عبداللطيف مهنا
موعد زيارة الرئيس الأميركي لفلسطين المحتلة والمنطقة يقترب. كأي زيارة شبيهة، التحضيرات لها في واشنطن وتل أبيب جرت وتجري على قدمٍ وساقٍ. وكالعادة أيضاً، تأتي ما تسبقها من التسريبات الإعلامية الهادفة للتهيئة لها وكواحدةٍ من سبل تسهيل تحقيق الغرض منها. نحن هنا لسنا بصدد التعرُّض لكنه العلائق الإستراتيجية أوشبه العضوية التي تجمع بين المركز وثكنته المتقدمة في المنطقة، فهذا حديث يطول. ولن نلقِ بالاً إلى بعض الطارىء من التباينات أو التجاذبات الآنية والهامشية التي قد تغشاها أحياناً وبما لايمس جوهرها دائماً، فهذا لايجدي. سنقصر حديثنا على الجانب المتعلق بالملف الفلسطيني للزيارة، بمعنى هذا المتعلق بمسارات محاولات تصفية القضية، والذي لطالما كان على رأس أولويات أي زيارةٍ من هكذا زيارات.
الأميركان والصهاينة أساتذة بحكم العادة في بث التسريبات بهدف إشاعة المناخات الإيهامية المساعدة على تعبيد الطرق الإلتفافية أمام إستهدافات تحركاتهم هذه. وهم على خبرةٍ طويلةٍ أمتدت لأكثر من عقدين بكيفية التعامل مع العقل التسووي الفلسطينيني، وبالتالي، هم يجيدون فن تزويدة بالأوهام المناسبة مع أية خطوةٍ تصفويةٍ ينتوونها، يشجعهم على هذا أن من عادة هذا العقل أنه يصر، لاسيما في زمن الإنحدار والعجز، على إستدرار الأوهام التي يشتهيها في حالات إنقشاع ضبابها. الأمر الذي دأبوا على تبادل الأدوار أوالتناوب في تغذيته، وغالباً ما كان هذا بمساعدةٍ أوروبيةٍ حاضرةً آن يؤون طلبها.
ماأن أُعلن عن الزيارة، وحتى بدون تسريبات، حتى خفت جاري حديث “المصالحة” وتراجعت حكاية “الوحدة الوطنية” وذوى فائض الحماسة المفتعل لهما. بات إنتظار ماقد يأتي به غيث هذه الزيارة المأمول هو الحال. حلم العودة الى طاولة المفاوضات الحيي طغى فجأة على جلبة المصالحة العتيدة، ولم تلبث التسريبات الأميركية والصهيونية الهادفة لاحقاً من فعل فعلها. سرَّع منها ما يخشى من جديدٍ فلسطينيٍ قد يقلب حساباتٍ طال الركون إليها. إنه إندلاع وشيك، أو لن يطول انتظاره، لانتفاضةٍ ثالثةٍ قد لاتجدي كل العوائق المانعة حتى الآن في الحؤول دونها. إنه الأمر الذي لابد من محاولة واشنطن وتل أبييب ومن تمونان عليهم منعه. لذا، وكما أشرنا في مقالنا السابق، تم الإفراج عن أموال السلطة مع مطالبتها القيام بالتزاماتها الأمنية، كما بات التلويح بجزرة المفاوضات لناشديها مطروحاً !
“وولد استريت تريبيون” الأميركية زعمت بأن اوباما “يتطلع لجدول انسحاباتٍ” في الضفة و”إنشاء دولةٍ” فلسطينية ٍ”العام المقبل”. ولمن يريد أن يتذكَّر، كانت دولة “العام المقبل” هذه تتردد عادةً في أي زمنٍ يشهد موسماً لضخ الأوهام التسووية، ولايلبث حديثها من ان يسحب من التداول إثر انتهاء قطافه… ونتذكَّر مثلاً، دولة سلام فياض التي منحها صاحبها موعداً في حينه لايزيد على السنتين !
الصهاينة من جانبهم عزفوا على ذات المنوال. سرَّبوا لصحافتهم إسهاماتهم الإيهامية المطلوبة، ومنها، أنه وإكراماً منهم لضيفهم اوباما، ومن أجل عيون المفاوضات، قد يقدمون على بعض الخطوات الدالة على حسن نواياهم التسووية تجاه السلطة القابعة تحت احتلالهم، وهى : التخلي عن سيطرتهم المباشرة على بعض المناطق المسماة “ج” وإلحاقها ب “أ” المدارة من قبل السلطة، أي مالاتعدو مخططين لطريقين لكلٍ من مشروع مدينة روابي المزمع، والمدينة الصناعية في طول كرم، والمصادقة على مخططاتٍ هيكليةٍ لتجمعاتٍ فلسطينيةٍ في منطقة “ج” يعتبرونها غير قانونية وقرروا هدمها، أي الموافقة على ربطها بالبنى التحتية التابعة للسلطة. والإفراج عن عددٍ من الأسرى الفتحاويين من بين 123 أسيرٍ منذ ماقبل أتفاقات أوسلو. وتقديم ذخائر خفيفة يرون أنها قد باتت ضرورية لاستخدامات شرطة السلطة… ترافق هذا مع كلامهم بأن اوباما يتطلع إلى إعلان العودة للمفاوضات من عمان… هذا الفتات، الذي سيقدم للسلطة إكراماً لأوباما أوكقربانٍ لمعاودة المفاوضات التصفوية، هو ذاته ماكان يعرف ب”تسهيلات بلير”، التي وضعها نتنياهو في حينه على الرف والآن آن أوان التلويح بها كطعمٍ قد لا تقاومه شهية تسوويي الساحة الفلسطينية المأزومة والتي هى قاب قوسين أو أدنى من الآنتفاض… ولأنهم أساتذة في المناورات، سارع مكتب نتنياهو للنفي وفي نفس الوقت ربطوا بين مانفوه والعودة “غير المشروطة” للمفاوضات !
… هناك فقرات في خطاب نتنياهوالمتلفز في المؤتمر الأخير ل”أيباك”، تقول : نريد “سلاماً ينهي النزاع مرة واحدة وإلى الأبد”، أي تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، “ويرتكز على الواقع”، اي القبول بتهويد فلسطين، “ويتأسس على الأمن “، ويعني أمن الأحتلال !!!
… لا أعتقد أن مستشاري اوباما سينصحونه بمحاضرة في جامعة بير زيت !!!