اعداد: نورالدين عواد
هافانا ـ كوبا
اهداء الى الرفيقات المناضلات، بادية وكلادس وآمال وسوسن….
“ان الفترة التي تمر بها الثورة الكوبية منذ انتصارها وحتى الان تسمى نظريا وحسب الكلاسيكيات الماركسية ـ اللينينية بـ “الفترة الانتقالية” اي الفترة اللازمة للانتقال من اسلوب الانتاج الراسمالي (المتخلف والمشوّه) الذي كان سائدا في كوبا قبل انتصار الثورة، الى اسلوب الانتاج الاشتراكي الجديد تماما، حيث يتم في هذه الفترة التي قد تطول او تقصر، بناء الاساس المادي (الاقتصادي الاجتماعي) والفكري والنفسي والسياسي (الوعي الاشتراكي) الذي يمهد لعملية البناء الاشتراكي في حد ذاته. موازين القوى الداخلية والخارجية التي تحكم عملية الصراع بين العمل وراس المال وموروثه، تلعب دورا كبيرا في هذه الفترة، وتكون الثورة في حدّ ذاتها، المتّجه الناتج عن حصيلة تصارع وتفاعل تلك القوى، والذي يحدد ويحسم المنحى الذي تتخذه الاحداث والوقائع والسياسات المستقبلية وتطبيقاتها على ارض الواقع في المجتمع الكوبي”[1].
مدخل موجز
تشكل الانتخابات في كوبا حدثا هاما في حياة الامة ، لانها جزء من الممارسة اليومية للادلاء بالاراء، وتتسم بمشاركة المواطنين في قرارات الحكومة، بطريقة مدنية متحضرة دون وسطاء سياسيين، وفي ظل اشراف الاطفال على صناديق الاقتراع، بعيدا عن مظاهر البذخ والاسراف والعسكرة التى نراها في معظم انحاء العالم. فالانتخابات حدث سيادي، مكاشف، و نزيه، يتيح تقديم المرشحين بناء على نوعية مساعيهم وفضائلهم المهنية والشخصية، ويشكل ممارسة سيادية اصيلة للدفاع عن الثورة والاشتراكية والوطن.
كما ان الاقتراع (طوعي) حق للمواطن ليرشح غيره او يرشح نفسه لخدمة المجتمع لا سيما في ظل اللحظة التاريخية الراهنة، التي تستدعي الاسهام الجدي في مساعي الحكومة والشعب، من اجل تحسين المجتمع ونظامه الاشتراكي وتوطيد ديمومته.
عقدت الجمعية الوطنية للسلطة الشعبية الكوبية (البرلمان) الدورة العادية لجلساتها الخاصة بالعهد التشريعي السابع[2] بتاريخ 13 ديسمبر 2012، اذ ان الانتخابات العامة لاختيار مندوبي المحافظات ونواب البرلمان كانت ستبدا بتاريخ 3 فبراير 2013، تحضيرا للدخول في العهد التشريعي الثامن (2013 ـ 2018). وتمهيدا لها تم اجراء انتخابات لاختيار مندوبي البلديات في اكتوبر 2012، بمشاركة جماهيرية شعبية تعبيرا عن دعمها للديموقراطية الاشتراكية وثقتها بها.
ان تحديث النموذج الاقتصادي الكوبي الذي اقره المؤتمر السادس للحزب الشيوعي، يتطلب، وبنفس القوة، تحديثا للنموذج التشريعي، وتجديدا قادرا على توفير الاسس القانونية اللازمة، لمواكبة التغيرات الناجمة عن عملية تطوير القوى الانتاجية، وتوزيع الثروة الوطنية، والقدرة على اعادة الانتاج والتوزيع، في اطار الحفاظ على مجتمع اشتراكي مستديم ومزدهر، والعمل على تطويره، فهو يشكل الضمانة الوحيدة للاستقلال والسيادة الوطنية، التي انزعتها اجيال من الوطنيين الكوبيين، على امتداد ما يقارب قرن ونصف من الزمان، من النضال غير المتكافيء ضد الاستعمار القديم (اسبانيا) والجديد المتجدد (امريكا) والامبريالية عموما.
وقد أذن البرلمان باجراء استفتاء شعبي على “المشروع التمهيدي لقانون العمل الجديد” الذي ينص عل تحديث السياسات المتعلقة بالعمل وحقوق وواجبات الشغيلة ومُوظِّفيهم، في القطاعين الحكومي وغير الحكومي سواء بسواء، تمشيا مع المشهد الاقتصادي الاجتماعي القائم على ارض الواقع. وانطلاقا من نتائج الاستشارة الشعبية المذكورة، سيتم طرح مشروع القانون امام البرلمان من اجل المصادقة عليه في وقت لاحق.
