الثقافة والثورة

 بقلم د. أحمد الخميسي

الشائع أن الثقافة المصرية بدأت في عشرينات القرن الماضي برواية محمد حسين هيكل – زينب 1914- أو بميلاد الرواية الحقيقي كما يقول نجيب محفوظ على يد توفيق الحكيم – عودة الروح 1933، وبظهور القصة القصيرة – محمد تيمور قصة القطار 1917 – وبدايات السينما، والمسرح، وموسيقا سيد درويش. لكن ماقولكم في شاعر ظهر قبل الميلاد الرسمي لثقافتنا بسبعمائة عام كاملة هو السراج الوراق الذي وصف بؤس أطفاله على العيد بقصيدة جاء فيها(( قد أقبل العيد وما عندهم .. قمح ولا خبز ولا فطره – فارحمهم إن عاينوا كعكة .. في يد طفل أو رأوا تمرة – تشخص أبصارهم نحوها .. بشهقة تتبعها زفرة)؟.

ومارأيكم في شاعر الصعيد العظيم ابن عروس القائل ” لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم ” الذي برز عام 1780 قبل البداية المعلنة للثقافة المصرية بمئة وخمسين عاما؟! . تاريخ الثقافة المصرية أبعد وأكثر توغلا في الماضي مما نظن. ولن أتطرق هنا للملاحم والسير الشعبية التي تمتد إلي أزمنة أبعد، ولا إلي أغاني المهد التي تهدد بها الأمهات أطفالهن وغيرذلك. كل ما أريد قوله إننا دأبنا على تعريف الثقافة عندنا انطلاقا من إبداع النخبة ومن ظهور االأشكال الأدبية والفنية المعترف بها. بينما يرى كارل بروكلمان في كتابه ” تاريخ الأدب العربي” ضرورة إدخال النقوش الباقية لأي شعب والرسائل والوثائق في دائرة أدب وثقافة هذا الشعب، طالما أن كل ظواهر التعبير اللغوي تدخل في دائرة الأدب. ومن هذا المنظور تصبح ثقافتنا المصرية أقدم من شكلها العربي الذي عم بعد الفتح الإسلامي لمصر 639م .

وحين نضع تأريخا لبداية الثقافة المصرية في عشرينات القرن الماضي فإننا لا نظلم فقط ثقافتنا، بل وننزلق إلي مفهوم أشد خطورة وأكثر شيوعا ألا وهو أن الثقافة ثمرة إبداع النخبة، وهي ثمرة مرتبطة أساسا بالوعى، وتتجلى في مختلف مجالات الفن والأدب: في الشعر والموسيقا والمسرح والروايات والكتب. ويقترب كافكا من هذا المفهوم حين يقول إن ” الكتب فأس للجليد تكسر التجمد حول أرواحنا”. لكن هل حقا أن القصائد والقصص والمسرحيات وحدها هي التي تحطم ذلك الجليد المطبق على الروح؟. ألا تهشم التغييرات الاجتماعية نحو التطور ذلك الجليد بالقدر نفسه وربما أكثر؟. ألا يعد تغيير الواقع المادي ثقافة تحطم الجليد؟ ألم يكن بناء السد العالي عملا ثقافيا من الطراز الأول؟ ألم تؤثر انتفاضة 25 يناير كحدث على أرض الواقع – ليس في الكتب – في ثقافة الشعب المصري ربما بالقدر نفسه الذي تركه  العديد من الأعمال الإبداعية للنخبة؟.

الثقافة في جانبها المعنوي تشتمل على كافة أشكال الوعي الاجتماعي من فلسفة وعلوم وآداب وفنون، أما الجانب الآخرللثقافة فوثيق الصلة بالمتغيرات على أرض الواقع. ومن هذا المنظور فإن 25 يناير قامت بنقلة نوعية في الوعي العام حين فجرت معها ثقافة الرفض والتمرد وتقديس الحرية. وثقافتنا بهذا المعنى أبعد من تاريخ ميلادها الرسمي، وأعمق، وأقوى من أن تهزم . وبها نمضي إلي مصافحة كل الأماني الخيرة في العام الجديد.

:::::

 المصدر: الحزب الشيوعي المصري، مجلة “المجلة” فبراير 2013