التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 1 شباط 2013

عــاجــل: الغارة تمرين تدريبي على اغتيال الاسد

 

كان ملفتا ان يتطوع البنتاغون للاعلان عن حدوث الغارة الاسرائيلية داخل الاراضي السورية بقطع النظر عن طبيعة الهدف او الاهداف المقصودة او التي تم الترويج لها في محاولة تقديم تبرير يتسق والدعاية التي ترافق عادة العمليات الاسرائيلية في الداخل العربي بوصفها “اعمالا مشروعة،” رغم انها تنتهك سيادة الدول بحجة وقف وتدمير الامدادات العسكرية للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

“المصادر الاسرائيلية” تسلحت باعلان البنتاغون لتعلن بدورها ان “الغارة حظيت بضوء اخضر من الرئيس اوباما، بعد اطلاعه على الخطة من قبل رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أفيف كوخافي، في لقائهما المشترك بالبيت الابيض يوم 22 كانون الثاني / ديسمبر” الماضي.

اذاً لا داع لأن تناور الولايات المتحدة وتدعي عدم المعرفة او المصادقة لا بل بدت وكانها ترغب في الايحاء بانها مشاركة بقرار شن الغارة او انها قامت بها عمليا مستخدمة الوكيل الاسرائيلي الجاهز اصلا.

جاءت هذه الغارة من حيث المكان (ريف دمشق) الذي يكاد الجيش العربي السوري ان يحسم السيطرة عليه وينهي الظاهرة المسلحة المتمردة المدعومة من الخارج والتوقيت مع بدء انزياح للمزاج الشعبي بعيدا عن المعارضة المسلحة، لا بل ادانتها، وترسخ القناعة لدى اوساط عديدة في المعارضة باستعصاء اسقاط النظام والحديث المتواتر عن امكانية او جهوزية للحوار والتفاوض على حل سياسي للأزمة السورية.

جاءت هذه الغارة لتبدد الاوهام باقتراب التوصل الى تفاهمات اميركية روسية للدخول في حل سياسي في ظل وجود ومشاركة الرئيس السوري بشار الاسد.

لذلك نحن في مركز الدراسات الاميركية والعربية نختلف مع العديد من التفسيرات التي قدمت حتى الآن من مصادر متعددة رغم اتفاقنا مع جوانب كثيرة منها. نحن ننظر للغارة بانها عملية تمرينية مدروسة ومتدرجة لاغتيال الرئيس السوري.

انها عملية استدراجية يقصد منها توفير الظروف والمناخ الذي يتيح شن الغارات اللاحقة التي تستهدف الرئيس مباشرة.

هناك بعض الاطراف المعارضة او الراعية لها تعتبر ان العقبة المتبقية التي يتوجب ازاحتها هي الرئيس السوري ليسهل اعلان الانتصار الزائف وتبرير الدخول في حوار وتفاوض نحو الحل السياسي. هل يعني استنتاجنا هذا ان افشال هكذا مخطط يستدعي بالضرورة استيعاب الضربة وامتصاصها وعدم الوقوع في الاستدراج بانتظار مناسبة اخرى للردع والانتقام ؟!

بالعكس تماما تبدو القراءة المتأنية لردود الفعل الصادرة حتى الآن من مصادر المعسكر المحسوب على المقاومة يشير الى تبنيه رؤية تنظر الى ان مخطط الاغتيال بالاستدراج لحرب محدودة يمكن وقفه وتحويل ما اعتبره الاسرائيليون مخاطرة محسوبة الى مخاطرة مكلفة من خلال رد مواز بالقيمة مع الاستعداد الى الحرب الشاملة اذا لم يرتدع من غامر باشعال فتيلها….

ولقد أسرّ لنا أحد الخبراء المتابعين بما يفيد: “لم تعد المسألة تفاوضا بالنار على الساحة السورية، اذ اضحت صراعا لكسر العظم والارادات. انها لحظة فارقة وربما تكون فرصة نادرة لإدارة صراع مصيري. انها لحظة النزول الى غرف العمليات المحصنة لقيادة المعركة”.

