فهم حكام وليسوا قادة
عادل سمارة
رغم القول الشائع بأن “هذه لحظة منحظة ولن تكون لحظة أحطَّ منها” يقول العقل والتجربة أن المسألة نسبية والاحتمالات متعددة ولا يمكن التنبؤ بها. حينما جرى تدمير العراق لم يتخيثل كثيرون أن الأمر كان مجرد مقدمة. ولكن حينها تدفقت الجماهير إلى الشوارع استنكارا للعدوان، لكنه استنكار سلبي أي مجرد تفجُّعات لا فعل. والفعل بمعنى اقتلاع كل ما هو غربي راسمالي من أرض العرب. واشتغل الأعداء على الشارع العربي، وبخيانة من فيالق من المثقفين العرب كطابور “سادس” لأن الخامس دوما مخفي، اشتغلوا لاجتثاث شأفة الموقف القومي من الشارع وتعبئته أو شحنة بغيبيات وهابية وسلفية وحتى صهيونية. لذا، حين دُمرت ليبيا توزع الشعب العربي بين مؤيد وصامت ومشلول. إلى أن كان مشروع تدمير سوريا، فإذا بالشارع بين متطوع يساهم في ذبح سوريا وبين موات كأن الأمر لا يعنيه، وإذا بالطابور السادس يفتك بعقل الجمهور بأشد من فتك أسلحة العدو. وهو فتك لن يتوقف سوى بهزيمة الأعداء وبلا مواربة.
وحينما قرر النظام المصري بعد ناصر الاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي ضجت العرب ضده. إلى أن جاء اتفاق أوسلو فضرب المسألة القومية في الصميم مما شل الرد الشعبي فلسطينيا وعربياً، ودخل الكيان مرحلة الاندماج المهيمن في الوطن العربي. ثم تبع ذلك اتفاق وادي عربة مع الأردن. أما كيانات الخليج، فمارست التطبيع والاعتراف في موقف وسطي بين الطابورين الخامس (تطبيع السعودية) والسادس (تطبيع قطر والإمارات بل وكل حكام الخليج).
أما العامان الماضيان وفيهما كان الحراك العربي، فقد حملا جديداً في جانب ووليد سفاح في جانب آخر. فلم تكتف قوى الدين السياسي في مصر بتكريس كامب ديفيد، بل أوصلت العلاقة إلى رسائل “عاطفية” بين الرئيس المصري شمعون بيرس، وجرى تطويع الإسلام وشل عروبته كي يخدم خيانة قوى الدين السياسي للقومية العربية. وحذت تونس حذو مصر، وصمتت قوى الدين الإسلامي السياسي في القطريات العربية الأخرى عن كل هذا.
وذهب الأمر ابعد، فإذا بهذه الأنظمة وخاصة انظمة قوى الدين السياسي الجديدة (مصر تونس ليبيا) وأنظمة الوهابية تشن الحرب على سوريا. لتؤكد بلا مواربة أن هذا النمط من الإسلام هو نمط معاد للعرب ودوره تفتيت الوطن العربي إلى أصغر منازل عشرية. أنظمة تستمرىء ذبح المواطن والوطن بلا تردد.
تبين هذه الملاحظات بأن الوطن العربي في حالة من الاصطفاف والفرز اللذين لا منطقة رمادية بينهما. اصطفاف تقوده الصهيونية والولايات المتحدة واصطفاف تقوده سوريا. والاصطفافان يشتملان على العناصر الثلاثة: سياسيين ومثقيون وجماهير.
لقد دار الكثير من الاستغراب والنقد والعتب على عدم مشاركة اي حاكم عربي في تشييع الزعيم البوليفاري العظيم هوجو شافيز. ولكن، لا بد من التذكر بأن أشرف ما يمكن ان يقوم به المرء هو مواجهة الذات، وهي المقدمة الضرورية لنقد الذات. ولا معنى لنقد الآخر دون مواجهة الذات ونقدها.
ما تقدم يسمح لنا بالسؤال: ترى، حين يرحل الصهيوني بيرس هل سيتم تنكيس رايات القطريات العربية وإعلان الحداد العام؟ وكم من المقالات سوف يدبجها مثقفو الدرهم والتسوية من رام الله إلى بيروت ومن طنجة إلى مكة. وأخشى إن لم نحطم هذا الحال ان تتدفق جماهيرا معينة إلى الشوارع في حالة اشد تفجُّعاً من تفجعات يرميا.