العميد د. امين محمد حطيط
عندما سألني صديق عن موقفي من مؤتمر “جامعة النعاج العربية” الملتئمة في قطر، و عما اذا كنت بصدد كتابة شيئ في الموضوع، كان جوابي ان من ظلم النفس ان يصرف المرء فكرا او جهدا في غير محله خاصة و ان العرب منذ ان وقعت جامعة دولهم في قيضة “مجلس حراس المصالح الغربية ” و اقامت مساكنة علنية بينها و بين السفارة الاسرائيلية في القاهرة، افتقدت اي اهمية استراتيجية لها و لم يبق مبررا الاهتمام بها او بما يصدر عنها، الا في ان لحظات الافاقة التي كانت تحصل بين الحين و الاخر في مسار هذه الجامعة لكن عربان النفط كانوا يسارعون دائما الى خنق تلك الافاقات و تغييب اثارها حتى يكون الشلل و التهميش و التنازل للاجنبي و التبعية له هو الاساس في سلوك هذه المنطمة الاقليمية المترهلة العاجزة.
أ. و رغم ذلك و لاني رأيت لدى البعض اهتماما و اسئلة تبحث عن اجلبة حول اهمية قرار “قمة النعاج العربية” بتسليح المعارضة السورية وترك التنفيذ لرغبة كل من اعضائها و في حدود ما يريد وما يقدر و حتى لا يقع حسنو النية بالخديعة و الخبث المتمثل بمواقف “مجلس العربي لحرسة المصالح الاميركية والصهيونية”، و يكون الطبيبون من حسني النية فريسة للحرب النفسية التي شنت و تصاعدت و وتيرتها بزيارة اوباما الاخيرة، فاننا نرى من الواجب القاء الضوء على هذا الموقف الشنيع كما يلي :
1) قبل اي بحث ينبغي اولاً ان نؤكد على ان موقف “قمة النعاج القطرية” يعتبر خرقا فاضحا لقواعد القانون الدولي العام، و لميثاق الجامعة بذاته، و تدخل عدواني سافر في شؤون دولة عربية مستقلة، ذات حكومة شرعية قائمة و معترف بها و هي عضو فاعل في منطمة الامم المتحدة. و الغريب بالشأن انه في الوقت الذي تتراجع فيه نظرية التدتخل الدولي الانساني التي اعتمدتها اميركا لتبرير حروبها العدوانية في العقود الاخيرة، و امنتعت الامم المتحدة عن الترويج لهذه النظرية، لتعود و تتقدم نظرية السيادة الوطنية و تستعيد موقعها في النظام الدولي و العلاقات الدولية، في هذا الوقت نجد حفنة من الدول الفاقدة للوزن و لاعتبار الاستراتيجي تتخذ من المواقف ما يذكر بهذه النظرية البالية.
2) واما في القرار ذاته فاننا نلاحظ بان مجموعة الدول العميلة للسياسة الاميركية سارعت منذ البدء الى نتفيذ ما كلفت به في سياق العدوان على سورية، و وضعت كل امكاناتها في سبيل ذلك شاملا عمليات التسليح والتجهيز والخدمات الاعلامية حيث شنت و لا زالت حربا نفسية واسعة منذ الايام الاولى لبدء لعدوان. وقد انخرطت تلك الدول و بالتحديد قطر و السعودية بتجهيز ما اسمي معارضة سورية و ارسلت اليها السلاح الذي اشترته باموال النفط العربي، و تم نقله عبر تركيا و لبنان و الاردن، و بشكل دائم و مستمر منذ الاسابيع الاولى لبدء العدوان. و في تقدير ورد في بعض التقارير الغربية مؤخرا ذكر ان قيمة الاسلحة والتجهيزات العسكرية و وسائل الاتصال و الخدمات اللوجستية التي ادخلت الى سورية و وضعت بتصرف الارهابيين و القتلة لامست ال 12 مليار دولار (لا يشمل الرقم الرواتب و مبالغ شراء الذمم التي تدفع للعملاء و الخونة ). و بالتالي و مع هذه الحقيقة لا يكون القرار المتخذ في “جامعة قطر للنعاج العربية” لا يكون قد اتى بجديد، كما انه لم يخلق واقعا لم يكن قائما في الميدان، و لن يغير في مسار الاحداث من الناحية العسكرية، فتسليح الجماعات الارهابية كان قائما قبل القرار و يستمر بعده من قبل الجهات ذاتها التي انتظمت اصلا في العدوان على سورية وفقا للخطة الصهيو – اميركية. و من جهة اخرى ينبغي ان نشير بان القرار ترك الحرية للاعضاء كل حسب رغبته و امكاناته بان ينخرط في عملية التسليح للقتلة هؤلاء، وهنا يطرح السؤال هل ان المتبرع من هؤلاء كان بحاجة اصلا لقرار ؟
3) ومع انتفاء الاثر الميداني عسكريا لقرار” النعاج العربية ” نعود الى الغاية التي رمت اليها قطر من حمل النعاج الاخرين على مثل هذا الموقف، فنجد ان اميركا ارادت مثل هذا القرار الممهور بخاتم ظاهره عربي، ارادته معطوفا على اغتصاب مقعد الدولة السورية في الجامعة التي كانت عربية، من اجل ان تختلق مشروعية ما لتلك الفئة المرتزقة المسماة ائتلاف وطني، و تجيز لها لاحقا – بعد تأكيد شرعيتها العربية – ان تستعين بالحلف الاطلسي من اجل التدخل العسكري في سورية و اذا حصل مثل هذا التدخل فانه بظنهم لن يكون عداونا على دولة مستقلة بل يكون نجدة ومساعدة تقدم لدولة من اجل ” استعادة امن و استقرار مفقود فيها ” في سياق عملية خداع وتزوير غير مسبوقة في العلاقات الدولية.