الانتخابات العامة 2013.
وفقا للنظام الانتخابي الكوبي، تمّ اختيار 50% من المرشحين لعضوية البرلمان الجديد (اي 306 من اصل 612 مرشحا) في جمعيات البلديات للسلطة الشعبية، اثناء الانتخابات التي اجريت في اكتوبر 2012. اما النصف الاخر من المرشحين، فقد تمّ اختيارهم، بناء على اقتراح لجنة الترشيحات التي تتالف من منظمات جماهيرية. اما الحزب الشيوعي، وهو الوحيد في البلد ويعتبر حزب الامة الكوبية، ووريثا للحزب الثوري الكوبي الذي اسسه البطل القومي الكوبي، خوسيه مارتي عام 1892، من اجل النضال في سبيل تحرير كوبا وبويرتوريكو (آخر مستعمرتين اسبانيتين في ذلك الحين)، فانه لا يرشح احدا ولا ينتخب احدا، بصفته قائدا فقط للمجتمع الوطني.
وجدير بالتذكير ان التصويت مباشر وسري وطوعي، ويستطيع الناخب ان يصوت لمرشح واحد او عدة مرشحين او كافة المرشحين في دائرته الانتخابية، وهي اصغر وحدة انتخابية على مستوى بلدية، وتشكل اساس النظام الانتخابي الكوبي. كما ان الدعاية الانتخابية الوحيدة المسموح والمعمول بها في كوبا، تتمثل في نشر نبذة عن مسيرة حياة كل مرشح.
بلغت نسبة التجديد في قائمة المرشحين للعهد التشريعي الثامن، 67% مقارنة مع قائمة العهد السابع (60% من المرشحين المنتخبين ولدوا بعد انتصار الثورة). متوسط عمر المرشحين 48 عاما؛ 49% نساء؛ 37% افروكوبيين او خلاسيين؛ 53 نائب تقل اعمارهم عن 35 عاما (تشجيع وتصعيد الشباب الى هيئات التشريع والسلطان السياسي)؛ 83% من مجموع النواب، حائزون على شهادات دراسات عليا، اذ ان تحديث النموذج الاقتصادي الكوبي يدخل في هذا العام 2013، في مرحلة تغيرات معقدة، مما يتطلب من النواب البرلمانيين، ان يكونوا مهيّئين من اجل المشاركة النشطة والمسؤولة في هذه العملية ( وفقا لتصريحات عضو المكتب السياسي للحزب ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي، ميغيل ديّاس كانيل Miguel Díaz-Canel).
واجريت الانتخابات في الموعد المحدد لها مسبقا وذلك يوم 3 فبراير 2013، وهذه بعض الارقام، التي تعطي فكرة بليغة عن هذا الحدث الهام، في حياة الثورة الكوبية المعاصرة ومجتمعها:
عدد الناخبين المسجلين 8.631836 مليون. منهم 26 الف ناخب جديد لانهم بلغوا السن القانونية للتصويت: 16 عاما من العمر.
عدد المحافظات 15.
عدد صناديق الاقتراع 29957، تغطي عموم الوطن.
عدد الناخبين فعليا: 7.877906 مليون
نسبة التصويت: 90.88%.
القسائم الانتخابية الصالحة: 94.17%؛ القسائم البيضاء (تردد او امتناع) 4.63%؛ والقسائم اللاغية 1.2%.
وبالنتيجة تم انتخاب 612 نائبا في البرلمان الوطني و 1269 مندوبا على مستوى المحافظات الـ 15.
حسب الاجراءات الدستورية وقانون السلطة الشعبية، قام مندوبو المحافظات ونواب البرلمان المنتخبين، باعداد مقترحاتهم فرديا باسماء قيادة الجمعية الوطنية، ورئيس ونائب رئيس جمعيات السلطة الشعبية على مستوى كل محافظة (15) و رئيس ونواب رئيس مجلس الدولة واعضائه (31: رئيس؛ نائب اول للرئيس، 5 نواب للرئيس، سكرتير، 23 عضوا). وتم تسليم هذه المقترحات الى لجنة الترشيحات الوطنية، من اجل عرضها للتصويت في اول جلسة للجمعية الوطنية يوم 24 فبراير 2013.
حسب الدستور، يتولى رئيس مجلس الدولة رئاسة الدولة والحكومة، والتصويت لانتخابهم سري ومباشر.
بتاريخ 10 فبراير تم تشكيل جمعيات السلطة الشعبية على نطاق المحافظات (15) وانتخاب رؤسائها ونوابهم (كل محافظة رئيس ونائب رئيس ) ليزاولون مهماتهم على امتداد خمسة اعوام. وقد شارك فيها 1269 مندوبا يؤازرهم حقهم الدستوري. هذه الجمعيات ووفقا لدستور الجمهورية، تشكل الهيئات العليا المحلية لسلطان الدولة، وبالتالي تناط بها اعلى سلطة، من اجل ممارسة وظائفها الدولتية، في اطار حدود كل محافظة، وتمارس الحكم مع الالتزام بصلاحياتها وبالقانون.
