التخبط التركي: من وهم “السلطنة ” الى فضيحة “الوالي”


العميد الدكتور امين محمد حطيط

عندما انخرط اردغان في مشروع الغرب العدواني ضد سورية كان يمني النفس بان تكون له الجائزة الكبرى بامتلاك ادارة الولاية – الاقليم السوري في الامبراطورية الاميركية العتيدة التي يعمل لقيامها عبر انتقال سورية من محور الكرامة والمقاومة الى منظومة الاستعباد و التبعية، وقد بنى اردغان كل خططه وصاغ كل سلوكياته على اساس نجاح المشروع الغربي الذي اتخذه راس الحربة في التنفيذ، ولم يكن اردغان يتصور يوما ان العدوان سيفشل وان الاوهام ستذهب ادراج الرياح وان الاحلام ستتكر عند اقدام السوريين.

لقد خاض اردغان منذ نيف و22 شهرا شهرا حربه ضد سورية متدرجا في المواقف التي كان يتخذها بوحي من الحلم -الوهم المتقدم الذكر. فسمح لنفسه في بداية الامر وعندما كانت طريقه السياسي سالكة الى دمشق التي فتحتها له بعنوان الصداقة والاخوة والاحترام المتبادل، سمح لنفسه ان يتصرف تصرف ولي الامر و القائد الذي يأمر و يجب ان يطاع، و وجه ” النصائح – الاوامر” للقيادة السورية اوامر تتلخص بعبارة واحدة “سلموا السلطة الى من اخترناه واليا او حاكما لسورية (ويعني الاخوان المسلمين)”. وبطبيعة الحال كان الرد السوري الصارم والمهذب والذي افهم اردغان ان الشعب السوري هو صاحب القرار وانه هو من يختار حكامه ونظامه ولا يمكن الفرض او الاملاء عليه من اي جهة حتى وان كان صديقا او حليفا، فسورية تسمع للنصح من لمخلصين وتعمل بالنصيحة ان كانت تحقق مصالحها وتحترم مبادئها وثوابتها السيادية والاستقلالية.

كان اردغان مدفوعا بجنون العظمة والغرور، يتصور ان القيادة السورية لن تتردد في الانصياع الى ما يمليه عليها من اوامر، ولما خيبت سورية ظنونه انقلب وبسرعة قياسية ضدها متحولاً من “صديق وحليف استراتيجي” ظاهر (ومزيف كما تبين )، الى عدو يتوعد و يهدد بالانتقام باي وسلية من الوسائل. ولم يترك “السلطان الوهمي” وسيلة في العمل ضد سورية الا ولجأ اليها. مبتدئا بالاعلام الذي سخره لحربه على الصديق القديم، ثم آوى اليه فئة من السوريين ضلت طريقها و عملت باوهام من طبيعة الاوهام الاردغانية الواهنة، وشكل منها مجلسا يمني النفس بان يكون “مجلس حكم” لسورية يعمل بالاوامر التركية فكان مجلس استنبول الذي اسمي زورا ب “المجلس الوطني السوري” وهو ابعد ما يكون عن الوطنية والقومية التي تفاخر بها سورية والسوريين الشرفاء اصحاب الكرامة والعنفوان القومي، واستضاف من اجل انفاذ اوهامه واحلامه و لدعم الدمية التي عول عليها، استضاف العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية تحت عناوين كاذبة من قبيل القول “اصدقاء الشعب السوري” وما اليها من تسميات.

اما على الصعيد الميداني، فقد ابتدأ اردغان بنصب الخيم لما اسمي “اللاجئين السوريين” قبل حصول النزوح اصلا وكانت تلك المخيمات مشاريع معسكرات لتحشيد المرتزقة للقتال في سورية لتنفيذ الحلم الاردغاني، كما انها كانت بمثابة الملجأ الامن المفترض لعائلات السوريين التذي ضللوا او خدعوا او قادتهم طموحاتهم غير المشروعة لحمل السلاح ضد وطنهم، فقدم اردغان لهم هذه المخيمات ليأمنوا على عائلاتهم قبل ان ينطلقوا في خيانتهم للوطن عن علم او جهل، ثم انخرط اردغان اكثر في العمل الميداني ضد سورية عندما حول الحدود السورية التركية الى معابر للارهابين الذين امدهم بكل دعم عملاني واستخباراتي و لوجستي من اجل ممارسة الارهاب والاجرام بحق الشعب السوري، ولم يكتف بذلك بل انطلق مسقطا المزيد من القواعد الشرعية والاخلاقية و القانونية عندما هيئ البيئة في المخيمات التي استدرج اليها عائلات المسلحين والمضللين لتنفذ بحقهم ابشع انواع الاعتداءات الجنسية والاغتصاب.

ويبقى ان نكمل العرض بذكر ارتكابات اردغان ضد القطاعات الانتاجية في حلب حيث استعمل حفنة من الساقطين واللصوص من اجل تدمير المصانع والمعامل السورية وتخريبها بعد ان تقوم اليد التركية وباشراف مختصين بتفكيك المعدات والالات و نقلها الى تركيا حتى يطمئن اردغان الى استحالة عودة الحياة الانتاجية الصناعية في حلب في المدى المنظور، يحركه في ذلك حقد ضد المنطقة و ابنائها ورغبة في وضع حد للمنافسة بين الصناعتين التركية والسورية وحتى يحول البيئة السورية الى مستهلك للبضائع التركية بدل ان تكون منافس ذو ارجحية في السوق الدولية.

