عبداللطيف مهنا
لم يقل اوباما ابان زيارته للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة سوى ما سبق وأن قاله. ما ما كان منه أو من سواه ممن سبقه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. كرر تأكيده إياه لذات المسلمات الأميركية الصهيونية. كان جديده فحسب هو تحميله للغة في هذه المرة ما تنوء به كلماتها من ضروب التملق والمداهنة وصروف التودد المفرط… بدايةً، جئتكم ” للتأكد من عدم وجود أي سوء فهم بيننا”، بمعنى لاتلقوا بالاً لما شاع من نفورٍ شخصانيٍ بيني وبين “صديقي بيبي”، وتذكّروا أنني التقيته حتى الآن عشرة مرات فقط! أما الإلتزام بأمن كيانكم فهو بالنسبة لبلادي ينظر إليه “كواجب”، و أمر “غير قابل للتفاوض”، وهو بمنزلة المضمون لأن دولتكم “تحظى بدعم الولايات المتحدة”… نحن “نحمي ظهركم”، و”تحالفنا أبدى… إلى الأبد”. أما السر في كل هذا الذي إلى الأبد فلأنه ” يخدم مصلحة الولايات المتحدة الأميركية”… قبله بأيام كرر نائبه جو بايدن تقريباً ماسبق وقاله شارون، ذلك حين وصف بايدن الكيان الصهيوني بحاملة الطائرات الآقل كلفةً!
أم اوباما حليفاً شكَّل حكومته الأشد تطرفاً قبل يومين من قدومه فحسب. اجتمع مع حكومة “مستوطنين”، ودُعي إلى حضور حفل استقباله الرسمي عتاه زعمائهم. قال ماقاله واقتطفنا منه ما اقتطفناه. أما في توجهه العام لصهاينة الكيان، فخلع عليهم الحق في اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها. تماهى مع نتنياهو فربط بين الهلوكوست والبرنامج النووي الإيراني. في لقاءٍ له مع طلبتهم أفاضت فصاحته بما لم يقله غربي بعد. أطنب في فضائل الصهيونية فزاود على المؤسس هرتسل، الذي قرر الوقوف على قبره حاجاً، ربما مقابل زيارته لكنيسة المهد في بيت لحم. بدا واحد مثل جابوتنسكي إلى جانبه حمائمياً معتدلاً! إذ أنه بعد أن ذكّر بأن العلاقة بين بلاده والكيان الصهوني قد نشأت “بعد احد عشرة دقيقة” من قيامه إثر نكبة فلسطين، زعم إن “حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية “…الى هنا، وإلى جانب ما سبق، يعد الإعلان عن تمويل “القبة الحديدية”، أو تفقُّد واحدة من بطرياتها في مطار اللد، وإعلان الإزماع على مطالبة الكونغرس إعتماد تمويلات إضافية منشودة، مجرد تفاصيل هامشية صغيرة، أو من باب تحصيل الحاصل… فماذا كان منه في رام الله؟!
رام الله المتلهفة للقائه، التي انتظرت قدومه الميمون متعللةً بلعل وعسى أن لديه بعض ماقد يقيل عثرات العودة المنشودة الى طاولة المفاوضات، بادرت فاشتكت له غائلة التهويد أو “الإستيطان”، فلم تسمع منه ما يواسي همومها التفاوضية، غير ما اعتادت سماعه من نتنياهو، أي غير دعوتها إلى “إستئناف المفاوضات من دون شروطٍ مسبقةٍ”، وأن “على الفلسطينيين الإعتراف بإسرائيل دولة يهودية”، أي عليهم أن يشرِّعوا بأنفسهم مخططات ترانسفيرهم… واستمعت اليه، دون ان تنبس ببنت كلمةٍ، يهاجم شريك مصالحتها المؤجلة، وحيث لم يجد سببا للحصار الإبادي المديد على غزة والمعاناة المفروضة على أهلها في ظلة إلا مادعاه “العنف”، أي ممارستها حقها في المقاومة… أما للعرب فما كان لهم من اوباما سوى تذكيرهم بأنه قد “حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل”… ماتقدم قد يكون كافياً لطرح سؤالٍ قد يلح على من لايتفق تماماً مع من سبق فوصف زيارة اوباما هذه بالسياحية، بمعنى خلوها من المبادرات والمساعي التسووية. هذا السؤال يقول، إذن، مالذي جاء من أجله، وماذا في جعبته؟!
إن ما يحرِّك اوباما ويشغله في ولايته الثانية كأساس هو الهم الأميركي الداخلي فحسب، ذاك المتمثل في تداعيات التراجع الأميركي الكوني، أو أعراض الإنحدار الإمبراطوري، ومظاهرتآكل السطوة والمقدرة المنبىء ببدء الأفول، وأولاها وأخطرها الأزمة الإقتصادية المستحكمة المتفاقمة، وحاجته في الكونغرس لمغازلة ومراضاة صهاينة الولايات المتحدة يهوداً وغير يهودٍ. وفي الشق الفلسطيني، لابأس من مجرد تحريكٍ يخدم سياسة إدارة صراعٍ لا حله، ولايخلو من تحوطاً يهدف لمنع إنتفاضةٍ شعبيةٍ تلوح بوارقها. لاضير من كلام يلقى لمنتظريه حول حل الدولتين يدع متسعاً من بعده لجولات للوزير كيري يصرفها في تخديرالوهمين التسوويين فلسطينيين وعرباً.
وسورياً، وهو الموضوع الثاني إلى جانب الإيراني الذي أعلن عن أنه قد بحثه مع نتنياهو، هو التشاور مع حليفه الأبدي، وبما لايخرج عن مواصلة الكلام مع الروس حول وجوب الحل السلمي للأزمة، ومواصلة انتهاج ذات السياسة التي تعتمد القيادة من الخلف، بمعنى إدارة محاولات تدمير سورية الوطن والدولة والدور، وكل ماعنته تاريخياً في موازين الصراع في المنطقة، عبر وكلاء محليين وإقليميين وناتويين، تماماً كما كان الحال في ليبيا ومن بعدها مالي… الرد الإيراني جاء اوباما قبل أن يرتد اليه طرفه، أي عدوان علينا سوف يعني مساواة حيفا وتل أبيب بالأرض… متى يفهم العرب أن أعدائهم لايفهمون غير مثل هذه اللغة!!!