كافة قطاعات المجتمع الكوبي تجد لها تمثيلا في هذه الجمعيات (1269 مندوبا) وهذه هي لغة البيانات البيّنة:670 مندوبا مرتبطون بالانتاج والخدمات (52.8%) منهم 350 عاملا ومسؤولا متوسطا وفنيا مباشرا ومسؤولي شركات الدولة؛ 71 مندوبا ينتمون الى قطاع الفلاحين والتعاونيات؛ 85 مندوبا يعملون في الصحة العامة و155 يعملون في التعليم؛ 30 مرتبطون بالرياضة؛ 20 مرتبطون بالابحاث العلمية، 33 كاتبا وفنانا او يعملون في ميادين الثقافة؛ 20 يعملون في الصحافة والاذاعتين المرئية والمسموعة؛ 9 يقومون بانشطة غير دولتية؛ 22 مسؤول سياسي؛ 45 من المنظمات الجماهيرية؛ 10 من الطلاب؛ 44 مقاتلا من القوات المسلحة ووزارة الداخلية؛ 4 يمثلون مؤسسات دينية و5 يمثلون المتقاعدين وغيرهم. من مجموع المندوبين يوجد 46.4% من مندوبي القاعدة الجماهيرية (مندوبون منتخبون من الدوائر الانتخابية البلدية).
تم تجديد 950 مندوب واعادة انتخاب 319 آخرين.
تميزت هذه الانتخابات العامة بحدثين يكتنفان اهمية بالغة، ولكل منهما دلالاته وتداعياته المنظورة والمستقبلية:
الحدث الاول: مشاركة قائد الثورة الكوبية فيديل كاسترو شخصيا في الادلاء بصوته في صندوق الاقتراع، في احد الاحياء الشعبية في العاصمة. وقد تم تفسير هذه الخطوة على انها دعم لعملية التغيرات الجارية في البلد على قدم وساق، تحت قيادة الحزب والرئيس راؤول كاسترو، بالاضافة الى ممارسة حقه الدستوري المدني بالتصويت. ولاحقا، ترؤس فيديل كاسترو، الى جانب رئيس الجمهورية راؤول كاسترو، للجلسة التاسيسية للجمعية الوطنية للسلطة الشعبية في تدشين عهدها التشريعي الثامن.
وبعد الادلاء بصوته تحدث مطولا مع الصحافة المحلية المتواجدة في المكان وتطرق الى مختلف القضايا. في البداية ابرز المكانة التاريخية والاخلاقية لمحرر امريكا اللاتينية سيمون بوليفر SIMON BOLIVAR “الوحيد من بين الرموز الكبيرة في التاريخ الذي اكتسب شهرة من خلال تحريره شعوب عدة؛ اما الاخرون فكانوا يكتسبون الشهرة والثروة: منذ الكسندر العظيم والى نابليون بونابارتي الذي تحول من ثوري الى امبراطور لفرنسا يغزو روسيا”.
وفي سياق آخر بصدد تحديث الاشتراكية في كوبا، قال كاسترو “تكون الحياة افضل اذا كان الانسان حرا، لكن يجب ان يتعلم كيف يكون حرا؛ ويكون ثوريا عندما يستطيع تحسين الخبرة والاداء الافضل بشكل دائم. احيانا نتحمل المسؤولسة جميعا، لاننا ننطلق من جهل كامل، وهذا الجهل هو السائد في عالم اليوم حتى الان. قد لا يجد الانسان الحلّ، لانه توجد مئات الحلول، تبعا للثقافة والمعتقدات وحتى لجغرافية كل بلد. يجب ان لا تسود المصلحة والانانية والغرائز؛ فالطبيعة تعطينا الغرائز، بينما القدرة على التفكير يجب ان تعطينا الاخلاق.
“يجب علينا تحديث الاشتراكية والارتقاء بها، لكننا نمر بمرحلة لا بد من السير فيها بحذر شديد، يجب علينا ان لا نرتكب الاخطاء. اننا نطلق من مرحلة تاريخية وحيدة ومعقدة جدا، وبالضرورة تعلمنا شيئا من الحياة خلال 50 عاما. كوبا هي البلد الوحيد المجاور للامبراطورية، والذي اقترب اكثر من غيره نحو ثورة عميقة. لم تكن كل امورنا كاملة الاوصاف، لكن علينا التزام لا مفر منه، وهو تحسين ما فعلناه والارتقاء به. ما اوده هو فقط الاسهام قدر الامكان، في الوحدة والتفكير، وانا دائما ضد الغرور، لان الانسان بطبعه يميل الى الغرور”.
