اعداد : نورالدين عواد
هافانا، كوبا ـ 20 شباط (فبراير) 2013
الرئيس رافائيل كورييه ونائبه لدى الاعلان عن فوزه الانتخابي
توطئة موجزة
يقول الكاتب الاكوادوري، ميغيل آنخيل لوبيس إيرنانديس López Hernández, Miguel Ángel ان القارة الامريكية قبل مجيء كريستوبال كولون Cristóbal Colónوالاوروبيين اليها، كانت تحمل الاسم الطبيعي الاصلاني “آبــيـــا يــالا” Abya Yala الذي كان قد اطلقه عليها شعب “كــــونـــا” Kuna الذي كان يقطن في بنمـــا وكــولــومبـيــا. ويعني هذا الاسم حرفيا “ارض ناضجة تماما او ارض الدماء الحيوية”[1]. اما اسمها الحالي فقد اطلقه عليه الرحالة الايطالي فيسبوسيو أميريكوAmérico Vespucio الذي استقر في اشبيلية /اسبانيا.
ان النضال البطولي المناويء للامبريالية في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى وقدرته على تشتيت اهتمام الامبريالية، قد جعل امريكا اللاتينية تعيش وضعا مشابها لما عاشته في عقد الاربعينات من القرن العشرين، عندما استعادت سلسلة من الثورات الشعبية والحكومات التقدمية زمام الهجوم، في سبيل انجاز التحرر الوطني والاجتماعي الفعلي.
فالتضامن والتعاون بين كوبا وفنزويلا الثوريتين في الاداء، وتفهم ما يحصل في الصيرورات السياسية في بوليفيا والاكوادور ونيكاراغوا، وحرمان الامبريالية من قول كلمة الفصل في الارجنتين والبرازيل والباراغواي[2] والاوروغواي، توحي بتوجهات واعدة، بعيدا عن النهاية التي وصلت اليها الثورة الهايتية عام 1804 (اول ثورة تحررية مظفرة في القارة ضد الاستعمار الفرنسي) ونهاية مشروع كولومبيا الكبرى عام 1830 (مشروع سيمون بوليفرSIMON BOLIVAR: اقامة وحدة جيوسياسية لامريكا اللاتينية مقابل الولايات المتحدة الامريكية).
وفي هذا السياق، يجب على القوى اليسارية الطهورية (الاكاديمية) ان لا تنسى وما اكثر نسيانها، ان سيمون بوليفرالفنزويلي SIMON BOLIVAR وخوسيه مارتي الكوبي JOSE MARTI قد وجدا على هذه الارض قبل ماركس ولينين، وان انعتاق الهنود الاصلانيين والزنوج المستعبدين، يعتبر قضية اساسية في عملية التكوين القومي التقدمي لشعوب القارة قبل اي اعتبار آخر. فلا داعي للقفز عن الوقائع الاجتماعية التاريخية والبنى الاقتصادية والسياسية القائمة بالفعل في مجتمعات القارة، ولا مبرر لخلق تناقض مصطنع بين التوجهات القومية الشعبية التقدمية والتوجه الى الاشتراكية كهدف استراتيجي للثورة.
مرّت الصيرورة الثورية في فنزويلا بآلام مخاض ( مجزرة كاراكاس عام 1989 على يد قوات القمع الماتمرة بامر الاوليغارشية المحلية المرتبط عضويا ومصيريا بالمركز الامبريالي وخاصة الامريكي) وبيوم تمرد عسكري ـ مدني بقيادة العقيد أوغو شافيس HUGO CHAVEZيوم 4 فبراير1992 [3] (شرارة الثورة التي انطلقت لكنها لم تنتصر وسجن قادتها) وتبعها اثناء السجن تطور وتعمق نظري وبرنامجي لقادتها، وبعد الافراج عن شافيس عام 1994، وانحراطه في النضال الشعبي والفكري والتعبوي، تتوج كل ذلك بالوصول الى السلطة السياسية في الدولة عام 1998، ومنها عادت الحياة الى الطوباوية الاشتراكية في القارة، ووجدت لها تجسيدا خلاقا في شعار وتطبيق عملي لـ “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”، صرخة اطلقها “عبد الناصر” الامريكي اللاتيني.
