التقرير الأسبوعي لمراكز الأبحاث الاميركية

د. منذر سليمان

 

مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

واشنطن، 23 مارس 2013

المقدمة:

        زيارة الرئيس اوباما لتل ابيب ورام الله وعمان شكلت محور اهتمام مراكز الابحاث الاميركية، خاصة في محطته الاولى ولقائه بنيامين نتنياهو والمواضيع المدرجة والمنتظر ادراجها على جدول اعمال لقاءاته.

        سيستعرض قسم التحليل زيارة الرئيس اوباما لتل ابيب، وما رافقها من جدل وتكهنات، للتوصل الى استنتاج بان الزيارة كان ثمة حركة رمزية خلت من اي مبادرات او نوايا لتحركات سياسية ذات شأن، رمت في مجملها الى استعادة ثقة الجالية اليهودية الاميركية بعدما تعرض لانتقادات قاسية منها بغية ابتزازه لاتخاذ مواقف شديدة الميولة للكيان “الاسرائيلي؛” وهي المهمة التي اتقنها ببراعة.

ملخص دراسات ونشاطات مراكز الابحاث

                استبق الكونغرس الاميركي جولة الرئيس اوباما للمنطقة بطرحه مشروع قرار “بوقف كافة المساعدت الاميركية المقدمة للسلطة الفلسطينية ان لم تمتثل لشروط الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وحقها في الوجود وقطع كافة علاقاتها مع حركة حماس،” بالاضافة لشروط اخرى تتعلق بوقف التمويل عن هيئات الامم المتحدة ان اقدمت على الاعتراف بدولة فلسطينية “خارج نطاق مسار التفاوض السلمي مع اسرائيل.”

        معهد واشنطن Washington Institute ايضا استبق الزيارة الرئاسية بمطالبة اوباما ما يتعين عليه القيام به “وطمأنة المواطنين الاسرائيليين بتفهمه لاحتياجاتهم وطموحاتهم .. وينبغي عليه توضيح حدود خطوطه الحمر” بالنسبة لايران، فضلا عن ضرورة تناغم خطابه مع “القلق الاسرائيلي لتكديس حزب الله للاسلحة.”

        مؤسسة هاريتاج Heritage Foundation بدورها ارتات تضمين “سورية وايران” على رأس جدول اعمال الرئيس اوباما، سيما وان “العقوبات المفروضة على ايران لن توقف جهودها” بالمضي قدما في برنامجها النووي. واضافت انه يتعين على اوباما “طمأنة نتنياهو بأن الولايات المتحدة لا تنظر في خفض التزاماتها المالية للانفاق على برنامج الدفاع الصاروخي.” واردفت المؤسسة بأن الولايات المتحدة “لا تنوي اتخاذ خطوات عسكرية” ضد ايران نظرا لوجود فريق الوكالة الدولية للطاقة النووية في البلاد للتحقق من نسبة تخصيب اليورانيوم والا تتجاوز النسبة المحددة. ومضت بالقول انه “يتعين على الرئيس اوباما ادراج القضايا الامنية على درجة عالية من الاهمية فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي وسورية .. اذ ان تلك القضايا تشكل تهديدات فورية بالغة الخطورة بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل والاردن،” وعليه ايضا “انهاء التهديد الارهابي (لحركة) حماس بشكل حاسم.”

        معهد كارنيغي Carnegie Endowment ايضا تطرق لزيارة اوباما للمنطقة، معربا عن اعتقاده “تدني اولوية العملية السلمية في جدول الاعمال .. كما لا يوجد مؤشر يوحي ببذل وواشنطن جهودا ملموسة للتوصل الى حل للنزاع العربي الاسرائيلي .. بل تتسم زيارته بنيته للاصغاء، التي لا تقنع احدا.” وطالب الرئيس اوباما النظر مليا في “اوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال” عند توجهه للشق الآخر من الجدار الفاصل “للدلالة على الحاجة الملحة” للفعل الاميركي حيالهم، اذ “امامه احد خيارين: اما التركيز على قضايا اخرى في نقاشاته او التمهيد لاطلاق مبادرات ملموسة.”