وعندما ذكرت له صحفية احد انجازات الثورة الكوبية، المتمثل في ان كوبا تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث مشاركة المراة في البرلمان، علق كاسترو قائلا (بسخرية) “اعتقد ان الانجليز غلبونا. ملكة انجلترا امضت 60 عاما في الملك وقدموا لها هدية صغيرة: 500 الف كيلو متر مربع (من الارض)! أتعلمون اين؟ في المحيط المتجمد الجنوبي”.
والحدث الثاني : النجاح الباهر (قفزة نوعية) الذي حققته المراة الكوبية في وصولها الى جمعيات السلطة الشعبية على نطاق الوطن والمحافظات على حد سواء.
توطئة تاريخية لا بدّ منها
على امتداد تاريخ وجود الامة الكوبية، لعبت المراة دورا هاما واحيانا حاسما في بعض المراحل، اثناء النضال التحرري من الاستعمار والدكتاتورية والامبريالية، واثناء النضال الثوري والبناء الاشتراكي الراهن.
خلال عهد الاستعمار الاسباني، ولدى الشروع بحرب التحرير الوطنية الاولى (1868 ـ 1878) برز نجم ما يمكن وصفه استحقاقا بـ “السيدة الاولى” واعني بها : ماريانا غراخاليس MARIANA GRAJALES (توفيت بتاريخ 27 نوفمبر 1893)، امّ الإخْوَةِ ماسيو MACEO ، واشهرهم انطونيو ماسيو، جنرال الحروب التحريرية الثلاثة، الى ان استشهد على ارض المعركة يوم 7 ديسمبر 1896 (يوم الشهيد الكوبي)[3].
فكيف لا، وماريانا غراخاليس، [يطلق عليها هنا لقب “أمّ الوطن”، وهي بمثابة “خنساء عربية”] قدمت كل ابنائها (13) للقتال ضد الاستعمار، وفداء للوطن، بمن فيهم اصغرهم، ولم يكن بالغا الرشد بعد!
البطل القومي الكوبي خوسيه مارتي، عندما راى كرَّها في ميدان المعركة كالرصاص، من اجل انقاذ ابنها الجنرال ماسيو، الذي كان قد سقط جريحا بنيران العدو، قال فيها “ما اسهل صنع الابطال بهذه النساء”.
ومن المثير للاعجاز [شعبيا اما علميا فهناك تفسير للمعجزة] ان جثمان هذه السيدة الاولى، لا زال على حاله دون تعفن، على الرغم من مرور 120 عاما على وفاتها، وعلى الرغم من انها دفنت 30 عاما منها في جامايكا، ولاحقا90 عاما في كوبا. وتحاول كنيسة سانتياغو دي كوبا ان تحوِّلها الى اول قديسة كوبية عن طريق الفاتيكان!
وخلال النضال ضد الدكتاتورية الدموية منذ عام 1953، برزت ثلة من النساء الكوبيات، وواصلن دورهن المشرف، بعد انتصار الثورة، وشغلن مناصب قيادية مرموقة وابرزهن:
* فيلما إسبين VILMA ESPIN (1930 ـ 2007) مهندسة كيماوية، انخرطت في الكفاح المسلح في جبال السييرا مايسترا (بعد خوضها الكفاح السري الحضري في المنطقة الشرقية من البلاد) وبعد انتصار الثورة عام 1959، القيت على عاتقها مسؤولية بناء اتحاد المراة الكوبية (1960) الذي افنت عمرها فيه. ومنذ ذلك الحين كانت القائدة الرئيسية في عملية نضال ووصول المراة الكوبية الى كامل حقوقها.
وكانت رئيسة اللجنة الوطنية للوقاية والرعاية الاجتماعية ولجنة الطفولة والشبيبة ومساواة حقوق المراة، التابعة للبرلمان، منذ تاسيسها. ونظرا لفضائلها وخدماته الجمَّة للثورة والوطن، حازت على اللقب التشريفي “بطلة جمهورية كوبا”.
وعندما توفيت فيلما، اثر مرض عضال، قال فيديل كاسترو “كنت شاهدا على نضال فيلما على امتداد حوالي نصف قرن من الزمان. لم تكن تتزحزح قيد انملة امام اي خطر… عندما تتكلم في الاجتماعات كانت تحظى باحترام الحزب والدولة والمنظمات الجماهيرية…التزاماتها الثورية وعملها الشديد، لم يمنعها من الوفاء بمسؤولياتها كرفيقة عمر وفية ومخلصة، وكأُمّ للكثير من الاطفال…ماتت فيلما …عاشت فيلما!”
