تناقضات السياسات الغربية تجاه سوريا:

محاولة فهم

د. سلمان محمد سلمان

أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية – قلقيلية – فلسطين المحتلة

منذ بداية شهر آذار تعرض الموقف السوري الميداني لنكسات تمثلت بسقوط الرقة وانحسار في درعا وتدخل وعربدة إسرائيلية واغتيال الشهيد البوطي الذي مثل ضربة حقيقة لتوجه الحوار والاعتدال. ورغم أن ذلك لا يعكس انهيارا في الميدان حيث صاحبته إنجازات هامة للجيش العربي السوري في محيط دمشق وحمص وحلب إلا أن الانطباع العام أن التحرك الميداني لم يحقق تقدما كافيا. ويتعرض الموقف الشعبي لهجمة معنوية باستحالة الأوضاع. فالاعتدال غير ممكن متصاحبا مع استحالة الحسم العسكري أو الحل السياسي الدولي بحيث أصبح الحديث عن تحول في الموقف الغربي يمثل مسكنا لإضعاف الإحساس بضرورة الحسم أكثر منه توجها حقيقيا نحو حل جيد.

وما يزيد الإحساس بالخذلان رهان روسيا الكبير على التحول الغربي من خلال الاحتفاء بتصريح كيري اليتيم الذي تلقفه الكثيرون من جانب الحلف الشرقي بفرح كبير وكأن عجلة الحوار ستبدأ غدا رغم أن هذا الموقف لم يدعم من أي جهة بالغرب بل نفت ناطقة الخارجية نولاند القصد. وكرر أوباما وكيري بعد ذلك معزوفة سقوط النظام بل تمردت بريطانيا وفرنسا بشكل فجائي. وتبع ذلك دعوة عربية لحكومة سوريا المؤقتة التي لم تتشكل بعد باحتلال المقعد السوري بالجامعة العربية.

هل تعكس التناقضات توزيع أدوار أم اختلافات حقيقية في المواقف. هل تعيين كيري وهيجل يعكس خداعا لروسيا لإجهاظ توجه الحسم في سوريا أم أن هناك موقفا جديدا يحاول التعبير عن نفسه بأميركا. الحقيقة أن هناك موقف جديد لكنه لن يسود بسبب هيمنة الموقف الآخر في الغرب. ومن أجل تحقيق التحول لا بد من تغير درامي في ميدان سوريا. في التالي نلخص مجموعة الموقف الغربية والشرقية. سنرى أن المسألة أكثر تعقيدا مما يتبادر للذهن ابتداءا. لكن النتيجة باردة ولاسعة: لن يتحول الغرب إيجابا إلا بحسم حقيقي وقاصم في الميدان.

أولا: موقف الحلف الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا إسرائيل قطر والسعودية وتركيا والإخوان لمسلون)

 

1– الثوابت

استراتيجيا هناك إجماع غربي على إسقاط النظام السوري بأولوية قصوى. ويفضل الغرب سقوط النظام بعد استهلاك الدولة السورية وتدميرها قدر الإمكان ومن ثم إقامة كيان آو عدد من الكيانات الضعيفة والموالية للغرب وللسياسة الإسرائيلية أساسا. وينسجم الهدف مع مشروع الربيع لعربي لإكمال إسقاط الأنظمة غير الموالية للغرب في المنطقة وتمكين الإخوان من الحكم لتجنيد الحملة التالية للقضاء على حزب الله ومن ثم إيران يحركها صراع سني شيعي رئيس. أما ما بعد إيران فيقع ضمن التكهنات.  لمزيد من التحليل انظر الرابط

 http://www.grenc.com/a/smsalman/show_Myarticle.cfm?id=24694

 

2- المتغيرات

هناك تفاوت في وجهات النظر بين مختلف مكونات الموقف الغربي من عدد من المواقف والاستنتاجات لتحقيق الأهداف أعلاه. وهناك كتلتان في الحلف الغربي يمكن أن يمثلا ملخص التفاوت في المواقف

1.    الأول: معظم أوروبا وألمانيا أساسا والعسكر الأميركي وإدارة أوباما شريطة توفر ظروف مواتية. أهم ثقل لهذا الموقف وزن ألمانيا الاقتصادي والجيش الأميركي العسكري وإدارة أوباما السياسي.

2.    الثاني: بريطانيا وفرنسا واللوبي الصهيوني بالإضافة إلى تركيا والسعودية وقطر والإخوان المسلمين في مصر وتونس. وأهم وزن لهذا التيار نفوذه الكبير في الداخل الأميركي ووزن بريطانيا وفرنسا الذاتي السياسي والعسكري وقاعدة الإخوان في الجمهور العربي والإسلامي وتوفر الدعم المالي دون حدود من قبل قطر والسعودية.

