حتى نهشت دمشق!
عادل سمارة
من المفيد لكل ذي عقل وانتماء أن يستمع وبهدوء وتركيز لوزير خارجية قطر وكذلك للصحفي أحمد منصور (في اليوتيوب المرفق أدناه)، وبالطبع أن ينتبه المرء إلى كون الحديث في قناة الجزيرة.
الحديث يثير العديد من الأسئلة حول السائل والمجيب. ولكن السؤال الإفتتاحي والمفتاحي معاً: لماذا تحدث حمد بن جاسم ليرد على التساؤلات التي أثيرت حينها حول قاعدة العيديد؟ فهو زير خارجية كيان لا رأي عام فيه ولا مواطنة. ودون تفسير ما سأقوله (عنصريا)، فالمواطنة لا تتعلق بالبوادي لأنها راحلة مترحلة متنقلة بطبيعتها. طبعا هذا لا يعني أن عرب قطر في هذا الحال lمن الترحال الآن، ولكن الانتقال السريع من حياة البداوة في الصحارى إلى مخزون من الريع النفطي هائل من جهة ومرتبط بتدوير راس المال على صعيد معولم من جهة ثانية، يلعب دورا إضافيا، ولكن حديثا في تمييع المواطنة. فلا حياة البداوة ولا الانشباك في ومع راس المال المعولم الذي وطنه رقم الحساب ومقداره في المصارف المعولمة، لا هذا ولا ذاك يكرس مبدأ المواطنة بمضمونها الحقوقي والاستشاري والبرلماني والحزبي والثقافي…الخ. بل يكرس ثقافة تجعل مسألة المواطمة زائدة عن الحاجة عند حاكم يتحكم بالريع ويطعم الرعية، وتجعل المطالبة بالمواطنة مثابة كفر ونكران جميل لدى الرعية.
ولكن، يبدو ان حمد بن جاسم تحدث تحت هدف:
الهدف: هو التمهيد لتطبيع وتطويع الشارع العربي لغزو العراق. أي لم يتحدث قط لأنه يريد أن يشرح للقطريين أمراً أو مسألة متعلقة ببلدهم، لسبب واضح وهو أن كل ما قاله في المقابلة هو تبرير لدور قطر في تدمير العراق قبل حدوثه، اي ان قطر كانت على صلة ومعرفة ولها دور في تدمير العراق، وهي المقدمة لتدمير ليبيا وسوريا ومصر. وفي حديث لكريمة الرئيس المُغتال صدام حسين أكدت رغد بأن استشهاد أخويها واعتقال طه يسين رمضان ووزير الدفاع العراقي حصلت جميعها في أعقاب اتصالات ومقابلات مع مراسلي قناة الجزيرة.
وللمفارقة، فإن تغطية الجزيرة للعدوان على العراق كانت لعبة ماهرة لا شك حيث ارتبط بها الشارع العربي دون أن يعلم بأنه يُحقن بسموم التطبيع والتواطؤ والمساومة والقعود في النهاية بكاء ونواحاً أمام الشاشات. فالمطلوب كما تبين المقابلة، المطلوب من كل عربي أن يقبل بقدر الإله الجديد : الولايات المتحدة. وهذا الهدف في حقيقة الأمرنجح وتمت عملية خصي وتدجين الجماهير العربية وأحزابها وحتى قوى كثيرة من المقاومة بحيث انها لم تكتشف طبيعة النظام القطري ومحطة الجزيرة.
حين نتذكر انعقاد “اتفاق الدوحة في قطر وقبله اتفاق الطائف بين اللبنانيين!!!. نتسائل: أيُعقل أن تكون هذه العواصم مكاناً لترتيب أمور لبنان!!! لماذا لا نقول هزلت! وبدورهم واصل المثقفون العرب ومنهم فلسطينيين السباق على اللمعان على شاشاتها والتمعن في عيون حورياتها، وهناك تكون دائماً الإسقاطات الفرويدية.!