* سيليا سانشيس CELIA SANCHEZ (1920 ـ 1980) كانت مقاتلة ايضا ثم اصبحت السكرتيرة التاريخية لفيديل الى ان توفيت عام 1980، وتولت مسؤوليات هامة، ومهمات حساسة، وكانت مشاركة نشيطة في اللحظات الاكثر اهمية للثورة الكوبية.
* ميلبا ايرنانديس MELBA HERNANDEZ ( 1921) (دكتوراة حقوق) مقاتلة ومناضلة واحدى بطلتين شاركتا في الهجوم على ثكنة المونكاداْ 1953. كانت عضو قيادي في حركة 26 يوليو، منذ انتصار الثورة اضطلعت باعمال هامة في ميدان تضامن الشعب الكوبي مع شعوب العالم الثالث؛ اسست وترأست اللجنة الكوبية للتضامن مع فيتنام وكمبوديا ولاوس؛ كانت سفيرة وقيادية في حركة السلام الكوبية ومجلس السلم العالمي؛ وكانت امينة عامة لمنظمة الاوسبال (تضامن شعوب افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية) وتحمل لقب “بطلة جمهورية كوبا” الى جانب لقب “بطلة المونكادا”.
* أيديــه سانتاماريا HAIDEE SANTAMARIA (1923 ـ 1980) وهي “ثانية اثننتين” شاركتا في الهجوم على ثكنة المونكادا، وتحمل لقب “بطلة المونكادا”. اثناء وجودها في السجن، وقع اخوها وخطيبها في سجن الدكتاتورية ايضا بعد الهجوم، وتم التمثيل بهما في الحياة والممات، للضغط عليها كي تعترف الا انها رفضت وانشدت المقطع الاخير من النشيد الوطني “فالموت في سبيل الوطن حياة”. كانت عضوا قياديا في حركة 26 يوليو، ومن مهماتها في الخارج، تجميع الاموال والسلاح وتوحيد المقاتلين خارج البلاد. اسست وتراست “دار الامريكتين التي لا زالت تلعب دورا حاسما في المستقبل الثقافي للبلد.
في مرافعته عن نفسه ورفاقه امام محكمة الدكتاتورية (صدرت لاحقا في كراس بعنوان: “سيبرؤني التاريخ”)، قال فيديل كاسترو بحقّها “لم يتبوّأ اسم المراة الكوبية قط ، مكانا بهذا السموّ من البطولة والكرامة”.
فيديل لم يخرج ابدا مع زوجته في نشاط رسمي، اذ انه كان يقول ان لا دور لزوجته في الثورة، وبالتالي لا يحق لها. وغالبا ما كانت تظهر معه فيلما عندما يستوجب الامر ذلك. جميعهن كنّ بمثابة السيدة الاولى في كوبا.
المراة الكوبية المعاصرة والانتخابات العامة 2013.
تمخضت الانتخابات العامة عن فوز المراة الكوبية بشكل كاسح على كافة مستويات السلطة الشعبية، وخاصة على نطاق المحافظات والوطن. وتشكل المراة الان 48.86% من اجمالي عدد نواب البرلمان الوطني (299 من اصل 612). والشيء المهم في هذه الماثرة، يتمثل في انه لم تنجز بناء على سياسة الحصص، وهي استراتيجية تستخدمها عدة بلدان في العالم من اجل تحقيق المساواة بين الرجل والمراة.
المراة الكوبية في ظل النظام الاشتراكي، انتزعت هذه الانجازات بفضائلها الذاتية وباعتراف الشعب بها، تعبيرا عن التطور الذي شهدته في مختلف ميادين الحياة الوطنية، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، مما احدث ثورة داخل الثورة، التي كانت ولا تزال صيرورة متصاعدة في سبيل مساواة الحقوق والامكانيات والفرص بين الذكر والانثى.
ولو القينا نظرة على واقع المراة في العالم (الخارطة العالمية للمراة في السياسة لعام 2012) لادركنا الاهمية البالغة لهذا الحدث: معدل عدد البرلمانيات على نطاق عالمي، لا يصل الى 20%؛ وعليه فان نسبة 48.86% الكوبية، تضع البلد في مصاف البلدان التي تحظى فيها المراة باكبر تمثيل برلماني.
على صعيد جمعيات السلطة الشعبية في المحافظات ( 15 محافظة)، 50.5% من المندوبين من نصيب المراة، وهي اعلى نسبة تاريخيا. تحتل الرئاسة فيها 10 نساء، وتحتل منصب نائب رئيس 7 نساء، وفي ثلاثة محافظات تحتل المراة المنصبين.
