اللاجئون الفلسطينيون : بين حق العودة ومأزق التعويض

(الجزء الثاني والأخير)

عادل سمارة

مخاطر التعويض على صعيد السلطة الفلسطينية: إن السلطة الفلسطينية هي وليدة مناخ التسوية. وعليه، فإن تحديد طبيعة هذه السلطة وتوجهاتها وسياساتها لابد أن يستند لمناخ الولادة وليس على ما يقوم عليه تقييم سلطة ولدت على أرض وطنها وفي ظروف عادية وطبيعية سواء كانت هذه السلطة في بلد موهوب ثرواتيا أو بلد فقير. تعني شروط التسوية أن تكون السلطة الفلسطينية إحدى آليات تحويل القضية القومية إلى قضية لاجئين. وإذا ربطنا هذا الأمر مع قرار أمريكا بتصغير قضية اللاجئين إلى بند في المفاوضات الثنائية، وتأثير أمريكا على السلطة الفلسطينية، وفقر هذه السلطة للموارد، مع عدم قيام الدول المانحة بتقديم مساعدات لهذه السلطة ذات طابع “استثماري تنموي إنتاجي”، بل مساعدات تورطها في مديونية كبيرة، وذلك بهدف جعل هذه السلطة عاجزة على مستويين: الأول، العجز عن تمويل نفقات الاستهلاك الجاري لهذه السلطة. الثاني، العجز عن تسديد أقساط وخدمات الديون، فإن النتيجة ستكون قيام السلطة بتقديم خدمات سياسية وقومية للدائنين الذين هم في الأساس حلفاء إسرائيل، ولابد أن تكون قضية اللاجئين في قمة أجندة هذه التنازلات. طبقاً لآخر أرقام متوفرة، فإن مديونية السلطة الفلسطينية قد وصلت إلى 760 مليون دولار[1]. ولو افترضنا فائدة بمقدار 10 بالمائة، فإن هذا المبلغ سوف يتضاعف في عشر سنوات، هذا إذا لم تستدين السلطة الفلسطينية أية مبالغ أخرى. لنلاحظ إذن، أن الدين أصبح ثلاثة أرباع مليار دولار في ثلاث سنوات (أي حتى عام 1996) ، وهذا أمر لا يبقي قيمة لإدعاء البعض بأن من مميزات السلطة الفلسطينية أنها بدأت بدون مديونية. فها هي تقفز إلى رقم قياسي أي بعد سنوات ثلاث من عمرها وعلى ضوء كونها فقيرة الموارد، فلماذا كل هذه الجرأة على الاستدانة من جهة، ولماذا تقرر الدول المانحة تسليفها رغم أن هذه الدول تتحفظ جداً على تسليف البلدان الفقيرة أو غير ذات القدرة على السداد؟ يمكننا القول إذن أن العوامل المدرجة أعلاه سوف تشجع السلطة الفلسطينية على القبول بمبدأ التعويض، لأنه إضافة إلى ما ذكر يحقق لها دخلاً يساعدها على الخروج من مأزقها الاقتصادي[2]، وحتى لو ترددت السلطة في قبول مشروع التعويض، فإن الدول المانحة ومعها البنك الدولي سوف تلوح لها بإيقاف المساعدات لكي تلجأ إلى قبول التعويض[3]. لكن الأمر لا يقف عند هذا السيناريو ببساطة. فهنا سوف تقوم المشكلة بين السلطة وبين المواطن نفسه، وتحديداً اللاجئ. ويمكن أن تحاول السلطة وضع يدها على أموال التعويض (إن توفرت، انظر لاحقا) بحجة أنها سلطة وليدة، وأنها تقدم خدمات لعامة الشعب وبالتالي فإن للحق العام أولوية على الحق الخاص. كما يمكنها القول، إن معظم اللاجئين قد تمأسست أوضاعهم، وبالتالي فإنهم ليسوا بحاجة لأموال التعويض هذه وأن السلطة سوف تقيم صناعات وتقدم تحسينات في البنية التحتية لعامة الشعب. وربما يذهب جزء قليل من التعويضات إلى الأفراد. وهذا مختلف طبعاً عن كيفية