معقول أمريكا ومعقول الدكتور أحمد يوسف

محمود فنون   

“بين الدكتور أحمد يوسف* في حديث لـ معا” ان هناك اتصالات تجريها الحركة بمساعدة دول عربية واسلامية مثل قطر ومصر وتركيا لاقناع الدول الكبرى والاوروبية برفع اسم حماس عن قائمة الارهاب , موضحا ان تلك الاتصالات لاقت تجاوبا ايجابيا من قبل بعض الدول الاوروبية…”

هذا نص الخبر كما أوردته معا على لسان أحد ناطقي حماس الشيخ الدكتور أحمد يوسف.

ولكن ليس هذا مربط الفرس.

إن الجوهري في الأمر يتعلق بالملامة التي يوجهها الشيخ للدول الغربية ويعتبر أن هناك “خطأ في المعادلة الدولية ” حيث يقول: ” ليس من المعقول ان تدعم الدول الغربية الانظمة الاسلامية في تونس ومصر، وتواصل مقاطعة حماس التي خرجت من رحم هذه التيارات الاسلامية وتبقيها على قائمة الارهاب..هذا خطأ في المعادلة الدولية “

نعم. نعم…هذا خطأ في المعادلة الدولية يتوجب تصحيحه.وإذا كان هذا الخطأ ناتجا عن تياسة وقلة فهم أمريكا والدول الغربية ونتاجا لعجزهم جميعا عن فهم المعادلة،فإن التبعة تقع عليك يا أحمد يوسف لحل هذا الإشكال بصفتك فهمان وفهيم ودكتور قد الدنيا !!!

إنه يتوجب عليك أن “تخطف رجلك “ساعتين إلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وتقوم بتفهيمهم بنفسك ولا تظل تتكل على الدول العرابة التي ذكرت ولا على وساطتها.

يتوجب عليك أن تشرح لهم أن جلدك قد تغير وتبدل وتريهم إياه بنفسك كي يقتنعوا على شكل:

تصريحات لصالح أمريكا.. وتثمينا لدورها في دعم إسرائيل..ودورها في تدمير العراق مكثورة الخير.. ودورها حاليا بإستنزاف سوريا وتجويفها من الداخل… واللوم عليها “على الخفيف “لإنها لم تسارع لقصف سوريا من الجو والبحر والبر.

يمكنك أن تريها جلدك الجديد على شكل تصريحات ومواقف عن نزوع الحركة للسلم “وكما ترضاه إسرائيل ” كما نصح الشيخ حمد في زيارته المالية لغزة.

يمكنك أن تبين سبب قيام أمريكا بدعم الحركات الإسلامية التي ذكرت وأن هذا “توليجا “من الله بعد أن أصبحت الدول الغربية سيوف الله قي الأرض يسلطها على الظالمين كي تمحقهم وتتولى هي بنفسها ظلمنا وقهرنا بشكل أشد، تعبيرا عن” إرادة إلاهية  مكتوبة”. يقول الشيخ الشعراوي :”لا تقلق من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله”

إذن فبيّن لهم أن ما فعلوه بنا في فلسطين والعراق وليبيا وسوريا  هو تنفيذ لإرادة الله.وأن أمريكا مكلفة ربانيا بتنفيذ هذه الإرادة مشكورة ومثابة.

بين لهم يا سيدنا الشيخ أنك تؤمن بكتاب الله، وأن قيام إسرائيل حق وكتبةُ من الله وأن  دعم أمريكا لها هو تنفيذا لوعد الله ولولا ذلك لأزالها العرب الكفرة.واقرأ عليهم ” وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا…” 

وأنك تؤمن أن تجمع اليهود في فلسطين هو قدر رباني كي يتنصّروا ولكن لا تقل لهم بأن المسيح سيظهر ويدعوهم الى الإسلام كي لا يشعروا بالغيظ.