        وانضم معهد بروكينغز Brookings Institution الى جوقة الواعظين حاثا الرئيس اوباما على “ضرورة طمأنته الجمهور الاسرائيلي بانه يقف معهم سدا منيعا فيما يخص أمن الدولة اليهودية .. وينبغي نقاش الخيار العسكري في مواجهة ايران (مع نتنياهو) .. وابلاغ (رئيس السلطة) ابو مازن أهمية تجنب اتخاذ خطوات احادية في الامم المتحدة ولدى محكمة الجنايات الدولية مقابل تقييد اسرائيل حركة نشاطاتها الاستيطانية.”

        سورياً، اثنت مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies على مشروع قرار مقدم لمجلس الشيوخ يطالب الرئيس اوباما “فرض عقوبات على اي مؤسسة تتعامل مع المصرف المركزي السوري … وتستلزم تقديم الولايات المتحدة الدعم لاقامة حكومة جديدة في دمشق.”

        استيلاء المسلحين السوريين على مدينة الرقة “شكل معلما بارزا للمعارضة،” كما رأى معهد الدراسات الحربية Institute for the Study of War اذ ساهم في نجاحه “تارجح ولاء الزعامات القبلية والحد الادنى لوجود القوات العسكرية السورية، بدلا من انتصار عسكري ساحق للمتمردين … ومن شأن السيطرة على المدينة امتحان قدرة قوى المعارضة على الحكم.”

        تعيين غسان هيتو رئيسا للحكومة السورية المؤقتة استدعى اهتمام معهد بروكينغز Brookings Institution موضحا ان هيتو “يواجه تحديات وعقبات كبرى في مهامه .. فضلا عن توجس السوريين انفسهم منه شخصيا واتهامهم له بانه ثمة بيدق بيد الاخوان المسلمين.” ودلالة ذلك “وجود قسم من السوريين لا يعارض الحكومة السورية بشكل كامل ولا يدعم ائتلاف المعارضة السورية” في الآن عينه.

         تداعيات الازمة السورية على القطاع التربوي نالت اهتمام معهد بروكينغز Brookings Institution مناشدا الرئيس اوباما تقديم الدعم “لاعادة اعمار النظام التعليمي؛ كونه سيخدم مصلحتنا القومية.”

        رحبت مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies بقرار المحاكم القبرصية ادانة شخص لبناني اتهم بانتمائه لحزب الله، مناشدا دول الاتحاد الاوروبي الاقتداء بالقرار القبرصي لادراج الحزب على لائحة المنظمات الارهابية “خاصة الدول المترددة مثل فرنسا.”

        تصريحات اردوغان للرغبة بالانضمام الى منظمة تعاون شانغهاي امام اصرار الاتحاد الاوروبي على استثناء تركيا من عضويته اثارت شكوك مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS لعدم جديتها “واستبعاد احتمال اعادة التموضع والتحالفات الاقليمية” بين تركيا وروسيا وايران.

        الذكرى العاشرة للحرب الاميركية على العراق كانت حاضرة في برامج مراكز الابحاث المختلفة. معهد بروكينغز Brookings Institution تناول المسالة من الزاوية الانسانية الضيقة مسلطا الضوء على “المشردين العراقيين داخل بلدهم .. بسبب الانتماء الطائفي.” واضاف ان تنامي عدد اللاجئين العراقيين في البلدان المجاورة “لم يعد يلقى اهتماما دوليا .. وسيبقى خارج دائرة الاهتمام.”

        معهد كاتو Cato Institute تناول “الذكرى العاشرة للغزو الاميركي” من باب الكلفة طويلة الامد، مناشدا صناع القرار عدم الانجرار وراء دعوات الحرب سيما “وان تبريراتها لوجود اسلحة دمار شامل او علاقة تربط (العراق) بنتظيم القاعدة اثبتت بالدليل الملموس انها غير قائمة آنئذ او اليوم .. ونشهد راهنا محاولات شبيهة بتلك الايام لشن حرب باتجاه ايران وسورية واليمن.”

        الدروس المستفادة من حرب العراق كانت موضع بحث مؤسسة راند RAND Corporation سيما “الدور الذي قام به المتعاقدون من القطاع الخاص .. ومشاركتهم في العمليات القتالية ربما بمعدلات اكبر من اقرانهم في القوات النظامية الاميركية.” وبناء عليه، استنتج المعهد ان يستمر دور اولئك “في خصخصة العمليات الحربية … ويتعين على الولايات المتحدة حماية مصالحها والتيقن من توفر مستوىً كافٍ من التدريب للمتعاقدين وامتناع ارتكابهم الانتهاكات السابقة بحق المدنيين العراقيين والافغان.”

