غسان الشهابي واليرموك شهيدان توأمان

نضال حمد

في مخيم اليرموك وبرفقة أصدقاء قدامى تعرفت على دار الشجرة والناشر الجميل، الصديق والشهيد فيما بعد غسان الشهابي، توأم مخيم اليرموك و مدون حكاياته في السراء والضراء.

 في جادة حيفا بمخيم اليرموك وفي مقر متواضع مليء بالكتب والمنشورات التي تفوح منها رائحة فلسطين الكاملة من رفح حتى الناقورة، التقيت به فتعارفنا وشربنا القهوة والشاي نخب دار الشجرة للثقافة الفلسطينية، للذاكرة الفلسطينية، للتشبث بكل فلسطين. كان حيويا متقدا، متحركا، نشطا، لا يهدأ ولا يستكين، يتابع كل صغيرة وكبيرة، يرد على سؤال هنا ومكالمة من هناك. يرفع هذا الكتاب، يعيد كتابا آخرا الى رف الكتب. فعلى تلك الرفوف القليلة لكن المليئة بالمطبوعات والمنشورات والكتب، يجد المرء كل قرى الجليل الفلسطينية حاضرة، ويجد أيضا سِيّر ذاتية لأبطال وقادة ومحاربين ومقاومين ومقاتلين عرب فلسطينيين، أيضا حاضرة.

لقد كانت دار الشجرة عاصمة الذاكرة الفلسطينية المنشورة في مخيم اليرموك. ولا بد أن تبقى كذلك حتى بعد رحيل غسان، فالوفاء لهذا الباحث والناشر الذي لم يتعب ولم يهدأ حتى في أحلك الظروف التي مرت على مخيم اليرموك، ولغاية يوم اغتياله بطلقات قناص من القناصة الذين يغتالون حيوات الناس في المخيم، ظل غسان هو نفسه غسان الذي يحمل فلسطين صليبا على كتفه، ومخيم اليرموك عنوانا للعودة الى فلسطين. فعادت روحه الى لوبية. روحك أيها الصديق الراحل، ولم يعد جسدك إلا الى مقبرة المخيم، حيث رفاقك وأحبتك ومن سبقوك على درب كامل تراب فلسطين.

 بعد لقاءات عديدة مع غسان جرت في غالبيتها العظمى في دار الشجرة بالمخيم قررت أن أطبع أول كتاب لي في هذه الدار، ولم يكن غسان رجلا ماديا،إذ أن السعر الزهيد الذي عرضه مع إلحاح صديقنا المشترك، الروائي والقصاص والكاتب الفلسطيني الكبير رشاد ابوشاور على ضرورة ان انشر كتابي الأول، وان اكتب تجربتي الشخصية من عين الحلوة الى أوسلو، قررت التجاوب فورا مع عرض غسان. في تلك الأيام كانت بداية العمل على إصدار مجموعة” طفولة بين المقابر ” التي راجعتها الأخت مي الشهابي، شقيقة غسان ومساعدته في الدار. و التي صدرت سنة 2008 بطبعة جميلة نفذت من الأسواق فيما بعد. وقد وجدت نفسي قبل أيام استعيد دار الشجرة وغسان الشهابي من جديد، حيث أرسلت مجموعتي القصصية الأولى للطباعة، وفي سيرتي الذاتية ذكرت أن كتابي الأول صدر عن دار الشجرة للناشر الشهيد غسان الشهابي.

 ان رحيل هذه الشخصية الثقافية الوطنية، التي حرصت على تدوين الذاكرة الفلسطينية ومتابعة تأريخ نضال شعبنا وحكايات النكبة والعودة والمقاومة والكفاح الطويل، يعتبر خسارة كبيرة وضربة مؤلمة وموجعة لشعب فلسطين وللثقافة الفلسطينية ولمخيم اليرموك، الذي فقد أحد أهم حراسه الوطنيين. حراس الوحدة والثوابت والمقاومة، والكفاح الشعبي المسلح الطويل الأمد. فغسان كان مؤمنا بفلسطين وبعدم الانجرار نحو العدم والوهم والخراب أو اختراع الأعداء كما يفعل البعض في هذا الزمان العربي الاسلامي الرخو.

 لا بد ان رحيل غسان سيترك فراغا كبيرا في مخيم اليرموك، وفي دار الشجرة، وفي الحركة الثقافية الفلسطينية، التي كان مشعلا منيرا ومشعا من مشاعلها.

 ان الوفاء لروح غسان يكون بالمحافظة على تراثه الوطني والثقافي و بالعمل من أجل عودة شعب اليرموك الى اليرموك وإخلاء المخيم من محتليه وفك الحصار عنه. ليعود مخيما ينجب زعترا ومقاتلين وفدائيين، وليرجع مخيما بلا قناصة ومحتلين ومضللين ومضيعي بوصلة فلسطين. وكي يعود مخيما يعيد حمل فلسطين عنوانا للصراع والبندقية مسلطة نحو الصهاينة فقط لا غير. لأن بندقية غسان وقلمه وثقافته ومقاومته كانوا دائما مقاومة عربية، عروبية لا تعرف سوى عدوا واحدا هو العدو الصهيوني، مغتصب أرضنا ومشرد شعبنا وقاتل أهلنا.

 يعز علينا ان ترحل يا غسان قبل ان تتكحل عيناك برؤية تراب لوبية والجليل وكل فلسطين.

 يعز علينا ان تكون الطلقات التي أودت بحياتك طلقات يحسب مطلقها نفسه عربيا أو إسلاميا… ويظن أنه من مخيمك يريد فتح الطريق الى القدس. مع ان طريق القدس والمسجد الأقصى لا تمر بحارات اللاجئين ولا بتهجيرهم، ولا تمر أيضا عبر جامع الوسيم ولا بجامع عبد القادر الحسيني ولا بمسجد الأمين ولا بالمسجد الأموي. بل تمر عبر حدود فلسطين المحتلة.

 يعز علينا ان يبقى مخيمك مستباحا، محتلا، محاصرا،أهله مشردون، تائهون، جائعون ولا يستطيعون العودة الى منازلهم، لان الذي اغتالك واغتال غيرك سوف يغتالهم. منعا لعودتهم ومنعا لعودة المخيم واحة أمان ولجوء لكل المشردين والنازحين من كل مناطق سورية العربية المستباحة.

:::::

* مدير موقع الصفصاف www.safsaf.org