“البريكس” وتأبين الهيمنة الغربية

عبداللطيف مهنا

من قمتها الأولى في يكترينابرغ الروسية العام 2009 وحتى الخامسة الأخيرة في ديربن الجنوب أفريقية الأسبوع المنصرم، حققت مجموعة الدول الأسرع نمواً في العالم، أوالمعروفة بدول “البريكس”، مساراً إقتصادياً وسياسياً متصاعداً، لم تحد منه أوتعيقه جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي لايستهان بها. هذه المجموعة من الدول، التي يرمز اليها مسمى هو مختصرللحروف اللاتينية المكوِّنة لأسمائها، أي روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إجتازت بتصميم ودأب جملةً من الموانع الموضوعية التي من بينها، أنها تنتمي جغرافياً لأربع قاراتٍ متنائيةٍ ومختلفةٍ في تنوعاتها وامتداداتها، وتفرِّقها ضروب من الإختلافات الثقافية والسياسية ومستويات التطور والفروق الشاسعة في سلالم إهتماماتها وأولوياتها، لكنما بينها مشترك مصيري طاغٍ على ماعداه مما لايجمعها يدفعها إلى المزيد من تعضيد تلاقيها كضروره ستراتيجية وتوثيق تعاونها كخيار مستوجب، ألا وهو مواجهه غوائل الهيمنة الإقتصادية وبالتالي السياسية الغربية والتخلُّص من سطوتها، بل والتسريع في بادي إحتضارها.

قبل سنواتٍ توقَّعت مجموعة غولدمان سايكس البنكية الغربية تفوُّق إقتصاديات هذه المجموعة، وفي مدة أقصاها منتصف قرننا هذا، على إقتصاديات الغرب مجتمعاً، وجائت لاحقاً إحصائيات نموها لتعززماتوقعته هذه المؤسسة، التي سبقت فدقت ناقوس الخطر مبكراً محذرةً غربها ومؤشرةً له على تنافسٍ قادمٍ صعبٍ مآله ينذر بمضمون التفوُّق المتوقع لهذه المجموعه متسارعة النمو على مجمل إقتصاديات هذا الغرب الشائخ المتخبط في أزماته الإقتصادية المنذرة بإفول حقبةٍ طالت من نهبه لمقدرات العالم أوتحكُّمه بها وبالتالي بمصائر بشره… دول “البريكس” تشكِّل جغرافياً وحدها ربع مساحة العالم، ولها من ساكنيه 40% من عديد بشره، والصين وحدها غدت من الآن تمتلك ثاني إقتصاديات العالم وتسير قدماً لتصدرها، وروسيا تتسارع خطوات تعافيها وعودة ثقلها الغابر على كافة الصعد والعسكرية في المقدمة منها، والهند تحقق بهدوءٍ ورويةٍ خطوات نموٍ واثقةٍ، ولعلها تعد الأسرع من بين زميلاتها، وكذا الأمر بالنسبة للبرازيل، ويمكن سحب هذا على جنوب افريقية أيضاً.

إنه الحال الذي من شأنه أن أدى تلقائياً إلى أمرين : أولهما هو أن إي تقدم إقتصادي شبيه لابد من موازاته موضوعياً بما يرعاه من دورٍسياسيٍ كونيٍ وبالتالي مايوازيهما بالضرورة من قدرات دفاعية تعضدهما وتؤمنهما. لذا ليس من المستغرب ما نشهده من تصاعدٍ في منسوب مايرصد للجانب العسكري في متوالية ما يعتمد من الموازنات الصينية المتعاقبة، ولافيما يعلن ومالايعلن من تطوُّرٍ متعاظمٍ للترسانة العسكرية الروسية والإتساع في انتشار أساطيلها في بحار ومحيطات المعمورة، ولا في تصاعد فاتورة مشتريات الأسلحة الهندية أوتنوَّع وتعقُّد مقتنياتها، أوما يستجد من مشاريع الإنتاج التسليحي الهندي المشترك مع الروس تحديداً. وثانيهما، أن الغرب لايكتم ذعره من تنامي قدرات هؤلاء الصاعدين الإقتصادية المنافسة واحتمالات تفوُّقها القادمة أولاً، وتحسُّبه لمايستتبع ذلك من تنامي النفوذ والقوة وبالتالي الدور في رسم صورة عالمنا القادم ثانيا.

لقد كان من شأن محصلة قمة ديربن هذه، وتحديداً ما طرحته من توجهاتٍ لاحقةٍ، ما سوف يعني المزيد من ذعر وتحسُّب هذا الغرب المتراجع المتوجس، لاسيما مابدا من توجُّهٍ للتخلص من التبعية الكونية الراهنة للبنك الدولي واحتياطي صندوق النقد، والدفع باتجاه إنشاء مصرفٍ إنمائيٍ كمنعطفٍ للخلاص من السيطرة الإقتصادية الغربية، أُقترح أن يرصد له مبلغ خمسين مليار دولار، إلى جانب ما طرح من مشروعٍ مستقبلي ٍمزمعٍ لإنشاء مجلس أعمال ينسِّق التعاون الإقتصادي لدول المجموعة. هذا على الصعيد الإقتصادي، فماذا عن الجانب السياسي؟

لقد كان التقارب بادياً لدى شركاء البريكس مع مواقف الشريك الروسي فيما يتعلق بمسألتين راهنتين  هما، الأزمة السورية، والملف النووي الإيراني، إذ إجمع المؤتمرون على أن لا لعسكرة الأزمة السورية، وشددوا على التمسك باتفاق جنيف  لحلها، وأكدوا على وجوب التمسُّك بمبدأ رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول، ونبذ سياسات التورُّط في النزاعات الأهلية، وضرورة الإلتزام بالقوانين والأعراف الدولية المنظمة لعلائق الدول ببعضها البعض. وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، أكدت القمة على أن لابديل للحل الدبلوماسي للمسألة، وعلى حق إيران الطبيعي في برنامج نووي سلمي لطالما أكَّدت على أنها لاتطمح لسواه.

… دول مجموعة “البريكس” في قمتها الأخيرة في ديربن خطت خطوة جديدة واعدة في متوقع تسريعٍ مزمعٍ لإفول الهيمنة الغربية الإقتصادية والحد من تسلُّطها على لقمة العالم، وبالتالي سائر أوجه وأشكال هذه الهيمنة المترتبة عليها الأخرى، وتعجُّل تأبين آحادية القطبية برأسها الأميركي وأذيالها الغربية التي تعيش بدايات تراجعها، بل حقبة تسارع وقائع تآكلها.