العميد د. امين محمد حطيط
رغم كل ما كان يقال عن انخراط حركة حماس في عسكرة الازمة السورية و اشتراكها في القتال الى جانب المسلحين بعد تدريبهم و تنظيمهم، كان الكثيرون من محبي المقاومة ومؤيديها يرفضون التصديق و يرمون من يطلق “الاشاعات ” بالافتراء والكذب لتشويه حركة المقاومة الاسلامية الفلسطنية، التي فتحت دمشق قلبها لها واسكنتها في تلافيفه، و رفضت كل اغراء وتصدت لكل ترهيب رمى للضغط عليها لاخراجها و التوقف عن منح قيادتها الملاذ الامن والحضن الدافيء.
و رغم المواقف السياسية التي كان يطلقها ضد سورية هذا المسؤول او ذاك من الفئة القيادية في حماس وصولا الى رئيس المكتب السياسي فيها، الذي رفع علم الانتداب السوري في غزة ولوح به تكريسا للانتماء العلني للمعارضة السورية، فقد حاول البعض ايضا من الحريصين على المقاومة – باعتبارها الطريق الوحيد لتحرير فلسطين و اعادة اهلها اليها – حاول هذا البعض ايجاد المبررات بالقول انه عمل في مصلحة المقاومة بعد ان اصطف النظام الرسمي العربي في جبهة تقودها اميركا ضد سورية، و ان ليس من صلحة حماس ان تعادي ” الكثرة الرسمية العربية ” و تكرر خطأ منظمة التحرير يوم لم تقف مع الكويت حين غزاها صدام حسين، طبعا مع فارق جذري بطبيعة المواقف و مآلها و مع ذلك كان للتبرير من يصدقه او يأخذ به بدافع الحرص على المقاومة.
اما اليوم فقد صدم كل من عمل لايجاد التبرير لحركة حماس في موقفها ضد سورية، صدم بعد ان كشفت الصحافة الغربية و بشكل يستند الى القرائن و الدلائل القطعية التي يعرف المختصون صوابيتها، حيث كشف دور حركة حماس في سورية بتدريب المسلحين مشاركتها لهم في اعمال قتل السوريين و حفر الانفاق و استعمال كل الخبرات التي وصلت اليها من داعميها في محور المقاومة و الممانعة، صدمة لم تترك لاحد مجالا لايجاد تبرير لهذا السلوك، خاصة مع مقارنة الامر مع الفتوى التي اصدرها في تشرين الثاني الماضي وزير الاوقاف في حكومة حماس في غزة، بعد مواجهات العام 2012 مع اسرائيل و بعد التوصل الى تفاهم- اتفاق حول التهدئة، فتوى تنص على “ان اطلاق الصواريخ على اسرائيل من غزة يعتبر فسادا في الارض ” طبعا يدرك المطلع على الفقه الاسلامي دلالات الفتوى و معنى الفساد و نتائجه من خلال الاية “من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ” و النتجة تكون ان جزاء المفسد هو القتل العاجل في الدنيا و النار الاجلة في الاخرة، اذن يقتل من يرمي اسرائيل بصاروخ، في حين يجري احتضان المسلحين في سورية و يتم تدريبهم و تنظيمهم و هم يقومون باطلاق قذائف الهاون على الامنين العزل في المدن السورية و تحديدا على الاحياء الدمشقية التي كانت تحيط بالمكان الامن الذي قدمته الحكومة السورية لقيادة حركة حماس بعد ان ضاقت عليها الارض بما رحبت و رفض استقبالها احد في العالم خشية الغضب الاميركي الاسرائيلي.