في الانتخابات العامة الاولى التي اجريت في كوبا عام 1976، بالكاد فازت المراة بنسبة 8% من البرلمان، وفي الانتخابات السابقة عام 2008، فازت بنسبة 33.6%.
ويمكن تلخيص الاسباب التي افضت الى هذه النتائج الصاعدة والواعدة بما يلي:
* انفاذ الارادة السياسية للدولة الكوبية بالتقدم في تنمية المجتمع في ظل ظروف المساواة بين الطرفين (ولا اقول جنسين لان الرجل والمراة من نفس الجنس: البشر).
* العمل الذي يضطلع به اتحاد المراة الكوبية، انطلاقا من التشريع واتخاذ الاجراءات الفعالة الهادفة، والعمل المجتمعي، والترويج لحقوق المراة ودورها.
* الفكر الانساني الاصيل لفيديل كاسترو، ودوره في تشجيع المراة منذ ما قبل انتصار الثورة.
* الدور الذي اضطلعت به الراحلة فيلما اسبين، اول رئيسة لاتحاد المراة و”سيدة كوبا الاولى”، وثلثة من رفيقات دربها الاوائل، والدور الذي لعبنه في النضال السري والمسلح ضد دكتاتورية باتيستا الدموية. (1952 ـ 1958).
مجتمعيا، حققت المراة الكوبية انجازات مرئية جعلتها تتبوأ مناصب قيادية سياسية ومهنية، ولندع الارقام تتحدث بنفسها: 63% من الطلاب الجامعيين؛ 61% من قوة العمل التقنية والمهنية؛ 71% من وكلاء النيابة (القضاء) كلهن نساء. كما تشكل المراة اغلبية كبيرة في قطاعي التعليم والصحة، وقوة لا يستهان بها في مجال الابحاث العلمية.
هذا الواقع يبرهن بشكل ساطع القفزة التي حققتها المراة الكوبية خلال سنين الثورة الاشتراكية، اذا ما علمنا ان 12% فقط من النساء، كانت تزاول عملا مدفوع الاجر عام 1953.
وعلى الرغم من هذه المنجزات الا انه لا زالت هناك عقبات ذاتية امام المراة في طريق الارتقاء بنفسها وبالمجتمع:
* النظرة القِيَميَّة الذاتية للمراة وللرجل، والعادات والاحكام النمطية المسبقة، المترسخة في التقاليد والثقافة الكوبية. فالارادة السياسية والتشريع وتشجيع الحقوق، لا تكفي اذا لم تترافق مع تثوير الوعي الاجتماعي لدى المراة والرجل في آن واحد، لا سيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الاساس في الثقافة الكوبية التاريخية، هو الثقافة اليهودية ـ المسيحية الغربية، القائمة على اقصاء المراة واخضاعها، والتي سادت ولا زالت جزئيا على امتداد اكثر من 500 عام.
* المجتمع الكوبي لا زال حتى الان، مجتمعا تحكمه العقلية الابويَّة والذكوريَّة، على الرغم من كل التطور الذي احرزته الثورة والمراة.
* عقبات مادية تتعلق بالموارد المتاحة للمجتمع ككل وللمراة بالتحديد (عراقيل امام الاستقلالية الاقتصادية للمراة)، مما يفرمل استقلاليتها وسيادتها على نفسها ومصيرها، وان كان هذا السبب لا يشكل مبررا للنضال في سبيل “تمكين” المرأة من ذاتها ولذاتها وللمجتمع.
* هناك ايضا عبء العمل المركّب والمضاعف الذي تتحمله المراة حتى الان: العمل المجتمعي والعمل البيتي. فالمراة لا زالت هي عماد البيت والاسرة، وتربية الاطفال والعناية بهم، ويزداد الوضع حرجا، اذا ما اخذنا بالحسبان ظاهرة هرم المجتمع الكوبي، اي وصول عدد متنامي من السكان الى سن الشيخوخة الطويلة ( 18% من السكان تزيد اعمارهم عن 60 سنة). وهذا العبء الاضافي يقع على كاهل المراة اكثر بكثير من الرجل.
تنـــاغـــم وتواصـــل الاداء الحـــزبــي والتــــشريـــعـــي
قبيل انعقاد الجلسة التاسيسية للبرلمان الكوبي وفي نفس يوم 24 فبراير 2013، عقد الاجتماع السادس الموسع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، حيث اطلع على المقترحات المقدمة من اجل تشكيل مجلس الدولة الجديد، فعلى الرغم من ان الحزب “لا يرشح احدا فانّه لا يمكنه تجاهل انتخاب اعلى قادة الحكومة” تمشيا مع ما ينص عليه دستور الجمهورية في المادة الخامسة “الحزب الشيوعي الكوبي هو الطليعة المنظمة للامة الكوبية والقوة القائدة العليا للمجتمع والدولة”. وقد صادقت اللجنة المركزية على لائحة الترشيحات لمجلس الدولة.