وعلى الرغم من انشغال الامبريالية بحروبها العدوانية الفاشية في النصف الشرقي من العالم، فانها كانت تتابع عن كثب ما يحصل في ما كانت تسميه حظيرتها الخلفية. فبمجرد فوز شافيس برئاسة الجمهورية الفنزويلية يوم 6 ديسمبر 1998، وعلما منها بان شافيس لا يمكن الالتفاف عليه، صادقت بسرعة طارئة فائقة على “مخطط كولومبيا” الذي يشكل امتدادا لمخطط ” بويبلا ـ بنما” PUEBLA – PANAMA الرامي الى احكام السيطرة الامريكية على الفضاء الواقع الى الجنوب من حدودها ابتداء من المكسيك وصولا الى كولومبيا تحت حجج مكافحة المخدرات وتجارتها.
الاكوادور بقيادة كورييه : نقلة من “المخازي التاريخية” الى “المفاخر القومية الثورية”
كانت الاكوادور على امتداد العقود الثلاثة الاخيرة مسرحا حيا لتصادم المشروع الليبيرالي الجديد المفروض امريكيا والحراك الشعبي والاجتماعي الذي تغلب عليه صفة الهندي الاصلي، بمعنى المشاركة الجماعية للشعوب الهندية الاكوادورية في مواجهة المشروع الامبريالي المستند الى الاوليغارشية التقليدية المحلية وسيطرتها على وسائل الاعلام الجماهيري والمؤسسات العسكرية التقليدية.
وقد حقق المشروع المعادي نجاحات تمثلت في دولرة الاقتصاد الاكوادوري[4]، وتنصيب رؤساء لصوص، وفرض وجود قاعدة عسكرية امريكية استراتيجية (قاعدة مانتواMANTUA) في اطار “مخطط كولومبيا” الرامي الى احكام السيطرة عسكريا على القارة والتلويح بالتدخل مباشرة من اجل اجهاض التغيرات الثورية لا سيما الثورة البوليفرية في فنزويلا.
بالمقابل استطاعت الحركات الاجتماعية والشعبية الهندية خلع اولئك الرؤساء الذين لاذوا بالفرار الى امريكا او الى دول حليفة لها[5]، وفي كل مرة كانت المؤسسة السياسية التقليدية قادرة على الالتفاف على عملية التغيير المنشودة وخداع الشعب وكان آخرها في العام الماضي ترشيح الملياردير الفارو نبوءةALVARO NOBOA، راس الاوليغارشية الاكوادورية، الذي حاول محاكاة الرئيس الامريكي جورج واصوليته الغيبية، عندما اعلن انه “رسول الله” الى الاكوادور.
جاءت المفاجأة السعيدة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، التي تمخضت عن هزيمة ممثل راس المال المعولم، ممثل الامبراطورية، وفوز مرشح الجماهير الشعبية العريضة رافائيل كورّييه RAFAEL CORREA، شاب خبير اقتصادي ذو توجه قومي يساري ومناهض للمشروع الامبراطوري في المنطقة، ويحظى بدعم اليسار الامريكي اللاتيني. وشرع مباشرة باجراءات تشير الى العزم على “غسل عار الماضي” واستعادة السيادة الوطنية والانتقال الى عملية التنمية المجتمعية[6].
النقطة الاولى في برنامج كورّييه تتمثل في الدعوة الى التئام جمعية دستورية، من اجل اقرار دستور جديد للجمهورية، بغية اعادة تاسيس الامة الاكوادورية ونظامها السياسي، وتشريع القوانين اللازمة للبدء في عملية التغيير على قاعدة شرعية دستورية جديدة نوعيا.
النقطة الثانية التصميم على وقف التدخل الخارجي في البلاد لا سيما من قبل كولومبيا والولايات المتحدة الامريكية: فقد طالب كورّييه وبحزم بوقف اعمال رش المبيدات الكيماوية التي تقوم بها كولومبيا على الحدود بذريعة مكافحة نبات الكوكا، الا ان تلك الطلعات الجوية، بالاضافة الى الهدف المعلن والذي الحق اضرارا جسيمة بالزراعة وبالانسان الاكوادوري، لها غايات اخرى في خدمة المشروع الامريكي. من ناحية ثانية طالب كورّييه باقفال القاعدة العسكرية الامريكية “قاعدة مانتوا” التي تنتهي صلاحية التعاقد بشانها عام 2009، وقد رفض التمديد لها وتمّ اخلاؤها فعليا.
