منذر صالح- النرويج
تتوالى بوتيرة عالية وهستيرية الاشارات والرسائل من أدوات الحلف( الصهيوأمريكي-البدوي التركي) في
الاستعداد لجولة أكثر ضرواة ووحشية في سوريا عما الفناه من جولات سابقة انتهت كلها الى الخيبة، وتبددت وهما أمام الصمود الاعجازي للوطن والدولة الوطنية السورية بقيادتها وشعبها وجيشها العظيم.
لم تسفر كل الموجات البربرية السابقة من التدمير العبثي لمقدرات الدولة والقتل الممنهج لابناءها والتي استثمرت ووظفت فيها امهر العقول الاستخبارية : ميدانيا في الرصد والمتابعة والامداد اللوجستي والمعلوماتي وتنفيذ العمليات، واعلاميا في ادارة ماكينة اعلامية ضخمة تغطي اربعة ارجاء الكوكب لتحطيم ارادة المواجهة وزعزعة اليقين بالانتصار لدى المواطن السوري البسيط، ناهيك عن توظيف الالاف من شيوخ الوطئ والنكاح في غزو العقل الجمعي للامة، واعطاء المعركة بعدا طائفيا وتسويقه وتسعيره والنفخ فيه، اقول لم يسفر كل ذلك عما كان مرجوا من لي ذراع القيادة الوطنية في سوريا ودفعها للتنازل قيد انملة عن خياراتها السياسية والوطنية وتموضعها الاستراتيجي في قلب محور المقاومة، ولم تبدي هذه القيادة اي اشارة بالوهن والتردد في التصدي لاضخم حشد في التاريخ يصطف لاسقاط دولة، وعلى الرغم من الخسارات الثقيلة والموجعة للشهداء والقادة أظهر الجيش العربي السوري تماسكا وانضباطا ومناقبية أخلاقية ووطنية فذة أدهشت حتى اعداءه، واستطاع ان يحرم موجات الجراد البشري من مرتزقة الناتو واسرائيل وكل النفايات البشرية القادمة من بلاد الملح والرمل من التموضع الامن في اي بقعة من بقاع الوطن الام، وتحمل في هذه المواجهة المفتوحة ما لا يحتمل، ابتداءا من محاولات نزع شرعيته الوطنية ونعته بشكل مقصود ومتعمد بتوصيفات طائفية من مثيل الجيش النصيري والاسدي، وليس انتهاء بالمحاولات المسعورة للتشهير بعناصره وضباطه وضباط صفه اخلاقيا ووطنيا وتحميله وزر الدم الذي يسفح على ايدي عصابات القتلة وماكينات الذبح البشرية المبرمجة في تل أبيب..
هذه المعادلات الميدانية التي رسمها جيش سوريا وشعبها بالدم خلقت واقعا يستعصي معه فرض اي شروط لتسوية من قبل اطراف العدوان على الوطن والدولة السورية تمنحهم ولو شعورا زائفا بالنصر يتاح لهم تسويقه ويؤمن لهم انسحابا يحفظ ماء الوجه، وهذا ما أكده السيد رئيس الجمهورية بشار الاسد في اخر تصريحاته لزواره بعبارة حاسمة قاطعة واضحة الدلالة ( نحن نتفاوض بشروطنا).
كان هذا في الواقع ما دفع أطراف العدوان باتجاه خيارين لا ثالث لهما : اما القبول بالتفاوض مع الدولة السورية وقيادتها وتحت سقف شروطها، أو محاولة اخيرة شرسة وضارية لتغيير معادلات القوة على الارض وفي الميدان، ان القبول بالخيار الاول كان سيعني اقرارا بهزيمة ستطال تداعياتها الاستراتيجية تغيير خرائط المنطقة والعالم، واختفاء اسر وسلالات حاكمة تعرف جيدا انها ستحاسب حسابا عسيرا على تغولها في دم السوريين وخيانة قضايا الامة، فلا مناص اذا من الخيار الثاني، والمقامرة هذه المرة بكل ما على الطاولة، لكن لا بد من الاعداد المحكم والتخطيط المدروس بعناية فاللعب ها هنا أصبح على حافة الهاوية والنهايات مفتوحة على كل الاحتمالات …
من هنا وبالعودة الى مقدمة حديثنا توالت الرسائل بدءا من اطلاق الصاروخ بالحشوة الكيميائية على حلب، وانتهاء باغتيال رجل دين بوزن البوطي، وكل ذلك على وقع زيارة اوباما الذي كان يعيد ربط سلسلة أدوات العدوان، وتمتين صيغ التعاون الاستخباري والامني بين أطرافه وتوزيع الادوار والمهام :
لاسرائيل والاردن مهمة الخاصرة الجنوبية للوطن السوري مرورا بدرعا وسهل حوران وانتهاء بالجولان، فهما الاقرب على دمشق. ولتركيا ولبنان استغلال هذا الاشغال الاسرائيلي الاردني للجبهة الجنوبية والاستمرار في ضخ الموجات البشرية من المرتزقة وأسلحتهم في حلب وحمص وعزل هاتين المدينتين عن الوطن الام، ومن الواضح ان هناك محاولات تهديد العراق وابتزازه من خلال تسعير حراك طائفي شعبوي لارباكه في السياسة، والتفجيرات لارباكه في الامن ان تجرأ ومنح سورية رئة للتنفس من الشرق …
ان تصريح نتنياهو في معرض رده على منتقديه على تقديم اعتذاره لاردغان يستحق التأمل والتوقف مليا على مقاصده فلربما يساعد قليلا في توضيح ما نحاول قوله هنا عندما قال( أن ما دفعه الى ذلك كان الوضع في سوريا ).