المقدمة:

مصر وسورية كانتا في صدارة اهتمامات مراكز الفكر والابحاث، للتداعيات الخطيرة التي قد تعكسها التطورات فيها على المنطقة باسرها.

سيتناول بند التحليل طفرة قطاع النفط في الولايات المتحدة، لا سيما للاحتياط الهائل المكتشف من النفط الصخري، وما قد يشكله من انعكاسات وتحولات في مجرى السياسة الخارجية الاميركية بالنظر الى تضاؤل اعتمادها على الامدادات النفطية من منطقة الشرق الاوسط. كما يسلط الاضواء على ندرة مخزون منطقة الشرق الاوسط من النفط الصخري، يقابله طفرة نفطية في مناطق اخرى تضعها في مصاف الدول المصدرة للنفط وما سيواكبه من تداعيات وتراجع اولوية ملفات الشرق الاوسط من جدول اعمال الدول المصدرة الصاعدة.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

 

                تصدر مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations تناول الغارة “الاسرائيلية” داخل الاراضي السورية متبنيا الرواية الرسمية لتبرير العدوان بأن “الاسرائيليين على قناعة تحتم عليهم التحضير لاسوأ الاحتمالات في سورية.. والتعرض لامكانية نقل الاسلحة الكيميائية لحزب الله.” ومضى محذرا من “امكانية وقوع سورية تحت سيطرة المتشددين الاسلاميين، مما سيحفز اشعال اعمال عدائية” (مع اسرائيل).

        معهد واشنطن Washington Institute تناول تداعيات الازمة السورية على تركيا منوِّها الى “حالة عدم الاستقرار الداخلية” على اراضيها على خلفية “اجراءات التعبئة العامة بين صفوف المجموعات اليسارية التركية ومتطرفين آخرين ضد علاقات التعاون بين انقرة من جهة وحلف الناتو والولايات المتحدة من جهة اخرى خلال الازمة السورية.” واستطردت بالقول ان الشعب التركي لا يزال “يكن شديد العداء للولايات المتحدة،.. مما دفع بتلك القوى الصغيرة لكنها نشطة الى الحشد ضد نشر صواريخ الباتريوت” على الاراضي التركية “وكانت وراء الهجوم الذي تعرضت له اطقم الباتريوت الاسبوع الماضي.. واطلاق القنابل الدخانية على جنود الناتو واحراق الاعلام الاميركية.” وحذر المعهد من “تبني وترويج اجهزة الاعلام في ايران وروسيا لتلك الانشطة.. مما قد يحفز قوى اخرى لاحداث اضطرابات اخرى في تركيا، وتعزيز مفهوم عدم الاستقرار” هناك.

        مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS حث الولايات المتحدة تعزيز تعاونها “مع الحكومات المحلية في المنطقة.. والاعتماد على الحلفاء المحليين الذين يشاطرونا نظام قيم ومعتقدات دينية مشتركة.” واوضح للدلالة على صدقية فرضيته بالقول “جزء ليس يسير من اعادة الاعتبار للقيم الدينية على طول امتداد العالم الاسلامي مصدره فشل النظم العلمانية.. مما يضاعف اهمية اعتماد الولايات المتحدة على الدول المطلة على جنوبي شواطيء الخليج، والدول العربية وتركيا.. التي باستطاعتها التصرف بقضايا ليس بوسع الولايات المتحدة والقوى الاخرى القيام بها..”

        تصاعد الاضطرابات في مصر جاء من نصيب مركز ابحاث السياسة الخارجية FPRI الذي حذر من “انزلاق مصر التي اصبحت تحت قبضة حكمٍ معادٍ – بل ومنتخب ايضا – الذي نستمر في التعامل معه كصديق.” واشار الى ان يد الاخوان المسلمين طويلة وستستمر في ادارة الامور من خلف الستار”حتى في ظل وقوع انقلاب عسكري،” مما يشير الى “النتائج الوخيمة التي حلت بالشعب المصري جراء قطف ثمار الديموقراطية الاسلامية، ان تسنى لها البقاء، ومخاطرها على عموم المنطقة واماكن اخرى.”

        المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي، Jewish Institute for National Security Affairs، حث الولايات المتحدة اعداد خطط بديلة للتعامل مع مصر “ان تدهورت الامور سريعا نحو مزيد من الاضطرابات.” وزعم المعهد ان الرئيس اوباما “وضع كافة رهاناته السياساته الى جانب الرئيس محمد   مرسي.. التي حين ستواجه الفشل سيضطر الجانب الاميركي البحث سريعا عن بدائل للحيلولة دون زعزعة استقرار المنطقة باسرها.”

        تفاقم الازمات في الاردن كانت من نصيب معهد كارنيغي Carnegie Endowment الذي لفت النظر الى ان “الغالبية العظمى من الاردنيين لا ترغب في اسقاط النظام الملكي.. بالرغم من حالة الاحباط العميق التي تنتابها من الوضع الراهن.. لكنها تتطلع لرؤية تغييرات حقيقية ملموسة.. “

        كما انفرد معهد كارنيغي Carnegie Endowment من بين اقرانه بحث الولايات المتحدة التنازل قليلا “والاعتراف بأن باكستان دولة سيادية.. ومعاملتها كطرف عقلاني باستطاعته التاقلم مع تداعيات سلوكياته الخاصة.”

        تراجع اداء الولايات المتحدة على الصعيد الكوني كان من ضمن اهتمامات مؤسسة هاريتاج Heritage Foundation التي أنّبت “الادارات الاميركية المتعاقبة لعدم توفير الموارد الضرورية” للمؤسسة العسكرية “المضي بشن حربين في آن واحد الى النهاية.” واوضحت ان الفضل في اعادة بناء القوة العسكرية “يعود للرئيس ريغان الذي شهد عهده تضعضع قوة الخصوم.” وحذرت المؤسسة صناع القرار من مخاطر تخفيض الانفاقات العسكرية التي ستدخل حيز التنفيذ وستتطلب “تخفيضا في البنية القتالية العسكرية وبرامح تحديث الاسلحة.. التي ستترك بصماتها على الفور وتحرم الولايات المتحدة من نشر قواتها القتالية في ساحتي معارك سويا” بخلاف المبدأ العسكري الاصلي.

التحليل:

 تداعيات ازدهار مصادر الطاقة الاميركية على السياسة الخارجية

        بعد عقود من تدهور حجم الانتاج النفطي الاميركي، دبت الحياة من جديد لانعاش عجلة الانتاج في سابقة تشبه الى حد بعيد سباق اكتشاف النفط في اقصى الشطر الغربي من ولاية تكساس في عقدي الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، المكنى بالحوض البُرمي لما يحتوية من ترسبات هائلة من الصخور المشبعة بالنفط وتبلغ مساحته 300 ميلا طوليا و250 ميلا عرضيا. منذ اعتماد تقنية “تكسير الصخور والتربة القاسية،” عام 2005، انصبت الجهود على تسييل النفط من التشكيلات الصخرية الممتدة في اراضٍ شاسعة شمالي الولايات المتحدة تبلغ مساحتها 250،000 ميل مربع تغطي ولايتي نورث داكوتا ومونتانا الاميركيتين، ومقاطعة ساسكاتشوان الكندية المحاذية، عرفت باسم “تشكيلة باكين” نسبة لمالكها الاصلي الفلاح هنري باكين. وقد اسهمت كميات النفط المستخرجة من الحقل المذكور في تعديل ميزان حجم الانتاج القومي الذي شهد تدهورا منذ مطلع عقد السبعينيات من القرن المنصرم. كما ان حجم استيراد النفط الخام شهد تراجعا بمعدل 40% في شهر تشرين الاول / اكتوبر 2012 لاول مرة منذ عام 1992. انتعاش قطاع استخراج النفط اقتضى زيادة في فرص العمل، التي شهدت نمواً بلغ معدله نحو 70 فرصة عمل جديدة يوميا خلال السنتين الماضيتين، مما ادى الى تنامي قوة عمل هي الاعلى منذ عام 1988، والتي بلغت نحو 195،000 فرصة في قطاعي النفط والغاز.

