التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

 بقلم د. منذر سليمان

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 22 فبراير 2013

المقدمة

من ابرز القضايا التي اهتمت بها مراكز الابحاث والوسائل الاعلامية على السواء كانت جهود القرصنة الالكترونية، سيما بعد اتهام ضلوع الصين مباشرة في محاولات مكثفة ومتناسقة لاختراق قواعد البيانات والمعلومات للاجهزة والمؤسسات والمراكز الاميركية المختلفة، والتي كشفت عن مفاصل الخلل البنيوي في شبكات المعلوماتية كافة، وعدم نجاعة اجراءات الحماية المتبعة.

سيستعرض قسم التحليل آفاق الازمة والتحديات السياسية والعملية الخاصة بهشاشة البنى التحتية على امتداد رقعة اراضي الولايات المتحدة، والتطرق لكنه منظومة البنى التحتية باكملها – لا سيما التي توفر الخدمات الاساسية لدورة الحياة اليومية، ومقاربة هجمات شاملة لم تعد مسالة نظرية او تخضع لباب التكهن والافتراض.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

                دشن مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي “عسكرة السياسة الخارجية” للولايات المتحدة، كما اشار معهد ابحاث السياسة الخارجية Foreign Policy Research Institute، لافتا النظر الى خطورة ذلك التحول الذي “يحيل القيادات العسكرية ميدانيا الى مغامرين سياسيين.. والذين اضحى بوسعهم التعامل المباشر مع رؤساء الدول الاجنبية.” واضاف ان تعديل وجهة المهام العسكرية أتى بترحيب من الرئيس الاسبق بيل كلينتون “للانخراط عالميا وتعزيز المناخ الامني المتحرر من آليات الحرب الباردة،” وواظب عليه كل من الرؤساء اللاحقين جورج بوش الابن وباراك اوباما.

        تتفاعل ازمة تخفيض النفقات للميزانية العسكرية، التي راهن عليها الحزب الجمهوري سابقا لقصر نظر توجهاته السياسية واعتداد مبالغ بالذات لتلاحقه كابوسا بعد خسارته الانتخابات الرئاسية. واقدم التيار المتشدد في كلا الحزبين الى تعبئة الجهود للتحذير من مخاطر تقليص الانفاق العسكري وتداعياته “على التواجد العسكري الاميركي عالميا، والشرق الاوسط بشكل خاص؛” كما افاد مركز التقدم الاميركي Center of American Progress. واوضح ان “تقليص رقعة انتشار سلاح البحرية الاميركية في الشرق الاوسط سترتد تداعياته على فروع الاسلحة العسكرية الاخرى في المنطقة،” مناشدا صناع القرار بذل الجهود لتفادي التخفيضات المالية التي ستأخذ مجراها تلقائيا مطلع الشهر المقبل.

        اجمعت معظم مراكز الابحاث على ضرورة اتخاذ الولايات المتحدة اجراءات وتدابير فعالة لمواجهة الحرب في الفضاء الالكتروني، خاصة بعد اتهام الصين مباشرة بالقرصنة الالكترونية. اعلان الرئيس اوباما مطلع الاسبوع عن تدابير معززة بالامكانيات الرسمية لم يلق ترحيبا من مؤسسة هاريتاج Heritage Foundation التي اعتبرت منظومة “الاجراءات بانها ترسخ نمطا سلوكيا للامتثال للنصوص، وليس لتعزيز الامن،” محذرة من عدم صلاحية التدابير المعلن عنها والتي عادة ما تتخلف عن مواكبة التحديات.

        انفرد معهد آسبن Aspen Institute بتسليط الضوء على ما اسماه “كيفية تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ولبنان،” مناشدا صناع القرار “الاستمرار في توفير الدعم المالي السنوي المقرر للبنان الذي يبلغ 76 مليون دولار والذي له مفعول الحفاظ على الصداقة الاستراتيجية في الشرق الاوسط.” واوضح ان مهمة الولايات المتحدة هي في الاشراف على “اعادة بناء القوات العسكرية اللبنانية.. التي من شأنها اضعاف شرعية حزب الله والضغط عليه للتحول الى منظمة سياسية بدلا من بنيته العسكرية.”