استمعوا للمقابلة لتفهموا الدور التهبيطي الذي قام به هذا الرجل. والحقيقة لو كان هناك راي عام في قطر والأقطار العربية، ولو كانت هناك مجرد أنوية لقوى ثورية لكانت هذه المقابلة وحدها كافية للزحف على قطر وعلى كل موقع اقتصادي او ثقافي أو سياسي للولايات المتحدة والغرب والصهيونية لتفكيك مفاصلها. ومرة أخرى نسجل لهذا الرجل قدرته على ترويج الإحباط دون أن يرف له جفن. هل هو بذكائه ام بذكاء مخابرات الصهيونية والغرب ومثقفين عربا تواطئوا اما هو فليس سوى شخص رقيع لا يندى له جبين. لاحظوا مسألة صغيرة، حينما كانت السعودية تعرض مفاتنها إغراء للولايات المتحدة للإتيان بالعراق أي في السنوات الأولى للعقد الحالي، زار بندر بن سلطان جورج بوش وقال له سوف أُطلق لحيتي ولن احلقها حتى تدمروا العراق. لاحظوا أن حمد ايضا حينها كما هو في اليوتيوب قد أطلق لحيته، وهو اليوم بلا!!! ترى، ماذا سيكلفنا حلق اللحى التي تعانق الخصور!!!
ونسجل كذلك لأحمد منصور دوره في تسويق هذا التهبيط باسم الإسلام. ولو أردتم فهْمَ ذلك، إرجعوا لمقابلات أحمد منصور مع الشرفاء لترونه مستاسداً وخاصة ضد عبد الناصر والقومية العربية عموما، هذا وكأن الإسلام هو الترويج الناعم والخبيث للسياسات والمشاريع والاحتلال الغربي للوطن العربي. هي ثقافة تحويل المجتمع إلى بيادق لا أكثر. في حوار العمر مع المرحوم حسين الشافعي نائب الرئيس عبد الناصر كان أحمد منصور في غاية الهجومية دون علم مما اضطر الشافعي ليقول له: ما دمت متعرفش إذن تسكت! كم واحد من أبطال مقابلات الجزيرة تجرأ ليقول ل فيصل القاسم هكذا!!
اين كان وعي هذه الناس وحسها العروبي؟ الذين لم يقاطعوا الجزيرة حتى قاطعتهم/ن، ألم يسمعوا من الشرفاء أنها قناة تطبيعية؟ هل كان يجب البقاء في طابرو انتظار لحظة اللمعان على الجزيرة حتى جرى تدمير ليبيا ومن ثم سوريا! من الذي اغتصب وعي الآخر؟؟؟
الاختراق بالوعظ الزائف:
قال المتنبي في عصره:
يرى الجبناء أن العجز عقلٌ…وتلك خديعة الطبع اللئيمِ
كان جلوب باشا (يسمونه في الأردن أبو حنيك) كان قائدا للجيش الأردني قبل أن يُطرد على يد الحكومة الوطنية عام 1956 بزعامة سليمان النابلسي. (بالمناسبة كل أنظمة الخليج محكومة ومقودة بامثالة دون أن يظهروا على السطح فالغرب الاستعماري يستفيد من التجارب). المهم ان هذا زار خلال سيطرته على الأردن قرية صفَّا غربي رام الله، وكان جيش العدو يطلق النار على القرى الحدودية، فوقف مع مخاتير القرى وقال:” اليهود أقوياء، يا اولادي، نحن لا نقدر عليهم، الله يقدر عليهم”. إذا كان قائد الجيش يعظ بالاستسلام، فكيف ستكون معنويات الجيش. ومع ذلك فقد خرق الجنود والضباط في الجيش الأردني مرات عدة مواعظه الخطرة واشتبكوا ببسالة.
من يستمع لليو تيوب أدناه، ومن يقرأ ما يلي يستنتج بلا مواربة أننا نتحدث عن مدرسة وثقافة تشتغل بشكل ممنهج حرب نفسية تهلك الأعصاب دون اشتباك أو قتال أو حتى اعتراض كلامي، بغض النظر إن كانت شخوصها عربا أم من جنسيات بريطانية أو فرنسية أو أمريكية…الخ. هنا نفهم أهمية المعنى بسلبيته وإيجابيته.
فقد صرح نفس حمد بن جاسم في نفس فترة المقابلة المدرجة في حديث لقناة الجزيرة حين سُئل عن الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين فقال: إن ما على الفلسطينيين إلا ان يصبروا” وبخصوص العدوان الذي كانت تجهز له الولايات المتحدة ضد العراق اي عام 2002، قال: ” إن قطر دولة صغيرة، لا تستطيع ان تفعل شيئا بشأن العراق، كما ان العرب لا يستطيعون ان يفعلوا شيئا امام هذه القوة الأميركية” (انظر كتاب عادل سمارة: مثقفون في خدمة الآخر…بيان أل 55 نموذجاً، رام الله 3003 ص ص 35-36). تلاحظون في اليوتيوب أدناه نفس التفسير و “النصيحة” بان لا قِبَلَ لأحد برفض ما تفرضه امريكا!!!