النقطة الثالثة تتمثل في التوجه نحو الانخراط في اطر التكامل والتضامن الاقليمية وتعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة في جنوب القارة، من اجل التخلص من التبعية للمركز الامبريالي والتسريع في عملية التغيير الملحّة في بلاده.
النقطة الرابعة تتمثل في رفض التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الامريكية، والتمسك بخياره الاجتماعي الاقتصادي المستلهم من مسيحيته اليسارية، الملتزمة بالفقراء تمشيا مع ما يسمى في القارة بـ “نظرية اللاهوت التحريرية”[7] التي لا تحظى باعتراف وتاييد بابا الفاتيكان. [8]
كورييه وتدشين سلطة ثورة المواطنة
وبعد اقل من شهرين من وصول كورييه الى السلطة بدات دسائس ومؤامرت اليمين المهزوم في صناديق الاقتراع ، في وضع العراقيل “الدستورية”امام هذا البرنامج. فقام 52 عضوا من الكونغرس المحلي بخلع رئيسه، خورخي أكوستا Jorge Acosta من منصبه، بسبب دعوته الى اجراء استشارة شعبية بصدد الجمعية التاسيسية. فكان رد الثورة عيلهم دستوريا وبالمرصاد: قامت المحكمة الانتخابية العليا الاكوادورية، و هي اعلى سلطة في البلد اثناء سير العملية الانتخابية، باقالتهم جميعا. وتجدر الاشارة الى ان الكونغرس كان قد تحول بعد فوز رافائيل كورييه برئاسة الجمهورية الى وكر لليمين الاكوادوري.
ترتب على هذه الاقالة تعليق الحقوق السياسية للنواب لمدة عام، لانهم حاولوا تفكيك المحكمة الانتخابية العليا، والحؤول دون اجراء الاستشارة الشعبية، التي تمّت في 15 ابريل 2007،اي تماما بعد 3 اشهر من تولي رافائيل كورييه لمقاليد السلطة الرئاسية في البلد، وكانت النتائج على النحو التالي: 78.1% مع الجمعية التاسيسية؛ 11.5% ضدها؛ 7.1% بطاقات لاغية؛ 3.3% بطاقات بيضاء (امتناع او مترددين). وتمّ اقرار الجمعية التاسيسية بكامل سلطانها، والتي حلّت البرلمان البرجوازي واستبدلته بهيئتها التشريعية الممثلة للشعب وارادته.
وجاء هذا الانتصار الشعبي (ْبتناسب 7 الى 1 ) بمثابة ضربة قاضية لحكم الاحزاب النيوليبرالية المحتضرة، وهي احزاب فاسدة واستسلامية ومناوئة للوطن، وشكل انطلاقة جديدة لكتابة تاريخ السيادة والكرامة، والسير نحو الاستقلال الثاني والنهائي للاكوادور. والشروع في عملية اعادة بناء دولة الحقوق والعدالة والامل في التغيير والمستقبل ودفن الماضي التعيس ( تعاقب على الرئاسة سبعة رؤساء خلال عشرة اعوام).
وكالعادة خرج اليمين المهزوم نادبا مصيره عبر وسائل الاعلام التي يسيطر عليها وشاكيا من سلوك الشعب الاكوادوري. فمثلا، ملياردير الموز، آلفارو نبوءة Álvaro Noboa الذي وصل الى البلاد قادما من ميامي /امريكا (وكر المضادين للثورة الامريكية اللاتينية والعالمية ) ومعه نائب الرئيس السابق اوسفالدو اورتادو Oswaldo Hurtado من حزب الديموقراطية المسيحية، تطابقت اوقوالهما بان “الشعب أخطأ” و “انه سيندم” على تصويته لصالح الجمعية التاسيسية.
