ما هي القيمة الحقيقية للقرار الاميركي بتسليح المعارضة السورية ؟

العميد د. امين محمد حطيط

 

 في نهاية لقاء “اعداء سورية” في روما خرج الاميركيون وتبعهم الاتحاد الاروبي بموقف شاؤوا منه ان يشكل صدمة تحرك المشهد السوري لصالحهم ويخدم عمليات الارهاب التي تقودها اميركا في سورية منذ سنتين، موقف تمثل بالاعلان عن دعم ما اسمي “المعارضة السورية” ب ستين مليون دولار، وتزويدهم بمعدات عسكرية وصفت بانها “غير قاتلة” وبرر القرار بالقول انه اعتمد بغية تعزيز قدرات المسلحين لاقامة التوزان في الميدان السوري بما يضمن لهم ارجحية ما في المواجهة ضد الدولة.

لقد اثار الاعلان الغربي التساؤل حول حقيقة الموقف الغربي من مسار الازمة السورية الان، خاصة و انه اوحى بتناقض وازدواجية واضحة حيث تعلن الرغبة في حل سلمي من جهة وتتخذ القرارات التي توحي بتأجيج الصراع من جهة اخرى، فما هو الاتجاه الحقيقي للموقف الغربي ؟

 لمعرفة الاهداف والغايات التي رمى القرار الاميركي الى تحقيقيها لا بد لنا من اعادة التذكير اولاً بان ما يجري في سورية وان كان في شق منه متعلق بمسألة داخلية ومطالب اصلاحية تخص السوريين، فانه في شقه المدمر والعدواني لا علاقة له بسورية ولا بحقوق الشعب السوري المشروعة، لا من قريب ولا من بعيد وهو من طبيعة الاهداف الاميركية التي تتجه الى تدمير سورية وشطبها من الخريطة الاستراتيجية للمنطقة ان لم تستطع الحاقها بسياستها. تنفيذا لهذه السياسة كانت اعمال العنف و القتل والارهاب والتدمير التي مارستها جماعات مسلحة في معظمها غريبة عن سورية، حيث حشدت وزجت في الميدان لتنفيذ الاهداف الصهيو- اميركية، جماعات ما كان لها ان تصل الى سورية لو لم تكن هناك خطط محكمة تديرها جهة قادرة وفاعلة بحجم اميركا، اذ كيف لنا ان نصدق النجاح في تحشيد 120 الف مسلح وانتقالهم من 29 دولة في معظمها تابعة وخاضعة كليا للقرار الاميركي، ووصولهم الى سورية عبر تركيا العضو في الحلف الاطلسي، او الاردن المعروفة الارتباط والتبعية بالسياسة الاميركية او عبر لبنان حيث يعمل فريق سياسي مرتبط بالسياسة الامريكية لتسهيل وصول الارهابيين عبر الحدود البنانية الى سورية. اما التمويل والتجهيز فالكل يعلم بان مصدره دول عربية لا تحرك ساكنا الا بقرار اميركي.

 نذكر بهذا لنخلص الى القول بان اميركا لم تنتظر مرور سنتين حتى تقرر تسليح ما اسمته المعارضة السورية، وتحشيد المرتزقة والارهابيين للعمل ضد سورية و حكومتها الشرعية، فاميركا تعتبر وفقا لكل المعايير القانونية والشرعية والاخلاقية هي المسؤولة عن عسكرة الساحة السورية، وهي التي اعتمدت الارهاب طريقا لتحقيق اهدافها والنيل من النظام المقاوم القائم في سورية. وبالتالي فان الاعلان الاخير لا يقدم جديدا من الناحية الميدانية ولا يغير في موازين القوى في شيء، ثم ان من المضحك القول بالسلاح او التجهيزات غير القاتلة، لانه بالعرف القانوني والعسكري يعتبر قاتلا ويلعب دورا في الجريمة كل وسيلة او اداة تمكن المجرم من تحضير جريمته وتنفيذها ثم تمكنه من الافلات من الملاحقة والتعقب او تحميه خلال التنفيذ وبعده، وبالتالي تعتبر ادوات مسهلة للاجرام والارهاب وادوات اجرامية كل التجهيزات التي وعدت اميركا بتوفيرها للارهابيين من قبيل المناظير الليلية العاملة بالاشعة تحت الحمراء والسترات الواقية من الرصاص والعربات المدرعة ووسائل الاتصال المتطورة، اذ ليست هذه الوسائل من اجل اعمال النزهة والترفيه بل انها ادوات يحتاجها الارهابي لرفع مستوى احتمال للنجاح في اعداد عمليته الارهابية وتنفيذها ضد رجال الدولة والابرياء المدنيين على السواء.