        مستقبل العلاقات بين الدولة التركية والمواطنين الاكراد حاز على اهتمام معهد بروكينغز Brookings Institution الذي حث تركيا على “السماح لحزب العمال الكردستاني التحول الى حزب سياسي .. كونه يخدم مصلحة الطرفين. كما يتعين على تركيا الافراج عن سجناء الحزب في معتقلاتها،” محذرا تركيا من تداعيات التطورات الاقليمية عليها “خاصة الاوضاع السورية .. مما قد يشجع الاكراد الانتفاض ضدها على غرار ما يجري في سورية.”

        سلطت مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات Foundation for Defense of Democracies الانظار على “توسيع نطاق عمل نظم الدفاع الصاروخي ونشره على الساحل الغربي من الولايات المتحدة،” والذي سيستضيف 14 بطارية اعتراض اضافية  تقام في الاسكا مع حلول العام 2017. واوضحت ان الخطوة “تمثل تطورا في سياسة اوباما للدفاعات الصاروخية” بعد فترة طويلة من معارضته للبرنامج ابان ولايته في الكونغرس الاميركي. واضافت ان “تنامي تهديد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من كوريا الشمالية اسفر عن تحول السياسة الاميركية بتوسيع نظم الدفاعات الصاروخية لديها.”

التحليل:

        زيارة اوباما الخارجية الاولى في عهده الثاني:

أبعد من السياحة واعمق من الاستماع

        تعطل سيارة وموكب الرئيس اوباما في زيارته للقدس المحتلة ربما يرمز الى ما هو ابعد من ثمة عطل ميكانيكي، بل كما اريد منها بالاصل همروجة اعلامية خالية الوفاض من اي خطوات عملية، كما كان يرنو اليه المنخرطون في سياسة التسوية. في الشق المقابل من المشهد الاميركي، يشاطر معظم المحللين والمراقبين الرأي ان زيارته، بل الحملة الاعلامية المكثفة، لم تنطوي على نوايا جديدة بالتحرك لتعزيز جهود السلام في المنطقة، كما يروج السياسيون.

        غياب طابع الجدية والثبات كان طاغيا في زيارة اوباما، التي سرعان ما تحولت الى زيارة استكشافية للمعالم الهامة التي تزخر بها المنطقة. اما الرسالة الخفية فهي التأكيد على دور الكيان “الاسرائيلي” في المنطقة، كركيزة للمخططات الاميركية. ولم يكن بوسع اوباما الا زيارة ضريح مؤسس الصهيونية الاول، ثيودور هيرتسل في القدس المحتلة، والنصب التذكاري الابرز “ياد فاشيم” بالقرب من قبر هيرتسل، ومتحف “اسرائيل” الذي يضم مقتنيات اثرية مسروقة تشمل مخطوطات البحر الميت، والتزلف بوجود اليهود في المنطقة منذ القدم، كما زعم نائب المستشار الرئاسي لشؤون الامن القومي، بن رودس، قائلا ان المخطوطات “تدل على ترابط اليهود القدماء واسرائيل، بالطبع.”

        وحتى لا تضيع فرصة التوكيد المزعوم، انبرى سفير الكيان “الاسرائيلي” في واشنطن، مايكل اورين، للحديث وشرح المخطوطات التي “كتبت قبل 2،000 عام ونيف، بالعبرية على يد اليهود في وطنهم، ارض اسرائيل …”

        لعل الاهم في معالم الزيارة هو ما جرى تجنبه من الادراج على جدولها، اذ رفض اوباما الظهور امام الكنيست والقاء كلمة فيه، اجراء يعد لازمة لكل رئيس اميركي زائر، كما تجنب زيارة حائط المبكى اللازمة الاخرى.

