تقدير موقف بعد 65 عاما من الإحتلال
خليل نخلة
(17.3.2013)
لقد عدت للتو من حضور المؤتمر الثاني للمجلس التربوي العربي حول “المناهج الرسمية في التعليم العربي: دراسات نقدية وسياسات بديلة”، المنعقد في مدينة الناصرة في 16.3.2013. ركز المؤتمر على إستعراض أربع دراسات “نقدية” حول المنهاج الدراسي في المدارس العربية في أربعة موضوعات: اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والمدنيات. تم تقديم هذه الدراسات والتعقيب عليها من قبل أكاديميين عرب فلسطينيين هم جزء من النظام التعليمي الإسرائيلي. كما يجدر التنويه بأن “المجلس التربوي العربي” هو منبثق عن “لجنة متابعة قضايا التعليم العربي” في “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية”. أي بمعنى آخر فإن “المجلس التربوي العربي” هو جسم شبه رسمي تحت هيمنة “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، التي يكون حزب “راكاح” عمادها.
بالرغم أنه يوجد لدي إطلاع واسع ومعرفة عميقة حول الموضوعات التي ركز عليها المؤتمر، إلا أنني كنت معنيا جدا بالحضور لتقييم البيئة الفكرية المحلية التي تطرح فيها هذه الأمور، ولكي لا يصبح بيني وبينها قطيعة، إذ كنت قد بدأت بدراسة هذا الموضوع في العام 1975 عندما كنت محاضرا ضيفا في جامعة حيفا. ومن هنا، فهذه المداخلة ليست محاولة لمراجعة التقارير التي قدمت أو التعقيب عليها، ولكنها محاولة شخصية لرصد بعض الملاحظات التي تم التعبير عنها خلال المؤتمر، والإرتكاز عليها، والإنطلاق منها، كقاعدة لتقدير الموقف الحالي للعرب الفلسطينيين المقيمين بشكل مستمر تحت هيمنة الكيان اليهودي-الصهيوني.
بعد أن تركت قاعة المؤتمر، تأملت في وضعنا الحالي، وإلى أين وصلنا كفلسطينيين في هذا الكيان، بعد 65 عاما من الإحتلال والهيمنة وممارسة العنصرية ضدنا. يبدو لي أن هذا الجزء من الشعب العربي الفلسطيني يمر في ثلاثة مراحل:
- · مرحلة النكران والتأقلم
- · مرحلة الإدراك المعرفي الحياتي المعاش
- · مرحلة التغيير.
كنت واثقا، وأنا أستعيد النقاش في المؤتمر، وأنطلق منه لتعميمات أوسع، بأن هذا الجزء من الشعب الفلسطيني، الذي ولد بجله الأكبر بعد إحتلال 1948، أي في إطار “دولة إسرائيل” والمجتمع اليهودي الصهيوني، هو الآن، أي بعد 65 عاما من الإحتلال والهيمنة العنصرية، يمر في المرحلة الثانية، أي مرحلة الإدراك المعرفي الحياتي المعاش. فبعد أن مر جيل أو جيلان من الذين ولدوا قبل الإحتلال، وبقوا عائشين على أرض فلسطين المحتلة في 1948 في ظل النكبة، في مرحلة من ‘النكران والتأقلم‘ ، يأتي الجيل الجديد ليعبر عن إدراكه بأنه يخضع لحالة من التمييز العنصري المعاشة يوميا، وفي كل مجالات الحياة، فقط لأنه غير يهودي! أنا، مثلا، شاهد لإدراكات من هذا القبيل من أطياف متنوعة من الناس، وخصوصا أولئك الذين “يسري التطبيع في عروقهم”، لإستعمال مصطلح زميلي عادل سمارة. هذا الإدراك ليس آنيا ولكنه إدراك تراكمي يمتد لسنوات طويلة وفي عدة مساقات ومجالات: من عدم السماح للقرى والبلدات العربية الفلسطينية بالتوسع لتوفير أماكن سكن للأجيال الشابة وحتى المناهج التدريسية في المدارس العربية. وهنا أعود إلى نقطة البداية، أي المحفز الذي شدني لكتابة هذه المداخلة، والذي يؤشر إلى ضرورة بداية المرحلة الثالثة.
في إفتتاح المؤتمر عبر السييد محمد زيدان، رئيس “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية”، عن عدم قناعته بأن هذه الدراسات ستغير في واقع التعليم العربي ما دام نظام التعليم العربي يخضع لسياسات رسمية عنصرية، وأنه ينبغي العمل على تغيير هذه السياسات. أثارت هذه الملاحظة بعض النقاش حول إمكانية التغيير.
من الواضح بأن هناك إدراك واعي للمسببات الحقيقية التي تحول دون تطوير تعليم اللغة العربية، مثلا، كمعير عن الهوية الوطنية والإنتماء القومي، كما هو الحال بالنسبة لنوع التاريخ والجغرافية التي تدرس في الكتب المدرسية. وأن هذه المسببات تتمحور، أولا، في السياسات والإستراتيجيات التي تحدد بشكل مدروس مضمون ثقافة وإنتماء الجيل الجديد، وثانيا، في الآليات والأدوات المحلية—أي المعلمين/ات—التي تطبق هذه السياسات في المدارس. وهذا هو المستوى الأساسي الذي ينبغي أن يستهدفه التغيير—إن ومتى يحدث. لدي شعور بأن هذا هو لب المرحلة الثالثة، وربما سيتطلب جيلا أو جيلين، ولكنه آت لا محالة!