بعد كل هذه الجرائم، كلل اردغان عدوانه بممارسة توحي بانه بات يعتقد نفسه بانه هو الحاكم المطلق لسورية من قبيل القول ارضى بهذا ولا اقبل بذاك وعلى هذا الرئيس ان يرحل وعلى هذا الشخص ان يتحضر لاستلام المسؤولية، ثم قاده غروره و نزعته الاستعمارية الى حد تعيين والي للسورين الذين خدعهم واستدرجهم الى مخيماتهم التي اقامها على ارض لواء الاسكندرون الذي تغتصبه تركيا منذ ان اقامت جمهوريتها على انقاض العثمانية المنهارة.

يقوم اردغان بكل ذلك يقوده الوهم والغرور، دون ان يلتفت الى حقائق الميدان وطبيعة البيئة الدولية والاقليمية المتشكلة اثر الصمود السوري وانكسار العدوان الغربي على سورية، اذ لو كان عاقلا وموضوعيا وفهم حقيقة الواقع، لكان توقف عن السير قدما في العدوان ولكان توقف عن ممارسة السلوكيات الحمقاء التي سترتد سلباً عليه وعلى حزبه بشكل اكيد، حيث لن تفيده يومها صواريخ الباتريوت الاطلسية التي استدعاها لحمايته ودعم عدوانه ضد سورية.

فسورية اليوم ورغم كل ما اصابها من ويلات ودمار ولحق بابنائها من قتل وتشريد ومعاناة، سورية باتت وباعتراف العقلاء جميعا ً، في موقع يستحيل معه ان يحقق اردغان شيئا من طموحاته، حيث ان شعبها اشتد تمسكه بقراره المستقل واحتضانه لدولته التي جاءت صناديق الاقتراع بمسؤوليها، والتي لا يمكن تغييرهم الا عبر صناديق الاقتراع ذاتها، تلك الصناديق التي تسكب فيها الارادة السورية الحرة رفضا للاردغانية وعدوانياتها ومواجهة لاحلام السلطنة العثمانية البالية وولاتها الساقطين.

فسورية تدير معركتها الدفاعية بثقة بالنفس عالية ويقين اكيد بالنصر الاتي والذي باتت قيادة جبهة العدوان تعترف ضمناً به، خاصة في ظل ثوابت ارستها سورية بذاتها ثم جاهر بها حلفاؤها من غير لبس او شبهة لجهة الرفض المطلق للتدخل الاجنبي او فرض حكام خلافا لارادة الشعب السوري، سورية التي هذا وضعها لن تأبه و لن ينثني لها عنق او ساعد في مواجهة العدوانية الاردغانية مهما كان مظهر العدوان واسلوبه بما في ذلك فصوله الاخيرة المتمثلة باستقدام باتريوت الاطلسي، او تعين الوالي السخرية و الفضيحة، والكاشف عن حقيقة اهداف التدخل الاردغاني في سورية وحركاته البلهوانية التي تثير هزء العاقلين ورفض الوطنيين الحقيقين. فحلم اردغان سقط وبات عليه ان يعلم انه:

– لا محل للحديث عن تدخل عسكري اجنبي وباي شكل ولا محل للحديث عن حل سلمي في المشهد القائم اذا كان من يطرح هذا الحل يعني اكتساب كل من ساهم في العدوان على سورية بحصة فيها، فالسلمية الحقيقية باتت تعني بكل بساطة عملية فرز بين سوريين وغير سوريين اولا ثم بين مسلحين وغير مسلحين من السوريين ثانياً، وبعد ذلك خروج كل من هو غير سوري من الميدان وتوقف الخارج عن ايفاد المرتزقة ودعمهم في جرائمهم ضد سورية، ولا يمكن ان يكون حوار مع هؤلاء او حديث للوقوف على ارائهم او مطالبهم لان احدا من العقلاء لا يمكن ان يقبل بالتنازل عن حق سوري لاي اجنبي مهما كان هذا الاجنبي بما في ذلك تركيا.فسورية انتصرت و المنتصر لا يقدم للمهزوم مكاسب، اما السوريون فطريقهم الوحيد حوار وانتخابات حرة.

– ان قيادة جبهة العدوان باتت على علم ببواطن الامور وانها بدأت تمارس سياسة الالقاء في البحر والتخلص من الاحمال الزائدة لانها تعرف ان ما يمكن ان تحصل عليها في التفاوض حول الازمة السورية بالكاد يكفيها هي وحدها للخروج مع حفظ قدر من ماء الوجه، قدر لا يكفي للاخرين ولهذا نراها شجعت فرنسا للتورط في مالي، واوحت لبريطانيا بالانسحاب الهادئ ولم تمانع السلوك الالماني في الاستطلاع الميداني في سورية ليختار بنفسه طريق الخروج الامن، ويبقى العامل التركي الذي تريد اميركا ارهاقه اكثر حتى يكون مغرقا في تبعيته لها اكثر ومنصاعا للاطلسي بشكل اعمق حتى ولو كان ذلك على حساب الدم و الكرامة التركية كما حصل مؤخرا في العلاقة مع اسرائيل.

– واخيرا عليه ان يعلم ان مصلحته ان يسارع هو ايضا الى التخلي عن الدمى التي يحتضنها رغم انها سكتت عن سلوكياته العدوانية ضد سورية من سرقة وقتل وتدمير ثم تعيين والي ينتهك الكرامة والسيادة لان سكوت هؤلاء عزز صفتهم الخيانية في ذهن الرأي العام السوري والعربي وانه لن يكون لهم محل في سورية المنتصرة.