وفي معرض تعليقه على تصعيد شباب الى المراكز الاولى للقرار، قال الرئيس راؤول كاسترو ” هذه هي الخطوة الاولى على طريق قيام الجيل التاريخي للثورة، بتسليم “سيف المامبي” الى “الصنوبر الجديد”[4] بشكل منظم وتدريجي ومتواصل وبعيد النظر، على امتداد الخمسة اعوام القادمة”، تنفيذا لما اقره المؤتمر السادس للحزب الشيوعي في ابريل 2011 والكونفرنس الوطني الاول في يناير 2012، بخصوص سياسة الكوادر، وسيستمر العمل بهذا القرار بشكل طبيعي وموجّه.
وتجدر الاشارة الى ان النائب الاول للسكرتير الاول للجنة المركزية والنائب اول لرئيس مجلس الدولة ماشادو فينتورا JOSE RAMON MACHADO VENTURAونائب رئيس مجلس الدولة ووزير الداخلية الجنرال ابلاردو كولوميه إيبارّا ABELARDO COLOMÉ IBARRAقد وضعا، بدافع العمر، منصبيهما تحت تصرف الحزب، من اجل افساح المجال امام تصعيد الاجيال الجديدة، تجسيدا لمبدا الاستمرارية والتجديد، الذي يسم النهجالذي تسير عليه البلاد. وتشكل هذه الالتفاتة مثالا على التواضع المجرّب والمعدن الثوري الذ يتحلّى به الجيل التاريخي للثورة الكوبية.
الاهمية التاريخية لخطوة حاسمة في تشكيل القيادة المستقبلية للثورة والمجتمع
واخيرا تم عقد اول جلسة للجمعية الوطنية للسلطة الشعبية (وهي الهيئة العليا لسلطان الدولة، والوحيدة المخولة بالتاسيس والتشريع) بتشكيلتها الجديدة يوم 24 فبراير 2013 (الذكرى 188 لانطلاق آخر الحروب الكوبية الاستقلالية عن الاستعمار الاسباني، او “الحرب الضرورية” كما وصفها خوسيه مارتي) ، من اجل انتخاب قيادتها ومجلس الدولة، بصفته اعلى سلطة تشريعية في البلد بين دورات البرلمان التي تعقد مرتين سنويا. ومن صلاحيته اصدار مراسيم قانونية .
ومن اللافت للانتباه حقيقة مغزى ترؤس فيديل وراؤول لافتتاح الجلسة، والمشاركة في انتخاباتها، وانتخابات مجلس الدولة، مما يبرهنن دون لبس، على ان عملية التغيرات الجارية في الحزب والدولة والحكومة، تحظى بدعم وتاييد قائد الثورة.
انتخب البرلمان الجديد قيادته الجديدة على النحو التالي:
* انتخاب إستيبان لاسو Esteban Lazo رئيسا للبرلمان (عضو مكتب سياسي بالحزب؛ اسود اللون ومن اصل كادح [حصّاد قصب سكر] وتدرج في المسؤوليات الحزبية كسكرتير اول للحزب، في ثلاثة محافظات استراتيجية من ضمنها العاصمة).
اما الرئيس السابق ريكاردو الاركون RICARDO ALARCON فسيكون على ارتباط مباشر بمعركة الامة الكوبية، في سبيل فكِّ أسر الابطال الكوبيون الخمسة، القابعين في سجون الامبريالية الامريكية، وجريمتهم هي مكافحة الارهاب (الامريكي).
* اعادة انتخاب آنا ماريّا ماشادو Ana María Machado نائبة رئيس البرلمان.
* اعادة انتخاب ميريام سارّوكا Miriam Sarrocaسكرتيرة البرلمان.
كما تم انتخاب العضوية الجديدة وكانت النتائج: تجديد 17 عضوا من اصل 31 العدد الاجمالي لمجلس الدولة (55%)؛ وفيه الان 13 امراة (42%)؛ 12 زنجيا وخلاسيا (39%) ومتوسط عمر الاعضاء: 57 عاما (تحديث المجلس).
وفي هذه المناسبة ايضا، تم تاكيد المنحى الذي يتخذه تطور المراة الكوبية وصعودها الى مراكز القرار التشريعي والتنفيذي ايضا، على نطاق الامة الكوبية ككل. فقد انتخبت الجلسة البرلمانية الاولى مجلس الدولة باعضائه الـ 31 على النحو التالي:
* اعادة انتخاب الجنرال راؤول كاسترو رئيسا لمجلسي الدولة والوزراء.