        اتهم معهد واشنطن Washington Institute كلا من ايران وحزب الله “تعزيز التجهيزات العسكرية (المشتركة) لمواجهة حالة الفوضى الطائفية التي من المرجح لها ان تسود سورية بعد رحيل الاسد.” وزعم ان حزب الله “سيقدم على تصرفات هي اقرب الى المحافظة على المصالح الايرانية حتى وان تعارضت مع المصالح اللبنانية ومصالح الحزب عينه.”

        استبق معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War اصدار تقريره المقبل بعنوان “نظام الاسد: من مكافحة التمرد الى الحرب الاهلية،” للطعن في “تشكيلات وعقيدة الجيش السوري القتالية.” واوضح ان القوات السورية “يشهد لها بالانضباط والالتزام.. على الرغم من سجل ادائها البائس نسبيا امام الاسرائيليين.” واستدرك بالاشادة الى حالة “تماسك الجيش واستمراريته في الحفاظ على قدراته اللوجستية خلال الانتفاضة الراهنة اتساقا مع سمعته.”

        اعرب المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي JINSA عن اعتقاده بأن مصر مقبلة على مرحلة تنهار فيها بنى الدولة والتي “لن يكون بوسع القوة الدولية الاعظم تفاديها دون ضخ مساعدات مالية هائلة والتي يبدو انها تقع خارج سياق الواقعية السياسية.” وناشد الادارة الاميركية حصر تدخلها في الازمة المصرية “والحيلولة دون تفاقمها الى كارثة أمنية اقليمية.. والعمل الدؤوب لحرمان الارهابيين استغلال حالة عدم الاستقرار السياسي..”

        حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS من تداعيات “الربيع العربي” على كل من قطر والسعودية، سيما وان الاخيرة “مهددة بخسارة اكبر من الاولى جراء هبوب رياح التغيير الثوري،” كما جاء في الاصل. واوضح ان سياسات الطرفين تبدو متطابقة في معظم القضايا “باستثناء الموقف من (تنظيم) الاخوان المسلمين الذي تنظر اليه السعودية بمنظار الريبة مقابل احتضان قطر له.”

        وناشد المركز (CSIS) دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز الجهود المشتركة بغية “الارتقاء الى هيكلية امنية اكثر فعالية.. سيما وانها مجتمعة تنفق اموالا ضخمة على تحديث قواتها العسكرية وقوى الامن الداخلي اضعاف ما تنفقه ايران على تحديث قواتها العسكرية برمتها.” وحذر من استمرار دول المجلس في وتيرة “الانفاق السخي على التسلح بمعزل عن تكامل القدرات القتالية فيما بينها.. والعودة للتركيز على اولويات المهام المرجوة” والتي ان استمرت كما هي عليه حاليا “سيفقد كل من مفهوم الردع والدفاع مصداقيته” في الاقليم.

        زعم معهد واشنطن Washington Institute ان ايران تعاني من “خلافات وانقسامات داخلية والتي خرجت الى العلن يصعب السيطرة عليها” على خلفية المفاوضات النووية المقبلة. وسخر من تصريحات المرشد الاعلى علي خامنئي الموجهة للدول المعنية ومفاضلتها “اما الموافقة على عرض مجز لحل المسالة النووية او تحمل تداعيات ذلك.”

        في سياق متصل، رحب المجلس الوطني للايرانيين الاميركيين National Iranian American Council بمشروع قرار يتم تداوله في مجلس النواب يحث فيه الرئيس اوباما على تعيين مبعوث خاص للحل الديبلوماسي مع الحكومة الايرانية، ومناشدته رفع الحظرعن اللقاءات الرسمية مع ايران الذي “يحرم المسؤولين الاميركيين من لقاء نظرائهم الايرانيين.”