4) وتبقى غاية اخرى يقدمه مؤتمر قطر عبر ذاك القرار، حيث ان دعاته شاؤوا ان ينقلب تسليحهم للقتلة من ذهنية التهريب و ارتكاب المحظور غير المشروع الى المعنى المعاكس اي من عمل مرذول مرفوض، الى ذهنية المساعدة و النجدة و مد يد العون ” للشعب السوري ” وهو عمل يستدعي الشكر والامتنان ويكون للقائم به ان يفاخر بما يفعل لا ان يستحي بما ارتكب. و في ذلك تشجيع – كما يطنون – لمن لم يبادر حتى الان و يمد القتلة بالمساعدة و السلاح و ان يلحق الركب من غير حذر ولا لاملامة.
ب. اما في الاستنتاج و التقييم العام، فاننا و بعد حصر المسألة بعناواين ثلاثة : التأثير على ميزان القوى في الميدان، و التأثير على السعي للتدخل الاجنبي، و التأثير على حشد دول جديدة في العدوان على سورية فاننا و بدراسة متأنية نستطيع ان نقول :
1) لن يكون هناك اي اثر او مفعول ميداني لقرار تسليح القتلة، فما تم من تسليح حتى الان يعتبر الذروة التي لن يليها ما هو اكثر خاصة مع تبدل غير معلن في طبيعة و تركيب القوى العاملة في الميدان السوري لجهة دخول الجماعات المعتدية في مرحلة التشتت و التناحر و التشردم ما جعلها تسلك خطا انحداريا هابطا لا يبقى معه اثر فعلي ذو قيمة استراتيجية حقيقية لاي انجاز قد تحققه في الميدان، لان ذلك يكون عرضة للزوال السريع ان تحقق.
2) لن يكون هناك اي تدخل عسكري اجنبي تحت علم اي دولة من دول العدوان او تحت علم الحلف الاطلسي او الامم المتحدة، فالانقسام العامودي الذي بات عليه العالم اليوم سيحول دون اي تدخل من هذا القبيل، فقط اذا ارادت الولايات المتحدة الاميركية – و حدها فقط – اذا ارادت الدخول في حرب شاملة في منطقة الشرق الاوسط في الحد الادنى، عندها يكون ممكنا الحديث عن تدخل، و بما اننا نستبعد كليا مثل هذا الاحتمال و نرى ان اميركا ستبقى في وضع القيادة الخلفية و من وراء الستار و تمتنع عن الدخول المباشر في اي حرب جديدة او فتح جبهات جديدة، فاننا على ثقة بان اي تدخل اجنبي لن يحصل بما في ذلك الاطلسي او التركي.
3) اما في انخراط دول عربية او اسلامية في العدوان و تسليح القتلة، قاننا نرى بان واقع اليوم وصل الى رسم الخط الفاصل بين المعسكرين معسكر العدوان و معسكر الدفاع، و اذا كان المعسكر الثاني لم يلق بعد بكل اوراقه و امكاناته في المعركة حتى الان الدولة السورية لا زالت في موقع المسيطر على الحالة العامة، (نميز في السيطرة بين السيطرة الجزئية على مكان ما و السيطرة العامة الكلية على مجمل الوضع ) فاننا نسجل بان المعسكر الاخر وصل الى سقف الممكن المسموح به، والقى بكل ما لديه، و لن يغير قرار فاجر و غير مشروع من قبيل الاعلان عن تسليح القتلة،لن يغير شيئا في هذا الواقع.
ج. ونختم قائلين بان كل ما اراده النعاج في قطر من امعان في العدوان على سورية، و ما اتخذوه من قرارات لن يغير واقع الحال، و ستستمر المواجهة التي يحقق فيها الجيش العربي السوري انجازات مؤثرة على مسار الاحداث، لكن نسأل هل سيكون لتهريب قرار يتعلق بفلسطين غاب عنه حق العودة و اقر بتعديل الحدود كما تريد اسرائيل، هل سيكون له التأثير الفعلي على تسريع تصفية القضية الفلسطنية وفقا لما تريد الصهيونية العالمية ؟
:::::
جريدة البناء 2832013