        خيرات قطاع النفط لم تقتصر على ولاية نورث داكوتا، اذ بلغ عائد الانتاج النفطي في تكساس زهاء 39.1 مليار دولار لعام 2001، ليقفز عن معدلات 2009 التي بلغت نحو 18.4 مليار دولار. كما ان منشآت الحفر والتنقيب عن الغاز الطبيعي شهدت نمواً تصاعديا بنحو الضعف في منتصف عام 2012 مقارنة بالمستويات السابقة قبل عامين.

        واصدرت وكالة الطاقة الدولية مؤخرا تقديراتها التي تفيد بأن نمو الانتاج النفطي في الولايات المتحدة سيفوق مستويات انتاج السعودية، المنتج الاكبر عالميا، عام 2020. وجاء في التقرير “من المتوقع انه مع حلول عام 2020، ستقفز الولايات المتحدة الى مرتبة المنتج الاكبر للنفط على النطاق العالمي.. مما سيؤدي الى انخفاض حجم استيراد الاحتياجات النفطية الاميركية (التي تبلغ نحو 20% حاليا) الى مستوى يؤهل قارة اميركا الشمالية الى مرتبة مصدر صافي للنفط بحلول عام 2030.”

        غني عن القول ان هذا التطور سيترك اثره على مجمل السياسة الخارجية الاميركية، اذ هل ستمضي الولايات المتحدة، وقد اضحت مكتفية ذاتيا في مجال الطاقة، في اهتماماتها الراهنة في الشرق الاوسط او لبسط ايران سيطرتها على مضيق هرمز؟ وهل سيدفع ذلك الامر بالصين المتعطشة للموارد النفطية الى تعزيز تواجدها في المنطقة. وماذا سيتولد عنه من تداعيات بالنسبة لروسيا، ثاني اكبر منتج للنفط عالميا والخصم التقليدي لاميركا؟

        قبل الانشغال بالبحث والاجابة على تلك التساؤلات، يتعين التحقق من مغزى طفرة النفط الصخري وهل ستؤدي برفع مرتبة الولايات المتحدة الى المرتبة الاولى في الانتاج وتصبح مكتفية ذاتيا. في هذا الصدد، اثارت دراسة صادرة عن كبريات المصارف العالمية في سويسرا، “كريدي سويس،” بعض التساؤلات حول صلاحية تلك النتيجة المنطقية، واشارت الى تراجع حجم الاستهلاك النفطي مؤخرا في الولايات المتحدة نظرا لبطء النمو الاقتصادي، والذي ترك آثاره على حجم الاستيرادات النفطية. كما من شأن ازدهار الوضع الاقتصادي ان يؤثر بعكس ذلك التصور ويزيد من مصاعب تحقيق استقلالية في استهلاك الطاقة.

        من بين العوامل التي ستتحكم بمدى نمو قطاع انتاج النفط الصخري مسالة الاسعار التقليدية للنفط الخام، والتي ان شهدت تدنيا في السنوات المقبلة، فان معدلات انتاج النفط الصخري الاغلى تكلفة ستبقى عرضة للتخفيض. ويشير تقرير المصرف السويسري المذكور الى ضرورة المحافظة على مستوى 95 دولارا على الاقل لبرميل النفط (برنت) لتسويغ الاستثمارات في القطاع النفطي لغاية عام 2014. ومن ثم ستنخفض كلفة الاستثمارات بعد ذاك التاريخ مما سينعش رغبة المستثمرين لرؤية عائداتهم جراء تكلفة انتاجية تبلغ نحو 75 دولارا لبرميل النفط الصخري.

        السعر المنخفض لبرميل النفط الخام يشكل تحديا بحد ذاته امام غياب البنية التحتية وانابيب النفط المطلوبة لنقل النفط الصخري الى الاسواق النائية في الساحلين الغربي والشرقي من الولايات المتحدة، قد اديا لطرح سعر تشجيعي مخفض للنفط الخام الاميركي يصل الى 15 دولارا للبرميل في الاسواق العالمية.