        وفي السياق عينه، طالبت مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies الولايات المتحدة اتخاذ اجراءات جديدة مشددة “بغية عزل ايران اقتصاديا.. لا سيما وان ايران استطاعت تحويل ارصدتها العالمية بمليارات الدولارات الى عملة اليورو” التي ينبغي تقييد حركتها.

التحليل:

 تبادل الاتهامات الدولية بمسؤولية الهجمات الالكترونية:

آفاق هجوم الكتروني محتمل على المؤسسات الاميركية

المناخ السياسي الاميركي ملبد بالقلق جراء امكانية تعرض البنى التحتية بكاملها الى هجمات الكترونية تنذر بتوقف وشلل تام لحياة البذخ والرخاء والرفاهية الاقتصادية، يستشعره الانسان العادي قبل السياسي والاكاديمي. بل من دواعي الارتباك الخشية من ارتداد سياسات الهيمنة على العالم الى الاراضي الاميركية، واطلاق المؤسسات الحاكمة تحذيرات متباينة لكنها جلية في عدم قدرتها على التفاعل او الرد او التأقلم مع المتغيرات، بل عدم قدرتها على التحكم بمسار الاحداث، ولا يختلف الوضع عما آل اليه الجهد العسكري الاميركي المباشر في الميدان.

         ربما هي المرة الاولى منذ طي صفحة الحرب الاهلية قبل 127 عاما التي يجري فيها الحديث عن تعرض المؤسسات الاميركية وبناها التحتية لشلل تام وعلى الارض الاميركية بالذات، سيما وان هيكلية البنى التحتية المقصودة تعتمد بصورة شبه تامة على التقنية الحديثة لتشغيلها، والتي تشمل: شبكات توليد وتوزيع الطاقة، السدود والمرافق المائية، القطاع المصرفي الهائل، القطاع التجاري بكل تشعباته واختصاصاته، وكل من له دور في المؤسسات الامنية والعسكرية المختلفة.

         اعلاميا، تصدرت صحيفة نيويورك تايمز مطلع الاسبوع اثارة “تنامي التهديد من هجمات الكترونية ضد الولايات المتحدة،” معتبرة ان مصدرها الجيش الاحمر الوطني في الصين، والتي تجلت بتداعيات ملموسة في عموم شبكات الحواسيب الالكترونية التي تتحكم بمناحي الحياة اليومية – بدءا من قطاع الامن والدفاع القومي الى القطاع المصرفي ومعلبات المشروبات الغازية وما بينها. تلتها ايضا صحيفة واشنطن بوست لتؤكد ان “كل ما له علاقة بمسار الحياة اليومية في واشنطن قد تم اختراقه،” لا سيما مراكز الابحاث كافة ومقرات المحاماة المنتشرة بوفرة والشركات العاملة في القطاع العسكري، الخ.

        للدقة، فان الهجمات المنظمة والمنتظمة المشار اليها لا ترتقي الى مستوى تصنيفها هجمات الكترونية، بل هي اقرب الى سعي “لجس النبض الالكتروني،” لسبر اغوار نقاط الضعف في الشبكات العائدة للحكومة وللقطاع الخاص على السواء، ربما لاستخدامات لاحقة. وتجلى جزء لا باس به من المحاولات بادخال برامج ضارة خفية، فايروس، تتيح للمشرفين على القرصنة منفذا داخليا للتأثير والتحكم بالاجهزة والشبكات بالغة الحساسية في وقت لاحق.