و هنا يسأل المعني المتابع كيف لحركة المقاومة الاسلامية الفلسطنية ان تتنكر للحلقة الوسطى من محور المقاومة و الممانعة الذي حدد لعمله هدفا استراتيجيا اساسيا هو تحرير فلسطين، وهو المحور الذي يكاد اعضاؤه ينفردون بمقولة “اسرائيل شر مطلق و غدة سرطانية واجبة الاقتلاع و كيان غير مشروع يحرم التعامل معه ” كيف لها تتنكر لمن يقول بذلك و تلجأ متحالفة متعانقة مع من يفتح عواصمه لاسرائيل و يقيم التحالفات معها و يفتح لها السفارت حيث يرفرف العلم الاسرائيلي بحراسة القوات المسلحة العربية و الاسلامية لتلك لدول؟
و في الاجابة عن السؤال لا يرى الباحث في الامر تفسيرا الا من خلال امرين متلازمين : الاول عائد الى موقع حركة حماس في انتمائها العضوي و البنوي لحركة “الاخوان المسلمين “، و الثاني الصفقة التي عقدتها الحركة الام مع النظام الغربي – الصهيوني بالقيادة الاميركية و المتضمنة تمكينها من الوصول الى السلطة في دول تشكل هلالاً يحيط باسرائيل من جوانبها كلها من مصر في الجنوب و الغرب، الى سوريا و لبنان في الشمال مرورا بالاردن في الشرق ( و لنتذكر ما قاله احد العاملين بالاوامر الاميركية في لبنان : “فليحكم الاخوان ” ) يكون هذا مقابل تأمين الامن لاسرائيل و منع تشكل اي خطر وجودي عليها. صفقة اختصرت يومها بالقول ” السلطة لكم ( للاخوان ) و الامن و السلطان لنا (اي لاسرائيل و للجبهة الغربية الصهيونية بالقيادة الاميركية )، صفقة تولت تنفيذها ميدانيا تركيا و تمويلها بشكل اساسي مباشر قطر.
وهنا و في معرض البحث نواجه اشكالية اخرى تتمثل بالسؤال : هل سيقيض لهذا المشروع – الصفقة ان تنجح ؟ وهل بمقدور الاخوان المسلمين امتلاك السلطة او السيطرة في مصر و الاردن وسورية ولبنان؟
في عودة للواقع المتشكل بعد نيف و ثلاثين شهرا من انطلاق الشرارة الاولى للحريق العربي نكاد نقول، لا بل قد نجزم و من غير تردد بان المشروع فشل و على اكثر من صعيد خاصة واننا نرى:
1) في مصر انهيار حكم الاخوان المسلمين باسرع ما كان يمكن ان يتصوره احد، و قد باتت مصر في واقع يقودها الى اتجاه من ثلاثة و كلها لا تستقيم مع مقولة “استمرار حكم الاخوان” : الاول انحلال الدولة المركزية و تحولها الى دولة فاشلة لا تستطيع ان ترسي امنها و بالتالي لن تستطيع ان تؤمن لاسرائيل اي امن تريده و هذا ما سيحول سيناء بشكل تدريجي الى مكان تحشد المقاومين الحقيقين ( و منهم مؤكدا المقاتلون من حماس ذاتها ) بعيدا عن يد الاخوان وسلطتهم، اما الثاني فانه يتمثل في تشكل الكتل الشعبية المتناحرة على اسس دينية او فكرية او فقهية ما سيؤدي ايضا الى شلل حكم الاخوان، و الاتجاه الثالث و هو ما كنا لفتنا اليه قبل ستة اشهر و هو الاتجاه العسكري المتمثل باحتمال قيام مبادرة ضباط وطنيين من الجيش بعملية انقاذية تقصي الاخوان عن السلطة بشكل اكيد.
2) في الاردن، وبعد ان وقف على خطر الاخوان على عرشه، تمكن الملك من القيام بمناورات محسوبة بدقة في الداخل و باتجاه الخارج جعلته يقترب من دائرة الطمأنينة على السلطة الملكية القائمة بعيدا عن سيطرة الاخوان و كان في تنسيقه البعيد عن الانظار مع اكثر من جهة عربية او اسلامية تخشى من حكم الاخوان اثر بالغ في رسم حدود منطقة الامان تلك، ثم ثبت امانه باستصدار التعهدات الاروبية من صناع عرشه ( الانكليز) و متعهدي حمايته الحاضرة ( اميركا ) و لذلك نرى حركة الملك السياسية تجاه سورية رمادية ملتبسة لا يمكن ان تصل الى حد الانخراط الكلي في الحرب عليها كما يريد الاخوان، و لا تصل الى الحد النقيض اي دعم سورية حتى لا يستفز الاخرين من اعدائها فيكيدون له بشكل يؤلمه. و المحصلة هنا ان الاخوان لن يكون لهم حكم الاردن و سيبقى حلمهم بعيد المنال.