تصريف أموال تعويضات ألمانيا لضحايا النازية حيث قسمت هذه إلى مستويين عام وخاص. مخاطر التعويض على صعيد الأنظمة العربية: على هامش عملية التسوية تكونت لجان للتفاوض حول اللاجئين. لاحظ بالطبع، ليس حول حق العودة وعليه فقد تكونت هذه اللجان من ممثلين عن عدة أطراف هي السلطة الفلسطينية والأردن ومصر وإسرائيل. وإذا كان معروفاً أن ممثلي السلطة الفلسطينية يتحدثون باسم اللاجئين الفلسطينيين، وأن ممثلي إسرائيل يمثلون إسرائيل التي اغتصبت الوطن، فما معنى وجود لجنة أردنية وأخرى مصرية، إذا كان المقصود هو تواجد اللاجئين الفلسطينيين على أراضي تلك الدول، فإن من حق معظم دول العالم أن تكون مشاركة نظراً لوجود لاجئين فلسطينيين فيها. بدورها، فإن الحكومة الأردنية قد أعلنت مؤخراً أنها تطالب بتعويضات عن “ما قدمته” للاجئين الفلسطينيين تقدر ببضع عشرات مليارات الدولارات. وبغض النظر عن الطريقة التي حسبت بها السلطات الأردنية تلكم المبالغ، فإن هذا يعني أن هناك شركاء للاجئين في تعويضاتهم حتى من خارج السلطة الفلسطينية نفسها. وهنا، يدخل العمق القومي مرة ثانية ولكن في غير صالح النظام الأردني. فالنظام الذي أدعى استضافة اللاجئين الفلسطينيين بناء على روابط قومية، عاد اليوم ليطالب بتعويضات عن ذلك، ولاشك أن هذه التعويضات مطلوب اقتطاعها من تعويضات اللاجئين المتوقعة وليس من إسرائيل التي طردتهم من أرضهم. وأما السؤال فهو: هل هناك حقوق لأي بلد استضاف اللاجئين الفلسطينيين ولاسيما الأردن؟ فالأردن هو البلد العربي الوحيد الذي جرد الفلسطينيين من هويتهم الوطنية وجعل منهم مواطنين أردنيين بغض النظر عن درجة المواطنة. وهو بهذا قد فقد حق إدعاء الاستضافة، فالبلد لا يستضيف مواطنيه. لقد نزح الفلسطينيون إلى شرقي فلسطين وإلى شرقي الأردن ليس كلاجئين (عالة على بلد)، وإنما وهذا الأساس كقوة عمل بأقل حد من الأجرة. ولذا فقد خضعت قوة العمل هذه لاستغلال بشع للغاية من قبل كبار ملاك الأراضي من العائلات الفلسطينية والأردنية التي كانت تحظى بدعم من السلطة الأردنية، حيث شغلتها في إعمار الأراضي وزراعتها في ظروف أشبه ما تكون بقنانة الأرض في أوائل المرحلة الإقطاعية. وبالتالي، فقد كان هؤلاء اللاجئون عبارة عن قوة عمل أجيرة في مختلف قطاعات الاقتصاد الأردني، سواء الخدمات أو الصناعة أو الزراعة أو الإنشاءات أو الجيش، الخ. أما التموين الذي كانوا يحصلون عليه من الأونروا، فكان هو التعويض الذي يجعل من الممكن لصاحب العمل الأردني أن يشغل الفلسطيني بأجرة أقل لا تكفيه حد الكفاف، ولكن هذا الحد يجري تعويضه من ما تقدمه الوكالة. إلا أن الخطورة لا تكمن في حاجة النظام الأردني في هذا الصدد، وإنما تكمن في استعداد إسرائيل والدول التي “تهندس” عملية التسوية (ولاسيما أمريكا) لتسهيل المطالب الأردنية كمكافأة للنظام هناك على دوره في التسوية. وبالتالي، فإن من سيحصل على تعويض في هذا الوضع ليس اللاجئون. أما إذا ادعى الأردن أن اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أراضيه سواء من 1948 أو 