ويتلخص التفاوت بين الموقفين بالتالي

 

2-1 الموقف من المسلحين (أو الإرهابيين حسب رأي جزء هام من الغرب)

الأول: يرى ضرورة القضاء على المسلحين غير المنضوين ضمن تركيبة المعارضة التابعة للغرب.

الثاني: يرى عدم حتمية أو ضرورة القضاء على المسلحين بل يفضل الإبقاء عليهم لتفجير الموقف في الخطوة اللاحقة لتصفية حزب الله وإيران.

 

2-2 الموقف من حل سياسي تفاوضي

الأول: يميل لقبول حل تفاوضي للوضع بسوريا مع الروس والحصول على أكبر تنازل ممكن من خلال الضغط لتنحي الرئيس الأسد وإمكانية حل على الطريقة اليمنية.

الثاني:  يميل أكثر لإسقاط النظام كاملا لصعوبة تحقيق الثابت الغربي دون تصفية النظام.

تتحرك الإدارة الأميركية ضمن هذين الموقفين فنراها صباحا مع الموقف الأول وفي والمساء مع الموقف الثاني. وسوف يستمر تذبذب الإدارة طالما لم يحسم الميدان بشكل واضح. ليس هناك فرص لتسوية معقولة ومقبولة من الحلف الشرقي دون تغيير رئيس في ميزان القوى على الأرض.  ومن الخطأ الاعتقاد بواقعية الحل دون تحقق الحسم.

ثانيا: موقف الحلف الشرقي ( سوريا وروسيا وبريكس وإيران وحزب الله)

ويتكون من 3 مواقف متكاملة ومختلفة:

الأول: سوريا وله وزن رئيس لأنه يحكم الميدان والقوة الضاربة.

الثاني: روسيا وبريكس ويتميز بتوفير الغطاء السياسي والعسكري الذي يحيد التدخل الغربي المباشر.

الثالث: إيران وحزب الله والعراق تقريبا ويشمل الدعم اللوجستي والمالي والسياسي وربما العسكري.

 

1- الثوابت

تتفق المواقف الثلاثة على منع إسقاط النظام السوري بقرار دولي ويعتبر ذلك مضرا جوهريا بوزن بريكس ومستقبلها ويؤدي لدمار إيران وحزب الله وانهيار منظومة معادلة الغرب.

 

2- المتغيرات

 

2-1 الاستثمار بالحسم العسكري الميداني وتصفية المسلحين:

الأول: لا شك أن سوريا ترغب بتصفية الثورة والمسلحين جملة وبأسرع وقت. لكن قيود الدعم الخارجي من الحلفاء تضعف قدرتها على شن هجوم صاعق. وهي تخاف من استهلاك قواتها وتشتتها في المواقع المختلفة بما يمكن أن يفتح ثغرات خطيرة في مواقع قاتلة. وبسبب ذلك فهي ترد وتناوش فقط ولا تقوم بهجمات ساحقة كبيرة الحجم على مواقع تمركز المعارضة أو إغلاق الحدود السورية اللبنانية والتركية والأردنية. وبذلك فالموقف فالسوري يعكس اعتقادا سائدا بصعوبة الحسم العسكري بسبب عدم توفر القوة الصاعقة رغم الرغبة بذلك.

 لكن المشاغلة طويلة الأمد تكلف النظام أكثر من المعارضة وربما ينجم عن طول الفترة استنزاف الطاقة المعنوية للجيش أو الشعب بما يضعف شدة القبضة الأمنية. والحقيقة أن الأمور وصلت لدرجة تتطلب الحسم بطاقة صاعقة إذا أراد النظام البقاء. واستمرار الوضع الراهن يستنزف القوة والزمن لا يعمل لصالح النظام. ولو أغلقت الحدود مثلا فربما يمكن عند ذلك الرهان على الزمن حتى تتلاشي قوة المعارضة.

الثاني: روسيا بوتين تتبنى ضرورة نجاح النظام مهما تطلب الأمر من دعم عسكري ومالي. لكنها لا تفكر جديا بإمكانية التدخل المباشر لأسباب لوجستية ولضمان منع التدخل الغربي المباشر ومحدوية الاقتصاد الروسي مقارنة بالحلف الغربي حيث لا يتوفر حليف مستعد للدفع مقارنة بالدفع الخليجي. لا تبادر روسيا بمواقف هجومية وتكتفي بمنع التغيير بأي غطاء دولي وتميل لحل سياسي بالتفاهم مع إدارة أوباما التي ترغب ذلك لكنها لا تمتلك أسباب قوة كافية للبدء كما ذكرنا أعلاه.