اما الرئيس كورييه، وهو من محافظة غواياكيل Guayaquil معقل الشعوبية الاجتماعية المسيحية، فقد اكد ان الوطن ومستقبله كانا في خطر…وان الشعب قال كلمته بنعم للوطن وللمستقبل”… وان “الانتصار الشعبي ليس من صنع الحكومة ولا من صنع رجل واحد”… “لقد تغلبنا على الخوف. وفشلت تكتيكات المعروفين بزرع الذعر والشك بين الناس”… “الشعب لن ينخدع. لا اريد غالبا ولا مغلوبا في هذه المعركة. في ظل الديموقراطية الحقّة، كلنا غالبون”… ” لقد انتصر اليوم حب الوطن الذي لا نهاية له. اضحى الوطن اليوم للجميع. فلا نسمحنّ لاحد ان يسرقه منّا مجددا”… “لن نسمح ابدا بحرمان الشعب من التعبير عن ارادته بحرية في صناديق الاقتراع”… “لن نسمح ابدا بان يفرضوا علينا اي نموذج اجنبي”… “فالجمعية التاسيسية هي التي ستتيح لنا ديموقراطية تمثيلية وتشاركية حقيقية، ولن تسيّس المؤسسات وهيئات الضبط، وستعيد تنظيم اقاليم البلد، وستتجاوز النموذج النيوليبرالي المشؤوم”.
وعلى وهج الانتصار الانتخابي اعلن كورييه عن تعليق تسديد الديون مع صندوق النقد الدولي (آخر دفعة كانت 9 مليون دولار) وان بلاده لا تريد اي تعامل معه اعتبارا من اللحظة. كما اعلن عن قرار طرد ممثل البنك العالمي من كيتو العاصمة، لانه حاول ابتزازه مقابل الحصول على قرض بقيمة 100 مليون دولار، عندما كان وزيرا للاقتصاد عام 2005، حيث اتخذت الاكوادور اجراءات سيادية ازاء شركات نفطية عابرة اوطان. واكد كورييه قائلا “اننا نطرد ممثل البنك العالمي من بلدنا لاننا لن نقبل اي ابتزاز من احد”.
الاكوادور تسير نحو اشتراكية القرن الحادي والعشرين
بتاريخ 15 يوليو 2007 (ستة اشهر على رئاسة كورييه) اكدت الحكومة، من خلال وزير الاقتصاد ريكاردو باتينيو Ricardo Patiño على ان هدفها هو التقدم نحو اشتراكية القرن الحادي والعشرين، المستتندة الى التضامن الاجتماعي (التكافل الاجتماعي؟) وان احدا لن يستطيع فرض التراجع على هذه البرنامج.” لدينا عهد بان نضع الاقتصاد الوطني في خدمة المواطنين، والطبقة الاقل حماية”…”الموضوع الاجتماعي هو الشيء الاساسي في برنامجنا”.
ومن اجل الاضطلاع بهذه المهمة الشاقة، كان لا بد من اجراء تغيرات هامة جدا تشريعيا، نظرا لوجود قوانين تعود الى عام 2002، فرضها صندوق النقد الدولي على حكومة سابقة، تقضي بتحريم زيادة الانفاق على الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي.
من جهته، حمل الرئيس كورييه لواء النضال السياسي الشديد ضد الكونغرس المحلي الذي كان يسيطر عليه اليمين المصرّ على عرقلة التغيرات العميقة في الاكوادور، وكبح جماح صيرورة التحولات الجذرية في البلد. وقد فازت حكومته بهذه المعركة الدستورية المؤسساتية. فاصبحت السلطة التشريعية في خدمة اهداف ثورة المواطنة.
خلال العهد الرئاسي الاول لكورييه، كانت لانجازات حكومته من القوة الاقناعية للشعب وبالبرهان الساطع، ما أهله لعهد رئاسي ثاني في انتخابات نوفمبر 2009، وما تراكم منها كميا وادى الى قفزات نوعية في حياة البلد، مهّد لترشيحه مجددا بقوة ضغط الراي العام المحلي، الذي اخذ يكتسب وعيا وطنيا وقوميا وطبقيا، يؤهله لاستمرارية الثورة وبلوغ الهدف الاستراتيجي (مجتمع رغد العيش)اي الرفاهية العامة. والعبرة ليست في التسمية وانما في المضمون.