1967 أو 1990 إثر حرب الخليج هم عبارة عن مواطنين أردنيين، وإن كانوا من أصل فلسطيني، فإنه سوف يشاركهم في الحصول على حصة من التعويضات (إن حصلت) كما ستشارك السلطة الفلسطينية اللاجئين الموجودين في الضفة والقطاع. تجدر الإشارة إلى أن ما كانت تنفقه وكالة الغوث على اللاجئين في الضفتين الغربية والشرقية كان يشكل مصدراً من مصادر الدخل القومي في الأردن، وليس بالتالي عبئاً على الأردن. مخاطر التعويض على صعيد السلطة الإسرائيلية: إلا أن الخطر الأكبر في موضوعة التعويضات هو الكامن في دور السلطة الإسرائيلية التي سوف تحاول التهرب من مبدأ التعويض نفسه. ولاشك أن إسرائيل لن تعدم الحجج لدعم موقفها. فهي سوف تنطلق من ما يمكننا أن نسميه “مسلّمات التسوية”، مثل الادعاء أن هذه أرض إسرائيل، وأنها إذا ما قبلت بتعويض بعض اللاجئين، فذلك كحالات فردية، أو إعادة البعض ضمن عملية جمع الشمل التي هي حالات محدودة، أي أن هناك أفراداً أو في أحسن الأحوال مجموعات غير يهودية أو إسرائيلية عملت في هذه الأرض وامتلكت ممتلكات وأنه يمكن تقديم تعويضات لها. كما يمكن أن تدعي أنها تقدم التعويضات لدوافع إنسانية أو حقوقية فردية وحسب. المهم أنها سوف تنكر الحق القومي. وعلى أية حال فإن إسرائيل لا تستثني موضوع التعويضات كلياً كأحد الاحتمالات، وإن كانت تصوغه كما ترى، فطبقاً لأقوال وزير القضاء الإسرائيلي السابق فإن إسرائيل قد رصدت 13 مليار دولار لتدفعها كتعويضات للفلسطينيين، أما مدير مخابراتها السابق يهوشع ساجي، فقد قدر ما يمكن دفعه لكل أسرة فلسطينية بـ 10 آلاف دولار. ولكن حتى في الحالات الفردية، أو الجماعية التي ستقام على أساس أنهم لاجئون وليسوا شعباً له قضيته السياسية القومية، فإن إسرائيل سوف تقوم بطرح قضية اليهود – العرب في مقابل العرب الفلسطينيين [4]. أي أنها سوف تعارض حالة تشتيت الشعب الفلسطيني التي قامت بها في مواجهة “عملية تجميع اليهود العرب” التي قامت بها الأنظمة العربية لصالح إسرائيل. وهنا تدخل الاعتبارات العددية والمهنية في الحساب. وإذا كان لنا أن نعتمد الإحصاءات الإسرائيلية، فإن عدد اليهود القادمين للاستيطان في فلسطين (والمولودين لهؤلاء) من عدد من البلدان العربية هو على النحو التالي (بالآلاف): المغرب 285.5 اليمن 158.9 والعراق 508.8 والجزائر وتونس 126.8 وليبيا 75.2 ومصر 63.5. ويبلغ المجموع الكلي لهؤلاء 1.231.900 شخصاً. هذا دون أن نضف من هاجروا من باقي البلدان العربية، ناهيك عن الإسلامية. دعنا نقول أن عدد المهاجرين من البلدان العربية يقارب مليون ونصف المليون شخص[5]. وهكذا، فإنه في أكثر محاولات تقييم حقوق اللاجئين الفلسطينيين عدالة، فإن إسرائيل سوف تضع هذا العدد من اليهود في مقابل اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الخارج والذين يفترض أن عددهم هو ثلاثة ملايين لاجئ على الأقل. وبهذا تعتبر إسرائيل أن المستوطنين اليهود القادمين من البلدان العربية قد طردوا من هناك وجردوا من أملاكهم. وهنا يخضع الأمر لأشكال متعددة من التقديرات