ولكن في المقابلة أدناه يبين أن العيديد تحت السيطرة الأميركية وأنها بُنيت سلفا لخدمة الجيش الأميركي لكنه يغلف الأمر بأنها بُنيت كبيرة بالخطأ لذا كان لا بد من تشغيلها فأُعطيت لأمريكا.
ولأن قلة ضئيلة حاولت كشف وفضح دور قطر حتى كشفت هي عن دورها الخياني بامتياز عام 2011 في ليبيا ومن ثم في سوريا، فإن حمد نفسه ولكي يبرر الدور الخياني الذي لقحت به قطر الجامعة العربية، بل كشفت عن أن هذه الجامعة، هي مؤسسة عدوة للأمة، فقد وقف نفس وزير خارجية قطر ليقول لجميع الحكام العرب:”نحن نعاج”!!! أليس هذا لتبرير العدوان على سوريا. فهو يقصد بوضوح انهم يقومون بالعدوان على سوريا في دور أداة للصهيونية والإمبريالية، ولكن كي يخصي الشارع العربي، أعلن حقيقة التنعيج في محاولة استباقية كي لا يتحرك الشارع. أي قبل لنفسه كل هذا السقوط كي يخدم مشروع تدمير آخر قطر عربي يمكن أن يهدد المشروع الصهيوني والإمبريالي. ألا يبين هذا ما معنى صهيوني عربي؟ هذا السؤال برسم إجابة كل من ينتظم أو يدعم قوى الدين الإسلامي السياسي. نتحدى عقولكم وكرامتكم أن تنطقوا. ثم هل يُعقل ان د. عزمي بشارة لا يفهم هذا؟ دعك من عزمي، ألا يفهم حزب التجمع الوطني الديمقراطي في المحتل 1948 هذه؟ فلماذا لا يفصلون عزمي باحتفال شرف!!!!!! ألا يفهم هذا حمدين صباحي الذي يعارك قوى الدين الإسلامي السياسي في مصر وشاركهم العدوان على سوريا، ويزعم أنه ناصري!!!!والأهم من كل هؤلاء: لماذا يصمت الشارع العربي كأن الطير على رؤوس الجميع؟
هنا نصل إلى قمة الماساة: لو كان هذا الرجل يُقيم اي اعتبار للشارع القطري لما تجرأ على كل هذا الكذب الذي يهين السامع كما يُهين المتحدث نفسه بنفسه.
والمفارقة بل الكارثة ابعد. فرغم كل هذا الدور الواضح لقطر واصل الكثير من المثقفين العرب بتنوعاتهم القومية واليسارية واللبرالية وبالطبع الإسلامية / واصلو التهافت على اللمعان على قناة الجزيرة وصرف العنتريات هناك مما كان يصب في ولصالح الجزيرة وقطر وفي النهاية الولايات المتحدة والكيان.
تُرى، هل يفسر هذا الدور الاستماتي من قطر والسعودية والإمارات وكل الخليج وغير الخليج من الحكام العرب والمثقفين/ات العرب والأحزاب وقوى الدين الإسلامي السياسي، كل هذه الاستماتة العلنية تحت راية تركيا وهذه تحت راية الكيان الصهيوني الإشكنازي وهذا تحت راية البيت الأبيض، الاستماتة لتدمير سوريا؟
من لم يفهم بعد أن أنظمة الخليج جبهة واحدة ضد الأمة العربية، تقتل اقطارا باكملها وتدفع “ديَّتهاا” رشوة لقطر آخر. من بوسعه ولماذا، أن يصمت على كل هذا ضد الأمة العربية والقومية العربية، بل ضد كل من هم شركائنا في هذا الوطن. وبالطبع باستثناء الصهاينة (أؤكد الاستشناء هنا كي لا يلتقط السهو أحد المرضى فينهش).
من كانت له حجة غير هذه، ضد هذه، فليقلها للناس!!
نادر جداً حمد بن جاسم القطري يشرح دور قاعدة العديد الامريكية في قطر كيف تتحضر لغزو العراق