اذا كان الامر كذلك، واذا كان السيد الامريكي قد حسم أمره وأطلق صافرة البدء لضواريه وضباعه بهذه الهجمة التي نعتقد أنها ستكون أكثر تعقيدا ودموية مما سبقها من الهجمات، وسيتم اسنادها بكل يلزم من وسائل الدعم الاستخباري والتقني والمعلوماتي علنا وعلى رؤوس الاشهاد كما صرح أصحاب القرار في الادارة الامريكية أنفسهم، وسيتم في ظننا تجاوز كل الخطوط الحمر والضوابط السابقة التي أرستها توافقات وتوازنات ومعادلات دولية على درجة عالية من التداخل والتعقيد.. اذا كان الامر كذلك فيما يتعلق بخيارات الخصم واستعداداته فما هي خيارات المحور الاخر؟؟ وما هي استعداداته للدفاع عن سوريا ؟؟؟ هذا السؤال لم يعد يحتمل التاجيل اليوم، وهو برسم حزب الله وايران وروسيا والصين. لقد كانت المعادلة التي تحكم نظرية المواجهة الميدانية حتى الان في العقل الامني السوري تقوم على استيعاب موجات المرتزقة المتدفقين من الحدود ومحاولة سحقها وتحطيمها، ففي شل الادوات وكسر عظمها، كسر وتحطيم لمشروع الخصم، ومنعه من تحقيق أهدافه، ولكن هل تصمد هذه النظرية امام اصرار الخصم على رفع منسوب المواجهة الى حده الاقصى؟؟؟ وربما اعادة تكرار استخدام السلاح الكيميائي في دمشق هذه المرة وبتقنيات اعداد وتوجيه وتجهيز اسرائيلية، وحماية ادوات التنفيذ العملانية عن طريق خداع الرأي العام المخدوع أصلا باغراقه في التكهن بمن هو الطرف المبادر في هذا الامر، بعد الترويج والدعاية المعتادة طبعا أن النظام هو البادئ، وباقي المسلسل معروف حيث تتولى الجزيرة والعربية مهمة التضليل وتشتيت الحقيقة …
ان هذه المعطيات تفرض على محور المقاومة اعادة النظر في الضوابط التي كانت تحكم الاستراتيجية السابقة في ادارة المعركة، وتغيير قواعد الاشتباك بما يجعل الاعداء يعيدون التفكير مليا في حساباتهم. لا مكان الان للتردد، ولا معنى لان يبقى حزب الله وايران اسرى لهاجس اتهامهم بمذهبة الصراع، فالمعركة هي مع صهاينة الامة في الداخل ومع مشغليهم في تل أبيب، ولن تستقيم الامور وتبرد الرؤوس الحامية الا اذا صارت تل أبيب في مرمى النار.
واذا كانت أجوبة الردع على هذه الحلقة من سلسلة حلقات العدوان هي برسم حزب الله وايران، فان واجب الدفاع عن سورية الوطن واخر معاقل الكرامة في هذه الامة، هو برسم كل المؤمنين بأن في هذا دفاعا عن خندقنا الاخير وخط نارنا الاول..هو دفاع عن مستقبلنا ومستقبل أبناءنا وأحفادنا… هو حماية لبقايا الانسان الذي ما زال فينا، والذي تعمل بقايا هذه الوحوش الوهابية المخصبة في حواضن المحافظين الجدد على انتزاعه منا..هو انحياز للامة بثقافتها المتسامحة واسلامها الشامي التنويري في مقابل الاسلام الوهابي التلمودي..هو انحياز في النهاية الى قضية الامة وبوصلتها الحقيقية فلسطين.