وفقا لقرار صادر عن المؤتمر السادس للحزب السيوعي الكوبي (ابريل 2011)[5]، تم تحديد شغل منصب رئيس الجمهورية بعهدين متتاليين مدة كل منهما 5 سنوات. اي ان هذه الخمسية 2013 2018 هي آخر عهد رئاسي لراؤول كاسترو، في حال مصادقة البرلمان الجديد على قرار الحزب المذكور آنفا. واكد راؤول في اختتام الجلسة، انه بغض النظر عن مصادقة البرلمان ام لا على هذا القرار، فانه لن يتبوأ هذا المنصب مجددا.
* انتخاب ميغيل دياس كانيل MIGUEL DIAZ – CANEL نائبا اولا للرئيس (جديد). قال عنه راؤول “انه ليس عرّافا يرجم بالغيب ولا مرتجلا، ولديه مسيرة خدمات ثورية عمرها 30 عاما، قادما من القاعدة الحزبية”.
* اعادة انتخاب ثلاثة من نواب الرئيس ( خوسيه رامون ماشادو José Ramón Machado [كان النائب الاول لرئيس مجلسي الدولة والوزراء، وهو مسؤول لجنة التنظيم الحزبي، وكان طبيب الثوار اثناء الكفاح المسلح في الجبال]؛ Gladys Portelaغلاديس بورتيلا [ المفتشة والمحاسبة العامة للجمهورية وعلى اتصال مباشر بالرئيس]؛ راميرو فالديس Ramiro Valdés [احد قادة الثورة، وكان وزيرا للداخلية ومؤسسها، ووزيرا للصناعة الالكترونية والمعلوماتية وغيرها] وانتخاب نائبين آخرين: ميرسيديس آسييا Mercedes Acea [السكتيرة الاولى للحزب في العاصمة] و سلفادور ميساSalvador Mesa [ الامين العام لاتحاد العمال].
ومن السهل ملاحظة ان التشكيلة الجديدة للبرلمان الكوبي تعكس توازنا اكبر بخصوص المراة والرجل والعرق والعمر والمؤهل الدراسي والتنوع المهني وغيره. ومن الان فصاعدا يلقى على كاهله عمل تشريعي مكثف من اجل تحقيق تطبيق الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للحزب والثورة، المقررة منذ ابريل 2011.
والاهم من كل هذه القرارات، والتغيرات الهيكلية والمؤسساتية (نقطة الانطلاق) هو القدرة العملية على تطبيق كل هذه المقررات، في مجالاتها بصورة خلاقة وكفوءة، تنقل البلاد من إرث العقلية الابوية، والمساواتية المطلقة، وكارثة الفترة العصيبة االتي وقعت فيها البلد، على اثر انهيار الاتحاد السوفييتي والاشتراكية الاوروبية؛ الى عالم الثورة المتجددة داخل الثورة التاريخية، واستئناف عملية تشييد المجتمع الاشتراكي الاصلي الواقعي، انطلاقا من الجهود الذاتية لابناء الامة الكوبية، دون التقليل من اسهام التضامن القومي الامريكي اللاتيني والثوري الاممي؛ لما فيه خيرها وخير الشعوب المناضلة، المعادية حقأ للامبريالية الصهيونية والرجعية العالمية، وتحقيق الامل التاريخي المنشود، في تحرر وانعتاق الانسان في كل مكان، وانقاذ “مركبتنا الفضائية الوحيدة والملوثة”[6]، من جرائم وفظائع راس المال على نطاق كوني.
مــــــراجـــــــع
1. مداخلة الرئيس راؤول كاسترو امام الجلسة الختامية للبرلمان بتاريخ 12 ديسمبر 2012.
2. مقابلة صحفية مع قائد الثورة التاريخي فيديل كاسترو يوم 3 فبراير 2013.
3. صحيفة غرانما في اعدادها:2، 4،5، 6، 8، 9، 11،16، 20،23 ؛ 24؛ 25 فبراير 2013. التي نشرت اخبارا من اعداد الزميلات والزملاء: سوزانا لي Susana Lee ؛ شييلا ديلغادوSheyla Delgado؛ أولغا رويس Olga Ruiz . جائيما بويغ YAIMA PUIG ؛ ليتيسيا مارتينيس LETICIA MARTÍNEZ ؛ بيدرو دي لا أوس Pedro de la Hoz؛ أرلين ديريفيت Arleen Derivet.
4. خدمات الصحافة الدولية IPS يومي 3 و 4 فبراير 2013.
5. موقع كوبا ديباتي ونشرة “من اجل كوبا” يوم و 19 و 24فبراير 2013.
6. كنعان الالكترونية العدد 2441، بتاريخ 24 ديسمبر 2010.
7. كنعان الالكترونية العدد 3043، بتاريخ 12 نوفمبر 2012.
8. الارشيف الشخصي.