العميد الدكتور أمين محمد حطيط
عندما يحذر وزير الدفاع المصري من ” انهيار الدولة ” اذا لم تعالج الازمة السياسية التي تعيشها مصر والتي تتحول سريعا الى وضع معقد ومتداخل يطرح علامات استفهام كبرى حول مصير البلاد في وحدتها وامنها ووجودها كدولة المتجنبة لمواصفات الدولة الفاشلة، عندما يكون الامر بهذا الخطورة يكون من مسؤولية كل معني بالشأن المصري وتاليا بالشأن العربي العام ان يتوجس الخيفة وان يساهم في البحث عن الحلول، وبالتالي يكون السعي الاساس منصبا على التفتيش عن مخرج يقود سريعاً الى استعادة الدولة امنها واستقرارها والتأكيد على استمرارها في وحدتها فلا تنزلق الى ما ما وقعت فيه السودان حيث كان التقسيم، ولا الى ما دخلت فيه ليبيا حيث ” اللادولة ” ولا الى ما تعانيه العراق حيث “التقسيم المقنع “ولا الى ما تعيشه سورية حيث يفتك الارهاب الممول باموال النفط والموجه بفكر تفكيري والممارس تحت قيادة غربية، حيث يفتك الارهاب ببشرها وحجرها، فكفى العالم العربي مصائب وويلات نتيجة العدوان الغربي عليه وجود عرب جندوا انفسهم خدماً للمشاريعه.
ان مصر كما قلنا ونؤكد دائما، هي مركز الثقل النوعي للامتين العربية والاسلامية، ميزة اكتسبتها من جغرافيتها السياسية التي لا يمكن القفز فوقها والتي لا يمكن لاحد ان ينازعها الامر فيها، لان احدا في المنطقة ومن دولها العربية خاصة لا يملك مثل تلك الجغرافية السياسية التي جمعت الى خصوصية الموقع واتساع المساحة وحجم السكان وعمق التاريخ ومزايا الديموغرافية، لكل ذلك لا يمكن اعتبار الشأن في مصر شأنا داخليا مصرياً، بل انه وبكل جدارة شأن عربي وشأن اسلامي ان لم نتوسع في الامر اكثر.
مصر هذه، والتي على صورتها ووجهتها تحدد الصورة العامة والاتجاه العام للمنطقة مصر هذه ” تتجه الى انهيار دولتها” ان لم تعالج ازمتها وهنا يكمن واجب البحث عن سبل تفتدي الخطر الكبير هذا ولان الحل لا يكون انطلاقا من معرفة الاسباب ومعالجتها اولاً ثم اعتماد منظومة تمنع من تجددها، فما هي الاسباب وكيف نصل الى العلاج.
واذا بدأنا البحث في الاسباب نجد وبكل بساطة ووضوح، ان الشعب المصري غير المتجانس الاديان والقوميات والمعتقدات الفلسفية والفكرية، وجد نفسه بعد حراك شعبي قام به منذ عامين، وجد نفسه امام حكم فئوي يريد ان يفرض منطقه ومنظومته الفكرية والعقائدية على كامل الشعب، حيث ان “جماعة الاخوان المسلمين” التي تمكن ممثلها وباكثرية النصف من المقترعين من الشعب المصري ان يصبح رئيسا للجمهوية، سارعت الى وضع دستور للبلاد متخطية اراء الاخرين، ثم لجأت الى اقراره في استفتاء لم يشارك فيه اكثر من 32 % من الشعب ولم يحصل على اكثر من 62% من اصوات المقترعين (اي وافق على الدستور اقل من 20% من الشعب 35% من الشعب)، هذه الجماعة سارعت للقفز فوق واقع التعددية وعدم التجانس في الشعب، واتجهت وبسرعة قياسية الى الاستئثار بالسلطة واقصاء الاخرين وعدم الانصات الى تحذير المخلصين ممن لا لا ينضوي تحت رايتها ولا يوافق على سلوكها. رفض قاد الى احتقان، فانفجار، فخطر من الانهيار!!….
نحن لا نقول ابدا ان كل من يتحرك في الشارع الان او كل من من يقف في خندق المعارضة اليوم في مصر هو موثوق الاهداف منزه التاريخ والسلوك، خاصة وان فيهم اسماء اشتهر اصحابها بالتبعية والانصياع للغرب وخدمة مصالح اسرائيل والصهيونية العالمية والنزعات الاستعمارية ومهما فعل هؤلاء ولفقوا المعسول من الكلام فانهم لن يستطيعوا خداع الواعين من الوطنيين والقومين. كما لا يمكن ان نغفل لحظة عن مصلحة اسرائيل في تفكك الشعب المصري ودولته وسعيها الى اكثر مما يحصل الان (ولهذا يظهر المقنعون في المظاهرات وتحرق الممتلكات العامة والخاصة). ولكن لا يمكن ان نتقبل ايضا القول بان كل من خرج مطالبا بما يراه حقا له، او كل من يدعو للعدالة والتوازن والاصلاح، هو فاقد للشرف او عميل وخائن كما يصفه الاخوان اليوم، وبالتالي لا يكون التعميم مفيدا هنا سلبا او ايجابا.