والحسابات والتي يمكن لإسرائيل استخدام معايير رأسمالية دولية تكون عملياً لصالحها مما يفقد الفلسطينيين الكثير من الحقوق. فمثلاً: يمكن لإسرائيل الادعاء أن اليهود في البلدان العربية كانوا في الغالب مهنيين وفنيين وتجار، الخ. وبالتالي فإن الاستثمار الاجتماعي المنفق على الفرد منهم أعلى بكثير من ذلك المنفق على فلاح فلسطيني. كما أن بإمكانها الادعاء أن محلا تجارياً في بغداد يساوي مئات أضعاف دونم أرض في النقب، الخ. وباختصار، فإن إسرائيل سوف تعمل على تبيان أن عدد المستوطنين اليهود القادمين من البلدان العربية وممتلكاتهم وخسائر إنتاجيتهم كمهنيين وفنيين تتساوى، إذا لم تزد عن حقوق الفلسطينيين الأفراد في فلسطين (حتى لو كان ضعف عدد اليهود). أي طالما أن المسألة لن توضع على أرضية حساب مختلف هو اغتصاب وطن شعب بأكمله. وطالما أن المسألة هي مسألة لاجئين، أي أفراد ومجموعات وليس شعباً ووطناً، فإن بوسع إسرائيل (ولاسيما بعد الاعتراف بها) أن تطالب العرب بتعويضات لها عن الحروب التي دارت بينها وبين العرب، حيث أنها سوف تعتبر هذه الحروب اعتداءات عربية عليها، وأنها كانت تحارب دفاعاً عن النفس[6]. ويكفي أن نشير إلى أن تقديرات إسرائيل لخسائرها جراء حرب أكتوبر 1973 وحدها هي أربعين بليون دولار، أو ما يعادل ميزانيتها لذلك العام. قد يقول البعض، إن حقوق اللاجئين الفلسطينيين مطلوبة من إسرائيل، بينما حقوق المستوطنين اليهود مطلوبة من البلدان العربية. وإذا كان لنا أن نوافق على هذا المنطق ، فإن بوسع إسرائيل والحالة هذه أن ترهن دفعها التعويضات إلى الفلسطينيين بدفع العرب تعويضات للمستوطنين اليهود، أو أن تحيل الفلسطينيين على العرب. كما يمكن لإسرائيل أن تثير أمراً آخر لصالحها وهو بيوعات الأراضي سواء البيوعات التي قام بها فلسطينيون، أو التزوير والاحتيال الذي نجحت فيه خلال فترة الاحتلال، ولعل أحد المراجع المهمة في هذا الشأن كتاب كينث شتاين الذي يحوي ثبتاً ببيوعات الأراضي في الفترة ما بين 1919-[7]1939, ويظل هذا صحيحاً إلى أن يُفنَّد من قبل ياحثين عرباً ومن قبل ورثة المتهمين بالبيع. على أن مسألة بيوعات وتزوير بيوعات الأراضي لا تقف عند الفترة المذكورة بل هي مستمرة حتى اللحظة. ولعل ما نخشاه، أن تكون فترة التسوية هي أكثر فترات بيع الأرض “نشاطاً” على اعتبار أن التسوية بما هي على هذا الحال تدفع اللاجئين دفعاً إلى استدخال الهزيمة. ومع أن موقف كاتب هذه الورقة هو موقف ضد موضوع التعويض من حيث المبدأ لأن القضية قضية وطن، وأما التعويض فهو لمن لا يريد العودة، إلا أن من قد يقوم بطرح هذا الأمر، والدخول في مفاوضات بشأنه، وطالما أنه غير مسلح بالموقف القومي الرافض لاستبدال الوطن بنقاش حول دونمات وأبنية، فإنه يجب أن يكون مسلحاً بدراسة علمية اقتصادية وإحصائية دقيقة لضمان حقوق ذلك العدد المحدود ممن لا يستطيعون العودة (مثلاً، اسر لم تعد موجودة). في هذا الصدد يمكن للمفاوض أن يطرح أموراً عدة منها[8]: 1. عدم الربط بين التعويض للفلسطينيين والتعويض لليهود المستوطنين من الوطن العربي، وأن يستبدله بحق العودة. 