نقطة البداية كانت ولا زالت تتمثل في القطيعة الكاملة مع النموذج النيوليبرالي ،والقوى العاملة عليه من امبريالية واوليغارشية محلية واحزاب تقليدية فاسدة، تستخدم وسائل الاعلام الكبرى، والذين تساقطوا من مثقفي اليسار في براثن راس المال والعولمة النيوليبرالية، التي تدوس بحذاء البلطجة الفكرية والعسكرية معا على سيادة واستقلال الدول وكرامة بني البشر، ولا تبقي لها الا خيار العيش كالعبيد او الذبح كالقطيع.
كورييه: نزعة قومية نقيضة للامبريالية
بمناسبة انعقاد قمة الامريكتين السادسة (كارتخينا دي إندياس/ كولومبيا، 14 ـ 15 ابريل 2012) اعتذر الرئيس كورييه لنظيره الكولومبي مانويل دوس سانتوسMANUEL DOS SANTOS (2 ابريل 2012) عن المشاركة فيها مؤكدا انه ما دام رئيسا للدولة الاكوادورية، فانه لن يحضر اية قمة للامريكتين، الى ان يتم اتخاذ القرارات التي يحتاجها الوطن الكبير (كناية عن امريكا اللاتينية).
واوضح انه على الرغم من رفض اقصاء كوبا عن هذه القمم الامريكية اثناء القمة الخامسة للامريكيتين التي عقدت في ترينيداد توباغو Tobago Trinidad (17 ـ 19 ابريل 2009) الا انه لم يتم توجيه الدعوة اليها [ طردت كوبا من منظمة الدول الامريكية عام 1964 عقابا على خيارها الثوري والاشتراكي، وهي ترفض الان العودة الى نظيرة الجامعة العربية قلبا وقالبا، وتتراس حاليا البديل القومي التقدمي لها اي “منظومة دول امريكا اللاتينية والكاريبية” (سيلاك CELAC ) التي اقصت واستبعدت، قصدا وعلنا ومع سبق الاصرار وبالاجماع، كلا من كندا والولايات المتحدة الامريكية] .
واضاف انه من غير المقبول ان تتجنب هذه القمم مواضيع اساسية مثل الحصار اللاانساني المفروض على كوبا، والاستيطان العبثي لجزر الملاوين (فوكلاند) الارجنتينية التي تحتلها بريطانيا، على الرغم من الرفض العالمي لهما بالاجماع تقريبا. ان استعمال الفيتو من قبل بلدان مهيمنة (امريكا) لم يعد مقبولا في امريكا اللاتينية القرن الحادي والعشرين. فالقضية تتلخص في ما اكد عليه المحرر سيمون بوليفر SIMON BOLIVAR “ان نشعر فعلا بان الوطن هو اميريكا اللاتينية”.
الانتخابات الرئاسية والتشريعية واعادة ترشيح وفوز كورييه 2012 ـ 2013.
بداية اعلن كورييه انه سيرشح نفسه لاعادة انتخابه رئيسا للجمهورية، اذا ما قررت ذلك قواعد المجموعات السياسية التي تدعمه، وهكذا كان. فهو قائد صيرورة تقدمية حققت ولا زالت تحقق انجازات اجتماعية واقتصادية واضحة للعيان: تقليص التفاوتات الاجتماعية؛ اقرار وتطبيق حد ادنى للاجور يليق بآدمية الشغيلة؛ انجاز اصلاح مالي يزيد من الانفاق الاجتماعي، بالاضافة الى قفزات كبيرة في مجال التعليم العام المجاني وبنوعية عالية.
ثورة المواطنة التي يدفع بها كورييه تحتاج الى التقدم والتعمق ولذلك لا بد من وجود شخصية القائد في موقع اعداد واتخاذ وتنفيذ القرارات الاستراتيجية الحاسمة. وينسحب هذا الامر على الحالة الفنزويلية بقيادة أوغو شافيس والحالة البوليفية بقيادة إيفو موراليس، فالصيرورات الحقيقية للتغيير تتمركز حول القائد لا سيما في الاعوام الاولى كي تتوطد.