وبعد هذا التوضيح نعود الى السؤال بحثا عن سبب الاعلان الاميركي اليوم والقرار العلني بدعم المسلحين عسكريا وماليا، وهنا يقودنا البحث الى تحديد اهداف ثلاثة رمت اميركا الى تحقيقها من هذا الاعلان كالتالي:

1) تريد ان اميركا ان تتنصل من المسؤولية عن عمليات الارهاب التي جرت على الساحة السورية خلال نيف وسنتين، وان تقوم بعمل يشكل استكمالا لخطوة سبق واتخذتها يوم صنفت ما يسمى “جبهة النصرة” تنظيما ارهابياً، فجاء قرارها اليوم ليعلن انها حتى الان لم تنفذ اي عملية تجهيز وامداد للارهابيين بالسلاح، لكنها ستفعل تحت سقف تجنب الاستعمال القاتل، وهذا موقف لا يمكن ان يقنع عاقلا لان كل ما يساعد المجرم على جريمته يعتبر اداة جرمية، ثم الا تعتبر اميركا سلوكها انتهاكا للقانون الدولي وتدخل غير مشروع في بلد ذي سيادة، ومن جهة اخرى كيف تعيب اميركا على دول معينة دعمها للمقاومة في وجه اسرائيل وتصنفها دول داعمة للارهاب، وتقوم هي بدعم الارهابيين الذين يرتكبون الجرائم في بلد لا علاقة لهم به وهي تعلم ان نسبة 70% من الذين يحملون السلاح في سورية هم من غير السوريين.

2) تريد اميركا ان توجه رسالة دعم وفعل احتضان للمجموعات المسلحة للقول بانها لا زالت معهم وتدعهم وانها لم تتخل عنهم في الفترة الراهنة التي بدأت تحضر فيها لمفاوضات دولية من اجل تحضير البيئة للحل السلمي التفاوضي الذي يعمل على ارسائه في سورية، وتخشى اميركا ان يتفرق جمع ارهابييها قبل انعقاد جلسات التفاوض فتقد اوراقها التفاوضية الاساسية، لاجل ذلك خصصت المرتزقة والارهابيين ومن اسمتهم بالمعارضة السورية، خصصتهم ب 60 مليون دولار ووعدتهم : بالتجهيزات “غير القاتلة” وهي منحة اميركية لابقائهم ورقة حية فاعلة في يدها لاستعمالها في الوقت المناسب على طاولة التفاوض.

3) تريد اميركا ان توجه رسالة الى سورية للضغط عليها وعلى محورها الاقليمي وجبهتها الدولية مفادها القول بانها لا زالت عاقدة العزم على دعم العمل المسلح وان عدوانها لا زال قائما وانها لم تسلم بالهزيمة، عمل تتوخى منه تفعيل موقعها التفاوضي ويتقاطع من جانب اخر مع ما ذكرناه من رغبتها في الاحتفاظ بورقة الارهابيين كورقة تفاوضية. كما انه يلتقي مع التسريب الاخير حول الزام الاردن بفتح معسكرات التدريب النوعي لعناصر ما يسمى “جيش سوري حر”، من اجل استعمالها مستقبلا نواة التدخل الاميركي في بنية الجيش العربي السوري كما و تعول عليها في لحظة معينة للعمل في محاور محددة داخل سورية بغية تحقيق انجاز ما في الميدان بعد ان تمكن الجيش العربي السوري من تحقيق انجازات هامة و مؤثرة بشكل اكيد على مسار العمليات خاصة في الاسبوعين الماضيين. حيث استمر في دفع الارهابيين في الخط الانحداري ما جعل اميركا تخشى ان تصل الى طاولة التفاوض دون ان يتبقى لها في الميدان ما تفاوض عليه.

وعلى ضوء ذلك لا نرى قيمة عسكرية و ميدانية حقيقية للاعلان عن القرار الاميركي بدعم المسلحين في سورية، فالدعم كان قبل القرار ولا نتوقع ان يتوقف قبل ان تنتهي العملية التفاوضية التي بدء بالتحضير لها، ورغم انه قرار يخرق كل قواعد القانون الدولي و الاخلاق و مبادئ الانسانية و سيادة الدول، فانه لن يشكل عائقا مؤثرا امام التحضير للمفاوضات الدولية حول سورية رغم ما قد قد يسارع اليه البعض بالقول انه قد ينسف المرحلة التمهيدية الاعدادية للمفاوضات. خاصة والمطلع على طبيعة العمل السياسي والاستراتيجي، وكيفية ادارة القيادة الاميركية لسياستها الخارجية، يدرك بان اميركا تعمل دائما وفي حد ادنى على محوريين وتراهن على حصانين، هذا في العام، اما الان وفي سورية فان اميركا لو كانت تثق و بمستوى معقول بامكانية تحقيق اهدافها عبر الارهاب في سورية، لما كانت فتحت الباب او اطلقت اي اشارة برغبتها بالحل السلمي ولكنها ايضا لا تستطيع وفقا لفلسفتها السياسية ان توحي للخصم بان الحل السلمي – بعد العجز عن العسكري – هو السبيل الوحيد المتاح لها، من اجل ذلك نراها وفي الوقت الذي اعلنت فيه قرار الدعم وتسليح الارهابيين، اعلنت عن اتفاق اميركي روسي عن تكثيف العمل بين وزارتي الخارجية في البلدين للبحث عن عناصر واقعية لحل الازمة السورية سلمياً، ليكون الملف جاهزا في اخر الشهر الحالي امام بوتين واوباما للسير به.

وفي المحصلة نعود و نؤكد على ان العدوان على سورية اخفق وبات المعتدي على قناعة من ذلك وعلى قناعة من ان المخرج الذي يحفظ له ماء الوجه لن يكون الا سلمياً، وان تهيئة البيئة لهذا المخرج بدأت بشكل جدي لن يؤثر فيه معسكر يفتح هنا او مال يدفع من هناك او منظار ليلي او عربة مصفحة وعد الارهابيون باستلامها.