2. الإحصاء الدقيق للموجودات الفلسطينية. 3. تقدير الإنتاجية الضائعة لكل فلسطيني طرد من أرضه، وكل من أصبح من أبنائه في عمر العمل والمدة التي أعقبت وصوله إلى عمر العمل. 4. تقدير إنتاجية استثمار هذه الإنتاجية الضائعة ودورها في تطوير الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني. 5. المداخيل التي حصلت عليها إسرائيل من استخدام الأرض والممتلكات. 6. مداخيل إسرائيل من السيطرة على الأماكن الدينية والسياحية كأماكن تمتاز بمنفعة مقارنة. 7. الحيف الاقتصادي والمعنوي والإنساني الذي أصاب كل لاجئ فلسطيني وأسرته النووية والممتدة منذ الطرد وحتى اللحظة، وتقدير ذلك رقمياً ليدخل في نطاق التعويض، وهنا يمكن أخذ مستوى الخدمات التي قدمتها إسرائيل للمستوطن اليهودي كمعيار للقياس عليه. 8. الحيف والإعاقة التي أصابت كل فلسطيني خلال الفترة منذ 1948 في المجال الدولي، حيث يمنع أو يعاق سفره نظراً لعدم وجود وثيقة سفر البتة أو عدم وجودها أصلاً. 9. مطالبة بريطانيا بالتعويض عن الخسائر التي أصابت الشعب الفلسطيني أثناء الاستعمار البريطاني لفلسطين وأثناء تقويضها للاقتصاد الفلسطيني وتدعيمها للاقتصاد اليهودي. 10. مطالبة الأمم المتحدة بتعويضات عن آثار عجزها عن تنفيذ قراراتها المتعلقة بفلسطين. الخلاصة: تدل مختلف المؤشرات التي عولجت في هذه الورقة على أن هناك مخاطر كبيرة وجدية تحيط بكل من حق العودة، وحتى تعويض اللاجئين الفلسطينيين. لا بل إن أي خلل في واحد منهما لابد أن يقود إلى خلل في الآخر، ولاشك أن هذه المخاطر يمكن أن تقود الكثيرين أما إلى المطالبة بالتعويض ضمن موقف عام (مع إن ما أشرنا إليه أعلاه سوف يفرغ هذا الحق من محتواه، ناهيك عن كونه خيانة قومية ووطنية )، أو إن البعض سوف يحاول الحصول على تعويض بطريقته “الخاصة” وهذا أكثر خطورة. ما دلت عليه الوقائع، وبالتالي ما نعتقده بناء عليها أنه لا حق العودة ولا التعويض مطروح على أجندة أحد من أطراف التسوية. وعليه، يصبح المطلوب تحويل كافة قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مؤتمر العودة الذي هو قيد التشكل للاجئين الفلسطينيين في مختلف بلدان العالم وأن يكون هذا المؤتمر وحده المخول ببحث قضية اللاجئين وعودتهم وعبر الأمم المتحدة وليس عبر المفاوضات الثنائية أو غير الثنائية مع إسرائيل. تطورات خطيرة نوعياً منذ كتابة المقال أعلاه 1996 وحتى اليوم عضفت بالقضية الفلسطينية تطورات في منتهى الخطورة، ومن ضمنها زيادة التآمر الرسمي على حق العودة. فرغم حراجة تجربة أوسلو، وما حاق بالشعب الفلسطيني من مصادرة ارض ومجازر وزرع مستوطنات وغيرها، إلا ان المتمسكين بأوسلو ازدادوا تمسكاً. لا بل انخرط معظم الحركة الوطنية في الإنتخابات الثانية وهو امر لا يمكن إخفاء أنه تماهٍ مع اوسلو. وأوسلو بلا مواربة لا ترقى عن المطالبة بتعويض ” لِ –لاجئين”! لعل أحد أهم مؤشرات التطورات السلبية ان أميركا والغرب الراسمالي والعديد من أنظمة الكمبرادور العربي قد طالبت حركة حماس