كورييه ينتمي الى النواة الصلدة التقدمية الامريكية اللاتينية، هذه المجموعة من الرؤساء الذين يتحدثون عن الاشتراكية دون خجل او وجل ودون الشعور بعقد نفسية او غيرها، ناجمة عن تقلبات الدهر في نهاية القرن العشرين. هذه الثلثة من القادة لا ترضى بالتغيرات والاجراءات التجميلية، بل تسعى في سبيل تغيرات جذرية قادرة على الدفع نحو المجتمع الجديد فعلا، ليس اقتصاديا فحسب، بل سياسيا وايديولوجيا واخلاقيا. وعلى هذا الاساس فان كورييه لا زال قائدا ضروريا في المسرح السياسي الامريكي اللاتيني.
ولا يعتقدن احد بان ادارة اوباما غافلة عما يفعل الثوريون في القارة، فطبقا لتصريحات السفير البريطاني السابق في أوزبكستان، كريغ موريه Craig Murray ،تخصص وكالة الاستخبارات المركزية CIA 87 مليون دولار من اجل الاطاحة بكورييه والحاق الهزيمة به في الانتخابات المقبلة (17 فبراير 2013) واكد السفير ان هذا المبلغ قد تضاعف ثلاثة مرات، في اعقاب الفوز الانتخابي الجديد للرئيس اوغو شافيس في فنزويلا (7 اوكتوبر 2012).
فالتغيرات الحقيقية في امريكا اللاتينية لصالح شعوبها تنتشرفي المنطقة، وتبرز فيها الحالة الاكوادورية التي تتسم بالنهوض الاقتصادي المنظور، وتناسل البرامج الاجتماعية التي انتشلت ملايين المواطنين من براثن الفقر. ومنذ وصول كورييه الى السلطة قبل ستة اعوام (15 يناير 2007) تم احراز انجازات تفوق ما أنجِزَ خلال 50 عاما مرت بها الجمهورية المزيفة، بقيادة الاحزاب البرجوازية التقليدية منها والرثة، المتواطئة مع الامبريالية والحكومات الغربية وراس المال عابر الاوطان والقوميات.
حسب اعترافات “اللجنة الاقتصادية الخاصة بامريكا اللاتينية”( سيبال CEPAL) التابعة الى الامم المتحدة، كان الفقر في الاكوادور خلال عقد التسعينات يعصف بـ 60% من السكان، وفي الوقت الراهن تم تقليصه الى 25% ، بفضل تطبيق سياسات اقتصادية تتماشى مع مفهوم “رغد العيش”، انطلاقا من الطبقات الدنيا. كما نما الاقتصاد خلال عهد كورييه بمعدل 5% سنويا، بينما يتم تخصيص 25% من المنتوج الداخلي الخام PIB في الانفاق العام.
للمرة الاولى في التاريخ، تستطيع العائلات الاكوادورية تغطية 93% من تكاليف “السلّة الاساسية” [السلع الاستهلاكية الاساسية] من مداخيلها، بينما في عام 2007 كانت التغطية تصل الى 60% فقط. وهناك مؤشر اساسي يتمثل في نسبة البطالة التي وصلت الى 4.8% خلال عام 2012 ، وهي من ادنى النسب في القارة، كما ان الفقر انخفض بنسبة 7%، بينما نما الاقتصاد غير النفطي بنسبة 8.5%.
فمنذ ان تقلد كورييه السلطة، شرع بالقضاء على المشاكل المستعصية التي كانت تنخر البلد. فقام بنزع الاملاك غير الشرعية من اصحاب المصارف؛ اجبر شركات النفط عابرة القوميات على تغيير عقودها لما فيه مصلحة الشعب؛ علّق دفع الديون الخارجية باعتبارها غير شرعية، وعرض على الدائنين ان يشتريها منهم بحسم 70% من قيمتها.
من بين اهداف ثورة المواطنة التي يقودها كورييه ( ممثلا عن حركة تحالف البلد) نجد تطبيق نموذج تقدمي يستند الى الانفاق الاجتماعي الذي بلغ 20 مليار دولار منذ عام 2007. ويعود هذا الانجاز الى توفر الارادة السياسية للتحالف الطبقي الحاكم، والى تطبيق سياسات اقتصادية ناجحة منها: نظام شفافية المشتريات العامة ؛ اعادة التفاوض بشان الديون الخارجية وتوفير 300 مليون دولار سنويا من فوائدها؛ القضاء على نظام الودائع كضمانات لدفع الديون الخارجية؛ العودة الى الادخار العام (800 مليون دولار)؛ ترشيد استعمال الموارد الخاصة بالضمان الاجتماعي وتحسين التفاوض بشان النفط وتسويقه. يوجد حاليا 8000 طالب جامعي اكوادوري في مختلف وافضل جامعات العالم ؛ منهم في كوبا وحدها 1700 طالب.