        زخم التغطية الاعلامية رمى لارضاء الجالية اليهودية الاميركية واستعادة ثقتها، سيما بعد تصاعد نغمة النداءات التي تزعم ان سياسات اوباما معادية “لاسرائيل” لتجنبه زيارتها من موقعه الرئاسي، مقارنة مع سلفيه الرئيسين جورج بوش الابن وبيل كلينتون اللذين لم يدخرا جهدا الا وبذلاه في استثمار العلاقة الاميركية الاسرائيلية. بعد انفضاض الزيارة يكون بوسع اوباما اخراجها من حيز التداول والابتزاز.

        شعبية اوباما لدى “الاسرائيليين” متدنية ولم تتجاوز 10%، وفق احدث استطلاعات الرأي، مما يفضي الى القول انه لا يملك الكثير من النفوذ للضغط على الحكومة “الاسرائيلية” لدخول المفاوضات السلمية. اما ان افضت الزيارة الرئاسية عن نجاحها فمن شأنها تعزيز ذاك التوجه، لو اراد، حتى بدون توفر ضمانات لوجهتها النهائية. وبالنظر الى النتائج المخيبة لآماله نتيجة انخراطه المباشر في المفاوضات السلمية ابان ولايته الرئاسية الاولى، باستطاعتنا القول ان اوباما سينأى بعيدا عن الانخراط الفعال، وقد يحيل المهمة الى وزير خارجيته جون كيري.

        وعليه، في ظل غياب مبادرة محددة بشأن الفلسطينيين، ماذا سينتج عن زيارته؟

        بداية، لم يلجأ اوباما الى التعويل على جهود مفاوضات ثنائية تجري بين حكومتين، بل استعاض عنها بالقاء كلمة مباشرة امام حشد من الطلبة الجامعيين في القدس المحتلة، موجها خطابه مباشرة الى المواطنين “الاسرائيليين” والاميركيين.

تبنى اوباما في خطابه الرواية الصهيونية بكاملها لقراءة الصراع العربي-الصهيوني، لم يجد غضاضة او تناقضا بين زعمه التبشيري بديموقراطية  دولة الكيان الاسرائيلي وتأكيده للاعتراف بها كدولة يهودية. ولا يبدو انه يكترث بمصير اصحاب الارض من الفلسطينيين الذين سيتعرضون بالطبع للترحيل من وطنهم.

كما التفّ على موضوع الاستيطان في مسعى لتهميشه، واشار اليه فقط باعتباره عملا “غير بناء اومناسب او يخدم هدف السلام”، اي تجاوز اعتباره امرا محظورا قانونيا لانه تصرف باراضي الغير من قبل سلطة احتلال. وللامعان في التجاوز اشار بصورة واضحة الى ان اي استئناف للمفاوضات المباشرة بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني لايجوز ان يكون مشروطا بوقف الاستيطان، واشار ضمنيا الى ان الاصرار على وقفه يشكل استباقا للحل النهائي، عندما تساءل ماذا يبقى للتفاوض او ما الفائدة من التفاوض اذا تم الاصرار على وقف الاستيطان؟

وكان مستغربا ان لم يكن جهلا او تضليلا مقصودا ان يشبّه اوباما العلاقة القائمة بين الاسرائيليين والفلسطينيين (وهي بين سلطة احتلال وشعب خاضع للاحتلال)  كعلاقة الجار بين كندا واميركا، فهل تحتل اميركا كندا او العكس؟

السفير الاميركي الاسبق لدى تل ابيب، مارتن انديك، هلل لاوباما مبشرا بأنه “نجم فني سيجري استقباله بحفاوة، وسيستطيع العودة الى سابق عهده، الامر الذي يعد بالغ الاهمية. اذ ان الراي العام (الاسرائيلي) سيعاقب رئيس وزرائه لاساءته استخدام العلاقة مع رئيس يحظى بشعبية .. فنتنياهو يتغذى على استطلاعات الرأي عند افطاره، وسيدرك اي تغيير في مسار التوازن” بينهما.

 بما ان نتنياهو قد خرج من توه منتصرا في الانتخابات، فقد انخفض حاجز خوفه من اوباما الذي لا يتمتع بشعبية تتجاوز 10% بين “الاسرائيليين.” من الطبيعي تعويل اوباما على مردود ايجابي لزيارته وتوقع تحسن صورته ولو بشكل مؤقت ان لم يرتكب زلة كبرى. ويدرك اوباما ان عدم الرضى “الاسرائيلي” ليس لتخلف زيارته، بل لكيفية تعاطيه مع الملفات التي تهم “الاسرائيليين.”