        رسميا، اقرت الحكومة الاميركية ان المحاولات الصينية امتدت للمصانع والموردين لاجهزة الحواسيب للمكاتب والمقرات الحكومية والمجمعات الصناعية الحساسة. كما ان البرامج العائدة للمؤسسات التجارية المصنعة عادة تشكل حلقة الضعف الكبرى لشبكات الحواسيب الحساسة، كما بدا في برنامج “ستكسنت” ضد البنية التحتية لبرنامج ايران النووي.

        عقب تسليط الوسائل الاعلامية الضوء على جهود القرصنة الالكترونية، تبارى الخبراء للاجابة على سؤال بديهي لمدى فعالية الدفاعات الاميركية الراهنة ضدها. النتيجة التي اجمعوا عليها كانت محبطة، بل ان التدابير المتخذة لمكافحة الاختراقات تبدو ضئيلة، حجما وتأثيرا. تصدر الرئيس اوباما جهود بلورة الاشراف على تعزيز الدفاعات الداخلية باصداره قرار رئاسي يحث فيه القطاعين الحكومي والخاص على تبادل المعلومات بينهما، وكذلك تبادلها مع المؤسسات الخاصة التي تقيم سدودا منيعة امام منافسي منتجاتها وخدماتها المتعددة؛ ومن غير المحتمل ان يسفر القرار عن قفزة ملموسة في جهود التعاون والحماية. لعل اهم النواحي الايجابية في القرار الرئاسي اشتراطه بلورة معايير تحدد مصدر الخطر وآليات مكافحته، مع العلم انه لا يشترط على المؤسسات الخاصة وضع تدابير من شأنها توفير الحماية لمنشآت حيوية مثل شبكة توزيع الطاقة.

        وعليه، كيف نرصد التوقعات لما قد تتعرض له الولايات المتحدة لهجمات الكترونية مدمرة. من نافل القول ان البنية التحتية في عموم الولايات المتحدة تجاوزت عمرها الافتراضي، كما ان اغلبيتها تدار من قبل القطاع الخاص (شركات توزيع الطاقة على سبيل المثال) مما يحرم الحكومة المركزية من بلورة وتطبيق تدابير فعالة لمكافحة الخطر.

        بعض جهود القرصنة التي اثمرت اثارت قلق المختصين بنظم الشبكات المعلوماتية لتدبر الامر. واجري تحقيق رسمي عام 2011 للتيقن من السبب الذي كان وراء عطل اصاب آلة ضخ للمياه في محطة عامة للتوزيع بمقاطعة من ولاية الينوي، وهل يقف هجوم الكتروني شنه غرباء وارءه. وفي وقت متزامن، نجح احد القراصنة باختراق شبكة توزيع للمياه في مدينة هيوستن، وتعمد ترك اثار فعلته على شاكلة صور للمعدات الحساسة في الشبكة لتأكيد نجاحه. وعلى الرغم من انه لم يسجل اي اختراق موثق لشبكة توزيع الكهرباء لتاريخه، الا ان انقطاع التيار الكهربائي في عدد من المؤسسات البرازيلية الهامة، بين اعوام 2005 و 2007، اسفرت عن اضطرار عشرات الالاف من السكان البقاء في الظلام يرجح ان قرصنة الكترونية كانت وراء ذلك.

        يذكر ان النظم الصناعية المعتمدة للتحكم في عدد من الشبكات الحيوية اضحت قديمة، والتي تعرف بمنظومة الاشراف والتحكم بالمعلومات، لا زالت تستخدم في قطاعات خطوط الانابيب وشبكات الطاقة والمصانع، والتي تصنعها مؤسسات ضخمة مثل شركة جنرال اليكتريك وسيمنز. الاعتقاد السائد آنذاك ان تلك النظم تحتوي على مكونات تعزز حمايتها وتثبيتها كنظم آمنة، وتم توصيلها لاحقا بشبكة الانترنت وما يرافقها من مخاطر تعرضها للاختراق. بل ان الاجهزة التي تعرضت لفايروس ستكسنت في ايران كانت من تصنيع شركة سيمنز الالمانية.