وتشمل البرامج الاجتماعية التي تم تطبيقها، شمولية ومجانية التعليم والصحة العامة؛ تشييد 230 الف وحدة سكنية، اعانة اجتماعية للمسنين، وتقديم الدعم للامهات العازبات (مطلقات او ارامل او مهجورات) المسؤولات عن اعالة ابنائهن، من خلال “كوبون التنمية البشرية” الشهري الذي يمنح لاكثر من 1.8 مليون مواطن (يبلغ عدد سكان الاكوادور 15.64 مليون نسمة).
ازدادت قيمة الكوبون من 30 دولار في البداية الى 50 دولار حاليا، بشرط ان تقوم الامهات بارسال ابنائهن الى المدارس، وضمان نموهم المعقول من خلال برامج تغذية الاطفال. وجدير بالذكر ان آفة عمل الاطفال في الاكوادور قد تقلصت بمقدار يربو على نصف مليون طفل وطفلة، وتعتزم الحكومة القضاء على سوء التغذية لدى الاطفال بنسبة 25% لغاية عام 2015. كما تجب الاشارة الى ان هذه الانجازات لم يكن لها ان تتم وبهذه السرعة، لولا التضامن القومي والاممي بين الاكوادور وكوبا، التي توفر لها اطباء وشغيلة اجتماعيين، يغطون كامل الجغرافية والديموغراقة الاكوادورية.
من المرجح ان يثبت الشعب الاكوادوري ان الخيار الاشتراكي في هذا الجزء من العالم يحظى بشعبية هائلة، على الرغم من دسائس الامبريالية الامريكية وذيولها وفلولها من الاوليغارشيات والاحزاب النيوليبرالية المهترئة.
ثورة المواطنة والانسان الجديد (الغيفاري) الذي لا غنى عنه لبناء الاشتراكية
لا شك ان التغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية الايجابية التي نجمت ولا زالت تنجم عن ثورة المواطنة، كان لها شديد الاثر على تغيرات نفسية وروحية لدى قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية المنخرطة في عملية التغيير والمستفيدة منها، انسجاما مع العلاقة الديالكتيكية القائمة بين بنية المجتمع المادية وبنيته الفوقية، وكلما تغير وتطور الوعي الفردي والجمعي للمجتمع للواقع الذي يعيشه، كلما انعكس ذلك في سلوكه السياسي العفوي والهادف معا.
بهذا الصدد، يرى الرئيس كورييه ان اكبر تغير احرزته ثورة المواطنة يتمثل في السلوك الجديد نوعيا لشعب الاكوادوري، حيث استعاد الشعب، بصفته صاحب مصيره وصانعه الاساسي، الايمان والامل في وطنه. فالاقتصاد ينمو والفوارق والمظالم الاجتماعية تتقلص باستمرار. سابقا كانت الاكوادور تعدد “المخازي الوطنية” اما الان فانها تعرض “مفاخرها الوطنية” وكل ذلك بفضل الثورة واستجابتها للاستحقاقات التاريخية لجماهيرها.
وحانت ساعة الفصل بين الثورة واعدائها، واجريت الانتخابات في موعدها المحدد يوم 17 فبراير 2013 . شارك فيها 11.6 مليون ناخب، وقاموا بانتخاب الرئيس ونائبه و137 نائبا في الجمعية التاسيسية (البرلمان الجديد) وخمسة ممثلين للاكوادور في البرلمان الانديزي (على مستوى بلدان جبال الانديز).