        آبار النفط الصخري تتميز بقصر مدة الاستخراج للبئر الواحد مقارنة مع مدة اطول لآبار النفط الخام. اذ يبلغ الانتاج معدلات عالية في الاشهر الاولى من بداياته ثم ينخفض بسرعة بعد ذلك. وبحسب تقرير المصرف السويسري، يتعين على الولايات المتحدة مضاعفة عدد الآبار النفطية العاملة بنسبة 27% لدرء تراجع ملحوط في الانتاج خلال الاربع سنوات المقبلة، وزيادة معدلات حفر الآبار الجديدة بمعدل 39% سنويا ولغاية عام 2022. التقرير المذكور لا ياخذ بعين الاعتبار التطورات العلمية التي ستطرأ على تقنية استخراج النفط الصخري، والتي يقدرها البعض بانها ستزيد حجم الانتاج بنسبة 25% للفترة المذكورة.

        تجدر الاشارة ايضا الى مخزون هائل من النفط الصخري الذي لم يتم استغلاله في الولايات المتحدة بعد. اذ رفضت ادارة الرئيس اوباما السماح للشركات المعنية التنقيب في الاراضي المملوكة للدولة – الامر الذي سيشهد تغيرا ملحوظا حينما تأتي ادارة مختلفة او حين استيعاب الحكومة الفيدرالية حجم الاموال الطائلة التي ستجنيها من وراء تأجيرها الاراضي الغنية بالمخزون النفطي لشركات النفط.

        ليس مستبعدا ان تقفز الولايات المتحدة الى مرتبة المنتج الاول للنفط عالميا، مما يحفز شهيتها مجددا لاستهلاك كل انتاجها بل واستيراد المزيد منه للمحافظة على مستويات الاستهلاك العالية التي تعودت عليها. ومع ذلك، فان الكميات النفطية المستوردة ومصدرها ستترك اثرها على عناصر السياسة الاميركية الخارجية.

سياسة اميركا الخارجية عمادها السيطرة على مصادر الطاقة

 

        تقنية استخراج النفط الصخري لا تترك بصماتها على اقتصاد الولايات المتحدة بشكل منفرد، بل تشهد الارجنتين نموا في جهود استخراج النفط الصخري، وتشير التقنية الحديثة الى مخزون واعد من التشكيلات الصخرية المشبعة بالنفط في استراليا بكميات تقارب مثيلتها الكندية. كما ان الصين لديها ترسبات صخرية مشبعة بالنفط تعد بتخفيف اعتمادها على استيراد النفط الخام من المنتجين التقليديين في الشرق الاوسط.

        للمفارقة، فان باطن الشرق الاوسط يحتوي على مخزون ضئيل من النفط الصخري. واوضح تقرير اعدته شركة النفط البريطانية العملاقة، بي بي، “توقعات الطاقة لعام 2030” ان المخزون الاوروبي من النفط الصخري يفوق مثيله في منطقة الشرق الاوسطن الامر الذي ستتجلى تداعياته في عناصر الجغرافيا السياسية.

        شكل هاجس الولايات المتحدة للتحكم بمصادر ومنابع النفط محركا رئيسيا لسياستها الشرق اوسطية، بل رسمت معالم سياسة رؤسائها المتعاقبين ومهدت لوجود عسكري قوي في منطقة الخليج العربي. نظريا، هل ستقدم الولايات المتحدة على انشاء عدد من قواعدها العسكرية في منطقة الخليج لو ثبت ان مناطق اخرى من العالم لديها مخزون وافر من النفط؛ بالطبع لا.

        اوضح تقرير الشركة البريطانية، بي بي، ان التطور العلمي في تقنية استخراج النفط الصخري والمخزون الهائل في باطن اراضي الولايات المتحدة سيضعها في مقدمة الدول المنتجة له بحلول عام 2030؛ تليها في المرتبة الثانية اوروبا واوراسيا، ثم آسيا المطلة على المحيط الهاديء في المرتبة الثالثة، تتبعها اميركا الجنوبية والوسطى في المرتبة الرابعة، ومن ثم القارة الافريقية يليها الشرق الاوسط في المرتبة الاخيرة.

        من غير المرجح ان تشهد السياسة الخارجية الاميركيية تغييرا مفاجئا بالتزامن مع دخول المناطق المذكورة الى مجموعة الدول المنتجة للنفط، اما الضغوط الملحة لقضايا الشرق الاوسط قد تتغير وتتراجع اولويتها لا سيما ان استطاعت الولايات المتحدة تعويض احتياجلتها النفطية من كندا بديلا عنها.