آفاق هجوم الكتروني يحاكي دمار بيرل هاربر

        اسفر الهجوم الياباني على مرفأ بيرل هاربر في جزر هاوايي، 7 كانون الأول 1941، عن دمار هائل لسلاح البحرية الاميركية طالت قدرته التدميرية قطعا عسكرية كانت ثابتة في مرابضها، ونجاة العجلة الاقتصادية وبنى التصنيع التحتية آنذاك، وتفادي الحاق خسائر بشرية في المجتمع الاميركي. اما شن هجوم الكتروني على الولايات المتحدة في الزمن الراهن قد تفوق تداعياته كل ما تقدم.

        هجوم الكتروني بحجم بيرل هاربر قد يشل المرافق والبنى التحتية الاقتصادية ويترك بصماته على مستوى العيش الراهن للمواطنين الاميركيين. ومن اكثر الاهداف عرضة للهجوم تبرز المناطق الحضرية، خصوصا تلك المقامة على الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة.

        تعتمد الحياة الحضرية اليومية بصورة شبه كلية على توفر متواصل للتيار الكهربائي واتصالات فورية. وقد لا يسبب انقطاع التيار الكهربائي حالة من الذعر بين المواطنين، بيد ان انقطاع مستدام لاجهزة الاتصالات قد يؤدي الى تنامي مشاعر الخوف على نطاق واسع، في ظل عدم تيقن الجمهور من البعد الزمني الذي سيستغرقه انقطاع الكهرباء والاتصالات.

        على سبيل المثال، لو تعرضت شبكة توزيع كهرباء في احدى المدن الرئيسة لهجوم الكتروني سينطوي عليها متاعب فورية نتيجة خسارة الانارة والطاقة للوهلة الاولى والتي ستؤدي لغياب المعلومات تلقائيا. كما من شأنه تعطيل عمل شبكة امدادات المياه التي تعتمد على الطاقة الكهربائية للضخ؛ اشارات المرور ستتعطل ايضا مما يفرض على طاقم الشرطة القيام بمهام تنظيم المرور وتراجع مهمة حماية السلم الاهلي؛ نظم المواصلات العامة سينالها الشلل مما يضاعف حركة المواصلات على شبكات الطرق العامة؛ المحلات التجارية ستفقد قدرتها لادارة معاملاتها المالية الكترونيا؛ محطات توزيع الوقود ستفقد طاقتها لضخ وقود السيارات؛ المحال التجارية وشبكة المطاعم ستتعرض لخسارة مخزونها من البضائع القابلة للتلف بسبب توقف اجهزة التبريد عن العمل. اما تزامن شن الهجوم مع فصل الشتاء فقد يؤدي الى وفاة الآلاف من المواطنين، لا سيما المسنين، بسبب البرد القارص.

        هجوم الكتروني منسق قد يؤدي لنتائج مدمرة لا ريب، وما على المرء الا تأمل ما قد ينجم عن شن عدد من الهجمات الارهابية الكبرى مقرونة بهجوم الكتروني مركب.

 من باب الافتراض، لنتأمل حيثيات عدة هجمات ارهابية تشن على عدد من المدن الاميركية الرئيسة – باستخدام طائرات مدنية يتم اختطافها على غرار 11 أيلول 2001، سيارات مفخخة بعبوات كبيرة، او هجمات ارهابية تستهدف الفنادق تحاكي ما تم في مدينة مومباي الهندية، يتلوها هجمات الكترونية على شبكات توزيع الطاقة والاتصالات لتلك المدن. اما داخلها، فمن شأن الاضرار الناجمة عرقلة جهود وطواقم الانقاذ. اما في المحيط الخارجي للمدن المستهدفة، فسينتشر خبر الهجمات على امتداد الاراضي الاميركية مجردا من اية تفاصيل دقيقة توضح الى اي مدى بلغ حجم الضرر. وكل مدينة تتعرض لعطل في شبكات الكهرباء والاتصالات سيفترض انها اضحت ضحية هجوم ارهابي.