تصريحات اوباما في المؤتمر الصحفي المشترك في رام الله، يوم الخميس 21 آذار، بينت بوضوح تقربه نحو الموقف “الاسرائيلي” فيما يتعلق بوضعية المستوطنات التي تفادى وصفها “غير شرعية،” بالنقيض مع سياسة ادارته عينها سابقا. ونعتها بخجل بانها “غير مشجعة،” طمعا في عدم اثارة غلاة اليمين “الاسرائيلي.” بل قطع الطريق على طاقم المفاوضات الفلسطيني الذي يتدثر بتوسيع المستوطنات كذريعة وشرطا للجلوس الى طاولة المفاضات.

تصدرت جدول اعمال لقاء اوباما ونتنياهو مسألتي ايران وسورية، بخلاف توقعات البعض لحضور ملف المفاوضات “الاسرائيلية” – الفلسطينية. ففي سورية، تجري مخاوف من تجدد الاشتباكات على جبهة مرتفعات الجولان، خاصة بعد تعرض مواقع قوات الامم المتحدة للقصف من قبل المسلحين السوريين،  ودخول الاسلحة الالكيميائية ميدان المعارك، بالرغم من تصريحات السفير الاميركي لدى دمشق، روبرت فورد، بان الدلائل غير متوفرة لاستخدام اسلحة كيميائية في الاشتباكات مطلع الاسبوع الماضي؛ اما وزير الاستخبارات “الاسرئيلية” فقد قارب الجزم باستخدامها. روسيا بدورها اعلنت ان الهجمات تحمل بصمات كيميائية من صنع المتمردين السوريين.

ادخال مكونات كيميائية في المواجهات المسلحة يثير اهتمامات وطرح اسئلة كبيرة، سيما وان اطقما طبية عدة تواجدت في المكان دون اقنعة واقية من الاسلحة الكيميائية اثناء قيامها بواجبها لاسعاف المصابين، والذين لو تعرضوا حقا لمكونات اسلحة كيميائية لما بقوا على قيد الحياة. البعض تكهن بان مكون سام آخر تسبب في مقتل الابرياء. الثابت علميا ان مسرح الاشتباكات التقليدية في حروب اليوم مشبع بالسموم نتيجة المتفجرات المختلفة، والرذاذ المندفع وعناصر كيميائية اخرى تخص الاستخدامات العسكرية. باستطاعة المحارب اطلاق رذاذ لعدد من المواد السامة في الهواء كي يستنشقها المدنيون؛ وان تعرضت حاوية بداخلها مواد كيميائية سامة الى قذيفة متفجرة، سيتأثر كل من في محيطها للغازات المنتشرة، كما شهدنا في الحروب الاميركية المختلفة على يوغسلافيا والعراق.

 المثير انه في زمن وفرة انتشار المعلومات تبقى حالة من عدم التيقن للمصدر والفاعل، مما وفر ذخيرة اعلامية يستغلها الطيف الواسع من الفاعلين، كل لمصلحته. بل يراها البعض انها الرمق الاخير في المخطط الغربي لتوفير ذريعة التدخل بعيدا عن الآليات والاعراف الدولية، سيما وان بعض تلك الاطراف رسم “خطوطا حمراء” للحكومة السورية تجاوزها يستدعي تدخلا عسكريا اميركيا. في حال الادارة الاميركية، من المرجح ان تبقي ادارة الرئيس اوباما على ضبابية الامر، رغم تيقنها لهوية الفاعل الحقيقي، لتفادي بلورة اي رد مفترض.

العلاقات “الاسرائيلية” المصرية كانت حاضرة على جدول الاعمال، وان غيبتها التغطية الاعلامية، للخشية من العدد الكبير للجيش المصري في ظل مناخ سياسي داخلي مضطرب. كما تخشى “اسرائيل” من عدم قدرة قواتها المسلحة مواجهة القوات النظامية المصرية بعد ادخال تعديلات على عقيدتها القتالية بتخفيف الاعتماد على الاسلحة التقليدية، كالمدرعات، والتركيز على استراتيجية غير تقليدية. وعليه، من المرجح ان تلجأ “اسرائيل” لطلب مزيد من المعدات والوسائل القتالية لتعويض النقص في قدراتها.

