جنوني في أسعار المواد الأساسية و تكلفة الخدمات الاجتماعية وتدهور جودتها. كما أنّ كلّ المؤشرات الماليّة والاقتصادية تنبئ بخطورة الوضع الاقتصادي و بجديّة المخاوف من الانهيار التام لما تبقّى من نسيج الاقتصاد الوطني.
إنّ تدهور الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية وفشل الحكومة وعدم كفاءتها و تهرّبها من اتّخاذ الإجراءات العاجلة والمباشرة للتخفيف من معاناة المعطّلين و الفئات الشعبيّة والجهات والمناطق المفقّرة ينبئ بانفجار اجتماعي جديد بدأت علاماته تبرز في التحرّكات الشعبيّة التي اندلعت في عديد الجهات آخذة منحى تصاعديا وانتشارا واضحا رغم محاولة السلطة إخمادها عبر المماطلة والتسويف أو التشويه والتلهية أو العودة إلى خيارات القمع البوليسي أو المليشيوي.
وعلاوة على كل ذلك، فالمكاسب الجزئية التي حققتها الثورة أو تلك التي راكمتها بلادنا عبر تاريخها تتعرّض إلى هجمة واسعة، فالحريات العامة والفردية تتعرض لاعتداءات ممنهجة عن طريق السلطات والأجهزة الرسمية أو المليشيات والجماعات العنيفة، و مكاسب المرأة تعمل قوى الردة على تقويضها. وقد لجأ القائمون على الحكم إلى العنف أداة في الصراع السياسي مطلقين المليشيات لتعتدي على الأحزاب والسياسيّين والنقابات والنقابيين والصحفيين ووسائل الإعلام والمثقفين والمبدعين وأنشطتهم، كما لجأوا إلى التوظيف الرخيص للمشاعر الدينية و دور العبادة والمؤسسات الدينيّة و موظّفيها لتكفير الخصوم والتحريض عليهم. وفي هذا المناخ تفاقمت بشكل مفزع المخاطر الأمنيّة والأعمال والتهديدات الإرهابيّة داخل البلاد وعلى حدودها مخلّفة عديد الضحايا من المواطنين ممّا نشر بين أفراد الشعب شعورا عامّا بالخوف و عدم الاطمئنان، كلّ ذلك في ظلّ تهاون صارخ من القائمين على الحكم يصل أحيانا حدّ التواطؤ المفضوح.
إنّ كلّ هذه المعطيات تؤكّد فشل هذه الحكومة و عجزها عن إدارة المرحلة الانتقالية ممّا دفع البلاد إلى أزمة سياسية واجتماعية خانقة. والجبهة الشعبيّة إذ تحمّل المسؤوليّة في ما آلت إليه الأوضاع لمؤسسات الحكم والائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة فهي تتقدّم للشعب التونسي وقواه الديمقراطية والمدنيّة والاجتماعية بالمبادرة التالية والتي تقوم على:
·التوافق على خارطة طريق لما تبقّى من المرحلة الانتقالية تفضي إلى انتخابات عامّة نزيهة وشفافة بإشراف هيأة مستقلّة وفق قانون انتخابي ديمقراطي تعدّدي.
·التوافق على دستور ديمقراطي أساسه المواطنة و المساواة، يكرّس مدنيّة الدولة ويصون الحريات العامّة و الفرديّة ويضمن الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والبيئية والثقافية للشعب.
·تحييد الإدارة والأجهزة الأمنيّة و النأي بدور العبادة عن الدعاية الحزبيّة و استهداف الخصوم السياسيين و تكفيرهم.
·إرساء هيأة عليا وقتيّة مستقلّة للقضاء وإصلاح المنظومة الأمنيّة في اتجاه بناء أمن جمهوري.
·تركيز الهيأة العليا المستقلّة للإعلام و العمل على حماية الإعلاميين و احترام حرية الإعلام والتعبير.
·التصدي للعنف السياسي وإنهاء جميع أشكال المليشيات.
·الإحاطة الصحيّة والاجتماعية بالجرحى وعائلات الشهداء و التعجيل بكشف حقيقة من أجرموا في حقّهم و محاسبتهم. واعتبار شهداء انتفاضة الحوض المنجمي من شهداء الثورة.
·اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية عاجلة لفائدة المعطّلين والفئات الشعبيّة والجهات والمناطق المفقّرة و المهمّشة.
الجبهة الشعبيّة
تونس في 14 جانفي 2013