        الهجمات التالية على المصارف المالية، ان تمت، ستضع مزيدا من العراقيل امام سيرورة الحياة اليومية في ظل تبخر الاموال النقدية من المصارف الآلية. وامتداد الهجمات الى انابيب النفط والغاز ايضا سيضاعف من عراقيل قطاع المواصلات ومفاقمة ازمة التدفئة التي تعتمد فيها المنازل على امدادات وقود الديزل والغاز الطبيعي.

        في حال تعثر جهود الهيئات الرسمية لاعادة تشغيل البنى التحتية واستعادة السلم الاهلي بصورة عاجلة، فمن المرجح تصاعد الاضطرابات المدنية وامتدادها الى مدن الكثافة السكانية والتي سيصبح اهلوها غير قادرين على توفير احتياجاتهم من الماء والغذاء. في هذا الحال، ستجري تعبئة فورية لقوى الحرس الوطني لدخول بؤر الاحتجاجات والسيطرة على الاضطرابات، مما سيفقد المشهد القومي الاشمل من قوى بشرية ضرورية لمواجهة مخاطر اخرى.

        سردية ما تقدم لا تمثل السيناريو الاسوأ من بين الاحتمالات الاخرى، على الرغم من امكانية تعرض مناطق الساحل الشرقي – الشمالي وجنوبي كاليفورنيا الى ضربات موجعة؛ اما المناطق الريفية التي يتضاءل اعتمادها على نظم خدمات وبنى تحتية متطورة قد تبقى في حال افضل. عملية الانتاج الغذائي ستستمر، وان بوتيرة مختلفة، الا ان عددا من العقبات تعترض ايصاله الى مدن الكثافة السكانية. ان القدرة على ضبط الاضطرابات الاهلية والسيطرة عليها واعادة العمل لشبكات الطاقة والمياه ونقل المواد الغذائية خلال فترة زمنية معقولة ستحدد حجم التداعيات طويلة الامد الناجمة عن شن مثل تلك الهجمات.

        عمليا، واستنادا الى الاجراءات المتخذة بعد اعصار “ساندي” المدمر الذي ضرب اجزاء كبرى من الساحل الشرقي للبلاد، فان بؤس اداء الهيئات الرسمية لمواجهة كارثة الاعصار تضعها جميعا في دائرة التقصير. اذ تم التنبؤ مسبقا بالاعصار ومساحة دائرة المناطق المهددة، والنتيجة كانت انهيار البنى التحتية وتعطل الخدمات لفترة زمنية امتدة لعدة اسابيع. وعليه، يمكننا القول ان اداء الدوائر والهيئات والاجهزة الرسمية لتوفير الخدمات الرئيسة ستبقى بالغة الصعوبة عند مواجهتها كوارث تمتد على رقعة جغرافية اوسع.

        تعرض الاراضي الاميركية لهجمات الكترونية خرج من دائرة التكهن منذ زمن. اما وسائل المواجهة للحد من التداعيات القاسية لهجوم منظم فهي مقرونة بقدرة المؤسسات الخاصة المعنية بالبنى التحتية على توزيع الخدمات العامة، وقابليتها لاتخاذ تدابير صارمة لتعزيز دفاعات شبكاتها الالكترونية – التي تمثل خط الدفاع الاول. وما يليها من منظومة دفاعية للتعامل مع الكوارث والطواريء يستند بشكل رئيس الى قدرة الهيئات والاجهزة الرسمية، مركزيا ومحليا، للحد من التهديدات المحدقة بالبنى التحتية عند تعرضها للهجوم، واعادة العمل الى مستوياته الطبيعية في اقصر فترة زمنية ممكنة. حقيقة الامر، ان الاجابة الصريحة لكلتا المهمتين المذكورتين يشوبها عدم اليقين والريبة.

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com