ولدى فرز 100% من الاصوات، تبين فوز كورييه مجددا وبنسبة 61% على الرغم من الحملة الشرسة التي شنتها ضده الامبريالية الامريكية والرجعية المحلية، بالمال والاعلام والحرب النفسية، الرامية الى ابتزاز الشعب وتهديده بزعزعة البلد وتفتيتها. وكان اقرب مرشح يليه هو غييرمو لاسو Guillermo Lasso (مصرفي سابق) ، بنسبة 21% وتبعه لوسيو غوتييريس Lucio Gutiérrez (عسكري سابق)، بنسبة 6.6% وهو رئيس سابق انتهازي وجبان.
وبهذا فاز كورييه بعهد رئاسي ثالث على التوالي وفازت به ومعه ثورة المواطنة فهتف “هذه ثورة لن يوقفها احد. اننا نصنع التاريخ ونبني الوطن الصغير والوطن الكبير (علاقة جدلية بين القطري الاكوادوري والقومي الامريكي اللاتيني).. لن نخيب آمالكم ابدا… هذا الانتصار ليس لي بل لكم وللوطن….. واهنيء الشعب الاكوادوري الذي تحلى بنضج رائع، عندما دفن “حكم الاحزاب” (اشارة الى الاحزاب البرجوازية التقليدية) وتحكمها به في صناديق الاقتراع… المعارضة ستتوحد في محاولة منها لكبح جماح التغيرات التي تضطلع بها ثورة المواطنة… فلنبقى مستنفرين”.
” اخصص هذا الانتصار واهديه الى القائد الامريكي اللاتيني الكبير اوغو شافيس…انه انسان بسيط ولا علاقة له بلقب الزعيم الذي تنعته به الصحافة… انني لا اسعى لأحلّ محلّ اي من القادة الامريكيين اللاتينيين، بل انني اتكلم بصوت الرؤساء اليساريين في المنطقة. سنكون متواجدين حيثما نكون اكثر فائدة للاوطان الصغيرة وللوطن الكبير…حيث نستطيع تقديم خدمة افضل لاخوتنا الامريكيين اللاتينيين”.
وليس من نافل القول ان كورييه هو اول رئيس اكوادوري يصل الى نهاية عهده الرئاسي خلال 12 عاما دون انقطاع دستوري، على الرغم من انه تعرض لمحاولة انقلاب واغتيال مسلح عام 2010. الا ان القوى الشعبية الحية انقذته كما انقذت اوغو شافيس من قبله عام 2002.
ان فشل النموذج النيوليبرالي في عموم القارة، قد افضى الى صعود طراز جديد من القادة الوطنيين والقوميين التقدميين، دون اية وصاية خارجية، ودون تجديد قسم الولاء الى امريكا ورؤوس الاموال الاجنبية وشركاتها عابرة القارات والعقول، مما اتاح لبلدان المنطقة فرصة اشتقاق نماذجها التنموية الاصلية، وانصهار القوى الثورية مع شعوبها، في مسيرة مظفرة نحو تحقيق الاحلام القومية الكبرى، باعادة توحيد القارة الامريكية اللاتينية، كوطن كبير لجميع شعوبه وقومياته، وعلى طلاق لا عودة فيه، مع مراكز السلطان والتسلط الامبريالي المعولم، وبهدف استراتيجي جليّ: الا وهو بناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين، وتحويل المنطقة الى قوة عالمية تضطلع بتوازن هذا العالم المختل، على حد تعبير البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي JOSE MARTI( 1853 ـ 1895).
مـــــراجـــــــع
1. خوسيه شتاينسليجر، صحيفة “لا خورنادا” المكسيكية 22 يوليو 2007.
2. صحيفة غرانما الكوبية: 8 مارس 2007؛ 3 ابريل 2012؛ 13 فبراير 2013؛ 18 فبراير 2013؛
3. وكالة الانباء الاكوادورية 16 ابريل 2007.
4. أرييل فلوريت، مركز المعطيات والابخاث العالمية. نشرة يوم 16 يوليو 2007.
5. أوليفر سامورا أوريا (المعلق على الاخبار الدولية في التلفزيون الكوبي ايام الاحد) موقع كوباديباتي، 2 نوفمبر 2012.
6. إيديلبيرتو لوبيس بلانش، صحفي كوبي مختص بالشؤون الاقتصادية في صحيفة الشبيبة الثائرة. 12 فبراير 2013.
7. موقع كوباديباتي، 17 فبراير 2013.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.