يا سيدنا الشيخ،اسمح لنا أن نقول لك :إن تنازل زمرتك بدعواها الربانية أخطر على الأمة العربية عامة والفلسطينيين خاصة من كل  تنازلات الزمر التي سبقتهم  ! فهل تعلم؟

هل تعلم بأنك تتواطأ مع أمريكا على حسابنا وعلى حساب تضحيات شعبنا وشهدائه؟

يا سيدنا الشيخ،إن تضحيات شعبنا جسيمة وليس الشهداء أكثرها جسامة،وقد جرب الجميع هذه التضحيات والآلام،وجربها أكثر حطب الثورة والكفاح من الجماهير.. ربما انك تعلم مقدار نزيف الأمهات،والأخوات والجدات والآباء الذين يحيطون بالمناضل الذي يتعرض للإعتقال أو الإصابة أو المطاردة والإختفاء أو الشهادة.. ربما أنك تعلم ما يحل بالفلسطيني الذي يصحو وقد هدموا بيته.. استولوا على أرضه..وقد قطعوا شجره وهو قليل الحيل لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى الصراخ.. هل تعلم معاناة الفرقة عند الفلسطيني.. فرقة بسبب اللجوء.. بسبب الإعتقال.. بسبب الشهادة..

هل سمعت عن رجل تشرد إخوته الى لبنان،وكان كلما فاض به الشوق والحسرة يتوجه الى جهة الحدود اللبنانية ويأخذ بالمناداة على إخوته، وبكاؤه وعويله يمللآن الجبال والوديان؟هل تفهم ما حجم ومقدار هذا العناء إن كنت تشعر بشيء بعد أن تغير جلدك؟ هل تعلم معاناة العامل الذي يقطع المسافات متسللا كي يحصل على عيشه وعيش أولاده.

كيف يمكنك حساب الدموع التي جبلت تراب الأرض؟ ما مقدار إحساسك برجل ظل حتى سنوات الستينات يحضر البذور والتقاوي ويشتري أدوات الحرث والعمل الزراعي التي يراها مناسبة وهو يحلم بالعودة الى قريته؟

هل قيمة  مناصبكم وامتيازاتكم  بدون حرية الشعب تعادل شيئا من هذا؟

ما قيمة علوّ منزلتك عند أمريكا الى درجة التابع مقابل كل هذه التضحيات وما شابهها.

ما قيمة المنزلة التي سوف تحققها بحصولك على رضى الأمريكان والدول الغربية الغاشمة؟

أقول لك بأنكم تسيرون على ذات الطريق التي سبقكم اليها السابقون. ولكنكم أشد خطورة على القضية ممن سبقوكم. أنتم تجرون معكم التيارات الدينية وتجركم معها الى هاوية التنازلات عن حقوق شعب فلسطين واستقلال الشعوب العربية وأملها وحلمها في الحرية والوحدة، مقابل وعد بمقاولات الحكم التي ترسو عليكم من عطاءات السيد الأمريكي.

لم يكن تعبير” إرهابي” هو السائد  باللغة العربية،كان قبله تعبير “مخرب” وقد دفع الشعب الفلسطيني الكثير من قضيته بل عانت القضية من الكثير من التبديد مقابل حصول بعضهم على لقب معتدل بدلا من لقب مخرب…

واليوم ما الذي دفعتموه وتدفعوه مقابل وعدكم بالحصول على لقب معتدل؟ ما الذي دفعتموه من روح شعبنا مقابل مناصبكم المزيفة والقابكم الفارغة؟مقابل وعد بشطبكم من قائمة الإرهاب؟..

لقد ضحى شعبنا من أجل حريته من أجل تحرير فلسطين،ولكنه ابتلي بقيادات تقوده ليس الى التحرير بل الى الهوان،ولا يحاسبها أحد على هوانها وتتكلس في الكراسي والمناصب الفارغة الجوفاء،المناصب التي تصبح مؤهلات من أجل تقديم التنازلات.

الشعب الفلسطيني ابتلي بقيادات قادته من هزيمة الى أخرى من مذبحة الى أخرى.هي قيادات فاشلة،واستطاع العدو أن يخرقها ويجندها لتقديم التنازلات تلو التنازلات مقابل سلامة الرأس ومناصب ذليلة.

إن يوما سيأتي وسيكون فيه حساب الشعوب عسيرا                                   يتبع

* د. أحمد يوسف، مستشار الرئيس الفلسطيني في قطاع غزة إسماعيل هنية. (المحرر)