في مسالة الملف النووي الايراني، اكد اوباما مجددا ان الولايات المتحدة لا تنهج “سياسة احتواء ايران،” وستعمل على منعها التسلح نوويا. وعلت النشوة وجه نتنياهو قائلا “انا على قناعة مطلقة بان الرئيس عازم على منع ايران امتلاك سلاح نووي.”

ما ينتظر اوباما في هذا الشأن هو قدرته على ردع “اسرائيل” من القيام باجراء احادي الجانب ضد ايران، اذ من غير المنتظر ان يلقى آذانا صاغية داخل اوساط حكومة نتنياهو الحالية دون تقديمه مزيد من الخطوات البديلة. لم يعد سرا قلق الولايات المتحدة لقيام “اسرائيل” بشن غارة عسكرية على ايران، او ضيق ذرع “الاسرائيليين” باعتماد المقاطعة الاقتصادية اسلوبا رئيسا. وقد تؤدي هذه المعادلة المختلة الى توصل الطرفين لتعزيز جهودهما المشتركة لشن هجمات الكترونية ضد المنشآت النووية الايرانية، التي اسفرت عن بعض النجاحات في السابق، كما تبلور في فايروس “ستكسنت.” غني عن القول، ان ما تقدم لن يأتي ذكره في اي صيغة بيان مشترك للطرفين او عند نهاية الزيارة.

كما من المرجح ان تفضي الزيارة عن اتفاقية غير معلنة لتعزيز التعاون بين جهاز المخابرات “الموساد” ووكالة المخابرات المركزية، السي آي ايه، كما يستدل من تقرير لصحيفة واشنطن بوست الذي جاء فيه “قامت اجهزة الاستخبارات الاميركية بالتعاون الفعال مع الموساد لانشاء قوة لشن حرب بالوكالة من وراء الاضواء. ونقلا عن تصريحات مؤكدة لمسؤولين اميركيين، جاء في تقرير لشبكة “ان بي سي” للتلفزة بث في شهر شباط 2012 ان الجهاز الاسرائيلي (الموساد) قام بتدريب وتسليح عناصر من مجاهدي خلق سرا .. لاغتيال علماء ايرانيين في علم الذرة بطهران.”

من جانبه، رسم البيت الابيض مستوىً متدنٍ من التوقعات للجولة الرئاسية، واطلق العنان لوسائل الاعلام لتناول اخفاقات التقدم في ملفات المنطقة – مما اثار حفيظة اوباما. وعلى غير عادته، وبخ الرئيس اوباما مراسل سبكة “ام اس ان بي سي” للتلفزة، تشك تود، لفرطه في طرح اسئلته، سيما حول اخفاقات الرئيس في احراز تقدم في المفاوضات السلمية في الشرق الاوسط، ونعته اوباما “بالعنيد.” لا عجب، اذن، لتدني توقعات الخبراء لاحراز خطوات ملموسة عقب انتهاء الجولة الرئاسية.

مع كتابة هذه السطور تكون الطائرة الرئاسية قد حطت على الاراضي الاميركية وانتقل اوباما الى مخدعه في البيت الابيض ولكنه ترك وزير خارجيته ليتابع الملفات الاقليمية وخاصة الخطوة القادمة في مسار تأمين التفاوض الفلسطيني – الاسرائيلي. يستطيع اوباما ان يعلن انجازا لم يتصدر جدول زيارته اعلاميا اصلا وهو استعادة دفء العلاقات بين حليفين رئيسين لواشنطن : تركيا واسرائيل. خطوة تبدو مع تطورات اخرى في المنطقة تؤشر على مسعى واشنطن لسد اي ثغرات في معسكرها الاقليمي لممارسة المزيد من الضغط الميداني في مسرح العمليات الخفية والعلنية من لبنان ،سوريا ، فلسطين، العراق وايران .. والسؤال يبقى عالقا كيف سيرد المعسكر المستهدف لوقف عمليات التطويق والاستنزاف؟؟؟؟

:::::

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي

مدير المركز: د. منذر سليمان

العنوان الالكتروني: thinktankmonitor@gmail.com