        اكتشافات النفط الصخري ستترك اثرها ايضا على العلاقة الاميركية مع دول مجلس التعاون الذين ينظر اليهم كوكلاء لانتاج النفط. ستضغط العقود المقبلة على تلك المكونات السياسية باتجاه بلورتها كحاضنة صناعية ومركز مالي للمحافظة على مكانتها وعلاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة.

        كما ان طفرة النفط الصخري ستترك تداعياتها على العلاقات الاميركية مع اوروبا، خاصة وان مخزون الاخيرة من النفط سيخفف من حجم اعتمادها على تدفق النفط من الشرق الاوسط وروسيا التي تستغل انتاجها النفطي كوسيلة ضغط سياسية للتأثير على وجهة دول اروبا الشرقية. اذ ان انتاج اوروبا من النفط سيخفف حجم الضغوط الروسية عليها ويدفعها لتوثيق علاقاتها مع القارة الاميركية المنتجة للنفط. وعليه، سيتراجع الهاجس الاميركي لسيطرة روسيا على القارة الاوروبية.

        ومن شأن العلاقات الصينية الاميركية التنافسية ان تشهد تطورا نتيجة ذلك، خاصة وان الصين تقاوم النفوذ الاميركي بصلابة بغية تأمين مصادرها للنفط. ومن المرجح ان تتراجع حدة التوترات بين الطرفين ان استطاعت الصين تطوير تقنيتها الخاصة او الاعتماد على التقنية الاميركية لانتاج الوقود الصخري من اراضيها.

        لن يطرأ تغيير ملموس فوري على السياسة الخارجية الاميركية جراء الطفرة النفطية، بل المرجح ان تطلعاتها نحو منطقة الشرق الاوسط ستشهد تحولات في مدى العشر سنوات المقبلة. وما علينا الا النظر الى التحولات السريعة في التوجهات نحو الشرق الاوسط خلال عقد السبعينيات بعد ازمة امدادات النفط عام 1973. وما سبقها يدل على انخفاض مستوى الاهتمام للمواطن العادي لادراك عناصر السياسة الشرق اوسطية وللمرشحين لمنصب الرئاسة معا آنذاك. تزايد الاعتماد على الموارد النفطية للشرق الاوسط رافقه اهتمام اكبر بمجريات الاحداث في المنطقة. وادت ازمة الرهائن في ايران الى ورود اسمها على كل لسان بعدما كان بالكاد استطاعة المواطن العادي تحديد موقعا على الخريطة الجغرافية. وذات الامر ينسحب على المخاطر التي تواجهها السعودية في الاستقرار والبحث عن ارساء السلام في الشرق الاوسط. ومنذ تلك الازمة، اضحت مسائل الشرق الاوسط مادة حاضرة في الجدال السياسي لكافة المرشحين للمناصب الرئيسة في اميركا تتجاذبها الاصطفافات السياسية الداخلية.

        في المستوى النظري، قد تتراجع اهتمامات الولايات المتحدة في المنطقة لمستويات ما قبل عقد السبعينيات من القرن الماضي نتيجة لاعتمادها على انتاجها النفطي المحلي.

        اما الفارق الملموس قد يأتي من الدول الاخرى التي تسعى لاستخراج احتياطياتها من النفط الصخري باستخدام التقنية الاميركية، فضلا عن ان الدول الاوروبية المتعطشة لمصادر الطاقة ستجد تراجعا في متسويات اعتمادها على نفط الشرق الاوسط، مما سينعكس على اولويات سياساتها الخارجية. وقد تتأرجح علاقاتها مع الدول الشرق اوسطية لبعض الوقت بينما تمضي في تعزيزها مع الدول حديثة الانتاج. دول الشرق الاوسط التي ارست سياساتها نحو اميركا واوروبا بناء على فرضيات مسبقة لحاجتهما المشتركة لمنتجاتها ستشهد تراجعا ملحوظا في مدى نفوذها ان لم تدرك الامر سريعا وتحدث تغيرات مطلوبة على الفور.

::::::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com