نتنياهو قبل الإنتخابات … ونتنياهو من بعدها !

عبداللطيف مهنا

إنتهت إنتخابات الكنيست الصهيوني . صحيفة “هاآرتس” وصفت نتائجها بأنها تعكس “تفضيلاً للأرض على السلام وصيغاً شوهاء للصهيونية اليهودية” ، حتى وإن كان من أثمانها “العزلة الدولية” . لن نناقش مثل هذا الكلام ، لأن وجود هذا الكيان الغاصب في فلسطين أصلاً هو نقيض للسلام ، وأذا كان ما تعنيه بالسلام هو مايعرف في رام الله ب”المسيرة السلمية” ، أو بمعنى أدق ذاك البازار التصفوي المعطلة أعماله مؤقتاً لتصفية القضية الفلسطينية ، فقبل هذه الإنتخابات ومن بعدها ، وبنتنياهو ماقبلها ونتنياهو مابعدها ، وبه ومن دونه ، فالمسألة برمتها ماهي إلا لعبة لكسب الوقت في إطار عملية إدارة صراعٍ لاأكثر مجمع عليها لدى كافة القوى السياسية الصهيونية داخل الكيان وخارجه ، أوتحظى ، كما يقولون هناك ، ب”الإجماع القومي” غير المعلن تجنباً لما دعته الصحيفة بالعزلة الدولية . فيما قالته “هاآرتس” بعض من قولٍ لشاهدٍ من أهله يعترف بأن هذه النتائج تؤكد ما كان المنتظر والمتوقع سلفاً وهو فوز غلاة التهويد وإحكام لقبضتهم على القرار في “دولة مستوطنين” ومجتمع ، أوبالأحرى مُجمَّع ، إستعماري إستيطاني إحلالي ، يزداد لطبيعته هذه تطرفاً وعدوانيةً ، وهو لم يحملهم إلى السلطة إلا ليمكنهم من مواصلة سياساتهم إياها المنسجمة مع هذه الطبيعة ، أومع دوره ووظيفته في المنطقة . بمعنى آخر ، إن عتاة المستوطنين هم وحدهم الرابحون في هذه الإنتخابات . هنا نأتي إلى السائد من كلامِ حول ما وصف ب”الكتلة المانعة” ، والتي إنشغل بها من إنشغل نظراً لتراجع تحالف “الليكود بيتننا، أو حزبي نتنياهو وليبرمان ، لصالح تقدم حزب مستجد على الساحة السياسية الصهيونية هو حزب “هناك مستقبل” بزعامة يائيرليبيد ، الذي يعتبرونه مفاجأة هذه الإنتخابات . إذ في جردة حسابٍ لهم تجمع هذا الأخير مع يحيموفتش حزب العمل الذي حل ثالثاً وتسبي ليفني وحزبها وشاءوول موفاز وبقايا “كديما” وكتلة عرب الكنيست ، تم تخيل إحتمال تشكيل هذه الكتلة المانعة المتمناة ممن يطلقون عليه تحالف اليسارويمين الوسط ، أو ” اليمين المعتدل” ، لتفويت الفرصة على نتنياهو لتشكيل الحكومة . لم ينقضي اليوم الآول على إقفال الصناديق حتى قطع ليبيد قول كل خطيب بإعلانه بالعبري الفصيح رفض هكذا تصوُّر يجمعه مع حنين الزعبي ، أي مع العرب ، وعن إزماعه إقتراح نتنياهو في مشاورات تشكيل الحكومه . ما يعني أن أصحاب التصوُّر المشار إليه قد غفلوا عن كون كتلتهم الإفتراضية المانعة تلك تأتي في أغلبها من بقايا وسط هلامي منحسر وجذور بعضه يمينية أصلاً . أما بالنسبة ليائير ليبيد “المفاجأة” وحزبه المستجد صاحب المرتبة الثانية في عضوية الكنيست الجديد ، فهو صهيوني علماني لايختلف مع نتنياهو، إلا في بعض خلافه مع المتدينين ، والمعروف أنه اختار بدء حملته الإنتخابية من مستعمرة “أريئيل” ، وأنه الداعية الذي لايلين للقدس “عاصمة أبدية لإسرائيل” … إذن مالمتوقع وما الجديد ؟

قبل الإجابة لابد من ملاحظة التالي : أولاً إن المنافسة الإنتخابية بين الأحزاب الصهيونية لم تشهد معارك سياسية بقدر تلك التي كانت حول قضايا داخليةٍ لاتمس قضايا الإجماع الصهيوني ، وأهمها تعديل النظام السياسي ، والمشاكل مع “الحراديم” ، ومنها مطلبهم الإعفاء من الخدمة العسكرية . وثانياً ، لعل تحالف نتنياهو مع ليبرمان قد أسهم في خسارة كليهما . ثالثاً ، كيف لنا أن ننسى دور التسريبات الأميركية السابقة على الإنتخابات حول الرأي السلبي لأوباما في نتنياهو وأثرها داخل الكيان ، وهنا نستذكر بوش الأب وإسقاط شامير قبل عقدين لصالح رابين . وخامساً ، إن نتنياهو مازال سيد اللعبة العائد للحكم … وللإجابة :

كل مافعلته الإنتخابات أنها عقَّدت مسألة تشكيل الحكومة . كان نتنياهو يأمل في تشكيلها من إئتلاف يميني موسَّع ففوَّتت عليه النتائج ذلك بإقتصارها فحسب على نسبة النصف + واحد ، أي واحد وستين عضواً ، من اليمين الخالص ، لكنها قد تتيح له إئتلافاً مريحاً يجمعه مع ” الليكود بيتنا” ، و”هناك مستقبل” ، و”البيت اليهودي” ، وحزب تسبي ليفني وما بقي من “كديما ” …

وأخيراً، لايمكن الحديث عن الإنتخابات الصهيونية دون التوقف أمام دعوة الجامعة العربية لفلسطينيي المحتل في العام 1948 للمشاركة فيها … هذه الدعوة لم تلاقي صداها لديهم ، لانهم في غالبيتهم إما لايعترفون بالكيان ويقاطعون مؤسساته ، وإما لاعتقادهم أن مشاركتهم لن تقدم ولن تؤخر فيما يلحق بهم ويتعلق بقضيتهم ، ولإدراكهم إن دخول هذه اللعبة ، أو العلبة ، هو بالأساس مطلب صهيوني يهدف لإبقائهم رهن إطارمُتحكَّم به وقطعاً لمحاذيرنضالهم من خارجه … أقل مايمكن قوله أنها دعوة مريبة تتنافى من حيث المبدأ مع ميثاق الجامعة ، ودعوة تطبيعية لأسرلتهم ، الأمر الذي عجز عدوهم عنه على مدى أكثر من ستة عقودٍ.