انما نقول بان شعبا يقوم في دولة كمصر وعلى التعددية التي هو عليها لا يمكن ان يحكم بفكر الغائي اقصائي، وهذا الخطأ القاتل الذي وقعت فيه جماعة الاخوان المسلمين منذ ان وصلت الى سدة رئاسة الجمهورية، حيث انها سارت بخطى سريعة الى اخراج كل من ليس من “عشيرتها الفكرية والسياسية ” وابعاده عن ادارة الدولة ومركز القرار، حيث بدأ الرئيس مرسي وفي الشهر الاول من انتخابه باقصاء الجيش والمجلس العسكري رغم علمه بخصوصة دور الجيش في قيام الدولة المصرية المعاصرة، ثم انتقل الى المجالس التمثيلية وهيئات صياغة الدستور فاحرج الاخر حتى اخرجه منها لينفرد بالقرار، وتابع مسبرة الاقصاء والتهميش والتعطيل الى ان كانت معركته المثيرة مع القضاء، ثم قامت الجماعة بما لم يسبقها اليه احد، عبر محاصرة المحكمة الدستورية ومنعها من ممارسة دورها في مراقبة شرعية القرارات والاعلانات الدستورية والقوانيين. وهكذا نجح الاخوان في استعداء من ليس “اسلاميا” من ابناء الشعب المصري حسب توصيفهم ( فارق كبير بين المسلم والاسلامي، لان للصفة الاولى دلالة دينية وللثانية دلالة سياسية).
وهكذا نجد انهم استفزوا الجيش الذي بسبب مناقبيته وانضباطه وتقديره للموقف الوطني اسر الغضب ولم يبد ردة فعل علنية، وخاصموا القضاء الذي كانت ردة فعله مؤذية لهم فاجبرهم على اجراء الاستفتاء على الدستور على يومين بدل يوم واحد وذلك للنقص في عدد القضاة الموافقين على الاشراف على الاستفتاء، لكن ما تسببوا به من احتقان شعبي لم يمر.
لقد ظن الاخوان ان حجمهم الشعبي الذي يروجون له بانه ثلث الشعب المصري على الاقل، (والنسبة لا يبدو انها دقيقة ابدا ) وان الرضا الغربي عليهم سيمكنهم من ممارسة حكم مطلق يطبق بشكل محكم على رقاب الشعب المصري. ولكن الميدان كذب الاحلام والتصور.
نحن ندرك بان اميركا (التي دعت الى وقف العنف في مصر وشجعت في سورية على الارهاب الاستمرار في القتال ورفضت دعوة المسلحين الى رمي السلاح) اميركا هذه لن تتصرف حيال حكم الاخوان في مصر، كما تتصرف حيال الحكم في سورية، لان اميركا تؤمل ان ينجح الاخوان في السيطرة على كل من مصر والاردن و سورية من اجل تشكيل الهلال والحزام القوي الضامن الجدي لمستقبل اسرائيل، كما يبدو انه كان التزام منهم بشكل مباشر او عير مباشر. بينما تجد في سورية التي تنتظم في محور مقاوم لاسرائيل لا يقرها على اغتصاب ولا يعترف لها بوجود مشروع، تجد فيها عقبة في وجه سياستها ومشروعها.. لكن اميركا هذه لا تستطيع ان تثبت في الحكم الى الابد سلطة يرفضها معظم شعبها ولا تستطيع ان تعيد الامن والاستقرار اليه، وتجارب اميركا مع اتباعها كثيرة وما مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي عنا ببعيد.
لهذا على جماعة الاخوان ان تدرك بان الاستقرار والامن و بالتالي استمراها في السلطة امر لا يبلغ الا بسلوك طرق العدالة والاعتراف بالاخر والامتناع عن الممارسة بذهنية الالغاء ـ بل يجب الاعتراف بالاخر وبحقوقه. ومن غير هذا الادراك سيكون من العبث التصور ان الاستقرار سيعود. كما سيكون من الكبائر السياسية الظن ان جيشا من 300 الف سيستطيع ان يقف ويقمع شعبا من 80 مليون اكثر من نصفه يرفض الحكم الاستبدادي. وبهذا نفهم تحذير وزير الدفاع عندما يقول بخشيته من انهيار الدولة. فهل سيصحح الاخوان المسار قبل اكتمال السقوط وانهيار مصر؟
لقد جاء السقوط الرئاسي في تنفيذ قرار الطوارئ ومنع التجول كاول مظهر من مظاهر الفشل والضعف. ولن يفيد الرئيس الذي ذهبت هيبته وهيبة قراراته ان يتخذ قرارات جديدة او ان يتلطى وراء هذا الوزير او ذاك او خلف هذا المحافظ او غيره.
وقناعتنا تامة بان عودة الهدوء الى الشارع المصري لا تكون بقانون طوارئ ولا بمنع تجول، انما تكون حقيقة بحوار سياسي مخلص يقود الى اعطاء كل ذي حق حقه، حوار لا يتخذ اداة لتقطيع الوقت وخداع الغير او سلوك من “يتمسكن حتى يتمكن”. وفي الحض على الحوار وحمايته حتى تحقيق النتائج تكمن مسؤولية الجيش الاستثنائية. حيث يكون عليه رفع البطاقة الحمراء بوجه كل من يريد الغاء الاخرين او يخدعهم او ان ينفذ ما يملى عليه من الخارج.
نرة ان الجيش الذي كان عبر ثورة تموزيوليو 1952 هو الاساس في بناء الدولة المصرية التي انحرف من وصل الى رئاستها ومارس الديكتاتورية حتى ثار الشعب عليه، عليه (اي الجيش) ان يسارع الى منع تشكل ديكتاتورية جديدة ومنع انهيار الدولة دون ان يكون ذلك دعوة لتولي الجيش السلطة بل دعوة لتهيئة بيئة حوار وطني نزيه ومخلص يخرج مصر من نفق مخيف ويجنبها منزلق نرجو ان لا تقع فيه.
:::::
جريدة البناء – بيروت في 3112013