بوضوح بأن تعترف ب الكيان الصهيوني. وهذا بلا مواربة شطب لحق العودة. لم يكن هذا الشرط مطلوباً من اي مشارك في انتخابات الحكم الذاتي من قبل! لقد واصلت التسوية تدحرجها لتدخل فيها قطريات عربية مثل موريتانيا، ومحاولة اليمين الكمبرادوري في لبنان إدخال لبنان في التسوية لولا صمود الحركة الوطنية وخاصة حزب الله. كما أن معظم قطريات الخليج اقامت علاقات “فعلية- وإن- لا معلنة” مع الكيان الصهيوني. في زيارته لرام الله في نهايات عام 2007، تحدث الرئيس الأميركي بكل صلف أمام رئيس السلطة الفلسطينية بأن الأمم المتحدة قد خرجت من القضية الفلسطينية، وأن الأمر الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية. وليس هناك أخطر على اية قضية أن تُخرج من ايدي الأمم المتحدة –على هشاشة وضعها- لتوضع بيد الولايات المتحدة. وهذا مؤشر لا غبار عليه بأن الولايات المتحدة عازمة على شطب حق العودة. وعلى الأرض، تدخل السلطة الفلسطينية والدوائر المحيطة بها من أكاديميين وأنجزة وراسماليين في صفقات تطبيع تضع لنفسها أو توضع لها، او كليهما معاً، هدف شطب حق العودة. على سبيل المثال، ومما هو معلن، فما بالك بالخفي والمخفي، هناك مجموعة يُطلق عليها “إكس” والإسم يشي بالدور كما يبدو. لها لجنتها التوجيهية المكونة من بروفيسور جلبيرت بن حيون، صائب بامية، سمير حزبون رون باندك، التقت مع كوشنير في باريس، واطلعته على نتائج بحثها المتعلق بالقدس واللاجئين، والتعاون في المواصلات والكهرباء وبعض المشاكل الآنية، مثل العمالة والتجارة ووادي الأردن. يأتي هذا الإجتماع مع وزير الخارجية الفرنسي ضمن سلسلة اجتماعات تعقدها المجموعة مع صناع القرار الفلسطينيين والإسرائيليين خاصة. وتضم مجموعة من الخبراء المحليين والعالميين من مختلف التخصصات والمنظمات الدولية، ذات العلاقة بالقضايا االدولية وذات العلاقة بالقضايا الإقتصادية. كما ستستمر اللجنة التوجيهية في عقد اللقاءات المختلفة خاصة لاكتشاف متطلبات المرحلة المقبلة. (القدس 16-2-2008 ص 2) ما الذي سيخرج من هكذا لجنة مشتركة أميريكة صهيونية وتسووية فلسطينية فيما يخص حق العودة تحديداً؟ فاللجنة مستمرة في “عملها” بينما المجازر مستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية. لا علاقة، برأي اللجنة، بين هذا وذاك! ما الذي ستقوله هكذا لجنة بشأن اللاجئين أكثر مما يقوله النظام الرسمي العربي: “حل متفق عليه”. اي لا عودة. في الجانب الراسمالي للتطبيع وخلق آليات لشطب حق العودة وإنْ من الأبواب المواربة، تقول صحيفة القدس: “أطلق أمس مجلس الأعمال الفلسطيني الإسرائيلي في الأردن على هامش المنتدى الإقتصادي العالمي الذي يبدأ اعماله على شاطىء البحر الميت غربي المملكة. وقال منظمو المنتدى في بيان المنتدى الذي يضم نخبة من رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين سيعمل على تعزيز العلاقات بين قطاعي الأعمال في فلسطين وإسرائيل ودعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والوجود المشترك. واضاف ألبيان أن المجموعة