ثورة مصر.. من الديمقراطية إلى التاريخ؟

د. ليلى نقولا الرحباني

على الرغم من صراحته التي تزعج كثيرين، كان لافتاً ما قاله هنري كيسنجر عندما صنّف الثورات بنوعين: ثورات ديمقراطية، وأخرى تاريخية، معتبراً أن ثورة مصر من النوع الثاني، التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، ولم يستفد منها إلا العسكريون و”الإسلاميون”، فالشباب الذين دعوا للثورة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن لديهم خطة واضحة لما بعد الثورة، وفى نهاية الأمر سيندلع صراع بين الجيش وجماعة “الإخوان”.

 بغض النظر عن صحة التنبؤ بأن الصراع سيندلع بين الجيش و”إخوان” مصر بالفعل، أو أن الأميركيين هم من سيغذون هذا الصراع ويفجرّونه، لكن من المهم لفت النظر إلى تصنيف “الثورة التاريخية” التي لا تترك في أعقابها إلا الدمار، وهو ما يبدو بالفعل من كل “ثورات” الدول العربية التي باتت تعاني من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والكثير من العسكرة المعلنة أو المضمرة.

 وإذا كان لا بد للعالم العربي من مراجعة نتائج ثوراته لتقييم نوع تلك الثورة بحسب تصنيفات كيسنجر، فيمكن القول إن الحقائق المصرية تشير إلى ما يشبه كارثة تحكمها أزمات هائلة أهمها:

–       أزمة اقتصادية تؤشر إلى ما يشبه الكارثة، فالاحتياطيات الرسمية المصرية من العملة الصعبة تدنت في شهر شباط الماضي إلى 13.5 مليار دولار، وهي ما يكفي لتغطية واردات شهرين أو أشهر ثلاثة فقط، وهو ما يشير إلى كارثة اقتصادية قادمة، بالإضافة إلى أزمة النقص الشديدة في الوقود، والتي أنتجت أزمة هائلة في قطاع النقل، وإلى توقف الكثير من مخابز الخبز وغيرها من القطاعات الحيوية، إضافة إلى توقف قطاع السياحة، خصوصاً بعد الثورة والتوترات الأمنية، والتصريحات المتطرفة.

–       معارضة داخلية سياسية شرسة تتكئ على حجم شعبي لا بأس به، وتستطيع معه أن تبقي الحكم غير مستقر سياسياً وفاقداً الشرعية التامّة، خصوصاً مع تململ وثورة القضاء والقضاة على ما اعتبروه هيمنة وتدخل في شؤون السلطة القضائية من قبَل “الإخوان”.

–       صراع مكبوت وتنافس بين الجيش و”الإخوان”، يغذيه شعور كل طرف بدعم أميركي، ويقابله استياء من قبل أفراد وضباط الأمن من سلطة “الإخوان” وهيمنتهم.

–       منافسة واضحة بدأت تبرز إلى العلن بين السلفيين و”الإخوان”، فقد تقاطعت مصالح الاثنين خلال مسيرة القبض على السلطة، لكن المنافسة بدأت بعد احتكار “الإخوان” للسلطات، وما اعتبره السلفيون “أخونة” الدولة من خلال آلاف التوظيفات “الإخوانية” التي كشف عنها السلفيون من خلال ملف جمعوه من مختلف المحافظات.

–       تسرّب هائل للسلاح إلى الداخل المصري، عبر الأراضي المفتوحة مع دول الجوار، وهو ما يجعل أي انفجار للوضع في مصر قاتلاً ومؤدياً إلى دوامة عنف قد لا تنتهي بسرعة، بالإضافة إلى أزمة عدم الثقة المستفحلة بين أبناء الشعب المصري المتنوع.

 هذه الأزمات الهائلة، ومع إدراك الأميركيين حجم براغماتية “الإخوان”، يمكن أن نفهم زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي أتى إلى مصر لفرض شروط سياسية واقتصادية، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية لن تعوّم على الحكم “الإخواني” بشكل كامل، ولن تسمح بانهياره بشكل كامل، إلى أن يلتزم بالشروط الأميركية، وهي تتضمن: الالتزام بأمن ووجود “إسرائيل”، والالتزام بمعاهدة السلام المصرية “الإسرائيلية”، والالتزام بأدوار إقليمية يتفق عليها بين واشنطن والقاهرة، ضرورة قبول مصر بالشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي.

 الحقيقة المرّة التي يعانيها العالم العربي، أن ثوراته بالفعل تاريخية، وأن الثورات التاريخية تلك وكما يظهر لغاية الآن، يبدو أنها ستعيد المجتمعات إلى ما قبل التاريخ، وهو ما قد يخدم المخطط الغربي بجعل “إسرائيل” قبلة أنظار الغرب في ديمقراطيتها وتطورها في شرق يعيش التخلف والجهل والاستبداد.