3) اما في لبنان فان ظروفا موضوعية و ذاتية تجعل احمقا من يصدق بامكانية اقامة حكم الاخوان المسلمين فيه، و لا يغير في الحال ان يكون نجيب الميقاتي اكتفى بالاتصال باردغان قبل استقالته طامعا في ان يعود بحكومة تعمل باوامر اردغانية و هو الامر الذي لم و لن يحصل.
4) و تبقى سورية. حيث انه و خلال السنتين الماضتين شكلت العقبة الكأداء امام حلم الاخوان، و منعت تنفيذ الصفقة – المشروع الغربي، اذ رغم الحرب الكونية التي شنت عليها و الطاقات الخيالية التي استعملت ضدها، و رغم عمليات القتل و التدمير و الخسائر التي لحقت ببنية الدولة، فان سورية صمدت و قادت معركتها الدفاعية بشكل وصلت معه الامور اليوم و لدى كل العقلاء و الموضوعين، وصلت الى القول بان انتصار العدوان عليها بات مستحيلا، و بان اقامة نظام حكم لا يرتضيه السوريون لانفسهم هو اكثر استحالة، و اذا كانت صناديق الاقتراع تعطي مسؤولي الدولة القائمة فيها اغلبية عادية قبل العدوان، فان هذه الاغلبية باتت اليوم اغلبية ساحقة تعدت ال 75 % بشهادة وكالات الاستخبارات الاجنبية التي اجرت استطلاعات على طريقتها قبل ان تغامر في التفاوض الذي كان معدا له ان ينطلق في اذار الماضي و تم تاجيله الى حزيران بتأثير من عدة عوامل منها نتيجة الاستطلاع تلك، و منها طلبات الثنائي الاخواني (تركيا و قطر) بعد ان قدمت تركيا لاميركا كل التنازلات بما في ذلك ما تضمنته العلاقة المهينة مع اسرائيل، و التراجع في الملف الكردي، اما قطر فقد التزمت برفع المبلغ الذي تدفعه لاميركا مقابل اقامة القاعدة العسكرية على اراضيها من مليون و 200 الف دولار الى مليوني ونصف المليون دولا ر سنويا مع التزام بعقود مع الشركات الاميركية تصل الى 8 مليارات دولا ر خلال هذا العام… و لكن رغم التأجيل فان الوقائع الميدانية محاطة بالحركة الدولية من كوريا الى جنوب افريقيا فالبحر الاسود فكازاخستان، كلها تقود الى امر واحد مفاده ان لا تغيير في وجهة نتائج الصراع في سورية، فالعداون فشل و الاخوان لن يصادروا السلطة فيها.
و في المحصلة نجد ان مستلزمات الصفقة المشروع ( بين الغرب و الاخوان ) و الذي حمل حركة حماس لاتخاذ مواقف تتنكر فيها لمن حضنها و دعمها في سورية، هذه المستلزمات لم ولن تتوفر وهلال “حكم الاخوان” الحاضن لاسرائيل بادارة تركية و تمويل قطري، لن يقوم، و ان من يتخلى عن بندقيته لاهثة وراء احلام سياسية لا يمكن ان يحقق شيئا في وجه عدو لا يقيم وزنا لحق او قانون، و لا يحسب حسابا الا للقوة، القوة التي ساهمت سورية في توفيرها سابقاً – سورية التي يقاتلونها اليوم – سورية التي كانت و التي تستمر و ستستمر في احتضان القضية الفلسطنية حتى و لو تنكر لها عرب و مسلمون و فلسطنيون، و لن يكون مع هذا الاصرار “هلال حكم الاخوان و الامن لاسرائيل “.
::::
المصدر جريدة الثورة، دمشق