الجديدة ستعمل على تشجيع القطاعين الإقتصاديين في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وعلى تطوير جدول أعمال يدعو الى العقلانية والحوار لدعم إعادة البناء والإصلاح الإقتصادي في المنطقة… وقال وليد النجاب الرئيس المشارك لمجلس الأعمال من الجانب الفلسطيني… نحن لسنا بصدد تقديم حلول سياسية ولكننا نشكل مجموعة يمكنها ان تقدم توجها من شانه المساعدة في حل القضايا التي تؤثر على منطقتنا. وقال عاموس شابيرا الرئيس المشارك من الجانب الإسرائيلي : ” اننا لا نتعامل مع القضايا السياسية ولا نحاول إيجاد حلول لها. والى جانب ادراكنا للماضي إلا اننا اكثر اهتماماً بالمستقبل” (القدس 19-5-2007) يبدو أن الرأسماليين لم يدركوا بعد أن استخفاف الأنظمة الحاكمة بالوعي الشعبي أصبح مفهوماً لمختلف المواطنين، وبالتالي، فإن ما يقومون به هو تطبيع اقتصادي ليشطب الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني وخاصة حق العودة. فهل من يقيم مشروعات اقتصادية مع العدو المحتل يمكن أن يضحي بتدفق أرباحه لصالح عودة اللاجئين! وكما ذكرت القدس، شارك في المؤتمر ومجلس الأعمال المشترك عبد المالك جابر، وسمير حليلة ، ومنيب المصري وحسن ابو لبدة ووليد النجاب، وعودة شحادة…الخ. ولا حاجة بنا لتكرار ما قاله رأسماليون آخرون عن تشوقهم للتطبيع الإقتصادي مع العدو، أمثال طلال ناصر الدين، وعبد المالك جابر، وغيرهما، وما قاله نظرائهم الصهاينة، لذا نحيل القارىء على ما نشرناه في مجلة كنعان الإلكترونية العدد 1227 في 26 تموز [9]2007. بقي أن نؤكد بأن ما أقره الكونجرس مؤخراً بالإجماع، لا يمكن رده، سواء فُعَّل أم لا، إلا بموقف شعبي عربي يرفض التسوية والتعويض، ويعيد الصراع ليقف على قدميه بدل راسه، اي ان الكيان الصهيوني لم يكن ليوجد دون خلقه على يد المركز الرأسمالي الغربي (أوروبيا وأميركيا)[10]، ولم يكن ليستمر لولا الأنظمة العربية التي وضعت مصالح الطبقات الحاكمة قطرياً فوق المصير القومي. لذا، فإن الحفاظ والتمسك بحق العودة تطلب بلا مواربة نضالاً مزدوجاً ضد العاملين على تصفيته فلسطينيين وعرباً وصهاينة وغربيين وربما غيرهم. وهذا يعني استمرار باب الصراع مفتوحاً. أما الزعم بأن اليهود العرب طُردوا من البلدان العربية، فأمر يُرغم أنظمة الكمبرادور على التعاطي مع الصراع رغم أنفها. فهي ليست مخولة بمبادلة اللاجئين الفلسطينيين بالمستوطنين اليهود العرب. هي انظمة لا تمثل حتى الشعب في قطرياتها. كما لا تمثل دولة عربية موحدة. وبالطبع لا تمثل الفلسطينيين. ولا شك أن الشعب العربي سوف يرحب بعودة اليهود العرب إلى اوطانهم الحقيقية. بل يجب أن يُعلن هذا فوراً، وأن تتكون جمعيات ومؤسسات لإعادتهم. وأن يتم الإنفاق العربي على إعادتهم. وإذا كانت بعض الأنظمة العربية قد تآمرت مع الصهاينة على ترحيل يهوداً عرباً، فلماذا لا يدفع ورثاؤها ثمن ذلك[11]. هذا الحديث يفتح بالضرورة على وجوب إبقاء القضية الفلسطينية بيد الأمم المتحدة، وإخراجها من المهلكة الأميركية الإسرائيلية /السلطة الفلسطينية.