الثالث: رغم اقتناع إيران وحزب الله التام أن الهجوم عليهم لن يتأخر إذا سقطت سوريا إلا أن هناك ترددا كبيرا في إظهار الدعم العسكري أو المالي. وتراهن هذه القوى على صمود النظام السوري داخليا. وأهم أسباب التردد نعومة الموقف الروسي نسبيا والخوف من الوقوع بخطأ تكتيكي يسرع إسقاط النظام بدلا من صموده.  وبذلك تكتفي بتوفير أكبر قدر من الدعم العسكري السري والتصريحات السياسية وتحاول أحيانا إنكار وتجاهل حتمية المعركة عليهم بعد سوريا مباشرة كما ورد بتصريح لنائب رئيس حزب الله. وهذا خطأ كبير تقع به إيران وحزب الله إن اعتقدوا ذلك.

 

2-2 الموقف من حل سياسي

خطأ قاتل يمكن أن تقع فيه سوريا وحلفاؤها الشرقيين وهو الرهان على تحول حقيقي في الموقف الأميركي بالتسوية الموعودة مع روسيا. فهذا لن يحصل ذاتيا وإن حصل فبعد تغير الميزان لتصفيات كبرى في الميدان أو القدرة على إغلاق الحدود مع تركيا على الأقل. عند ذلك يمكن للموقف الغربي الأول اكتساب نقاط على حساب لموقف الغربي الثاني. أما الرهان على حل سياسي ضمن موازين القوى الحالية فغير ممكن لأن الموقف الثاني الغربي هو السائد لأسباب كثيرة.

ثالثا: الدروس والعبر

 

1- الحلف الشرقي: متطلبات تحول إجبارية

 

1.    تغيير جوهري في تكتيك الدعم الروسي متصاحبا مع التزام أكبر من الإيرانيين وحزب الله وليس هناك مبرر للتستر فالطرف الآخر يعلنها مدوية دون تردد.

2.    تبني استراتيجية الهجوم لتصفية مراكز المعارضة الرئيسة مثل حلب والرقة ودرعا وأدلب والحدود التركية وهذا يتطلب تحريك قوة ضاربة كبيرة لا تقل عن 100 ألف عسكري وما لا يقل عن %50 من السلاح المتوفر. وبهجمة من هذا النوع تحاصر تلك المواقع سينعكس ذلك رئيسيا على الموقف الميداني وعلى معنويات الشعب. وإذا كان هناك خوف من انشقاقات في الجيش المتحرك فهذه مشكلة حقيقة.

3.    توفير غطاء مالي لا يقل عن الغطاء الغربي والعربي. فالغرب ومن خلل حلفائه العرب يصرف معدل مليار دولار شهريا بينما لا تصرف الحكومة السورية أكثر من ربما عشرات الملايين.

 

2- الحلف الغربي: خيارات محتملة

 

1.    الرهان على استنزاف سوريا غير مكلف بل مربح فعلا لأن قطر والسعودية تدفع التكاليف. لذلك لا مانع من استمرار الحالة القائمة ولا داعي لتصعيد أكبر.

2.    وإذا بادر السوريون بالهجوم الكبير فربما يتطلب الأمر تجنيد طاقات مقابله بتسليح المعارضة نوعيا.  لكن ذلك لا يمثل نقلة نوعية إذا قررت سوريا سرعة الحسم ولن يبادر الغرب إلى إعلان حرب ولن تبادر إسرائيل أيضا لأن ذلك يعني مواجهة كاملة مع إيران ولبنان وسوريا مجتمعين وما يحمل ذلك من خطر على إسرائيل ربما يقلب كل الموازين.

رابعا: نتيجة إجمالية

يبدو أن تبني استراتيجية الهجوم باستخدام القوة الصاعقة مع الاستعداد لتحمل التكاليف ماديا وسياسيا وعسكريا من قبل حلفاء سوريا يمثل الحل الوحيد العملي لبقاء النظام وحسم المعركة وفتح المجال لحل سياسي معقول تقبل به الأطراف ضمن القانون الدولي وحقوق السيادة.

هل تبادر روسيا بشد عضلاتها قليلا وهل تنبذ إيران أوهام بعض من يؤمنون بحتمية سقوط سوريا كعلامة لعودة المهدي وهل تحسم القيادة السورية أمرها بطريق واحد دون النظر للوراء. سؤال برسم الجميع.